العبريون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العبريون

    عبريون

    Hebrew - Hébreu

    العبريـون

    العبريون Hebrews تسمية لقوم يختلف الباحثون في أول ظهور لهم في التاريخ وفي أصولهم الإثنية، وعلاقاتهم بالشعوب التي عاصروها، ولاسيما في الألف الثاني قبل الميلاد، حسب ماتذكرهم نصوص العهد القديم.
    ويميز الباحثون في تسمياتهم لهم تاريخياً فهم «عبريون» أولاً، وبقوا كذلك، ثم صارت تطلق عليهم تسمية «إسرائيليين» نسبة إلى إسرائيل جدهم الذي هو يعقوب بن إسحاق. ثم صارت تطلق عليهم تسمية «موسويين» لاتباعهم ديانة موسى، عندما كانوا في مصر، ومن ثم «يهود»، نسبة إلى سبط «يهوذا» بن يعقوب، ودويلتهم التي أقاموها في وسط فلسطين من بعدُ، مقابل دولة «إسرائيل» التي قامت في شمالي فلسطين، فصارت تسمية العبريين تعني الإسرائيليين عامة أو بني إسرائيل. ونسبة إليهم دعيت لغتهم «العبرية». وتعني لفظة «العبريين» حيثما وردت في الكتابات الإغريقية القديمة «اليهود» هوية قومية مقابل الشعوب والقوميات الأخرى، وفي الإنجيل هم يهود فلسطين الذين يتحدثون اللغة الآرامية. وجاءتهم التسمية «عبريون» لعبورهم نهر الفرات، أو نهر الأردن، اشتقاقاً من المادة اللغوية «عبر»، ويميل بعضهم إلى القول بأنها نسبة إلى جدهم «عابَر» بن شأْلَخ بن أَرْفَخْشَذ بن سام بن نوح، بحسب ماجاء في جدول الأنساب في التوراة (الإصحاح العاشر من سفر التكوين). ويربط عدد من الباحثين بينهم وبين جماعات ورد ذكرها في عدد من النصوص المسمارية والهيروغليفية من الألف الثاني قبل الميلاد، بالعبارة Capiru وقرئت عبيرو، خبيرو. وهم جماعات لا وطن لهم، انسلخوا عن مجتمعاتهم أو طردوا منها، وشكلوا فئات اجتماعية وضيعة وعصابات مسلحة تؤجر نفسها لمن يدفع لها مجتمعة أو فرادى. وقد ذكر هؤلاء الخبيرو كذلك حكام المدن الفلسطينية الموالون لفراعنة مصر، وهم يشتكون من فسادهم وتخريب مدنهم على أيديهم، ولاسيما أيام الفرعون أخناتون[ر] فيما يسمى نصوص العمارنة التي كتبت باللغة الأكدية وبالخط المسماري. ولكن لم يتفق الباحثون على إيجاد علاقة للخبيرو بالعبريين لبعد زمنهم.
    ينقسم تاريخ العبريين إلى قسمين: الأول يشتمل على تاريخهم كما أوردته أسفار العهد القديم، وهو أسطوري وغير موثق به من أي جهة غير كتابهم المقدس، والثاني يبدأ في القرن التاسع قبل الميلاد مع الكتابات الآشورية والآرامية.
    التاريخ التوراتي الأسطوري
    تذكر التوراة[ر] أنهم هاجروا بزعامة تارح والد إبراهيم من أرض شنعار جنوبي العراق، إلى حران في شمالي بلاد الرافدين. ثم عبروا نهر الفرات بقيادة إبراهيم باتجاه فلسطين، وكانت مع إبراهيم زوجته سارة التي أنجبت له فيما بعد إسحاق، كما أنجبت هاجر ـ جاريتها المصرية ـ قبلها ابنه البكر إسماعيل. وتذكر التوراة أن نسل إبراهيم الشرعي هو من إسحاق الذي سيرثه، وأن عهده سيكون معه، ثم مع ابنه يعقوب من بعده. كما تتحدث عن يعقوب الذي اتخذ زوجة له من حران كوالده إسحاق، وصار اسمه إسرائيل، وعن أبنائه الاثني عشر الأسباط «القبائل» الإسرائيليين، وعن رحيلهم إلى مصر بسبب المجاعة التي حلت بأرض كنعان، أي فلسطين، وبقوا في مصر أربعة أجيال قبل رحيلهم عنها بزعامة موسى هرباً من اضطهاد فرعون. ويعاقبهم الله وهم في صحراء سيناء «صحراء التيه» بالتيه أربعين عاماً لعقوقهم، وعصيان تعليمات النبي موسى. ويدخلون فلسطين بعدها من جهة شرقي الأردن، وقد تولى قيادتهم يشوع بن نون؛ الذي ارتكب مذبحة مروعة في مدينتي أريحا وعاي. ثم شرع العبريون «بنو إسرائيل» بعدها بالانتشار في المناطق الداخلية والشمالية، وتوزعوا الأراضي الفلسطينية، بعد أن حققوا انتصارات متفرقة على سكان البلاد الأصليين الكنعانيين الذين كانوا يقيمون في المدن الداخلية، ومنها أورشليم (القدس) وبيت لحم، وحبرون (الخليل)، وشكيم،وحاصور، وبيت شان. فاستولوا على بعضها بالقوة، وتسللوا إلى بعضها الآخر سلمياً.
    ولم يجرؤ العبريون على الاقتراب من الساحل بكامله، ولاسيما حيث غزة وعسقلان وأشدود، إذ كان شعب الفلست (Peleshti في التوراة) قد استقر هناك منذ أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وهم من بقايا شعوب البحر الذين تصدى المصريون لهجومهم، بعد أن دمروا مناطق شرقي ساحل البحر المتوسط ودولة الحثيين، وقد تمكنوا من ارهاب القبائل الإسرائيلية، بل فرض نفوذهم عليها أيضاً، ومن اسمهم اشتق اسم البلاد «فلسطين» الذي صار علماً لها في الفترة الرومانية.
    عصر القضاة
    بعد استقرار القبائل الإسرائيلية في فلسطين (أرض كنعان كما تسميها أسفار العهد القديم)، ومعهم السكان الأصليون من الكنعانيين الذين تعايشوا معهم، لم يتوصل الغزاة إلى نظام للحكم كالذي عرفته الشعوب المتحضرة، بل كان يقوم بهذه المهمة شيوخ القبائل وزعماؤها الذين تسميهم أسفار العهد القديم «القضاة»، إذ كان أولئك قادة سياسيين وحربيين، كما كانوا قضاة شرعيين. ومن أشهرهم «شمشون» الذي ظهر ليخلص بني إسرائيل من اضطهاد الفلست، والقاضية «دبورا» من قبل التي قادت ستة من أسباط بني إسرائيل ضد ملك حاصور الكنعاني.
    عصر الملوك
    تولى الكاهن صموئيل القضاء، ولما شاخ عين شاؤول ملكاً على الإسرائيليين، فكان أول ملوكهم. الذي تصدى للعمونيين الذين توغلوا في أراضي إسرائيل، ثم حارب الفلستيين طوال أيام حكمه، كما حارب شاؤول جيرانه في الشرق والشمال الشرقي حيث كان المؤابيون والعمونيون والأدوميون والآراميون والأموريون، ثم عين صموئيل داود ملكاً على بني إسرائيل، وهو الذي تابع الحرب ضد الفلستيين وانتصر عليهم، وأسس مملكة واسعة، جعل عاصمتها أورشليم التي كانت ماتزال مدينة كنعانية يسكنها اليبوسيون، وقاد حروباً دائمة ضد الآراميين في صوبة ودمشق وحماة. وصادق الملك الفينيقي حيرام الذي أرسل إليه خشب الأرز والنجارين والبنائين. ثم خلفه على العرش ابنه سليمان نحو سنة 969 ق.م، وليس ثمة من بيّنة تاريخية موثقة عن حكم الملكين ولا عن تاريخهما، سوى ما ترويه التوراة. وتصور تلك الروايات التوراتية عصر سليمان بأنه كان العصر الذهبي لبني إسرائيل، فقد وهبه الله الحكمة والموهبة الأدبية لتأليف الأمثال والقصائد، والملكة الإدارية للسيطرة على كل الأراضي الممتدة من النهر إلى تخوم مصر، وإقامة العلاقات التجارية مع فينيقيا وسبأ، حتى إن الممالك الأخرى سعت إلى صداقته، وكان أهم أعماله بناء هيكل الرب في السنة الرابعة لحكمه.
    انقسام المملكة وبداية التاريخ الموثق للعبريين
    انقسمت المملكة بعد موت سليمان إلى مملكتين، وهما: مملكة «يهوذا» في الجنوب، وعاصمتها أورشليم، ومنها اشتق اسم «اليهود»، وأول ملوكها «رحبعام» (نحو عام 931ـ913ق.م). ومملكة «إسرائيل» في الشمال التي كان «يربعام الأول» أول ملوكها، وهو من سبط أفرايم (نحو 931ـ910ق.م). وكانت بين المملكتين عداوة وحروب، واستعان ملك يهوذا «آسا» بملك دمشق الآرامي بن هدد، فسارع هذا إلى مهاجمة مملكة إسرائيل في الشمال، ودخل عدداً من مدنها. ثم وصل إلى حكم إسرائيل الملكُ عمري الذي أسس أسرة حاكمة، وبنى عاصمة جديدة هي السامرة، بقيت حتى سقطت على يد الآشوريين نحو عام 722/721ق.م. ويعد عمري (وأسرته) أول ملوك إسرائيل الذين ورد ذكرهم تاريخياً، ولاسيما في النصوص الآشورية، بينما لم يكن حتى ذلك التاريخ ليهوذا ولعاصمتها أورشليم أي ذكر في الوثائق التاريخية، وبعد سقوط السامرة، صار لها نفوذ سياسي على المناطق القريبة المجاورة، وذلك في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد تقريباً. في حين تحولت مملكة إسرائيل إلى مقاطعة آشورية، وصارت تحمل اسم «مقاطعة السامرة» وبقيت كذلك خلال الحكم الفارسي وفي العصرين الهلنستي والروماني.
    الصراع مع الآراميين والآشوريين والبابليين
    سكن الآراميون[ر] سورية الداخلية وبلاد مابين النهرين، وجاوروا الآشوريين[ر] الذين كانوا يسعون إلى فرض سيادتهم ونفوذهم على الآراميين والعبريين وسكان سورية بكاملهم. وكان للآراميين في دمشق نفوذ واضح على كل من إسرائيل ويهوذا، ولاسيما في النصف الأول من القرن التاسع قبل الميلاد، وفرض ملك دمشق «هدد عدر» على تابعه الاسمي ملك السامرة «أخاب بن عمري» المشاركة في الحلف الآرامي، للتصدي للغزو الآشوري بقيادة شلما نصر الثالث في معركة قرقر جنوبي جسر الشغور على نهر العاصي في العام 853 ق.م، وكان معهم زعيم عربي يدعى جندب. ثم تابع حزائيل الآرامي سياسة سلفه في الضغط على الإسرائيليين، فحاربهم وأوقع فيهم الخسائر، حتى قام أحد قادتهم فقتل «يهورام» آخر ملوك بني عمري، ونصب نفسه ملكاً على إسرائيل باسم «ياهو». وقد أعلن هذا الطاعة للآشوريين ودفع لهم الجزية التي قدمها بنفسه للملك الآشوري شلمانصر الثالث في حملته التي حاول بها كسر شوكة دمشق وملكها الآرامي حزائيل نحو عام 841 ق.م، فلم يفلح في ذلك، وعندما توقف الآشوريون عن مهاجمة دمشق مدة ثلاثين عاماً تفرغ ملكها حزائيل لترتيب أموره وسلطته في مناطق نفوذ دمشق التقليدية، ومنها مملكة إسرائيل. ويذكر سفر الملوك الثاني (10،31ـ36) معاقبة ياهو ثم ابنه من بعده على يد حزائيل، ولضمان ولاء مملكة إسرائيل له، فأسرع ملك يهوذا بالهدايا إلى ملك دمشق لاسترضائه. وكذلك كان الوضع في عهد ابن حزائيل المدعو ابن هدد، بحيث دانت لنفوذ دمشق كل تلك المناطق الجنوبية والفلسطينية، وكانت «إسرائيل» تناور في مواقفها من آشور ودمشق بحسب الأوضاع العسكرية. وقد تحالفت دمشق وإسرائيل ضد يهوذا لإقصاء ملكها آحاز عن الحكم وتنصيب ملك آخر موال لهم، وعند اقتراب الجيش الآشوري بقيادة تغلات بيلاصر الثالث من شمالي سورية تراجعت قوات دمشق الآرامية بسرعة إلى موطنها للتصدي للآشوريين ومناوشتهم، ولكن الآشوريين تابعوا زحفهم إلى فلسطين لمعاقبة «إسرائيل» لوقوفها مع دمشق، وانتزعوا منها أراضيها الشمالية، وعينوا عليها ملكاً يأتمر بأمرهم إلى حين قدوم الملك الآشوري شرّوكين (سرجون) الثاني الذي وصل إلى السامرة، عاصمة دويلة إسرائيل، بعد إخضاع الساحل السوري بكامله، فدمرها. ويذكر في حولياته فتح السامرة و«كل بيت عمري»، فقد كان الآشوريون يسمون إسرائيل «بيت عمري» وإجلاء الآلاف من سكانها، وإسكان الآلاف من الشعوب الأخرى مكانهم. وبذلك اختفت مملكة العبريين الشمالية «إسرائيل» من التاريخ في العام 721ق.م في عهد الملك هوشع، واختفى اسمها، وحل مكانه اسم السامرة، وبقيت كذلك حتى العصر الروماني. أما يهوذا فقد استفادت مما حلّ بجارتها الشمالية، وبدأ نجمها يسطع وتزدهر اقتصادياً، مما حمل ملوكها على التفكير بالاستقلال عن آشور، وكانت مصر تشجعها على ذلك وقد رأت الآشوريين يقتربون من حدودها في سيناء. ولكن الآشوريين سارعوا إلى إخضاع المناطق السورية التي تمردت وحاصروا أورشليم وملكها حزقيا في زمن الملك الآشوري سنحاريب، ثم انسحبوا بعد إجبار اليهود على دفع الجزية مضاعفة لآشور. وتسكت بعد ذلك المصادر الآشورية عن أخبار اليهود، حتى تسقط دولتهم في عام 612ق.م، ويحل الكلدانيون محلهم في السيطرة على سورية بكاملها، ومنها دويلة يهوذا التي مالأت المصريين ضد البابليين الجدد (الكلدانيين) علّها تتمتع باستقلالها، ولكن الملك البابلي (الكلداني) نبوخذ نصر الثاني عاجلها بهجوم في العام 597ق.م، فسقطت أورشليم بيده، وأسر ملكها يهوياكين، وسبى عشرة آلاف من جنوده ومن الصناع المهرة، وأجلس مكانه صدقيا ملكاً في أورشليم. ودعا اليهود هذا الأسر باسم « السبي البابلي الأول». ثم عاد نبوخذ نصر الثاني إلى سورية بعد أن عاود المصريون إثارة سكانها، ولاسيما في فلسطين ضد البابليين[ر]، وانحاز صدقيا نفسه إليهم. فحاصر أورشليم ثمانية عشر شهراً حتى اقتحمها في عام 587ق.م (أو 586) ودمرها، وأحرق الهيكل ونقل خزائنه، ونفى نحو خمسين ألفاً من اليهود، وهو «السبي البابلي الثاني»، ثم أمسك جنوده بصدقيا أثناء هروبه عند أريحا، وقتلوه. وكان اليهود قد انقسموا إلى شيعتين: شيعة تزعمها صدقيا وتكلم باسمها نبيهم حنانيا، فدعا إلى كسر نير بابل والثورة عليها باسم الرب، وشيعة ثانية مضادة تزعمها النبي إرمياء دعت اليهود إلى الاستسلام لملك بابل باسم الرب أيضاً، وبقي الأسرى اليهود في بابل إلى أن سمح لهم الملك الفارسي قورش الثاني (559ـ529ق.م) بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل. وقع اليهود تحت الحكم الفارسي الذي حلّ محل الحكم البابلي (الكلداني) عام 538ق.م، حتى وصول الإسكندر المقدوني عام 332ق.م، وقامت من بعده الدولة السلوقية في سورية، ودولة البطالمة في مصر، وصارت فلسطين موضع تنازع بين الدولتين إلى أن حلّ الرومان محل خلفاء الإسكندر، في فلسطين عام 63ق.م. وتمتع اليهود زمن الحاكمين اليهوديين التابعين لروما هيرودس وأغريبا الأول ببعض المكانة والنفوذ، حتى تمادى اليهود في التمرد على الرومان، فاجتاح ابن امبراطورهم، تيتوس عام 70م أورشليم، وجعل هيكلها خراباً وطعاماً للنيران. وعندما ثار اليهود في أورشليم بزعامة «بركوخبا» (132ـ135م) ضد الحكم الروماني من جديد عاجلهم الامبراطور «هادريان» بهجوم كاسح، فشتت شملهم وقتل الكثير منهم، وباع من وقع في يده أسيراً في أسواق النخاسة في فلسطين نفسها، ولاسيما في غزة، أو ساقه إلى مصر ليباع هناك أيضاً، وحرم عليهم دخول أورشليم وتلاوة التوراة، وصارت فلسطين مقاطعة رومانية حقيقية، وانتهى بذلك تاريخ العبريين ووجودهم في فلسطين.
    الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية
    ارتبطت حياة العبريين الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالديانة الموسوية التي استندت إلى عدد من التعاليم الأساسية ذات الصلة القوية بالوصايا العشر، وفي مقدمتها عبادة «يهوه»، كما يدعى الإله عندهم وتقديسه، وتقديس أيام الأعياد، واحترام الوالدين، وترك القتل، وترك السرقة، وغيرها. وعاش العبريون حياة أقرب إلى البداوة، وإن مال سكان المدن إلى حياة الريف والزراعة، ولكنهم لم يتخلوا جميعاً عن حياة الرعي التي صاحبت الزراعة، وهذا ما حملهم على الحفاظ على العادات القبلية والتعليمات الإلهية. ولم يميز المجتمع العبري بين أفراد طبقة الأحرار، كما كان المجتمع البابلي في قانون حمورابي[ر]، فالجميع سواسية عندما يبلغون سن العشرين. وعرف المجتمع العبري العبيد (من غير الإسرائيليين) الذين عاملهم أيضاً معاملة مختلفة عن معاملة العبيد في بلاد الرافدين، فكان على السيد أن يعتق عبده (أو أمته) إذا وقع للعبد مكروه أو ضرر من سيده، كقلع عين العبد، أو كسر سنه. في حين كان السيد في قانون حمورابي يدفع غرامة بسيطة. وإذا هرب العبد ألجأه الآخرون وحموه، وليس عليهم إعادته للسيد. أما العبيد الإسرائيليون فكانوا عادة أحراراً لم يستطيعوا سداد ديونهم فأجّروا أنفسهم للدائن لفترة محددة لاتتجاوز سبع سنوات. وكان الوالد يستطيع التصرف بأبنائه وبيعهم إن شاء في حالة الضرورة القصوى. وكان ثمة طبقة ثالثة غير الأحرار والعبيد لاتتمتع بحقوق الأحرار وهم الأجانب الذين إما أن يصبحوا موالي إحدى القبائل، أو يبقوا من دون حماية القبائل، ولايحق لهم الزواج من العبريين وإقامة الطقوس الدينية. وكان الأب رب الأسرة الذي يقرر كل شيء يخص أفرادها، وللرجل حق تعدد الزوجات، وعليه دفع مهر الزوجة التي عليها طاعته، وعليه أن لايتزوج من الأقارب، ولا من الأجانب، وعرف المجتمع العبري بعد العودة من السبي البابلي زواج الأجانب الذي حاربه الكهنة بشدة. وكان للزوجة التي لا أولاد لها أن تتزوج من أخ زوجها بعد موته، فيدعى آنئذ أول أولادها باسم الأخ المتوفي. أما الطلاق فكان بيد الرجل وحده، وإذا فض أحدهم بكارة عذراء عليه أن يتزوجها، وتبقى زوجته طوال حياته ولايحق له طلاقها. ويرث الابن البكر ضعف ما يرث الواحد من إخوته، أما ابن الأمة فلايرث، وكذلك الزوجة والبنات، إلاّ إذا لم يكن لها إخوة.
    الحياة الاقتصادية
    كان للزراعة إسهامٌ كبيرٌ في حياة العبريين، وكانت تعتمد على الأمطار خاصة، كما هي حال سورية كلها. وإلى جانب الزراعة كانت تربية المواشي منتشرة بين البدو والفلاحين على حد سواء. وكانت مدنهم صغيرة مبنية من دون تخطيط ـ لاتختلف عما يعرف عن القرى العربية اليوم ـ تحاط بأسوار، وكان يقام أمام البوابة الرئيسية سوق يومي، حيث تعرض فيه البضائع الهيّنة، ومنها الأواني الفخارية وبعض المصنوعات البدائية الضرورية.
    وكانت فلسطين منطقة عبور للبضائع المختلفة المصرية والعربية والرافدية، ولم يكن سكانها ينصرفون إلى التجارة كثيراً، ولكن نشاطهم كان واضحاً في عهد الملك سليمان وحده، كما يتبين من نصوص العهد القديم. وكان التعامل التجاري بدائياً بين الأطراف، ولم يوثق إلاّ في وقت متأخر بوجود الشهود.
    الحياة الدينية
    تكونت أسس العقيدة الدينية عند العبريين عندما كانوا يعيشون حياة البداوة الفعلية، ثم استقرت مع إقامتهم في فلسطين، وتلقى موسى في سيناء الوصايا العشر التي لخصت أفكار الديانة اليهودية، إذ هي ديانة توحيدية تتوجه إلى الإله المدعو «يهوه» إلههم الخاص وهم شعبه المختار الذي يحرم لفظه على اليهود، ومعناه «الذي هو كائن وسيكون»، أي «الله» ويسمى كذلك «إلوهيم»، أي الإله «الرب»، أو باللفظين معاً «يهوه إلوهيم» بمعنى «الرب الإله». وقد ميز اليهود، وهم مواطنو دويلة يهوذا، أنفسهم عن السامريين، وهم مواطنو دويلة إسرائيل وعاصمتها السامرة، ثم أرض السامرة فيما بعد، ولم يعترفوا بهم، كما ميزوا أنفسهم من الشعوب الأخرى.
    لم يصنع اليهود صنماً لإلههم ويعدّون ذلك من المحرمات. وهم ينتظرون الخلاص على يد «المسيح» المنتظر الذي سينقذهم من المآسي التي تعرضوا لها في تاريخهم ويمكّنهم من حكم العالم. وعندما ظهر المسيح عيسى ابن مريم أنكروه، وأسهم الكهنة إسهاماً مهماً في حياة اليهود، فقد احتكر الكهانة «اللاويون»، وتوارثها أبناؤهم من بعدهم. ولم يكن للعبريين في ترحالهم معبد ثابت، حتى استقر بهم المقام في فلسطين، فبادر سليمان إلى بناء الهيكل الذي استقر فيه التابوت الإلهي الذي كان يحتوي على لوحي الوصايا العشر، وبمنزلة عرش الإله الذي يجلس عليه ليبارك شعبه. وتمثل الأعياد العبرية تقاليد بدوية كتضحية الحملان في الربيع، وما زالت هذه التقاليد حية في عيد الفصح، الذي يرتبط بذكرى خروج العبريين من مصر بقيادة موسى، وترتبط بعيد الفصح كذلك عادة تناول الفطير، وهي عادة بدوية في الأصل وذات صلة بالخروج العاجل من مصر. أما عيد «الشبوعوت»، أي الأسابيع التي تقع بعد الفصح بسبعة أيام، أي «عيد العنصرة» فهو «عيد الحصاد»، ويعود إلى الوقت الذي انتقل فيه جماعات منهم إلى الحياة الزراعية، حيث كانوا يقدمون بواكير الفاكهة قرابين لله، ويزينون الهيكل بالخضرة والزهور. وهم يحتفلون بيوم السبت، أي «يوم الراحة» الذي له قدسية خاصة لأن الله استراح فيه بعد عملية خلق الكون، ويحرمون فيه العمل، ويحرمون لحم الحيوان الميت أو الذي قتلته الوحوش والدم بكل أنواعه.
    لم يكن للعبريين إسهام مؤثر في مجرى التاريخ السياسي أو الحضاري القديم، إذ لم يبدأ ذكرهم في التاريخ إلا في القرن التاسع قبل الميلاد عرضاً ـ كما مر ـ من دون أن يكون لهم إنجاز يذكر، غير أن تأثيرهم الديني ظهر واضحاً في المسيحية التي نشأت أصلاً بين ظهرانيهم، وعد النصارى كتاب العهد القديم جزءاً لايتجزأ من «الكتاب المقدس». وقد أفادوا من ذلك فيما بعد، ولاسيما في الأندلس حيث شهدوا عصراً ذهبياً ثانياً، ثم تمكنوا رغم تجمعهم في المجتمعات الأخرى في أحياء خاصة بهم (غيتو Ghetto) وكره الناس إياهم، أن يكون لهم نفوذ اقتصادي تبعه نفوذ سياسي في كل مكان بحكم براعتهم في الأمور المالية وتحكمهم برؤوس الأموال، وإن لم يتحدروا من صلب بني إسرائيل كلهم، فقد اعتنقت شعوب الخزر وغيرهم الديانة اليهودية، فلم يعد يهود العالم «عبريين» خُلَّصاً، ولا من بني إسرائيل كما يزعمون اليوم.
    أحمد هبو
يعمل...
X