عباد (بنو)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عباد (بنو)

    عباد (بن)

    Abbadid - Abbadides

    عباد (بنو ـ)
    (414 ـ 484 هـ/1023 ـ 1091م)

    بنو عباد عرب أقحاح ينتهي نسبهم إلى عطاف بن نعيم من لخم، وغادر عطاف بلده العريش في أطراف الشام الجنوبية، وجاز الأندلس بعد الفتح بقليل مع رهط من لخم ضمن جموع بلج بن بشر القشيري الشامية ونزل في قرية (يومين) من إقليم طشانة (Tocina اليوم) قرب إشبيلية، وتصدوا لخدمة الملوك من بني أمية فصرّفوهم في الأمور المهمة، وكثرت فيهم الوجاهة والنباهة إلى عهد الخليفة الأموي الحكم المستنصر بالله وابنه هشام المؤيد بالله وحاجبه المنصور محمد بن أبي عامر. وكان القاضي أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عطاف بن نعيم أول من اشتهر، وكان من شرطة الخليفة الأموي هشام الثاني (المؤيد) وصار إمام مسجده. ثم قدمه الحاجب ابن أبي عامر على خطة القضاء في إشبيلية، وهو ينتمي إلى بيت من أعرق البيوت العربية في الأندلس، فضلاً عما امتاز به من علم وحكمة وورع وغنى. ولما عمت الفتنة الأندلس ظل إسماعيل في خطة القضاء وحفظ النظام وضبط الأمور في المدينة.
    وكان علي بن حمود من جند الأمويين قد قتل الخليفة سليمان بن الحكم وابنه الحكم وتولى الحكم في قرطبة سنة 407هـ/1016م، وتولى أخوه القاسم حكم إشبيلية فيما بقي إسماعيل بن عباد في منصب القضاء. ولما قتل علي بن حمود سنة 408هـ/1017م تولى أخوه القاسم مكانه في خلافة قرطبة، وخلا الجو ثانية لابن عباد، وهو الذي كان في أثناء تردد خلافة الحموديين بين قرطبة وإشبيلية وغمرة أحداثها يعمل على توطيد مركزه وتدعيم رئاسته وعلى حماية المدينة من أطماع البربر وعبثهم، ويجمع حوله كلمة زعماء إشبيلية حتى لاتصيبها الفتنة والفوضى مثل قرطبة ويطمع بها البربر، وقد وفق في خطته بحزمه ودهائه ووجاهته وسخائه في استخدام ثرائه ولباقته و وفور عقله وسبوغ علمه ورصانته، وعندما شعر إسماعيل بالتعب، وحقق بغيته في تثبيت قدمه في الرئاسة، وضعف بصره، ندب ولده أبا القاسم محمد ليشغل مكانه في خطة القضاء في حين كان سلطان الحموديين يترجح بين قرطبة وإشبيلية، وفي أوائل 412هـ/1021م ثار على القاسم الحمودي ابن أخيه يحيى وزحف على قرطبة فغادرها القاسم إلى إشبيلية وتسمى فيها بالخلافة وحمل لقب المستعلي، ومالبث أن استدعي إلى قرطبة ثانية بعد خلع يحيى. وفي مدة إقامة القاسم الحمودي في إشبيلية ثبّت أبا القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد في القضاء وقربه إليه. وكان محمد بن عباد يشعر بتهديد الحموديين لرئاسته، فلما استدعي أبو القاسم المستعلي الحمودي ثانية لتولي الخلافة في قرطبة، اجتمع رأي أهل إشبيلية على ثلاثة من زعمائهم هم القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد، والفقيه أبو عبد الله الزبيدي، والوزير أبو محمد عبد الله بن مريم، ليتولوا حكمها وضبط شؤونها، ولكن نفوذ ابن عباد كان غالباً. ولما عاد المستعلي لاجئاً مع فلوله البربر إلى إشبيلية، صدهم الإشبيليون وقدموا عليهم محمد بن عباد لقاء ولاء صوري ومبلغ من المال، وانفرد ابن عباد بالرياسة في أواخر 414هـ/1023م، وهُزِم البربر في إشبيلية وقرطبة معاً.
    ولُقِّب أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد بذي الوزارتين، وحكم إشبيلية بمقدرة وذكاء وحنكة، واستمال الناس إليه واستطاع أن يُخفت منافسيه، واصطنع أسباب القوة بشراء العبيد وحشد الجند وامتلاك السلاح، وكان حذراً دوماً من أطماع الحموديين كما كانوا يحذرونه، ولكي يرد أبو القاسم بن عباد مزاعم الحموديين بأنهم ورثة الخلافة أعلن ظهور المؤيد الخليفة الأموي هشامٍ الثاني بعدما كان متوارياً، وأنه لم يمت. وكان مصير هشام ملتبساً منذ ثار عليه سليمان المستعين في قرطبة وتعددت الروايات بشأنه من دون الوصول إلى خبر قاطع. واستفاد ابن عباد من الغموض فأحضر شخصاً شبيهاً بهشام اسمه خلف الحصري مؤذن مسجد رباح، ونصبه خليفة وجعل نفسه حاجباً له وبعث إلى سائر أمراء الأندلس يستخلص منهم البيعة لهشام. وإثر ذلك برز ابن عباد لمنازلة الخليفة المعتلي الحمودي صاحب مالقة وتمكنت قواته من القضاء عليه، ولكن تداعيات الصراع مع أطراف بربرية في مالقة وغرناطة أدت إلى مقتل ابنه إسماعيل بن محمد بن عباد 431هـ/1039م فحل محله في تدبير الشؤون عند أبيه وقيادة الجيش الابن الثاني عباد الذي أبدى حزماً وقوة وتمرساً. وبعد سنتين أي في 433هـ/1041م مات القاضي محمد بن إسماعيل وتولى عباد مكانه.
    كان القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد المؤسس لدولة بني عباد التي تمت فيها رسوم الملك لاحقاً على يد ابنه عباد المعتضد وحفيده محمد بن عباد المعتمد. وكان داهية ذا علم وأدب ومعرفة بتدبير السياسة.
    كان أبو عمرو عباد بن محمد بن إسماعيل المعتضد بالله في سن السادسة والعشرين من العمر عندما تولى، وكان جباراً مبرماً للأمور لا أمان له متعسفاً، مفرط القسوة متجاوزاً الحدود آخذاً بالظنّة خافراً للذمة، افتتح عهده بقتل وزير أبيه حبيب ونكبة الزعماء القدامى رفاق جده القاضي، ومنهم الفقيه الزبيدي ومحمد عبد الله مريم، واقتدى بالمعتضد العباسي (279ـ289هـ/892ـ901م). وشغلته الحروب ومكايدة الملوك الآخرين، واهتم بمظاهر الرياسة من قصور سامية وغلمان ومواكب، يمضي نهاره بالتدبير وليله بتملي السرور، أنشأ حديقة نصب على أعمدتها رؤوس أعدائه في أذن كل منهم اسمه، واحتفظ بخزانة فيها هام الملوك والرؤساء والحجاب الذين قضى عليهم. ومع ذلك فقد كان له وجه آخر وهو أنه كان جميل الصورة فخم الهيئة ثاقب الذهن حاضر البديهة، ذا حدس صائب ونظر في الأدب والشعر، جواداً محباً للمتع والخمر كلفاً بالنساء جمع منهن جمعاً إلى جانب المحظية لديه بنت مجاهد العامري أخت علي بن مجاهد صاحب دانية. وكان ولده من الذكور عشرين ومن الإناث مثلهم، ومن شعره:
    فالدهر شيء بارد
    إن لم تسخنه براح
    ومنه:
    شربنا وجفن الليل يغسل كحله
    بماء صباح والنسيم رقيق
    معتقة كالتبر أما نجارها
    ففخم وأما جسمها فدقيق
    كان المعتضد ماهراً بالمناورة، صالح ابن الأفطس في بطليوس بسعي ابن جهور أمير قرطبة، وفرغ لحرب الأمراء الأصاغر في غربي إشبيلية كابن يحيى وابن هارون وابن مزين والبكري وظفر بهم وألحق ديارهم بدولته، ثم مد يده إلى القاسم بن حمود في الجزيرة الخضراء فرضة المجاز بين الأندلس والعدوة المغربية فضم بلده، ثم توفي بالذبحة الصدرية سنة (461هـ/1068م) ودفن في إشبيلية. ونهض بالحكم بعده ابنه المعتمد على الله أبو القاسم محمد، فسار على نهج أبيه من غير قسوة وتوسع فضم قرطبة وخلع بني جهور منها وتابع التوسع شرقاً حتى بلغ شواطئ المتوسط بعد ضم مرسية.
    وكان المعتمد شجاعاً مقداماً يشارك في الحروب بشخصه، وكان أسمى ملوك الأندلس وأبعدهم صيتاً، وبلاطه ملتقى الشعراء والعلماء والأدباء وكان شاعراً رفيع المستوى انصرف إلى الخمر والنساء والشعر والترف الأقصى على شاكلة أبيه، وكان أكثر مقربيه شعراء منهم وزيره ابن عمار وزوجته الجارية السابقة اعتماد، ولكن أحوال الأندلس ساءت في زمنه فالتهديد الإسباني صار قوياً ضاغطاً والملك الإسباني الأذوفونش فرذلند (ألفونس السادس فرديناند) قوي أمره وكان ملوك الطوائف يتوددون إليه ويصالحونه ويؤدون إليه ضريبة، وقد أخذ طليطلة بعد حصار شديد من صاحبها القادر ذي النون سنة 478هـ/1085م، وتقاعس ملوك الطوائف عن إنجادها وتخاذلوا في مواجهة الوضع في حين كانوا يجدّون في التقاتل فيما بينهم.
    وكان سقوط طليطلة ضربة موجعة جداً للوجود العربي الإسلامي في الأندلس وشبه جزيرة إيبريا قاطبة، وأدى سقوطها إلى تصاعد أطماع الفونس. ومع أن المعتمد أكبر ملوك الأندلس وأوسعهم دياراً كان يؤدي الضريبة مثل غيره، ولكن الأذفونش رفض ضريبة المعتمد طمعاً بأخذ بلاده وأرسل يتهدده فغضب المعتمد وضرب الرسول، فثار الأذفونش وبدأ يستعد للحرب. وعلم وجهاء العرب والمسلمين والفقهاء بالأمر الجديد، فتشاوروا فيه مع المعتمد وأجمعوا على الاستنجاد بأمير المرابطين في المغرب أبي يعقوب يوسف بن تاشفين[ر]، وكتبوا إليه كتاباً بصورة الحال، واستجاب ابن تاشفين وعبر بجنوده إلى أرض الأندلس والتقى المعتمد وقد جمع عسكره، وتقاطرت قوات أمراء الطوائف، وزحف الأذفونش بجيشه وكتب إلى ابن تاشفين مهدداً فجاء الجواب متوعداً، والتقى الجيشان في موقع الزلاقة من أرض بطليوس سنة 479هـ/1086م، وهزم الإسبان هزيمة ساحقة وثبت المعتمد ثباتاً مشهوداً وأصابته عدة جراح ورجع بعد النصر إلى دياره في حين رجع ابن تاشفين إلى المغرب. ولقد تحطمت القوة العسكرية للنصارى الإسبان تحطماً تاماً في هذه الموقعة، بيد أن المرابطين وأهل الأندلس لم يستثمروا هذا الظفر الساحق، وآثروا الراحة والرجوع إلى أماكنهم من دون أن يدركوا أهمية هذه السانحة الذهبية في تقرير المصير في شبه الجزيرة الإيبرية كلها، وعاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس في العام التالي، وقام ببعض العمليات العسكرية يعاونه المعتمد، ثم عبر إلى غرناطة، فأخذها بعد أن غدر بصاحبها عبد الله بن بُلُكيّن وعاد مصطحباً ثروات كبيرة إلى مراكش.
    وامتلأت نفس ابن تاشفين إعجاباً بحسن الأندلس وبهجتها وترفها الفائق، وصار المقربون منه وحاشيته يزينون له أخذ الأندلس ويحرضون أطماعه في خيراتها ويقلّلون من شأن أمرائها ويكيدون للمعتمد عنده. وحزم ابن تاشفين رأيه في الاستيلاء على الأندلس وأرسل جيشه يقوده قائده (سير بن أبي بكر الأندلسي) فحاصر إشبيلية حصاراً قاسياً وصبر المعتمد وقاوم مقاومة عنيدة، واحتلت المدينة سنة 484هـ/1091م، وقبض على المعتمد وأهله، وقبل ذلك بقليل قُتل ولداه: المأمون وهو نائب والده في قرطبة التي غلب عليها المعتمد سنة 471هـ/1078م، قتل بعد أخذه فيها، والراضي وكان نائب والده في رندة وهي حصن أخذه المرابطون وقتلوا الراضي. وقُيِّد المعتمد وجُعل مع أهله في سفينة في وضع مزر يعكس مأساتهم وحملوا إلى ابن تاشفين في مراكش فأرسلهم مُعتقلين إلى مدينة أغمات. ومات المعتمد في الأسر بعد أربع سنوات سنة 488هـ/1095م.
    ولقد أفاض أناس أدباء وشعراء مراثي مؤثرة بالإشادة بالمعتمد، ووصف الحال البائسة التي آل إليها هو وأهله إذ غدوا سجناء، تبدل العز فيهم ذلاً والدعة شقاءً. وقد خلّف المعتمد أسرة كبيرة فكان له من الأبناء ثلاثون ومن البنات أربع وثلاثون. ولطالما ذكرت براعة المعتمد في الشعر وأنه كان فيه مجليّاً ولاسيما في النسيب والرثاء والعبث، ولو صدر مثل شعره عمن جعل الشعر صناعة واتخذه بضاعة لكان رائقاً معجباً.
    ومن شعره لما دخل المرابطون البلد عليه قال:
    وألذ من طعم الخضوع
    على فمي السم النقيع
    لم أستلب شرف الطبا
    ع أيسلب الشرف الرفيع
    ما سرت قط إلى القتا
    ل وكان من أملي الرجوع
    شيم الأولى أنا منهمُ
    والأصل تتبعه الفروع
    ولما رأى بناته في أطمار رثة صد عن قلبه فقال:
    فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً
    فساءك العيد في أغمات مأسوراً
    ترى بناتك في الأطمار جائعة،
    يغزلن للناس، ما يملكن قطميرا
    برزن نحوك للتسليم خاشعة
    أبصارهن حسيرات مكاسيرا
    يطأن في الطين والأقدام حافية
    كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
    يوسف الأمير علي

يعمل...
X