كتب الأستاذ: بدر الدين تلجبيني..عن وقفة عيد الفطر في أواخر الستينات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتب الأستاذ: بدر الدين تلجبيني..عن وقفة عيد الفطر في أواخر الستينات

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1682026189576.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	22.7 كيلوبايت 
الهوية:	102224
    وقفة عيد الفطر
    في أواخر الستينات ، وفي اليوم الأخير من أيام شهر رمضان والشتاء ضاربٌ أطنابه ، تناولت العائلة طعام الإفطار ، وجلس أبو ديبو ربُّ الأسرة يقلَّب محطّات المذياع منتظراً إثبات العيد ، وفجأة قطع المذيع في محطة الشرق الأوسط المصرية نشرة الأخبار ليعلن أن يوم الغد هو أول أيام العيد ، صاح : أم ديبو !! عيَّدت مصر . وأخذ يبرم دولاب الراديو بنزق باحثاً عن إذاعة دمشق قائلا : ونحن ماذا جرى لنا ألن نعيِّد ؟؟ وفجأة يدوى صوت المدفع ممزقا سكون المدينة . فيصيح ابو ديبو : هذا هو الكلام !! عيَّدنا ام ديبو . فتجيبه : إفرح وانبسط ، بإمكانك بعد الآن ان تأكل وتدخن وقتما تشاء اسفي عليك يا رمضان مضيت سريعا ، ورفعت يديها إلى السماء تبتهل إلى الله ان يرسلوا لها ولدها العسكري ( ديبو ) بإجازة لتكتمل البهجة ،
    والتفتت الى ابو ديبو : ماذا تنتظر ؟ اذهب إلى السوق واجلب لنا الهبرة والشحمة لكي نبدأ بعمل كبة العيد .
    خرج أبو ديبو وأبناؤه من المنزل حاملين ( الشناتي ) الجلدية والمطر يهطل بغزارة والشوارع سواقي ،كان السوق مزدحماً بالمتسوقين يدخلون فارغين ليخرجوا محملين ( مزمَّلين ) وحبّات المطر تقرع سقف السوق ، والماء ( يزرزب ) من شقوقه مما أحال الأرض الى بركة من الوحل ،وصوت ام كلثوم يشدو عبر اجهزة المذياع المنتشرة في السوق باغنية : ( حبيبي يسعد أوقاته الليله عيد عالدنيا سعيد ) فتشيع البهجة في النفوس وترتسم البسمة على الوجوه ، وأمام أحد الدكاكين منقل نار اجتمع حوله المقرورون من رواد السوق يمدّون أكفَّهم إلتماسا للدفء ، يتوقَّف أبو ديبو عند أحد القصابين ويتأمَّل شقَّة لحم معلقة ويسأله : ما هذه ؟ يردّ : لحم خاروف على كيفك سأله : بكم الكيلو ؟ ردّ : بليرتين . قال : اف ولماذا ليرتين ؟؟ !! البارحة كان بليرة ونصف ؟! قال له : كان يا ما كان ، انتظر ، عندي شقَّة ( جدي ) لحمه مثل الفستق سعر الكيلو ليرة ونصف ، انظر ، كلُّها هبر .
    تفحَّصها ابو ديبو وقال له : زِنها .قال له : اربع كيلوات وسعرها ست ليرات ، ناوله أبو ديبو الليرات الست وقال له : قطَّعها ريثما اعود اليك . وذهب إلى دكّان بائع لحم البقر فاشترى الهبرة والشحمة لأجل الكبَّة ، ثم أخذ يتجول في السوق جيئة وذهابا ، فرأى محلات بيع الألبسة والأحذية وقد نفدت بضاعتهم ، فحمد الله أنه اشترى ألبسة الأولاد باكراً ولم يتعرض الى مسألة ضيّق وواسع وأعطنا أكبر بنمره وأصغر بنمره !! ومر من امام الخياطين المنهمكين في عملهم يغالبون النعاس ويجهدون في إنهاء خياطة البدلات والبنطلونات للزبائن لتكون جاهزة قبل صباح العيد . توقف ليسلم على أحد اصدقائه ، وبادره بالقول : راح رمضان يا صاحبي ، قال له صديقه : اراك مسرورا برحيله !! .رد : لا والله ، الحمد لله صمناه بخير وسلامه ( ويقبل ظاهر يده ) يرد عليه : لكنني سمعت انك حين تكون صائما كنت تعمل في المنزل العمايل ؟؟ ينفض ابو ديبو رماد سيجارته على الأرض الطينية ويقول له : لن أكذب عليك ، الحقيقة انه ما إن يقترب موعد الإفطار حتى تفلت معي البراغي ويطير غطاء الزجاجة فيخرج من فمي كلام مشكَّل ملوَّن !! ( ويضحك ضحكة مجلجلة ويشير الى السيجارة في يده ) : كل الحق على هذه الملعونة !! ) ، يرد عليه صديقه : اسفاً على رمضان ما أحلى ايامه . يسحب ابو ديبو نفسا عميقا ويتمتم : (صحيح !! ) ويلقي بعقب السيجارة في رامة المياه ويخرج أخرى جديدة . ويودع صديقه ويذهب ويشتري السكاكر ( ناشد أخوان ) والشوكولا و( التخليطة ) من فستق وبندق وبزر قرع ، ثم يمر بدكان القصاب ويأخذ اللحمة ، فتمتليء ( الجناتي ) الجلدية بما لذَّ وطاب من خيرات العيد ، ويعود وابناؤه إلى المنزل ، ويمرّون من أمام دكاكين الحلاقين المكتظة بالزبائن ينتظرون دورهم في الحلاقة ، يدخِّنون ويحتسون الشاي وقد علت ضحكاتهم ، ورأى أطفالاً يدخلون إلى احد أفران السوق حاملين صواني سوداء (صيجان ) مليئة بالكعك النيء ويخرجون بصيجان فارغة ، يصل إلى المنزل فتبادره ام ديبو : تأخَّرت كثيراً ، أين الهبرة والشحمه ؟ وتبدأ ام ديبو وبناتها في صنع كبَّة العيد وتقوم إحدى بناتها الصغيرات بتدوير ماكينة الكبَّه اليدوية التي استعاروها من الجيران وتحضّها على العمل : (برافو عليكي ) ساقول لأبيك ان يعطيك عشرة قروش مكافأة لك . قرَّر أبو ديبو السهر حتى الصباح ، فمضى في تقليب محطات المذياع عاضّاً على السيجارة بأسنانه ودخانها يتخلل شاربيه يبحث عن أخبار من الذي عيَّد من الدول ومن الذي لم يعيِّد ؟ ، وفجأة يطرق باب الدار فتهتف ام ديبو : إن لم يخب ظني فهذه ( دقَّة ) أخوكم ديبو ، وفعلاً يدخل العسكري ( ديبو ) حاملاً حقيبته ، وتكتمل عناصر الفرح في منزل أبو ديبو ، وتشرق البسمة على الوجوه .
    ، والحقيقة أن الفرحة في وقفة العيد اكبر من فرحة العيد ذاته .اعاد الله لنا بهجة العيد ..انه كريم حميد مجيد .
    بدر الدين تلجبيني
يعمل...