لوران (كلود جيليه معروف ب) Lorrain (Claude Gellée-) - Lorrain (Claude Gellée-)
لوران (كلود جيلّيه المعروف بـ)
(1600ـ 1682)
كلود جيلّيه المعروف بـ لوران Claude Gellée dit Lorrain، مصور فرنسي، ولد في شامانيي Chamagne وتوفي في روما. ويعد من الفنانين الذين رسموا الطبيعة بإحساس مرهف، إلى جانب التقانة والمهارة العالية في تنفيذها. وتتسم لوحاته بالدقة والتناسق والإحساس المتميز بتحرك الضوء وتبدلاته، وهذه الخصائص تظهر بوضوح في المناظر الطبيعية التي رسمها إبان إقامته المديدة في روما. ومما يثير الدهشة هو ذلك الارتباط الحميم لأشخاصه بالطبيعة، وكأنهم جزء من الأشجار والبحر والغيوم، إضافة إلى الأبنية والآثار الكلاسية الرومانية التي تزيد من متانة لوحاته.
كلود لوران: آيناس في ديلوس" (1672)
وهكذا تحول الفنان القادم من منطقة اللورين Lorraine في فرنسا، ومن الشمال البارد الضبابي إلى مصور متآلف مع الطبيعة اللاتينية الإيطالية، إذ أحب الجنوب والضوء والدفء المتوسطي، وحدث هذا التحول بإرادة الفنان الصلبة وحماستة التي لا تلين.
بدأ حياته في بلدته شامانيي متشرداً وبائساً، وبعد موت والديه عام 1612 ترك البلدة ليلتحق بأخيه جان Jean الذي يعمل في نحت الخشب. وفي عام 1613 سافر إلى روما حيث عمل في ورشة للدانتيل (التخريم)، ثم انتقل إلى مدينة نابولي Naples حيث عمل في مرسم الفنان الألماني ولز Waels. ثم عاد إلى روما ثانية عام 1619 حيث عمل في خدمة مصور المناظر أغوستينو تاسي A.Tassi. كما ارتبط بصداقات مع الفنانين الإيطاليين الكبار، وأعجب خاصة بالفنان بول بريل Paul Brill. وقد مرت أعماله في هذه المرحلة بتجارب ودراسات كثيرة قلد فيها المنظر الطبيعي ذا الأبعاد الهوائية الزرقاء، وأتقن رسم المنظور المعماري، فكانت هذه المرحلة حاسمة للفنان إذ توضحت أفكاره وتحدد أسلوبه الفني. لكن الذكريات دعته في أول الأمر للعودة إلى الوطن، ثم إلى منطقة اللورين حيث كلفه الرسام كلود دِرْويه C.Deruet بمساعدته على تزيين قبة كنيسة كارم في مدينة نانسي Nancy في الأعوام 1625- 1627، وما إن انتهى حتى عاد إلى روما وكان عمره 27 عاماً ولم يغادرها أبداً.
كلود لوران: وداع ديدو في قرطاج" (1676)
وفي ضواحي مدينة روما استمر في رسم المناظر الطبيعية برفقة أصدقائه الفنانين بوسان Poussin وفان لير Van Laer وساندرارت Sandrart. وعرف جمال الرسم المباشر للمناظر الطبيعية وفضلها على الرسم في المرسم، وإن كانت هذه المقولة غير دقيقة، فإن الفنان كان محباً للطبيعة. فكان يتنقل ساعات طويلة في ضواحي روما، لينقل العناصر الأساسية التي تدهشه ويرسمها بالحبر الصيني والألوان المائية، كما كان يرصد تأثيرات ضوء الشمس من الفجر حتى الغروب. وامتدت رسومه وتجاربه التي بلغ عددها في هذه الفترة خمسة وثمانين عملاً (في المتحف البريطاني) حتى عام 1637، وكانت مهمة لأنها بينت اهتماماته، وبنى عليها تفوقه وشهرته.
وبعد أن توصل إلى أسلوبه الخاص المتميز بتوازن عناصر لوحاته وانسجامها مع الجو العام، إضافة إلى الموضوعات والأفكار الأسطورية الأثيرة التي يطرحها؛ تهافت الأمراء ومحبو الفن على اقتناء أعماله؛ فاشترى الكونت بيتين Béthune لوحة منظر «كامبو فاسينو» عام 1637، وطلب البابا أوربان الثامن Urbain VIII عام 1639 أربع لوحات لميناء البحر عند غروب الشمس وعيد الفلاحين، واللوحات موجودة في متحف اللوفر.
وتعد لوحاته المسماة «ميناء البحر» من أهم الموضوعات التي رسمها منذ عام 1641، ويظهر فيها بناء اللوحة متيناً ومدروساً بدقة، ففي المستوى الأول تجري حوادث يومية أو موضوعات أسطورية مثل «إبحار أوليس Ulysse» أو «عطارد» Mercure يرعى أبقار أبولون Apollon (1645). وفي المستوى الثاني يظهر البحر محاطاً بالأبنية الأثرية الشاهقة وصواري السفن، وفي المستوى الثالث وهو الأفق البعيد يتلاشى كل شيء في ضوء الشمس الساطع. أما في المناظر القروية فيتحول المستوى الثاني إلى أشجار باسقة وطرقات ضيقة بما فيها من شاعرية، وتتدرج مستويات الأشجار بفعل تدرجات الضوء، كما كان يضع بعض الألوان الخفيفة على الأمواج وأوراق الأشجار لتضفي على اللوحة توهجاً وتأثيراً شاعرياً.
واستمر لوران يصور موضوعاته الطبيعية الأسطورية التي تذكر بعصر فرجيل Virgile، هذا الجو الذي سبقه إليه الفنان المشهور بوسان، الذي لابد أن لوران تأثر به لكونه صديقه وجاره في السكن. ومع ذلك فلكل منهما لغة فنية مختلفة. وهما الفنانان الفرنسيان اللذان هاجرا من الشمال إلى شمس البحر المتوسط ليستوطنا روما حتى نهاية حياتهما، وليؤسسا مدرسة عظيمة في رسم المناظر الطبيعية.
حسان أبو عياش
لوران (كلود جيلّيه المعروف بـ)
(1600ـ 1682)
كلود جيلّيه المعروف بـ لوران Claude Gellée dit Lorrain، مصور فرنسي، ولد في شامانيي Chamagne وتوفي في روما. ويعد من الفنانين الذين رسموا الطبيعة بإحساس مرهف، إلى جانب التقانة والمهارة العالية في تنفيذها. وتتسم لوحاته بالدقة والتناسق والإحساس المتميز بتحرك الضوء وتبدلاته، وهذه الخصائص تظهر بوضوح في المناظر الطبيعية التي رسمها إبان إقامته المديدة في روما. ومما يثير الدهشة هو ذلك الارتباط الحميم لأشخاصه بالطبيعة، وكأنهم جزء من الأشجار والبحر والغيوم، إضافة إلى الأبنية والآثار الكلاسية الرومانية التي تزيد من متانة لوحاته.
كلود لوران: آيناس في ديلوس" (1672)
وهكذا تحول الفنان القادم من منطقة اللورين Lorraine في فرنسا، ومن الشمال البارد الضبابي إلى مصور متآلف مع الطبيعة اللاتينية الإيطالية، إذ أحب الجنوب والضوء والدفء المتوسطي، وحدث هذا التحول بإرادة الفنان الصلبة وحماستة التي لا تلين.
بدأ حياته في بلدته شامانيي متشرداً وبائساً، وبعد موت والديه عام 1612 ترك البلدة ليلتحق بأخيه جان Jean الذي يعمل في نحت الخشب. وفي عام 1613 سافر إلى روما حيث عمل في ورشة للدانتيل (التخريم)، ثم انتقل إلى مدينة نابولي Naples حيث عمل في مرسم الفنان الألماني ولز Waels. ثم عاد إلى روما ثانية عام 1619 حيث عمل في خدمة مصور المناظر أغوستينو تاسي A.Tassi. كما ارتبط بصداقات مع الفنانين الإيطاليين الكبار، وأعجب خاصة بالفنان بول بريل Paul Brill. وقد مرت أعماله في هذه المرحلة بتجارب ودراسات كثيرة قلد فيها المنظر الطبيعي ذا الأبعاد الهوائية الزرقاء، وأتقن رسم المنظور المعماري، فكانت هذه المرحلة حاسمة للفنان إذ توضحت أفكاره وتحدد أسلوبه الفني. لكن الذكريات دعته في أول الأمر للعودة إلى الوطن، ثم إلى منطقة اللورين حيث كلفه الرسام كلود دِرْويه C.Deruet بمساعدته على تزيين قبة كنيسة كارم في مدينة نانسي Nancy في الأعوام 1625- 1627، وما إن انتهى حتى عاد إلى روما وكان عمره 27 عاماً ولم يغادرها أبداً.
كلود لوران: وداع ديدو في قرطاج" (1676)
وفي ضواحي مدينة روما استمر في رسم المناظر الطبيعية برفقة أصدقائه الفنانين بوسان Poussin وفان لير Van Laer وساندرارت Sandrart. وعرف جمال الرسم المباشر للمناظر الطبيعية وفضلها على الرسم في المرسم، وإن كانت هذه المقولة غير دقيقة، فإن الفنان كان محباً للطبيعة. فكان يتنقل ساعات طويلة في ضواحي روما، لينقل العناصر الأساسية التي تدهشه ويرسمها بالحبر الصيني والألوان المائية، كما كان يرصد تأثيرات ضوء الشمس من الفجر حتى الغروب. وامتدت رسومه وتجاربه التي بلغ عددها في هذه الفترة خمسة وثمانين عملاً (في المتحف البريطاني) حتى عام 1637، وكانت مهمة لأنها بينت اهتماماته، وبنى عليها تفوقه وشهرته.
وبعد أن توصل إلى أسلوبه الخاص المتميز بتوازن عناصر لوحاته وانسجامها مع الجو العام، إضافة إلى الموضوعات والأفكار الأسطورية الأثيرة التي يطرحها؛ تهافت الأمراء ومحبو الفن على اقتناء أعماله؛ فاشترى الكونت بيتين Béthune لوحة منظر «كامبو فاسينو» عام 1637، وطلب البابا أوربان الثامن Urbain VIII عام 1639 أربع لوحات لميناء البحر عند غروب الشمس وعيد الفلاحين، واللوحات موجودة في متحف اللوفر.
وتعد لوحاته المسماة «ميناء البحر» من أهم الموضوعات التي رسمها منذ عام 1641، ويظهر فيها بناء اللوحة متيناً ومدروساً بدقة، ففي المستوى الأول تجري حوادث يومية أو موضوعات أسطورية مثل «إبحار أوليس Ulysse» أو «عطارد» Mercure يرعى أبقار أبولون Apollon (1645). وفي المستوى الثاني يظهر البحر محاطاً بالأبنية الأثرية الشاهقة وصواري السفن، وفي المستوى الثالث وهو الأفق البعيد يتلاشى كل شيء في ضوء الشمس الساطع. أما في المناظر القروية فيتحول المستوى الثاني إلى أشجار باسقة وطرقات ضيقة بما فيها من شاعرية، وتتدرج مستويات الأشجار بفعل تدرجات الضوء، كما كان يضع بعض الألوان الخفيفة على الأمواج وأوراق الأشجار لتضفي على اللوحة توهجاً وتأثيراً شاعرياً.
واستمر لوران يصور موضوعاته الطبيعية الأسطورية التي تذكر بعصر فرجيل Virgile، هذا الجو الذي سبقه إليه الفنان المشهور بوسان، الذي لابد أن لوران تأثر به لكونه صديقه وجاره في السكن. ومع ذلك فلكل منهما لغة فنية مختلفة. وهما الفنانان الفرنسيان اللذان هاجرا من الشمال إلى شمس البحر المتوسط ليستوطنا روما حتى نهاية حياتهما، وليؤسسا مدرسة عظيمة في رسم المناظر الطبيعية.
حسان أبو عياش