ليجيه(فرنان)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليجيه(فرنان)

    ليجيه (فرنان) Leger (Fernand-) - Leger (Fernand-)
    ليجيه (فرنان ـ)

    (1881ـ 1955)



    فرنان ليجيه Fernand Léger مصوّر فرنسي، ولد في أرجنتان Argentan وتوفي في جيف - سور- إيفت Gif- sur-Yvette. فقد أباه في سن مبكرة، فأرسله عمّه للتمرين عند أحد المعماريين ليتعلّم حرفة جادة. ولتطوير حرفته وإتقانها توجّه إلى باريس، وهناك التحق بمدرسة الفنون الجميلة، مما اضطره إلى العمل في مجالات عدة لكي يسد احتياجاته.

    لم يكن ليجيه يمتلك ثقافة واسعة، غير أنه كان يمتلك حدساً فنياً نادراً، وفضولاً متوقداً، وإرادة صارمة.

    كانت لوحاته الأولى تسجيلات عادية للواقع والطبيعة، وقد بقي منها بضع لوحات تعود إلى العامين 1904- 1905، إلا أن معرضاً لسيزان Cézanne أقيم عام 1904 حمل لليجيه آفاقاً جديدة، وقاده إلى صور ذات تركيبات هندسية ومعالجات خشنة؛ نمّت على البدايات الكبيرة التي سترى النور في أعماله اللاحقة.

    كانت حماسته لسيزان لا توصف؛ ففنه - على حد قوله - فن يوحي ويحرك، بخلاف رُنوار Renoir الذي عدَّه فناناً مقفلاً يمكن للمبتدئ أن ينقل عنه من دون أن يأخذ منه شيئاً يعينه على التقدم.

    في العام 1905 كانت الوحشية قد ألهبت الحماسة والجدل في صفوف الفنانين، إلا أن ليجيه احتفظ بهدوئه وأصالته. وبما أن الرؤية الفنية ترتبط بمستوى حضاري معين، فإنه ومع تغير العالم الحديث وتطور التقانة (التكنولوجيا)، كان لابد من تغير موقف الفنان الحديث، فاستلهم ليجيه المشاهد التي تحدد أشكالها تدخلات التكنولوجيا، فلم يقف عند حد المظهر، وصوّر لوحات؛ هي بكل تحررها وآلية أشكالها شواهد ناطقة بالتطورات التي أدخلتها الحضارة الصناعية، لا على الحياة الخارجية فحسب، بل وعلى العقلية والأحاسيس الإنسانية أيضاً. فكان في طليعة الذين عبّروا في التصوير عن الآلة والمصنوعات المعدنية، معبِّراً عن انبهاره بكل تلك الابتكارات التي لا تكف التكنولوجيا عن إدخالها إلى الحياة اليومية، وكذلك إيمانه بقدرة هذه الأشياء على إثراء عالم الأشكال الجميلة، فكان بحق فناناً حمل الفن على أن يفتح أبوابه فرحاً بمظاهر الحضارة الصناعية مُضمّناً لوحاته الأشكال الهندسية والتركيبات الميكانيكية جنباً إلى جنب مع القيم التشكيلية، فالتكنولوجيا حسب رأيه، وإن كانت تمارس نفوذها على الإنسان، إلا أنها تذعن لإرادته ورغباته في النهاية.

    كان ليجيه حتى العام 1909 يرهب اللون، فاقداً السيطرة عليه، وكان جلّ اهتمامه الوصول إلى إيقاعات لونية لا اندماج بينها، وما لبث أن اكتشف ألواناً خالصة مدرجة في أشكال هندسية، فذهب بعيداً عن تنغيمات الانطباعيين اللونية متحرراً من إسار سيزان، مارّاً بالتجربتين الوحشية والتكعيبية، وخلص إلى صوغ الواقع بأشكالٍ تجريدية، وفصمٍ جائر بين الخط واللون.

    لم يكن ليجيه يزور المتاحف، أو يتدرب بالنقل عن لوحات الكلاسيين، بل كان يفضّل التردد إلى قاعات تصميم الطائرات، فيتأمل المحركات والمراوح والهياكل المعدنية الكبيرة والعجلات الضخمة، مما أوحى له برؤى فنية مبتكرة، فإلى جانب الانفعال باللون، أضاف ليجيه الانفعال بالسرعة، فالشيء المصوَّر أصبح أقل ثباتاً، والمشاهد تبقى وقتاً أقل في متناول العين، ومن ثم فإن رؤية الفنان في هذا العصر صارت أكثر كثافة وتعقداً من رؤية الفنان في العصور السابقة، ولهذا كانت كثافة اللوحة الحديثة والتنوع في مضمونها وانفصال أشكالها نتيجة للتطور الذي لحق بالحياة في هذا العصر.


    فرنان ليجيه: "الأسطوانات" (1918)

    في الثاني من آب/أغسطس عام 1914 جُنِّد ليجيه وأرسل إلى جبهة القتال، فكانت الحرب بمنزلة تجربة إنسانية عظيمة، وتجربة نفسية واجتماعية وبصرية في آن واحد. لقد وجد نفسه في المعسكرات والخنادق وسط أبناء الوطن من عمال ونجارين وفَعَلَة، الذين اتصفوا بالمرح والصلابة. كان يتأملهم ويتغلغل في أعماقهم، وكان يصورهم مع ما حولهم من الأشياء مثل فوهات المدافع ومقابض البنادق، وعلب الأكل المحفوظ. فكانت لوحته «الرجل ذو الغليون» التي صورها عام 1916 تكثيفاً لتجربته ورؤيته في الحرب: أشكال صمّاء جامدة باردة لا لون فيها إلا ما ندر. وأتبعها لوحته «لاعبو الورق» التي صوَّرها في العام 1917، وتقوم على رؤية واقعية آلية للإنسان ومحاولة الربط بين البشري والآلي، وكانت بداية الطريق نحو لغة تشكيلية جديدة.

    لقد نبه ليجيه إلى أن الآلة هي صفة من صفات الحياة المعاصرة، وأن الاعتداد بهذه الصفة هو الخطوة الكبيرة إلى فن يضارع القرن العشرين، وهو يرفض الفصل غير المبرر بين الفن والتكنولوجيا، ونفى الاعتقاد أن الآلات مصنوعات بكماء مقززة ولهذا استخلص من عالم الآلة أشكالاً وألواناً تسترعي الانتباه لذاتها.


    فرنان ليجيه: "المدينة" (1919)


    فرنان ليجيه: "أمرأتان مع طبيعة ميتة" (1920)

    في لوحته «المدينة» (1919- 1920) يصوّر ليجيه مدينة القرن العشرين، فوضع فيها أشكالاً هندسية واقعية مثل لوحات الإعلان، وأعمدة الكهرباء، والسلالم المعدنية، مع أشكال هندسية لا معنى لها إلا بذاتها مثل الدوائر والمربعات والخطوط المتعرجة، وهي ذات ألوان متعددة يفصل بينها اللون الأبيض، ولا يخفى على المشاهد أنه أفاد من براك Braque وماتيس Matisse.

    كان ليجيه واثقاً من جدوى تجاربه التشكيلية على العمارة الحديثة، وكان مؤمناً بالوظيفة النفسية (السيكولوجية) للون، وأنجز أعمالاً تجريدية اختبر من خلالها تحريك السطوح، فالحائط المطلي باللون الأزرق الفاتح يتراجع، والمطلي بالأسود يتقدم، والمطلي بالأصفر يتلاشى.

    في عام 1920 ابتدع ليجيه مخلوقات معدنية يصعب تمييزها من الآلات التي تعمل عليها، ومع ازدياد حنينه إلى الشكل الإنساني توصل إلى مفهوم «الإنسان القوي» فصوّر أشكالاً إنسانية آلية (أثداء خشبية، أعناق فولاذية، شعور منسابة كصفائح الزنك). وصوّر فيما بعد صور الغطاسين وراكبي الدراجات (1940- 1946).

    زاول ليجيه إلى جانب التصوير الديكور وتصميم الملابس لعروض المسرح والباليه، والزجاج الملون على نوافذ الأبنية العامة، كما زاول النحت الملون والخزف بين عامي 1950- 1955. وأقيم متحف دائم لأعماله عام 1926، وألقى محاضرات عدة في كل من باريس وبرلين وزوريخ ووارسو والولايات المتحدة، ومن محاضراته: (مصادر التصوير المعاصر وقيمه التسجيلية، 1913) و(علم الجمال والآلة، 1925) و(اللون في العمارة، 1952).

    وأعد ليجيه في عام 1921 رسومات لكتاب «أقمار من الورق» لأندريه مالرو André Malraux، ورسوماً أخرى لبعض قصائد بول إلوار Paul Eluard.

    وفي عام 1935، صور لوحة حائطية للمعرض الدولي للفنون في بروكسل Bruxelles، وفي عام 1952 صوّر لوحة حائطية ضخمة للقاعة الكبيرة في هيئة الأمم المتحدة بنيويورك، وفي العام 1955 حصل على الجائزة الأولى في بينالي ساو باولو São Paulo. وبعد وفاته 1956 أقيم معرض شامل لأعماله ضمّ 222 لوحة من لوحاته.

    نهيل نزال
يعمل...
X