حيان اندلسي
Abu Hayyan al Andalusi - Abou Hayan al Andaloussi
أبو حيّان الأندلسيّ
(654-745هـ/1256-1344م)
أبو حيّان أثير الدّين محمد بن يوسف بن عليّ الأندلسيّ الغرناطيّ النِّفْزيّ نسبةً إلى قبيلة نفْزة البربرية. من كبار علماء العربيّة والتفسير والقراءات والفقه والتراجم والحديث في عصره.
وُلد أبو حيّان بمَطَخْشارش من غرناطة، وأكبّ منذ نعومة أظافره على دراسة القرآن والحديث وعلوم اللُّغة العربية. حفظ كتاب «الفصيح» لأحمد ابن يحيى ثعلب و دواوين مشاهير العرب الستّة، وهم امرؤ القيس، والنابغة، وعلقمة، وزهير، وطرفة، وعنترة، وديوان الأفوه الأودي، وثلث ديوان الحماسة، وقصائد مختارة من شعر أبي تمام، وغير ذلك من المظانّ الجليلة. ومِمّا أَسْهَمَ في ثِقافه واستوائه رجلاً عالماً أَخْذُه عن طائفة من علماء غرنـاطــة، منهم أبو جعفــر بن الزبيــر (ت708هـ)، وحازم القرطاجني (ت684هـ)، وأبو جعفر بن الطبّاع (ت680هـ)، وعلي بن محمد الباجي (ت714هـ)، وأبو الحسن علي بن محمد الأُبّذي (680هـ) وغيرهم. وما زال يطلب ويحصّل حتى راحت تطير شهرته في الآفاق ولمّا يتجاوز الثلاثين من عمره.
ثمّ اتّفق أن ارتحل عن غرناطة إلى المشرق سنة 678هـ، واختلف أصحاب التراجم في أسباب رحلته هذه، وأصحّ الأقوال أنه خافَ من شيخِه أبي جعفر ابن الطباع بعد أن استعدى عليه الأمير، لأَنّ أبا حيّان كان كثير الاعتراض عليه، وصنّف كتاباً في الردّ عليه أسماه «الإلماع في إفساد إجازة ابن الطبّاع». ومِمّا قوّى عزمه على الرحلة أنّه انْتُدِبَ لتدريس الفلسفة والطبيعة والمنطق، وكان يكره هذه العلوم، فترك غرناطة مخافة أن يُكره على ذلك.
زار أبو حيّان الحجاز والعراق والشام والإسكندرية، ثمّ وضع عصا الترحال في مصر سنة 680هـ، وكانت الحركة العلمية فيها مزدهرة. ثمّ أخذ نفسَه بالجدّ في طلب العــلم مرّة أخرى، فأخذ عن طائفة من أعيان مصر، منهم: أبو طاهر إسماعيل بن هبة الله المَليجي (ت681هـ)، وابن النقيب محمد بن سـليـمان (ت698هـ) صاحب «التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير»، ومنه اغترف أبو حيّان جلّ نقوله في تفسيره، وابن النحاس محـمد بن إبـراهيــم (ت698هـ)، ومحمد بن علي الشاطبي (ت684هـ)، وابن دقيق العيد (ت702هـ)، ومحمد بن محمود القاضي الأصبهاني (ت688هـ)، وغيرهم مِمّن يشقُّ إحصاؤهم. وقد بلغت عدّة الشيوخ الذين أخذ عنهم أبو حيان زُهاءَ أربعمئة وخمسين شيخاً.
كان أبو حيّان شيخاً طُوالاً، حسن العِمّة، كبير اللِّحية مسترسل الشِّعر فيها، عبارتُه فصيحة غير أنّه يعقد القاف قريباً من الكاف في غير القرآن، وكان تقيّاً وَرِعاً خاشعاً يبكي إذا سمع القرآن. وكان معتدّاً بنفسه وعلْمِه، يدلُّ على ذلك عبارات كثيرة نثرها في مواضع متفرّقة من تفسيره. ويُروى أنّه كان سيّئ الظّنّ بالناس، ويطعن عليهم، وقد دفع عنه هذه المطاعن تلميذه الصفدي.
أحبّ أبو حيّان العربيّة حُبّاً جعلهُ يصرف حياته في دَرْسِها وتدريسها، وقد قال تلميذُه الصّفديُّ: «لم أَرَه إلا يُسْمِعُ أو يشتغلُ أو يكتبُ، ولم أَرَه على غير ذلك».
تمذهب أبو حيان للإمام مالك، ثمّ سـلك مـسلك الظاهرية، وزُعم أنّه اسـتقر على المذهب الشافعي. والناظر في تفـسيره يرى أنه ظلّ ظاهرياً في حمل النصوص، وقد كان كثير الإعجاب بابن حـزم (ت 458هـ) وداود الأصفهاني (ت270هـ) وهما رأسا الظاهرية، ويُروى عن أبي حيّان قوله: «محالٌ أن يرجع عن مذهب الظاهر من عَلِق بذهنِه». وكان أبو حيان يبغض المعتزلة، وتولّى في تفسيره تفنيد مقالاتهم والرد على أعلامهم ولاسيما الزمخشري. وكان أيضاً يكره الصوفية وإذا ذكرهم سمّاهم: «أولئك الذين ينسبون أنفسهم إلى أهل الحقيقة». كما حمل على الفلاسفة حملةً شعواء، وحضَّ الناس على التبرؤ منهم والتنكّر لهم.
وكان لأبي حيّان إقبالٌ على الطلبةِ الأذكياء، وعنده تعظيمٌ لهم. وقد استوى أبو حيّان مدرّساً في علم التفسير والعربيّة في الجامع الأقمر ثم في قُبّة السلطان المنصور سنة 710هـ، وانثال عليه التلاميذ يفيدون منه حتى صار بعضهم أئمة وأشياخاً. ومِمّن انتفع به: نَجْلَتُه نُضَار أمّ العزّ (702-730هـ)، وكانت محدّثة فصيحة وصنّفت جزءاً في الحديث، ولمّا توفيت وجد عليها أبوها وَجْداً عظيماً، وصنّف فيها كتاباً أسماه «النُّضار في المسلاة عن نُضار»، أَوْدَعَ فيه سيرته العلمية وأخبار أسرته. وأخذ عنه كذلك ابن مكتوم أحمد بن عبد القادر (ت749هـ) صاحب «الدّرّ اللّقيط من البحر المحيط»، والحسن بن قاسم المرادي (ت749هـ)، وخليل بن أيبك الصفدي (ت764هـ)، وناظر الجيش محمد بن يوسف (ت778هـ)، وعلي بن عبد الكــافي الســبكي (ت755هـ)، وعبد الرحيم الإســنوي (ت772هـ)، وابن عقيل (ت769هـ)، والسمن الحلبي أحمد بن يوسـف (ت756هـ) صاحب «الدّرّ المصون»، وأبو إسحاق السفاقسي (ت742هـ) صاحب «المُجيد في إعراب القرآن المَجيد»، وغيرهم خَلْق كثير.
ولأبي حيّان أَشْعارٌ جمعها تلميذه الصفدي في ديوان إِلا أن شعرَه شعر الشيوخ الذي تثقله وطأة العلم، ولذا قال أحد النقاد: أبو حيان عالم لا شاعر. وله موشحات بديعة. ومن جميل قوله:
وقَصَّرَ آمالي مآلي إلـى الرَّدَى
وأنّـي وإنْ طَالَ المدى سوْفَ أَهْلِكُ
فصُنْتُ بمَاءِ الوَجْهِ نَفْساً أَبيّـةً
وجَادَت يميني بالّذي كُنْتُ أَمْلِكُ
ترك أبو حيان كُتُباً كثيرةً في علوم العربية والقرآن والتراجم تنم على ثقافة واسعة، وصل بعضها وطوى الزمن بعضها الآخر فيما طوى من ذخائر.
ولأبي حيان معرفة جمة بتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم ، وقد سأله شمس الدين الذهبي (ت 748هـ) سؤالات عن بعض رجال المغرب فأفتاه فيها. وله في التراجم «تحفة النُّدَس في نحاة الأندلس»، و«مجاني الهصر في آداب وتواريخ أهل العصر»، و«مشيخة ابن أبي منصور»، وغيرها. وله في الفقه: «الوهّاج في اختصار المنهاج» للنووي، و«الأنور الأعلى في اختصار المُحَلَّى» لابن حزم. وله مؤلفات في القراءات نظماً ونثراً، منها «عقد الّلآلئ»، وهو قصيد في ألف وأربعة وأربعين بيتاً .
وله في العربيّة: «التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل»، و مختَصَرُه «ارتشاف الضرب من لسان العرب»، قال السيوطي فيهما: «ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع ولا أحصى للخلاف والأحوال»، و«تذكرة النحاة»، و«الإسفار» الملخص من شــرح سيبويه للصفار قاسم بن علي البطليوســي (ت بعد 630هـ)، و«النكت الحسان في شرح غاية الإحسان»، وغيرها. على أن شهرة أبي حيان قامت على كتابه «تفسير البحر المحيط»، وهو من أوْعب كتب التفسير وأوسعها.
شرع في تصنيفه سنة 710هـ، وقدّم بين يدي الكتاب مقدمة نفيسة تكلّم فيها على العلوم التي ينبغي أن يحيط بها المفسّر وهي (اللغة والنحو والبيان والحديث وأصول الفقه والكلام والقراءات) وذكر بعض مظان هذه العلوم ومشيخته الذين أخذ عنهم هذه العلوم.
وقد اختط لنفسه نهجاً سار عليه، وهو أن يبدأ بالكلام على مفردات الآية المراد تفسيرها لفظة لفظة، ثم يذكر سبب نزولها إن كان لها سبب، ونسخها، ومناسبتها لما قبلها، ثم يحشد قراءاتها شاذّها ومستعملها، ويوجه ذلك في علم العربية، ثم ينقل أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، وإذا تكرّرت لفظة أو جملة أو آية اجتهد أن لا يعيد الكلام وذكر الحوالة على الموضع الذي تكلّم فيه عليها. وإذا كانت الآية من آيات الأحكام نقل أقاويل الفقهاء الأربعة، وأحال على كتب الفقه التي بسطت المسألة التي يتكلّم عليها، ثم يذكر في آخر الآيات فوائد في علم البيان والبديع، ثم يُجْمِلُ معاني الآيات في كلام منثور، وقد ينجرّ في هذا الملخّص معانٍ لم يتقدم تفسيرها.
وقد عُني أبو حيـان في تفـسيره عنايةً أيَّ عنايةٍ بالرّدّ على الزمخشري (ت538هـ) في «الكشّاف»، وابن عطيّة (ت542هـ) في «المحرِّر الوجيز»، وأبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المـرسـي (ت655هـ) في «المنتخب» وغيرهم. وكانت تستفزُّه شهوة المغالبة في الرد على هؤلاء حتى إنه جار على الزمخشري وظلمه، واجتاح كلامه وادّعاه في مواضع غير قليلة. وقد شغل مجمل هذا الرد مساحة ليست قليلة من تفسيره.
محمد عبد الله قاسم
Abu Hayyan al Andalusi - Abou Hayan al Andaloussi
أبو حيّان الأندلسيّ
(654-745هـ/1256-1344م)
أبو حيّان أثير الدّين محمد بن يوسف بن عليّ الأندلسيّ الغرناطيّ النِّفْزيّ نسبةً إلى قبيلة نفْزة البربرية. من كبار علماء العربيّة والتفسير والقراءات والفقه والتراجم والحديث في عصره.
وُلد أبو حيّان بمَطَخْشارش من غرناطة، وأكبّ منذ نعومة أظافره على دراسة القرآن والحديث وعلوم اللُّغة العربية. حفظ كتاب «الفصيح» لأحمد ابن يحيى ثعلب و دواوين مشاهير العرب الستّة، وهم امرؤ القيس، والنابغة، وعلقمة، وزهير، وطرفة، وعنترة، وديوان الأفوه الأودي، وثلث ديوان الحماسة، وقصائد مختارة من شعر أبي تمام، وغير ذلك من المظانّ الجليلة. ومِمّا أَسْهَمَ في ثِقافه واستوائه رجلاً عالماً أَخْذُه عن طائفة من علماء غرنـاطــة، منهم أبو جعفــر بن الزبيــر (ت708هـ)، وحازم القرطاجني (ت684هـ)، وأبو جعفر بن الطبّاع (ت680هـ)، وعلي بن محمد الباجي (ت714هـ)، وأبو الحسن علي بن محمد الأُبّذي (680هـ) وغيرهم. وما زال يطلب ويحصّل حتى راحت تطير شهرته في الآفاق ولمّا يتجاوز الثلاثين من عمره.
ثمّ اتّفق أن ارتحل عن غرناطة إلى المشرق سنة 678هـ، واختلف أصحاب التراجم في أسباب رحلته هذه، وأصحّ الأقوال أنه خافَ من شيخِه أبي جعفر ابن الطباع بعد أن استعدى عليه الأمير، لأَنّ أبا حيّان كان كثير الاعتراض عليه، وصنّف كتاباً في الردّ عليه أسماه «الإلماع في إفساد إجازة ابن الطبّاع». ومِمّا قوّى عزمه على الرحلة أنّه انْتُدِبَ لتدريس الفلسفة والطبيعة والمنطق، وكان يكره هذه العلوم، فترك غرناطة مخافة أن يُكره على ذلك.
زار أبو حيّان الحجاز والعراق والشام والإسكندرية، ثمّ وضع عصا الترحال في مصر سنة 680هـ، وكانت الحركة العلمية فيها مزدهرة. ثمّ أخذ نفسَه بالجدّ في طلب العــلم مرّة أخرى، فأخذ عن طائفة من أعيان مصر، منهم: أبو طاهر إسماعيل بن هبة الله المَليجي (ت681هـ)، وابن النقيب محمد بن سـليـمان (ت698هـ) صاحب «التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير»، ومنه اغترف أبو حيّان جلّ نقوله في تفسيره، وابن النحاس محـمد بن إبـراهيــم (ت698هـ)، ومحمد بن علي الشاطبي (ت684هـ)، وابن دقيق العيد (ت702هـ)، ومحمد بن محمود القاضي الأصبهاني (ت688هـ)، وغيرهم مِمّن يشقُّ إحصاؤهم. وقد بلغت عدّة الشيوخ الذين أخذ عنهم أبو حيان زُهاءَ أربعمئة وخمسين شيخاً.
كان أبو حيّان شيخاً طُوالاً، حسن العِمّة، كبير اللِّحية مسترسل الشِّعر فيها، عبارتُه فصيحة غير أنّه يعقد القاف قريباً من الكاف في غير القرآن، وكان تقيّاً وَرِعاً خاشعاً يبكي إذا سمع القرآن. وكان معتدّاً بنفسه وعلْمِه، يدلُّ على ذلك عبارات كثيرة نثرها في مواضع متفرّقة من تفسيره. ويُروى أنّه كان سيّئ الظّنّ بالناس، ويطعن عليهم، وقد دفع عنه هذه المطاعن تلميذه الصفدي.
أحبّ أبو حيّان العربيّة حُبّاً جعلهُ يصرف حياته في دَرْسِها وتدريسها، وقد قال تلميذُه الصّفديُّ: «لم أَرَه إلا يُسْمِعُ أو يشتغلُ أو يكتبُ، ولم أَرَه على غير ذلك».
تمذهب أبو حيان للإمام مالك، ثمّ سـلك مـسلك الظاهرية، وزُعم أنّه اسـتقر على المذهب الشافعي. والناظر في تفـسيره يرى أنه ظلّ ظاهرياً في حمل النصوص، وقد كان كثير الإعجاب بابن حـزم (ت 458هـ) وداود الأصفهاني (ت270هـ) وهما رأسا الظاهرية، ويُروى عن أبي حيّان قوله: «محالٌ أن يرجع عن مذهب الظاهر من عَلِق بذهنِه». وكان أبو حيان يبغض المعتزلة، وتولّى في تفسيره تفنيد مقالاتهم والرد على أعلامهم ولاسيما الزمخشري. وكان أيضاً يكره الصوفية وإذا ذكرهم سمّاهم: «أولئك الذين ينسبون أنفسهم إلى أهل الحقيقة». كما حمل على الفلاسفة حملةً شعواء، وحضَّ الناس على التبرؤ منهم والتنكّر لهم.
وكان لأبي حيّان إقبالٌ على الطلبةِ الأذكياء، وعنده تعظيمٌ لهم. وقد استوى أبو حيّان مدرّساً في علم التفسير والعربيّة في الجامع الأقمر ثم في قُبّة السلطان المنصور سنة 710هـ، وانثال عليه التلاميذ يفيدون منه حتى صار بعضهم أئمة وأشياخاً. ومِمّن انتفع به: نَجْلَتُه نُضَار أمّ العزّ (702-730هـ)، وكانت محدّثة فصيحة وصنّفت جزءاً في الحديث، ولمّا توفيت وجد عليها أبوها وَجْداً عظيماً، وصنّف فيها كتاباً أسماه «النُّضار في المسلاة عن نُضار»، أَوْدَعَ فيه سيرته العلمية وأخبار أسرته. وأخذ عنه كذلك ابن مكتوم أحمد بن عبد القادر (ت749هـ) صاحب «الدّرّ اللّقيط من البحر المحيط»، والحسن بن قاسم المرادي (ت749هـ)، وخليل بن أيبك الصفدي (ت764هـ)، وناظر الجيش محمد بن يوسف (ت778هـ)، وعلي بن عبد الكــافي الســبكي (ت755هـ)، وعبد الرحيم الإســنوي (ت772هـ)، وابن عقيل (ت769هـ)، والسمن الحلبي أحمد بن يوسـف (ت756هـ) صاحب «الدّرّ المصون»، وأبو إسحاق السفاقسي (ت742هـ) صاحب «المُجيد في إعراب القرآن المَجيد»، وغيرهم خَلْق كثير.
ولأبي حيّان أَشْعارٌ جمعها تلميذه الصفدي في ديوان إِلا أن شعرَه شعر الشيوخ الذي تثقله وطأة العلم، ولذا قال أحد النقاد: أبو حيان عالم لا شاعر. وله موشحات بديعة. ومن جميل قوله:
وقَصَّرَ آمالي مآلي إلـى الرَّدَى
وأنّـي وإنْ طَالَ المدى سوْفَ أَهْلِكُ
فصُنْتُ بمَاءِ الوَجْهِ نَفْساً أَبيّـةً
وجَادَت يميني بالّذي كُنْتُ أَمْلِكُ
ترك أبو حيان كُتُباً كثيرةً في علوم العربية والقرآن والتراجم تنم على ثقافة واسعة، وصل بعضها وطوى الزمن بعضها الآخر فيما طوى من ذخائر.
ولأبي حيان معرفة جمة بتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم ، وقد سأله شمس الدين الذهبي (ت 748هـ) سؤالات عن بعض رجال المغرب فأفتاه فيها. وله في التراجم «تحفة النُّدَس في نحاة الأندلس»، و«مجاني الهصر في آداب وتواريخ أهل العصر»، و«مشيخة ابن أبي منصور»، وغيرها. وله في الفقه: «الوهّاج في اختصار المنهاج» للنووي، و«الأنور الأعلى في اختصار المُحَلَّى» لابن حزم. وله مؤلفات في القراءات نظماً ونثراً، منها «عقد الّلآلئ»، وهو قصيد في ألف وأربعة وأربعين بيتاً .
وله في العربيّة: «التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل»، و مختَصَرُه «ارتشاف الضرب من لسان العرب»، قال السيوطي فيهما: «ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع ولا أحصى للخلاف والأحوال»، و«تذكرة النحاة»، و«الإسفار» الملخص من شــرح سيبويه للصفار قاسم بن علي البطليوســي (ت بعد 630هـ)، و«النكت الحسان في شرح غاية الإحسان»، وغيرها. على أن شهرة أبي حيان قامت على كتابه «تفسير البحر المحيط»، وهو من أوْعب كتب التفسير وأوسعها.
شرع في تصنيفه سنة 710هـ، وقدّم بين يدي الكتاب مقدمة نفيسة تكلّم فيها على العلوم التي ينبغي أن يحيط بها المفسّر وهي (اللغة والنحو والبيان والحديث وأصول الفقه والكلام والقراءات) وذكر بعض مظان هذه العلوم ومشيخته الذين أخذ عنهم هذه العلوم.
وقد اختط لنفسه نهجاً سار عليه، وهو أن يبدأ بالكلام على مفردات الآية المراد تفسيرها لفظة لفظة، ثم يذكر سبب نزولها إن كان لها سبب، ونسخها، ومناسبتها لما قبلها، ثم يحشد قراءاتها شاذّها ومستعملها، ويوجه ذلك في علم العربية، ثم ينقل أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، وإذا تكرّرت لفظة أو جملة أو آية اجتهد أن لا يعيد الكلام وذكر الحوالة على الموضع الذي تكلّم فيه عليها. وإذا كانت الآية من آيات الأحكام نقل أقاويل الفقهاء الأربعة، وأحال على كتب الفقه التي بسطت المسألة التي يتكلّم عليها، ثم يذكر في آخر الآيات فوائد في علم البيان والبديع، ثم يُجْمِلُ معاني الآيات في كلام منثور، وقد ينجرّ في هذا الملخّص معانٍ لم يتقدم تفسيرها.
وقد عُني أبو حيـان في تفـسيره عنايةً أيَّ عنايةٍ بالرّدّ على الزمخشري (ت538هـ) في «الكشّاف»، وابن عطيّة (ت542هـ) في «المحرِّر الوجيز»، وأبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المـرسـي (ت655هـ) في «المنتخب» وغيرهم. وكانت تستفزُّه شهوة المغالبة في الرد على هؤلاء حتى إنه جار على الزمخشري وظلمه، واجتاح كلامه وادّعاه في مواضع غير قليلة. وقد شغل مجمل هذا الرد مساحة ليست قليلة من تفسيره.
محمد عبد الله قاسم