القاص والروائي نبيه الحسنFareed Zaffour
21 أبريل 2021 ·
القاص والروائي نبيه الحسن
21 أبريل 2021 ·
الحيثيات الدلالية في قصص " سوريا الأمّ " للقاص والروائي السوري نبيه إسكندر الحسن ) .
بقلم الناقد السوري : نزار بدور
لعل القارئ المتابع و المتمعن في فلسفة القص لدى القاص و الروائي نبيه اسكندر الحسن منذ مجموعته القصصية الأولى " الهدية " و الثانية " دليل الأم " و " الثالثة " سوريا الأمّ " و الرابعة " أحلام مشتتة ". سرعان ما يشدّ الانتباه في مجموعة القصص للأديب " نبيه اسكندر الحسن " التي يجمعها عنوان لافت /الأمّ سوريا أن الكاتب طرق باب الواقعية ضمن زاوية حادة في الرؤيا البصرية التي تبتدئ من خلال مشهد السرد القصصي . و الرؤى ذات التذهين التحديثي في حمولة الإبداع الذي يتجلى ببراعة حتى العفوية التي تطبع العمل وتؤكد مصداقية البوح التعبيري و الدلالي فيخرج الكاتب بذلك من دائرة التهويمات الرومنتيكية ليتجنب الخداع في آلية القص ، و ليؤكد مباشرة الأفكار التي أعمل منجله حصاداً وافر الغلال من حقول الواقع و قد طاب الجنى ، وصدح الموال من شرفات الواقع حيث الكاتب جزءاً منه إنساناً و فناناً لتأتي جزئيات الواقع في بانوراما تفصيلية تستجم مكوناتها في واقع معيش حامله الموضوعي:بيئة مكانية و اجتماعية هي /الأمّ سوريا/ في حراك يتماهى بساكنيه و منظومة القيم و مختلف الأنساق الجمالية التي جعلت من المكان غنياً بأناسه و طافحاً برمزيته ، وتعزيز وظيفته التعبيرية و الدلالية الإيحائية ، فبات المكان أساساً و حاضناً موضوعياً لآلية الحراك واقعاً ، و فتوة اللغة بذاراً منتجا" من رحم القصص الإبداعي فيتراءى المكان واقعاً و العمل الفني إبداعاً في متسع ذات الكاتب ابتكاراً توصيفياً نابهاً . و كل ذلك ضمن باب الواقع سكنى أحداث ، و الواقعية رؤية تذوقية تبادلية الانشغال حيث الواقع و الأفكار و المغزى وفق سعي حثيث لإثراء البنية الدلالية و النهوض بها للسرد الحكائي يتجاذب هذا الفعل القصصي الجانب الزماني ما بعد منتصف القرن الذي نسخه اللاحق ، لكننا لا نستطيع رغم انغماس القاص بالواقع تفاصيل مغرقة إلا و أن تشير إلى الإبداع الفني الذي دفع به متوازياً مع حيثيات الواقع إلى النفحات الإبداعية كحالة تصالحية بإسعاد النطق و قد أعيا الواقع الحال ف / هيام/ /طفلة / عند ذهابها إلى المدرسة كانت تقفز كشحرورة بين الآجام فبالإضافة إلى اللغة التصويرية المجازب و التي ترتكز على التصوير و محاكاة الطبيعة كشأن الإبداعيين نجد الحل الإبداعي المتمنى في مركز الوجدان رغبة و أمنية و قد حدد ذلك معطى الواقع الظرفي لتحقيق هدية للأم فكان"..... و في داخلها طفلة في عمر الورد مدماة ، و كفها يقبض على وردة حمراء " . ص / 11 / و / 12 .
و هكذا نجد الانسياب التصويري الحالم الجميل و لكنه منضد على رتابة الواقع ففي " الله مع الصابرين " " أنك ستصغي إلى سمفونية الودق الرتيب على صفائح التوتياء" و بالتوازي مع اللغة التصويرية تتوافق الإملات في كل من: القدر ، الطبقية، و الصدق وفق مسرب من تشاغل ذهني فهو غير قادر على تحقيق رغبة شراء تفاحة فمن جزئية الملاحظة تتسع دوائر القهرية و الإعياء و العجز ، و ربما عدم التوازن و الخوف من الانتحار أو البطش فالخنجر في يده فكأن القاص يشير إلى / غدر الحياة أمام شهامة التمني/ " و انبرى إلى عرض الشارع متلمسا" خنجره ". ص / 13 / و / 14 / .
لكن القاص في /فاطمة/ يطرز لوحة خيوطها الواقع ، و فضاؤها الديمومة في الفعل البطولي الاستشهادي و العمل العدواني الصارخ على الحق و البراءة ، و معنى الحياة لتبدو القصة نسقا" من إرادة تضحية في مواجهة باطل حاقد ص / 15 / و / 16 / .
لكن القاص في/ التجربة / يؤكد على دور الإنسان و ضرورة تجاذب أطراف التجارب وأن يدفع بنفسه و عليه التفاؤل فمعرفة الأسرار بالتجارب. ص / 17 / و/ 25 / .
هذه التجربة تكون أيضا" في مضمار تحقيق تجانس اجتماعي لمحطة بناء أسرة و تفعيل موقد العواطف بالمزيد من جمرات الاتقاد و العزيمة لكن كيف يتم ذلك و الواقع لا يفي بالمطلوب إضافة إلى وهن واش لكن رغم ذلك تمت الخطوبة فقد لاذ / نورس/ بالصمت إذ " يعتبر أن الكلمة تعادل ذهباً و الذهب يجب الاحتفاظ به لوقت الضرورة ". ص / 26 / و / 92 /
هو الإصرار ذاته في تأكيد تحقيق الوصية و الحفاظ على صون الدار كما نقرأ في /زكية و تشرين/ فعندما تأتى صوت زكية نهض /صقر/ و قال: لا عليك لا شيء غريب ، الدار بناه جدي ، وشجرة الزيتون نألفها و نزرع الصبار أيضاً " فالقاص يجذر مفهوم الانتماء و شرف الحمية العربية .ص / 30 / و/ 39 /
على أن القاص في /بعل/ يحرك الجاني الأسطوري و يقيم عملية إسقاط ليغدو رمز المطر مطراً للمعرفة التي لا يكون حراكها إلا في أعماق الذات الفطنة القائمة على الدربة، و التي بدورها تكون عمقاً لا تسطحاً " كثيرون يذكرون اليم لو أصغوا إلى الأعماق لشاهدوا المعجزات و العجائب " فالمطلوب : اللآلئ و ترك الطحالب . إن التوظيف الأسطوري يؤسس لأفكار تدعو إلى المزيد من خصوبة الأنسنة في مدارات الحياة ، و متسع المثل كما يتضح في / عشتروت / " أقسم أن أترجل عن صهوة الجواد حتى أرى بأم عيني الناس كأجواق العصافير تغني المحبة " و لم يعتمد القاص على الجانب التاريخي للأسطورة فحسب ، و إنما ارتكز على توظيف الطبيعة في إيحاء الدلالة ز / 40 / و /42 / ففي / قاسيون / نجد السند و الصلابة و الثبات وفق نسق لغوي عابق بالتوصيف الجمالي للغة الوارفة الظلال حيث تواصل الحياة رغم قتامة الجهل إذ يقول : " اللعنة فعلها الأنذال ، لكن لا خوف ما دام قاسيون بخير " .ص / 46 / و / 51 / .
و إذا كان الرمز مسرباً في تفعيل بنية الحدث القصصي و التقابل الدرامي فإن القاص في /عودة الصيف/ يوضح مرارة الهزيمة الوجع في تباين الواقع إذ الصبر في جرعاته المتزايدة كالدواء إن زيد منه يقتل صاحبه " أقرانها الأقل منها جمالاً و علما"يملكن المارات الفخمة و السيارات الفارهة وهي تعاني " فهي تملك كشأن المحبطين حزمة أحلام تذبل قبل أن تتفتح ، و تموت قبل أن تولد ، لأن واقع الحياة تكبر فيه الطفرات و تنوء به الإمكانات و تذوي ... و لاسيما عندما تدركه حرفة كحرفة الأدب . فالأوراق المسودات و بعض مفردات مشاريع القراءة أو الكتابة أصبحت كعود الثقاب الأخير عند/ بائعة الكبريت / للمنفلوطي مجمر دفء بحجم الفاقة و الحاجة و الخيال الضائع في متاهات الحظ القاتل . و لعل خاتمة القصة تعطي المزيد من الإيحاء / من يحوي الكتب بحاجة إلى الدفء/ من جوانب الحياة كافة المادي و المعنوي و فضاء من المساندة لأن من يقوم بذلك هو الذي يقول... يفكر...يكتب ما يعجز عنه الكثيرون لمرة فكيف لسنين و سنين و لأعمال و أعمال إبداعية، و ما تحمله من بذار :الأمل و الوجع و التمني و الثقة والبناء. ص / 64 / و/ 70 / . لكننا في قصة / جدران النظارة / نجد البعد الطبقي الذي يحاول الحلم الرومانسي أن يخفف من قساوته لكنه عبثاً يحاول / ففارس/ في اللحظة الحاسمة يتوارى فتكون الصفعة وتتسربل شخصية الصبية بالأحزان و اللوم " حتى كاد الدخان يغب ضوء الفانوس ، ولم يتبق سوى بصيص من يحتضر" هكذا كان احتضار حظها وواقعها أمام آخر مدجج بالمال وإمكانية التسليع، و مقامرة المال أمام جمالها ليغدو الأب عرابّاً وهو المتزوج من غير أمها ، و التي عندما تمت الصفقة أطلقت الزغاريد لكن الفتاة حاولت قلب الصورة لواقع الإحباط فواجهت لتتجاوز مفهوم: المرأة قيمة جسدية في مجتمع التخلّف بإرادتها ، و كسر حاجز البعد الطبقي وفق مصداقية الحب .إن عالم القيم منظومة أساسية في وعي النسيج القصصي الناهض بذات المبدع منعكسا" لواقع موضوعي قوامه المجتمع الذي درج على ذلك تتابع أعصر لذلك نجد أن نصّ/ وردة الجنوب / يؤكد على قيمة الشهادة و النصر فنقرأ " قدرنا أن نقاوم أو نموت " و في صوغ لغوي فيه حركية للأفعال المترجمة لسلوكات متتابعة ، و توضيح جلي لهمجية المعتدين عبر آلات الموت و الخراب من دبابات و طائرات تطل فكرة المقاومة و يتضح عشق الشهادة.
لذلك في نصه/ العين و المخرز / تتوالى الرسالة " احرصي على الوليد " فعبر خصب تموزي وتوظيف الرمز الأسطوري المتماهي بين السطور من كفاح متواصل يتكوثر ربيع التضحيات جيلاً يتبع آخر.
إن هذه المجموعة تترجم مدى انغماس القاص بتفاصيل الواقع بكل واقعية كأنها تسجيلية و بلغة بسيطة هي من أفواه الواقع دون تكلف حتى إننا نجد التكرار كما في / تلافيف الدماغ ، أحس بقشعريرة ،أطلق ساقيه/ فهذه العبارات الجاهزة تتفتح عندما يتسع الواقع لتبدو ثقافة مختزنة ، كما أننا نجد الاعتماد على الطبيعة بحثاً عن تصالح مع الإبداع لإيجاد فرصة من التكيف كمن ينهض صوب الجبال ليجفف ذاته من رطوبة الكهوف التي دفعته للتعبير ، فكان القص سبيلاً . و مما لا شك فيه أن الصفوة وحدها القادرة على التسامي . هكذا رسالة الأدب ودور الأديب مثلما هو دور الإنسان في ((كل مجال)) مشروع إبداع لذلك نجد أن السارد في النص هو ذات المبدع إنسانا" ، لكنه الواقع بوحاً.
الناقد الأديب السوري : نزار بدور.