اجناس ادبيه (نظريه)
Theory of literary genres - Théorie des genres littéraires
الأجناس الأدبية (نظرية -)
نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، إلى معايير يأخذها الكتاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير كذلك منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغنطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي. وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً.
فأما الكاتب فإنه باستخدامه مؤسسة الجنس الأدبي، من جهة اختياره لها شكلاً فنياً يجسد رؤيته للعالم، يدلي ببيانات مهمة عن أسلافه في الجنس الأدبي المختار، وفي الفن عامة وفي الحياة جملة، مثلما يفصح عن آرائه فيهم وفيها. وهو كذلك يستخدم الجنس الأدبي لنقل رؤيته الفنية والاجتماعية والسياسية، ونشرها في مجتمعه بوساطة العمل الأدبي الذي يجسدها. وفضلاً عن ذلك فإنه يحدد النظام الترميزي code الذي يحكم رسالته الفنية التي يود أن تبلغ قارئه عندما يحسن تفسيرها تبعاً لهذا النظام الترميزي، مثلما يحدد آفاق توقعات قارئه ليرضيها أو يحبطها، فيما بعد، بحسب الغرض الذي يريده من عمله.
وأما القارئ العام فإن مؤسسة الجنس الأدبي تكوّن لديه نظام ترميز يتعامل به مع العمل الأدبي ويرسم آفاق توقعاته تبعاً له، ويحكم في النهاية استجابته له القريبة والبعيدة، مثلما يكوّن ذوقه النوعي الخاص بهذا الجنس الأدبي، هذا الذوق الذي يكون حصيلة تراكم قراءاته في أطوار حياته المختلفة.
وأما القارئ الخبير، أو ما يعرف عادة بالناقد الأدبي، فإن مؤسسة الجنس الأدبي غالباً ما تكون الإطار المرجعي frame of reference الذي يحكم قراءته النقدية للعمل الأدبي: أي اختياره إياه وشرحه لغوامضه وتحليله لبناه الكبرى والصغرى وتفسيره لدلالاته، وتبينه لصلاته الأدبية وفوق الأدبية، وتحديده المصادر الأدبية القومية والعالمية، ثم الحكم عليه في النهاية وذلك عن طريق وضعه في عدة سياقات contexts من الجنس الأدبي المحلي، والجنس الأدبي القومي، والجنس الأدبي العالمي آنياً وتاريخياً.
إن الجنس الأدبي بهذا المعنى هو المحرق الذي تلتقي فيه القوى الفاعلة في عملية الإنتاج الأدبي في أي مجتمع من المجتمعات: من كاتب وقارئ وجملة عوامل وشروط ومحددات تسهم جميعاً في تشكيله.
ترجع نظرية الأجناس الأدبية في أصولها الغربية إلى تمييز أفلاطون [ر] بين نمطين من أنماط إعادة إنتاج موضوع، أو شيء أو شخص ما، هما نمط الوصف أو التصوير بالكلمات ونمط المحاكاة mimesis. ولما كان الشعر، أداة الأدب الأقدم، في إعادة إنتاجه للموضوعات الخارجية، فقد قسمه أفلاطون إلى شعر محاكاة مباشرة للأشخاص هو الشعر المسرحي، وشعر وصف وتصوير للأعمال الإنسانية هو الشعر السردي. وتقسيم كهذا يترك الكثير من الشعر خارج دائرة التصنيف، الأمر الذي اضطر أفلاطون إلى إدخال قسم ثالث ذي نمط مختلف يتناوب فيه الحوار والسرد كما هو الشأن في الملحمة حيث يندر استخدام السرد الصرف. ومع ذلك فقد بقي الشعر الغنائي الذي يعبر فيه الشاعر عن أفكاره ومشاعره خارج دائرة أفلاطون ومخططه.
وإذ تبنى أرسطو [ر] في كتابه «فن الشعر» poetics قسمة أستاذه الأساسية، فإنه لم يلتفت إلى الشعر الغنائي بوصفه جنساً أدبياً رئيساً. والتقسيم الثلاثي الشائع للشعر إلى مسرحي وملحمي وغنائي، الذي ينسب عادة إلى العبقرية اليونانية، لايعود في حقيقة الأمر إلى عصر أرسطو ولا إليه، وإنما إلى عملية طويلة من الجمع والتعديل والإعادة مع التغيير الطفيف لقوائم تقليدية معينة من الأجناس الأدبية، ولم يأخذ هذا التقسيم صيغته الثلاثية هذه إلا في القرن السادس عشر الميلادي.والحقيقة أن فن الشعر عند أرسطو ينصرف في معظمه لدراسة جنس المأساة [ر] بوصفه جنساً أدبياً يسمو على ما سواه من الملهاة والملحمة وغيرهما. وأما إشاراته العابرة أو المتأنية للملهاة والملحمة فقد جاءت في معرض مقارنتهما بالمأساة بهدف توضيح جوانب مهمة من هذا الجنس الرفيع الذي بلغ أوجه ما قبل عصر أرسطو، وكان من الطبيعي أن يتناوله بهذا الاهتمام والتفصيل الشديدين، وأن يعير اهتماماً أقل لكل من الملحمة والملهاة لأنهما دون المأساة وظيفةً (في التطهير) وأسلوباً (في اعتمادها الأسلوب النبيل كما أسماه اليونانيون).
وفي العصر الأثيني Attic Age لايجد المرء تقسيماً واضحاً وبسيطاً للأجناس الأدبية، وإنما يصادف تشكيلة واسعة من المصطلحات المستخدمة في الإشارة إلى أجناس محددة مثل الملحمة (أو الشعر المنشد) والمسرحية ( أو الشعر الممثل)، بنوعيها المأساة والملهاة، والشعر الهجائي المعروف باسم الإيامبي iambic لأنه منظوم على البحر الإيامبي، والشعر (الرثائي) الإليجي elegiac المنظوم على الدوبيت الإليجي، والشعر الإنشادي melic أي الشعر المغنى من الجوقة والمصاحب بالناي أو القيثارة أو بهما معاً، وهو الأقرب إلى مفهوم الشعر الغنائي اليوم، وغير ذلك مثل النشيد أو الترنيمة hymn والديثرامب (أو أمدوحة باخوس) dithyrambos وأغاني الجوقة وأغاني النصر والاحتفالات.
وقد قامت مدرسة الاسكندرية فيما بعد بتمثل الإنتاج الأدبي اليوناني وتصنيف القصائد ووضعها في مجموعات وطبقات تيسر تحديد القوانين والقواعد التي تحكم أعمال أفضل الشعراء، مما عزز الوعي بالأجناس الأدبية. وأثمر هذا عملاً متميزاً قام به ديونيسيوس تراكس Dionysios Thrax في القرن الثاني ق.م عندما وضع قائمة بعدد من الأجناس الأدبية تضم المأساة، والملهاة، والمرثية، والملحمة، والشعر الغنائي وغيرها. وقصد بالشعر الغنائي lyric ما توحي به التسمية ذاتها، أي الشعر المغنى المصاحب بالعزف على القيثارة lyre. كما أضيفت إلى هذه الأجناس أجناس أخرى مثل أنشودة الرعاة idyll والشعر الرعوي pastoral والنثر القصصي prose fiction. ومع ذلك فقد ظل تقسيم أفلاطون يلقي بظله على تصنيف الأعمال الأدبية قروناً طويلة، وهو التقسيم الذي يجده الباحث لدى النحوي ديوميدس Diomedes في القرن الرابع الميلادي ممثلاً بجنس التمثيل genus activum وجنس السرد genus enarrativum والجنس المزيج .genus mixtum ولكن هذا الظل ما لبث أن انحسر تماماً في العصور الوسطى إذ ضاعت كل فكرة المسرحية مثلما نسيت المعاني الدقيقة لمصطلحات الأجناس الأدبية بعد إغلاق المسارح، وجُعل الأدب مجرد خادم مطيع للاهوت، فالمسرحية drama على سبيل المثال كانت تستخدم في الكتابات البيزنطية لتشير إلى الرواية [ر] وكانت تعني في الغرب الأوربي الحوار الفلسفي. ومع مجيء دانتي أليغيري [ر] تبددت فكرة المسرحية تماماً، فقصيدته، التي تعد بحق رائعة عصرها، غدت عنده ملهاة لأنها حكاية ينتهي المطاف فيها بالفردوس، ولأنها منظومة بأسلوب وسط لانبيل ولا وضيع، و«الإنيادة» [ر] ملحمة فرجيل [ر] الخالدة غدت مأساة. وهذا خلط واضح لكل ما أنجزته العصور السابقة من تقدم في نظرية الأجناس الأدبية. ولكن هذا لايعني بحال من الأحوال أن العصور الوسطى لم يكن لها أجناسها الأدبية الخاصة بها. وكل ما في الأمر أنه لم يكن ثمة من أرسطو يصنفها ويؤطرها ويقيم دعائمها النظرية على أسس فلسفية واضحة.