ما قبل تاريخ
Prehistory - Préhistoire
ما قبل التاريخ
ما قبل التاريخ Prehistory مصطلح يطلق على العصور التي سبقت معرفة الإنسان الكتابة، ويسميها آخرون العصور الحجرية Stone Ages. وإذا عُرف أن الإنسان الأول قد ظهر في القارة الإفريقيّة منذ نحو 2.5 مليون سنة خلت، وأن الكتابة قد ابتكرت في المشرق العربي القديم في مطلع الألف الثالث ق.م؛ فتكون عصور ما قبل التاريخ هي العصور الواقعة بين هذين التاريخين.
ترتبط هذه العصور بآثار ما قبل التاريخ Prehistoric Archaeology، وهي فرع مستقل من فروع علم الآثار الذي يعتمد - في سعيه إلى دراسة الإنسان القديم - على المخلّفات الماديّة التي تركها ذلك الإنسان؛ والتي يتمّ التنقيب عنها وكشفها حسب توضعها الطبقي (الستراتيغرافي) Stratigraphy، وتتابعها الزمني (الكرونولوجي) Chronology.
ويستعين علم آثار ما قبل التاريخ بكثير من العلوم الأخرى، فهو يعتمد على علم الأنتروبولوجيا Anthropology في دراسة ظهور الإنسان الأول وصفاته الفيزيولوجية وتطوره وعلاقة مختلف الأنواع البشرية بعضها ببعض. كما يساعد علم المستحاثات (البالينتولوجيا)Palaentology على معرفة البيئة القديمة وتحديد أنواع الحيوانات والنباتات التي عاشت في تلك العصور، وكان لها أكبر الأثر في حياة ذلك الإنسان وحضارته. يستعان أيضاً بعلم الجيومورفولوجيا Geomorphology لمعرفة المناخ القديم ودوره في الانتشار الجغرافي للاستيطان البشري. وتتفرع عن العلوم المذكورة مجموعة من العلوم التي تتطور باستمرار وسرعة بمشاركة أحدث التقانات وأعقدها، مثل طرق التأريخ الحديثة Chronometric Dating التي تساعد على بناء سلّم زمني بتواريخ مطلقة Absolute Dating لتلك العصور منذ مئات الآلاف من السنين. من أهم هذه الطرق طريقة الفحم المشع 41 Radiocarbon C14 وطريقة سلسلة اليورانيوم Uranium Series ومشتقاتها والبوتاس آرغون Potassium Argon وغيرها. يقسم الباحثون عصور ما قبل التاريخ - استناداً إلى أنواع الأدوات الحجرية - إلى ثلاثة أجزاء رئيسية لكل منها ميزاته الخاصة. القسم الأول والأطول هو العصر الحجري القديم (الباليوليت) Palaeolithic، يؤرخ بين 2.5 مليون و15000 سنة ق.م. ويقسم أيضاً إلى ثلاثة أجزاء. الجزءالأول هو العصر الحجري القديم الأدنى (الباليوليت الأدنى) Lower Palaeolithic، ويؤرخ بين 2.5 مليون و200000 سنة خلت.
عاش في هذا العصر إنسان من نوع الهومو إركتوس Homo-Erectus الذي كان له حجم دماغ بلغ نحو 1000سم3 وقامة معتدلة الطول بين 150 و160 سم؛ وهو صانع ما يسمى بالحضارة الآشولية Acheulean التي اشتهرت باستخدام الفؤوس الحجرية Hand-axes؛ وهي الأدوات الرئيسية في ذلك العصر. يلي ذلك العصر الحجري القديم الأوسط (الباليوليت الأوسط) Middle Palaeolithic ويؤرخ بين 200000 و40000 سنة خلت. عاش فيه إنسان النياندرتال Neanderthal الذي كان أكثر تطوراً من سلفه، بلغ حجم دماغه نحو1200سم3، وتراوح طوله بين 160 و170سم؛ وهو صانع الحضارة الموستيرية Mousterian التي استخدمت، في تصنيع الأدوات، الطريقة اللڤلوازية Levallois التي تعتمد على تحضير خاص للنواة قبل البدء بطرقها. القسم الأخير هو العصر الحجري القديم الأعلى (الباليوليت الأعلى) Upper Palaeolithic، ويؤرخ بين 40000 و15000 سنة ق.م، فيه ظهر الإنسان العاقل Homo-Sapiens الجدّ المباشر للإنسان الحالي الذي أحدث تطوراً شاملاً على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والروحية والفنية وغيرها، وهو عصر شهد انحسار الحضارات ذات الانتشار العالمي الواسع التي سادت في العصور السابقة وظهور حضارات محلية في مختلف المناطق.
العصر الثاني في عصور ما قبل التاريخ هو العصر الحجري الوسيط (الميزوليت Mesolithic)، ويؤرخ بين15000 و10000 سنة ق.م، ويمثل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم الذي سبقه والعصر الحجري الحديث الذي تلاه. والتغيير الأهم في هذا العصر هو ظهور الأدوات الحجرية الميكروليتية ذات الأشكال الهندسية geometric microliths، وفيه تبلورت الخصوصية الحضارية لمختلف المناطق التي دلت عليها الحضارات الكبارية والنطوفية التي تميزت بظهور قرى الصيادين الأولى في المشرق العربي القديم.
العصر الثالث هو العصر الحجري الحديث (النيوليت Neolithic)، ويؤرّخ بين 10000- 6000 سنة ق.م، حصل فيه انقلاب جذري في واقع المجتمعات التي تحولت من حياة التنقل والصيد والالتقاط إلى الاستقرار وممارسة تدجين الحيوانات وزراعة الحبوب، وهو ما أطلق عليه «الثورة النيوليتية» Neolithic Revolution. لقد رافقت هذا التحول الاقتصادي الكبير تحولات اجتماعية وروحية، تمثلت بظهور الفنون والمعتقدات التي جسدتها عقائد «تقديس الأجداد» و«الإلهة الأم» و«الثور المقدس»، وفيه حصلت تطورات تقنية في مجال تصنيع الأدوات الحجرية ومنها المناجل ورؤوس السهام والأدوات الزراعية الثقيلة.
وظهرت الأواني الفخارية التي غدت من العلامات الدالة - مثل الحجر سابقاً - على الشعوب والحضارات. كما وجدت في مواقع هذا العصر الخامات المستوردة من مسافات بعيدة، مثل السبج (الأوبسيديان Obsidian) وهو زجاج بركاني أسود كان من أقدم المواد التجارية في التاريخ.
في الشوط الأخير من عصور ما قبل التاريخ؛ المسمى بالعصر الحجري النحاسي (الكالكوليت Chalcolithic) والمؤرخ بين نحو 6000 و3000 سنة ق.م، تطورت الإنجازات النيوليتية على أكثر من صعيد، وسادت حضارات واسعة الانتشار أنجزتها شعوب ذات خصوصية عرقية وثقافية متميزة، ولها بنى اجتماعية وسياسية متطورة وضعت الأسس المتينة لنشوء المدن والدول الأولى. ظهرت في هذه المرحلة في المشرق القديم الحضارة الحلفية؛ نسبة إلى موقع تل حلف في الجزيرة السورية العليا، تلتها الحضارة العبيدية؛ نسبة إلى تل العبيد في جنوبي العراق، وأخيراً حضارة الوركاء المنسوبة إلى موقع الوركاء في جنوبي العراق، وهي حضارات أوصلت إنجازات عصور ما قبل التاريخ إلى قمتها، وتوّجتها بابتكار الكتابة التصويرية أولاً، ثم الكتابة المقطعية المسمارية التي وضعت الحد لعصور ما قبل التاريخ؛ لتبدأ العصور التاريخية القديمة في مطلع الألف الثالث ق.م.
سلطان محيسن
Prehistory - Préhistoire
ما قبل التاريخ
ما قبل التاريخ Prehistory مصطلح يطلق على العصور التي سبقت معرفة الإنسان الكتابة، ويسميها آخرون العصور الحجرية Stone Ages. وإذا عُرف أن الإنسان الأول قد ظهر في القارة الإفريقيّة منذ نحو 2.5 مليون سنة خلت، وأن الكتابة قد ابتكرت في المشرق العربي القديم في مطلع الألف الثالث ق.م؛ فتكون عصور ما قبل التاريخ هي العصور الواقعة بين هذين التاريخين.
ترتبط هذه العصور بآثار ما قبل التاريخ Prehistoric Archaeology، وهي فرع مستقل من فروع علم الآثار الذي يعتمد - في سعيه إلى دراسة الإنسان القديم - على المخلّفات الماديّة التي تركها ذلك الإنسان؛ والتي يتمّ التنقيب عنها وكشفها حسب توضعها الطبقي (الستراتيغرافي) Stratigraphy، وتتابعها الزمني (الكرونولوجي) Chronology.
ويستعين علم آثار ما قبل التاريخ بكثير من العلوم الأخرى، فهو يعتمد على علم الأنتروبولوجيا Anthropology في دراسة ظهور الإنسان الأول وصفاته الفيزيولوجية وتطوره وعلاقة مختلف الأنواع البشرية بعضها ببعض. كما يساعد علم المستحاثات (البالينتولوجيا)Palaentology على معرفة البيئة القديمة وتحديد أنواع الحيوانات والنباتات التي عاشت في تلك العصور، وكان لها أكبر الأثر في حياة ذلك الإنسان وحضارته. يستعان أيضاً بعلم الجيومورفولوجيا Geomorphology لمعرفة المناخ القديم ودوره في الانتشار الجغرافي للاستيطان البشري. وتتفرع عن العلوم المذكورة مجموعة من العلوم التي تتطور باستمرار وسرعة بمشاركة أحدث التقانات وأعقدها، مثل طرق التأريخ الحديثة Chronometric Dating التي تساعد على بناء سلّم زمني بتواريخ مطلقة Absolute Dating لتلك العصور منذ مئات الآلاف من السنين. من أهم هذه الطرق طريقة الفحم المشع 41 Radiocarbon C14 وطريقة سلسلة اليورانيوم Uranium Series ومشتقاتها والبوتاس آرغون Potassium Argon وغيرها. يقسم الباحثون عصور ما قبل التاريخ - استناداً إلى أنواع الأدوات الحجرية - إلى ثلاثة أجزاء رئيسية لكل منها ميزاته الخاصة. القسم الأول والأطول هو العصر الحجري القديم (الباليوليت) Palaeolithic، يؤرخ بين 2.5 مليون و15000 سنة ق.م. ويقسم أيضاً إلى ثلاثة أجزاء. الجزءالأول هو العصر الحجري القديم الأدنى (الباليوليت الأدنى) Lower Palaeolithic، ويؤرخ بين 2.5 مليون و200000 سنة خلت.
عاش في هذا العصر إنسان من نوع الهومو إركتوس Homo-Erectus الذي كان له حجم دماغ بلغ نحو 1000سم3 وقامة معتدلة الطول بين 150 و160 سم؛ وهو صانع ما يسمى بالحضارة الآشولية Acheulean التي اشتهرت باستخدام الفؤوس الحجرية Hand-axes؛ وهي الأدوات الرئيسية في ذلك العصر. يلي ذلك العصر الحجري القديم الأوسط (الباليوليت الأوسط) Middle Palaeolithic ويؤرخ بين 200000 و40000 سنة خلت. عاش فيه إنسان النياندرتال Neanderthal الذي كان أكثر تطوراً من سلفه، بلغ حجم دماغه نحو1200سم3، وتراوح طوله بين 160 و170سم؛ وهو صانع الحضارة الموستيرية Mousterian التي استخدمت، في تصنيع الأدوات، الطريقة اللڤلوازية Levallois التي تعتمد على تحضير خاص للنواة قبل البدء بطرقها. القسم الأخير هو العصر الحجري القديم الأعلى (الباليوليت الأعلى) Upper Palaeolithic، ويؤرخ بين 40000 و15000 سنة ق.م، فيه ظهر الإنسان العاقل Homo-Sapiens الجدّ المباشر للإنسان الحالي الذي أحدث تطوراً شاملاً على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والروحية والفنية وغيرها، وهو عصر شهد انحسار الحضارات ذات الانتشار العالمي الواسع التي سادت في العصور السابقة وظهور حضارات محلية في مختلف المناطق.
العصر الثاني في عصور ما قبل التاريخ هو العصر الحجري الوسيط (الميزوليت Mesolithic)، ويؤرخ بين15000 و10000 سنة ق.م، ويمثل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم الذي سبقه والعصر الحجري الحديث الذي تلاه. والتغيير الأهم في هذا العصر هو ظهور الأدوات الحجرية الميكروليتية ذات الأشكال الهندسية geometric microliths، وفيه تبلورت الخصوصية الحضارية لمختلف المناطق التي دلت عليها الحضارات الكبارية والنطوفية التي تميزت بظهور قرى الصيادين الأولى في المشرق العربي القديم.
العصر الثالث هو العصر الحجري الحديث (النيوليت Neolithic)، ويؤرّخ بين 10000- 6000 سنة ق.م، حصل فيه انقلاب جذري في واقع المجتمعات التي تحولت من حياة التنقل والصيد والالتقاط إلى الاستقرار وممارسة تدجين الحيوانات وزراعة الحبوب، وهو ما أطلق عليه «الثورة النيوليتية» Neolithic Revolution. لقد رافقت هذا التحول الاقتصادي الكبير تحولات اجتماعية وروحية، تمثلت بظهور الفنون والمعتقدات التي جسدتها عقائد «تقديس الأجداد» و«الإلهة الأم» و«الثور المقدس»، وفيه حصلت تطورات تقنية في مجال تصنيع الأدوات الحجرية ومنها المناجل ورؤوس السهام والأدوات الزراعية الثقيلة.
وظهرت الأواني الفخارية التي غدت من العلامات الدالة - مثل الحجر سابقاً - على الشعوب والحضارات. كما وجدت في مواقع هذا العصر الخامات المستوردة من مسافات بعيدة، مثل السبج (الأوبسيديان Obsidian) وهو زجاج بركاني أسود كان من أقدم المواد التجارية في التاريخ.
في الشوط الأخير من عصور ما قبل التاريخ؛ المسمى بالعصر الحجري النحاسي (الكالكوليت Chalcolithic) والمؤرخ بين نحو 6000 و3000 سنة ق.م، تطورت الإنجازات النيوليتية على أكثر من صعيد، وسادت حضارات واسعة الانتشار أنجزتها شعوب ذات خصوصية عرقية وثقافية متميزة، ولها بنى اجتماعية وسياسية متطورة وضعت الأسس المتينة لنشوء المدن والدول الأولى. ظهرت في هذه المرحلة في المشرق القديم الحضارة الحلفية؛ نسبة إلى موقع تل حلف في الجزيرة السورية العليا، تلتها الحضارة العبيدية؛ نسبة إلى تل العبيد في جنوبي العراق، وأخيراً حضارة الوركاء المنسوبة إلى موقع الوركاء في جنوبي العراق، وهي حضارات أوصلت إنجازات عصور ما قبل التاريخ إلى قمتها، وتوّجتها بابتكار الكتابة التصويرية أولاً، ثم الكتابة المقطعية المسمارية التي وضعت الحد لعصور ما قبل التاريخ؛ لتبدأ العصور التاريخية القديمة في مطلع الألف الثالث ق.م.
سلطان محيسن