عبد الناصر (جمال)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الناصر (جمال)

    عبد الناصر (جمال ـ)
    (1918ـ 1970م)
    جمال بن عبد الناصر بن حسين بن خليل عبد الناصر، قائد عربي تجاوزت أفكاره ومبادئه حدود مصر ليصبح رائداً للقومية العربية في الحقبة المعاصرة. ولد في الاسكندرية لعائلة مصرية متواضعة، أصلها من قرية بني مر (4 كم عن أسيوط)، تلقى علومه حتى الثانوية في الاسكندرية والقاهرة، حينما كان والده موظفاً متواضعاً في مصلحة بريد قرية الخطاطية. تذوق معنى الوطنية منذ أن شارك في طفولته بمظاهرات 1930 المناهضة للوجود البريطاني في مصر. تخرج في الكلية الحربية عام 1938م برتبة ملازم، وعين بسلاح المشاة في ثكنة منقباد، وعند نشوب الحرب العالمية الثانية، نقل إلى الخرطوم، وفي نهاية عام 1941م عاد إلى مصر ليشهد مع بداية العام التالي امتهان كرامة بلده حينما اقتحم السفير البريطاني قصر عابدين بالدبابات طالباً من الملك فاروق تكليف مصطفى النحاس المؤيد للسياسة البريطانية، تشكيل الحكومة المصرية، فكان ذلك الحدث مدعاة للتفكير بإنشاء ما عرف تاريخياً بتنظيم الضباط الأحرار.
    في عام 1944م اختير جمال بسبب كفاءته ضابطاً، ليكون مدرباً في الكلية الحربية، ومن خلال عمله اتسعت شهرته على مستوى كثير من ضباط الجيش المصري، وحينما وقعت حرب فلسطين عام 1948م شارك فيها وهو برتبة صاغ (رائد) إلى جانب قائده الأميرلاي (قائد اللواء) أحمد عبد العزيز الذي استشهد في آب 1948م، وهو يردد على مسامعه «تذكروا جيداً أن هذه الحرب كان أولى أن نخوضها في مصر ذاتها»، وأصيب جمال وتردد اسمه في معارك إسدود والنقب وعراق المنشية، وحينما حوصر في بلدة الفالوجا رفض أوامر قيادته بوقف إطلاق النار، وظلّ يدافع عنها حتى بداية عام 1949م، وكبد العدو (118قتيلاً)، ومع أنه منح وسام النجمة العسكرية، أكدت الحرب له صدق ماكان يسمعه من قائده قبل استشهاده، وكشفت له عن كثير من خفايا الأمور، كفساد الأسلحة وعدم الإعداد لأخطر معركة واجهها العرب في العصر الحديث، فكانت سنة 1949 البداية الفعلية لتنظيم الضباط الأحرار الذي بدأ بلجنة تأسيسية من خمسة ضباط كان جمال على رأسهم، وصدر لهم أول منشور بهذا الاسم سنة 1950.
    في أيار 1951م حصل على دبلوم أركان حرب، ومنح رتبة بكباشي (مقدم) وعين مدرساً في كلية الأركان، وقد مكنه عمله الجديد من تعرف النخبة الممتازة من ضباط الجيش، فكثف جهوده في الاتصال بهم، وضمهم إلى تنظيمه الذي أخذ طريقه إلى تكوين خلاياه السرية داخل وحدات الجيش، وقد أفاد عبد الناصر من فترة وجوده، بصفته مدرباً سابقاً في الكلية الحربية ثم مدرساً في كلية الأركان، في تعميق ثقافته العسكرية والقومية من خلال عشرات الكتب التي قرأها (قدرها الكاتب السويسري ج. فوشيه G.Vaucherبنحو 75 كتاباً) معظمها في التاريخ السياسي و الاستراتيجية العسكرية، كما أفاد من سير بعض الشخصيات التاريخية الكبيرة التي كان لها نشاط كبير في بناء وحدة الأمم، التي ينتسبون إليها مثل بسمارك وغاريبالدي.
    في بداية عام 1952م كانت مدن مصر الرئيسة تشهد أحداث عنف واغتيالات واشتباكات مع القوات البريطانية، انتهت بحريق القاهرة المشهور ومقتل مايزيد على60 شرطياً بيد القوات البريطانية، الأمر الذي أفاد منه الضباط الأحرار فقاموا بثورتهم البيضاء في ليلة 23 تموز 1952م، واستولوا على مؤسسات الدولة جميعها، وأسدل الستار على حكم أسرة محمد علي باشا بإعلان النظام الجمهوري في مصر.
    برز في الفترة مابين 1952ـ1954م صراع بين منهجين سياسيين، مثّل الأول جمال عبد الناصر كونه نائباً لرئيس الحكومة و وزيرًا للداخلية، وكان يميل إلى ضرورة التغيير والقضاء على الفقر، والمفاسد التي كانت تعاني منها مصر، بأسلوب ثوري سريع. في حين مثّل الثاني اللواء محمد نجيب الذي تولى منصب رئاسة الجمهورية، وكان يرى معالجة هذه الإصلاحات بالأسلوب السياسي البطيء، وانتهى الصراع بإقالة محمد نجيب سنة 1954ليصبح عبد الناصر الرجل الأول في مصر، معلناً تنفيذ برنامجه الذي استهله بالتخلص من قيود معاهدة 1936م مع بريطانيا، حينما قال في أول لقاء شعبي: «على الاستعمار أن يحمل عصاه على كاهله ويرحل»، بعد استعمار دام ثلاثة أرباع القرن، وتدهورت علاقته مع الدول الغربية حينما رفض العروض الأمريكية بإقامة بعض القواعد في المنطقة لحماية مصالحها، وامتنعت هذه الدول عن تزويده بالسلاح لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، غير أنه تجاوز هذه المسألة من خلال صفقة الأسلحة التي أبرمتها حكومته مع تشيكوسلوفاكيا مقابل القطن المصري، فكانت ضربة قاصمة للسياسة الغربية وجدت صدى وتأييداً لها في جميع البلاد العربية. وقد قامت حكومة الثورة بالاستيلاء على أملاك الأسرة الحاكمة ومصادرة قصورها وتحويلها إلى أبنية حكومية، وأصدرت قانون الإصلاح الزراعي الذي حددت بموجبه ملكية الأسرة الواحدة من كبار الملاكين بما لايزيد على 200 فدان، وتوزيع الباقي على الفلاحين مقابل أثمان رمزية تسدد أقساطاً، وألغت الرتب المدنية وطهرت الإدارة الحكومية، وأصدرت عفواً شاملاً عن الجرائم السياسية، وقررت الحكومة إنشاء السد العالي من أجل مواجهة الهم الإجتماعي والاقتصادي، غير أن الدول الغربية اتخذت موقفاً سلبياً إزاء ذلك،حينما رفضت المساهمة في تمويل هذا المشروع، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما مارست ضغوطاً مكثفة على البنك الدولي لإجباره على الانسحاب من عملية التمويل، فقام عبد الناصر بالإعلان عن تأميم شركة قناة السويس، الأمر الذي أثار حفيظة كل من فرنسا وبريطانيا، فقامتا بعدوانهما المشترك مع إسرائيل في خريف 1956.
    كان عبد الناصر يؤمن بحتمية الثورتين الاجتماعية و السياسية جنباً إلى جنب، ففي الوقت الذي كان يقاتل فيه من أجل تحرير البلاد من القوات الغازية، أصدر قرارات التأميم. وفي عام 1962 م أصدر الميثاق الوطني الذي يعد المصدر الأهم لدراسة أفكاره المتعلقة بنظرته في حل مشكلات التخلف الاجتماعي و الاقتصادي، وصدر من بعده القانون الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي الذي عد تنظيماً سياسياً جماهيرياً لقوى الشعب العاملة، وأصبح للعمال والفلاحين نصف المقاعد في المجالس المنتخبة، والتزم عبد الناصر بالخط الثوري الداعي إلى تصفية آثار الرأسمالية والإقطاع، ودعا الجماهير إلى النضال ضد النفوذ الأجنبي والرجعية العميلة.
    أما على الصعيد السياسي فقد أدرك عبد الناصر منذ بداية الثورة خطورة الحركة الصهيونية، وما يمثله وجود الكيان الصهيوني على مستقبل المنطقة العربية، وأدرك أيضاً أن هذا الخطر أكبر من أن يقاوم بعمل مصري أو بجهود فردية مرتجلة كتلك التي حصلت عام 1948، و أسفرت عن قيام دولة إسرائيل، فأكد التمسك بالثوابت القومية وتوحيد جهود الأمة جاعلاً القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعاً، وكان من أوائل الداعين إلى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى صعيد آخر أدرك عبد الناصر أهمية الوحدة العربية منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وأن مصر لايحميها إلا بعدها القومي وعمقها العربي، ومن أجل ذلك نصت المادة الأولى من الدستور على أن مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، والشعب المصري جزء من الأمة العربية، ومن هنا اتخذ عبد الناصر موقفه الداعم لحركات التحرر العربي في كل مكان، بالوقت الذي قاوم سياسة الأحلاف والمشروعات الاستعمارية المناهضة لحركات التحرر العربي، كحلف بغداد 1955، والنقطة الرابعة، ومشروع إيزنهاور «ملء الفراغ»، وحينما تعرضت سورية للتهديدات الأمريكية والصهيونية عام 1957 أعلن عبد الناصر وقوفه إلى جانبها، فجاء ذلك منسجماً مع ما كان يعتمل في نفوس السوريين التواقين إلى بعث أمجاد الأمة العربية من خلال وحدتها، الأمر الذي عجل في قيام الوحدة السورية المصرية «الجمهورية العربية المتحدة» في شباط 1958م، وتأكدت زعامة عبد الناصر عربياً ودولياً بانتخابه رئيساً لدولة الوحدة ومخاطبته العالم للمرة الأولى بلغة العرب من فوق منابر الأمم المتحدة عام 1960، بيد أن هذه الوحدة أجهضت قبل إتمامها السنة الرابعة؛ بسبب ماواجهته من صعوبات داخلية ومؤامرات خارجية (عربية و أجنبية) أدت إلى الانفصال عام 1961، ومع ذلك دام التواصل بينه وبين الجماهير العربية. وعندما قامت ثورة اليمن شارك في إنجاحها، ومع أن هذه الوقفة القومية كلفت مصر الشيء الكثير، بيد أنها أخرجت اليمن من ظلمات العصور الوسطى إلى مشارف العصر الحديث. وبعد قيام ثورتي شباط وآذار عام1963م في كل من العراق وسورية أعلن عبد الناصر مساندته للثورتين، ووقّع مع قادتهما ميثاقاً مشتركاً لإقامة وحدة ثلاثية في نيسان من العام نفسه.
    ومع ازدياد الخطر الصهيوني كان عبد الناصر أول من نبه إلى تلك المخاطر، و دعا إلى عقد أول مؤتمر قمة عربي شامل في القاهرة عام 1964، ليتوالى من بعده عقد المؤتمرات في الاسكندرية عام 1964، والخرطوم 1967م، والرباط 1969، والقاهرة 1970، وكان المجتمعون في أثنائها يفزعون إليه في حل المشكلات والخروج من الأزمات. ولما بلغ عبد الناصر هذا القدر من التأثير العارم، أخذت التناقضات تحتدم بينه قائداً لحركة المد القومي العربي، وبين القوى ذات المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية، فلجأت تلك القوى إلى استدراجه إلى حرب مدبرة مع العدو الصهيوني، هدفها تدمير قوة مصر و إجبار عبد الناصر على التخلي عن سياسته الثورية، وقامت إسرائيل بمساندة القوى الاستعمارية الغربية بعدوانها الخاطف عام 1967م على مصر وسورية والأردن، وتمكنت من تحقيق نصر عسكري واستراتيجي، نجم عنه احتلال كامل فلسطين وسيناء والجولان، فقدم عبد الناصر استقالته، ولكن الشعب المصري رفضها على الفور وخرجت المظاهرات في مدن مصر وكثير من عواصم و مدن الوطن العربي على مدى يومين (9 و10 حزيران) فعدل عن استقالته معلناً لاءاته الثلاث: لاصلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل؛ التي تبناها مؤتمر القمة العربي في السودان[ر. القمة العربية (مؤتمرات ـ)]، وباشر ببناء قواته التي بدأت حرب الاستنزاف مع بداية عام 1968، ودامت حتى أيار 1970.
    برز جمال عبد الناصر، على الصعيد العالمي، قائداً مناهضاً لسياسة الهيمنة الاستعمارية، فكان ثالث العملاقين نهرو وتيتو؛ الداعيين إلى تشكيل كتلة دول عدم الانحياز [ر] عام 1956، التي استهدفت تجميع دول العالم الثالث للتعاون بعيداً عن سياسة المعسكرين المتصارعين آنذاك (الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والشيوعي بزعامة الاتحاد السوڤيتي) وانتهاج سياسة مستقلة مبنية على أساس الحياد الإيجابي والتعايش السلمي وإزالة كل أسباب التوتر العالمي.
    كان لعبد الناصر حضورٌ لافت في إفريقيا، من خلال إسهامه في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية[ر] عام 1963، ومشاركته في أول قمة إفريقية عقدت في أديس أبابا، كان من أهدافها تحرير القارة السوداء من الاستعمار، والقضاء على التخلف بكل أشكاله، والارتقاء بها إلى المكانة اللائقة، ليكون لها مشاركة فعالة في صنع القرارات الدولية. وفي عام 1969 كان جمال عبد الناصر في مقدمة رؤساء الدول الإسلامية الداعين إلى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي[ر] لإرساء قواعد التعاون بين الدول الإسلامية وتنمية علاقاتها الاقتصادية والدفاع عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية.
    وضع عبد الناصر، مع بداية ثورة تموز 1952م، كتيباً بعنوان «فلسفة الثورة» ضمنه بعض المفاهيم السياسية الفلسفية العامة، وخاصة مايتصل منها بالتاريخ، والعناصر الفاعلة فيه، إضافة إلى الأهداف والرؤى التي تبنتها الثورة المصرية شعاراً لها، ويعد هذا الكتيب، إلى جانب الخطب والأحاديث التي أدلى بها، المنبع الأساس لما يعرف بالفكر الناصري الذي فجر الوعي القومي على امتداد الوطن العربي.
    أُعلنت في 28/9/1970م وفاته فجأة، إثر نوبة قلبية أحس بأعراضها وهو في مطار القاهرة الدولي بعد الانتهاء من مؤتمر قمة عربي، بذل فيه جهوداً مضنية أياماً لوقف القتال بين الجيش الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية، وشيع جثمانه في أضخم حشد جماهيري، شارك فيه مايربو على خمسة ملايين مواطن، إضافة إلى المئات من الساسة والقادة والوفود الشعبية. وقد خلف جمال عبد الناصر أتباعاً مؤمنين بنهجه الثوري، وناقدين لطريقته في إدارة دفة الحكم في بلاده، شأنه في ذلك شأن أي زعيم لافت.
    مصطفى الخطيب
يعمل...
X