ابن العبري (أبو الفرجغريغوريوس بن أهرون)
(623ـ 685 هـ/1226ـ 1286م)
أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون، الطبيب، المؤرخ، الفيلسوف، اللاهوتي (الموسوعي). وُلِدَ بملطية من ولاية ديار بكر (قاعدة أرمينيا الصغرى)، كان والده طبيباً يهودياً وجيهاً، بذل وسعه في تعليم ابنه العربية والأرمنية والفارسية والسريانية واليونانية والعبرية؛ لكنْ حين تطايرِ شرر فتنة المغول بعد زحفهم غربا، اضطرت عائلته إلى الفرار إلى أنطاكية سنة 1243م، واعتنقت النصرانية فيها، فدعي ابن العبري واشْتُهِرَ به، وكُنيّ بأبي الفرج مع أنه لم يتزوج.
على الرغم من الحياة المضطربة وغير المستّقرة بسبب الفتن و التنقل، استمر اهتمام الوالد بتعليم الابن، فدفعه إلى تحصيل العلوم المختلفة، وخاصةً الطب و الفلسفة و الإلهيات، في أثناء ذلك اختار ابن العبري طريق النسك واعتزل وانفرد بمغارة على طريقة الرهبان الأوائل، وزاره بطريرك اليعاقبة أغناطيوس سابا في مغارته مبدياً له احترامه وتقديره. بعد ذلك رغب في السفر، فتوجه إلى طرابلس الشام، و أكمل دراسة الفلسفة والعلوم العقلية و الدينية على عالم و طبيب نسطوري اسمه يعقوب.
وفي سنة 1246م استدعاه البطريرك أغناطيوس إلى أنطاكية، وجعله أسقفاً على جوباس من أعمال ملطية، ثم نقل إلى أسقفية لاقبين القريبة من جوباس، وعينه البطريرك ديونيسيوس (خليفة أغناطيوس) على أسقفية حلب في سنة 1253م.
رغب في أن يكون مغرياناً على المشرق (المغريان كلمة سريانية معناها المثمر وهو منصب ديني يتلو منصب البطريرك عند اليعاقبة)، لكن زميله صليبا عُيِّن في هذا المنصب من قِبَلِ البطريرك يوحنا بن المعدني المنافس للبطريرك ديونيسيوس، وتسلط صليبا على الأساقفة، مما اضطر ابن العبري إلى أن يلزم بيت والده، ثم توجه إلى دير بر صوما قرب ملطية، وأقام هناك سنتين قرب ديونيسيوس.
بعد ذلك توجه إلى دمشق، واجتمع بالملك الناصر، ونال منه براءة، وأعاده إلى منصبه الديني. في هذه الفترة استولى المغول على العراق و قتلوا الخليفة المستعصم ببغداد، ثم زحفوا على حلب وحاصروها؛ ولأن ابن العبري كان يخشى بطشهم ذَهَبَ إلى الخان هولاكو، ورجاهُ أن ينال النصارى اليعاقبة عطفه، فحصل على ما رغب فيه، وعمل على توسيع انتشار مذهبه (اليعاقبة) في الشرق، وبناء كنائس جديدة، مستفيداً من تساهلهم في الأديان. لم يكن ابن العبري متحاملاً على المسلمين، بل اتصل بهم كثيراً، و أخذ عنه كثير من فضلائهم.
في سنة 1264م عيّنه البطريرك أغناطيوس الثالث بمنصب ديني رفيع على المشرق (مغريان ـ جاثليق ـ رياسة رؤساء الكهنة السريانيين)، فقام بأعمال مهمّة، وعّين اثني عشر أسقفاً اختارهم ممن عُرِفوا بالعلم والسيرة الحسنة والأخلاق الطّيبة، وجّدد، وبنى كثيراً من الكنائس. توفي في مراغة من أعمال أذربيجان، ونقلت جثته إلى الموصل ودُفِنَتْ في دير مار متّى.
لم ينقطع عن التأليف طوال حياته، إذ وضع أكثر من ثلاثين كتاباً أكثرها بالسريانية وقليل منها بالعربية. كتبَ في التاريخ والطب والفلسفة والدين والأدب، وعمل في الترجمة من العربية إلى السريانية .
أهم مصنفاته تاريخ ابن العبري ويسمى «تاريخ مختصر الدول»، كتبه بالسريانية عن تاريخ الدول منذ بداية الخليقة حتى منتصف القرن الثالث عشر الميلادي. ثم قام بتلخيصه باللغة العربية أواخرَ حياته بإلحاح من بعض أصحابه المسلمين، وضمَّنه أموراً كثيرة لاتوجد في المطول السرياني، ولاسيما فيما يتعلق بدولة الإسلام والمغول وسياستهم وطرق حكمهم والقائمين بالأمر ومدبري المملكة، وانتهى تاريخه بالعربية إلى سنة 1284م .
تأتي أهمية كتابه في أنه ظهر في عصر مضطرب حدثت فيه فتن عظيمة صليبية ومغولية، وكان حيادياً في كتابته لايتحامل على أي دولة أو أمّة. اتبع في كتابه منهج فن المؤرخين العرب كالمسعودي وابن خلدون، ورتبه على عشر دول.
ومن مؤلفاته بالسريانية أيضاً: «شرح فصول أبقراط»، و«شرح قانون الطب لابن سينا»، و«تفسير الكتاب المقدس»، و«ديوان شعر»، و«تاريخ الكنائس السرياني»، وله بالعربية: «رسالة في النفس البشرية وخواصها»، و«موجز تاريخ مختصر الدول»، ونقل من العربية إلى السريانية كتاب «الإشارات و التنبيهات»، وكتاب «القانون» لابن سينا.
غطاس نعمة
(623ـ 685 هـ/1226ـ 1286م)
أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون، الطبيب، المؤرخ، الفيلسوف، اللاهوتي (الموسوعي). وُلِدَ بملطية من ولاية ديار بكر (قاعدة أرمينيا الصغرى)، كان والده طبيباً يهودياً وجيهاً، بذل وسعه في تعليم ابنه العربية والأرمنية والفارسية والسريانية واليونانية والعبرية؛ لكنْ حين تطايرِ شرر فتنة المغول بعد زحفهم غربا، اضطرت عائلته إلى الفرار إلى أنطاكية سنة 1243م، واعتنقت النصرانية فيها، فدعي ابن العبري واشْتُهِرَ به، وكُنيّ بأبي الفرج مع أنه لم يتزوج.
على الرغم من الحياة المضطربة وغير المستّقرة بسبب الفتن و التنقل، استمر اهتمام الوالد بتعليم الابن، فدفعه إلى تحصيل العلوم المختلفة، وخاصةً الطب و الفلسفة و الإلهيات، في أثناء ذلك اختار ابن العبري طريق النسك واعتزل وانفرد بمغارة على طريقة الرهبان الأوائل، وزاره بطريرك اليعاقبة أغناطيوس سابا في مغارته مبدياً له احترامه وتقديره. بعد ذلك رغب في السفر، فتوجه إلى طرابلس الشام، و أكمل دراسة الفلسفة والعلوم العقلية و الدينية على عالم و طبيب نسطوري اسمه يعقوب.
وفي سنة 1246م استدعاه البطريرك أغناطيوس إلى أنطاكية، وجعله أسقفاً على جوباس من أعمال ملطية، ثم نقل إلى أسقفية لاقبين القريبة من جوباس، وعينه البطريرك ديونيسيوس (خليفة أغناطيوس) على أسقفية حلب في سنة 1253م.
رغب في أن يكون مغرياناً على المشرق (المغريان كلمة سريانية معناها المثمر وهو منصب ديني يتلو منصب البطريرك عند اليعاقبة)، لكن زميله صليبا عُيِّن في هذا المنصب من قِبَلِ البطريرك يوحنا بن المعدني المنافس للبطريرك ديونيسيوس، وتسلط صليبا على الأساقفة، مما اضطر ابن العبري إلى أن يلزم بيت والده، ثم توجه إلى دير بر صوما قرب ملطية، وأقام هناك سنتين قرب ديونيسيوس.
بعد ذلك توجه إلى دمشق، واجتمع بالملك الناصر، ونال منه براءة، وأعاده إلى منصبه الديني. في هذه الفترة استولى المغول على العراق و قتلوا الخليفة المستعصم ببغداد، ثم زحفوا على حلب وحاصروها؛ ولأن ابن العبري كان يخشى بطشهم ذَهَبَ إلى الخان هولاكو، ورجاهُ أن ينال النصارى اليعاقبة عطفه، فحصل على ما رغب فيه، وعمل على توسيع انتشار مذهبه (اليعاقبة) في الشرق، وبناء كنائس جديدة، مستفيداً من تساهلهم في الأديان. لم يكن ابن العبري متحاملاً على المسلمين، بل اتصل بهم كثيراً، و أخذ عنه كثير من فضلائهم.
في سنة 1264م عيّنه البطريرك أغناطيوس الثالث بمنصب ديني رفيع على المشرق (مغريان ـ جاثليق ـ رياسة رؤساء الكهنة السريانيين)، فقام بأعمال مهمّة، وعّين اثني عشر أسقفاً اختارهم ممن عُرِفوا بالعلم والسيرة الحسنة والأخلاق الطّيبة، وجّدد، وبنى كثيراً من الكنائس. توفي في مراغة من أعمال أذربيجان، ونقلت جثته إلى الموصل ودُفِنَتْ في دير مار متّى.
لم ينقطع عن التأليف طوال حياته، إذ وضع أكثر من ثلاثين كتاباً أكثرها بالسريانية وقليل منها بالعربية. كتبَ في التاريخ والطب والفلسفة والدين والأدب، وعمل في الترجمة من العربية إلى السريانية .
أهم مصنفاته تاريخ ابن العبري ويسمى «تاريخ مختصر الدول»، كتبه بالسريانية عن تاريخ الدول منذ بداية الخليقة حتى منتصف القرن الثالث عشر الميلادي. ثم قام بتلخيصه باللغة العربية أواخرَ حياته بإلحاح من بعض أصحابه المسلمين، وضمَّنه أموراً كثيرة لاتوجد في المطول السرياني، ولاسيما فيما يتعلق بدولة الإسلام والمغول وسياستهم وطرق حكمهم والقائمين بالأمر ومدبري المملكة، وانتهى تاريخه بالعربية إلى سنة 1284م .
تأتي أهمية كتابه في أنه ظهر في عصر مضطرب حدثت فيه فتن عظيمة صليبية ومغولية، وكان حيادياً في كتابته لايتحامل على أي دولة أو أمّة. اتبع في كتابه منهج فن المؤرخين العرب كالمسعودي وابن خلدون، ورتبه على عشر دول.
ومن مؤلفاته بالسريانية أيضاً: «شرح فصول أبقراط»، و«شرح قانون الطب لابن سينا»، و«تفسير الكتاب المقدس»، و«ديوان شعر»، و«تاريخ الكنائس السرياني»، وله بالعربية: «رسالة في النفس البشرية وخواصها»، و«موجز تاريخ مختصر الدول»، ونقل من العربية إلى السريانية كتاب «الإشارات و التنبيهات»، وكتاب «القانون» لابن سينا.
غطاس نعمة