اتصال بالجماهير
Mass communication - Communication de masse
الاتصال بالجماهير
يعرّف الاتصال في علوم السلوك بأنه العملية التي يتم بها نقل آثار التغير من أحد أطراف المجال السلوكي، وهو مصدر الإثارة، إلى الطرف الآخر بهدف إحداث تغيير فيه. ويمضي الاتصال في معظم المواقف من مصدر الإثارة وإليه، ويقل أن يمضي في اتجاه واحد حين يكون مباشراً. وتتواصل المخلوقات فيما بينها بأنماط كثيرة ومختلفة، وعلى درجات متفاوتة، وتتحدد العملية، في كل حال، بمكونات الاتصال الأساسية وفي مقدمتها: خصائص الأطراف التي يجري الاتصال فيما بينها، والحدود الفاصلة بين تلك الأطراف، وأدوات الاتصال، ومحتوى عملية الاتصال.
ويسمى الاتصال باسم الاتصال الاجتماعي social communication حين يتم به تبادل الفهم بين الكائنات البشرية ونقل المعاني من إنسان إلى آخر أو إلى جماعة، أو من جماعة إلى أخرى أو إلى فرد. ويعد هذا النوع من الاتصال أساس الحياة الاجتماعية والحضارة والتقدم وبه تتم عملية نقل تجارب الأجيال وتجارب الآخرين.
ويسمى الاتصال باسم الاتصال الجماهيري mass communication حين يكون المستقبل جمهوراً. فإذا كان الحديث عن السلوك الحيواني عرف الاتصال عندئذ باسم الاتصال الحيواني animal communication.
الإشارات في الاتصال
تجري عملية الاتصال بوساطة أنواع من الإشارات التي يتم بها التعبير عن المحتوى. والإشارة، بمعناها العام، هي كل ما يشير من كلمة أو حركة أو صورة أو إيماءة أو شيء مادي أو غير ذلك، إلى شيء غير ذاته أو إلى تصور فكري بحيث يؤدي إلى اختصار الأفكار المجردة وعمليات تركيب المعاني المطولة بما يمكن أن يرمز إليها أو يدل عليها. وفي الإشارة، بمعناها العام، دال ومدلول، أي شكل ومحتوى، ويمثلان، بوجه عام، شيئاً أو مفهوماً هو المشار إليه، أي المضمون، (سواء من العالم الخارجي أو الداخلي). تنقل الإشارة المعاني إلى أحد أطراف الاتصال ويدخل كل من طرفي الاتصال (المرسل والمرسل إليه) في تحديد شكل الإشارة ونوعها. لهذا تندرج الإشارة ضمن عملية الاتصال وتعمل وسيلة للاتصال وهدفه، ويصبح كل شيء أو صفة أو فكرة، أو غير ذلك من موضوعات الاتصال، إشارة في عملية الاتصال.
ومن هذه الزاوية يمكن أن تصبح الظاهرة الطبيعية إشارة إذا دخلت في عملية الاتصال البشري وتضمنت تفسيراً معيناً، وهذا هو حال الرعد والغيوم لدى من يرى فيها إشارة لما ينتظر أن يحدث. وانطلاقاً من هذا الفهم يمكن القول إن الإشارة، بمعناها العام في الاتصال، هي علاقة محددة بين الأطراف أو الأفراد الذين يستعملونها والواقع الذي تدل عليه، ولا يتم استعمالها إلا ضمن عمل جماعي محدد يعيه من يقوم به ويحاول فيه وضع نفسه مكان الطرف الآخر بغية فهم موقفه.
يدخل استعمال الإشارة في عملية الاتصال في كل بنية اجتماعية مهما كانت بسيطة أو معقدة. ومن البدهي القول: إن الاختلاف كبير بين الإشارات التي يستعملها الإنسان في اتصاله بالآخرين وتلك التي يستعملها الحيوان: فلكل مستواه من حيث المنعكسات الغريزية والعمليات الفكرية. فإذا وقف الحديث عن الإشارات عند الإنسان قيل عنها إنها إنتاج اجتماعي واعٍ يتكون من مجموعة علاقات بين الدال والمدلول، أو بين الإشارة والواقع الذي تدل عليه، أو بين كل هذه الجوانب والأفراد الذين يستعملون الإشارات وبين الإشارات الأخرى التي تنتمي إلى نظامها.
وتصنف الإشارات من حيث معناها العام في الاتصال إلى نوعين: الرموز symbols والعلامات signs، ويضيف بعضهم نوعاً ثالثاً يطلق عليه مصطلح «الإشارات الاصطلاحية» أو «الإشارات» بالمعنى الضيق للكلمة.
تدل الرموز على الأشياء أو الأفكار، وتحل محلها وتصبح بديلة عنها بفعل قاعدة متواضع عليها، ويتعلمها الأفراد الذين يستعملونها، وهي لا تكون إلا بوجود علاقة تجريدية تجمع ما بين طرفيها الدال والمدلول. فالميزان مثلاً رمز للعدل، وكلمة «كتاب» تدل على شيء معين. ويفقد الرمز صفته الدلالية إذا فقد تفسيره.
وبين الرموز ما هو لغوي، وبينها ما ليس كذلك. أما الرموز اللغوية فتتألف من الألفاظ المكتوبة والمنطوقة التي تؤلف منظومة من الإشارات المتعارف عليها، وهي من أكثر أنظمة الإشارات تعقيداً. وتتكون الرموز اللغوية بفعل علاقة دلالية تربط ما بين الدال والمدلول، وتُعد أداة الاتصال البشرية الأساسية وأكثر أنواع أدوات الاتصال تعبيراً، ذلك لأن الإشارات غير اللفظية لا تأخذ معناها إلا بصفتها بديلة للإشارات اللفظية، ولأن الرموز اللغوية تحمل شحنة من المعاني الثانوية اللاحقة مثل الاستنكار والتعجب والسرور وغيرها التي ترتبط بعلاقة ما بالمعنى الأصلي لها. ومع كل ذلك فإن الرموز اللغوية كثيراً ما تضلل ويساء فهمها.
تتصف الرموز اللغوية بأنها اتفاقية أي جرى الاتفاق بشأنها، ولا تخضع دائماً للمنطق من حيث ارتباطها بما تدل عليه. ثم إنها تتألف من وحدات دلالية قابلة للانقسام إلى رموز أبسط منها، ويمكن أن يدخل كل رمز منها في تركيب وحدات دلالية مختلفة. وتقوم الرموز اللغوية بدور رئيس في عملية الاتصال الفكرية والاجتماعية، ويمكن بوساطتها التعبير عن كل شيء. إنها لغة الحضارة المادية والروحية: الملموسة والمجردة.
وأما الرموز غير اللغوية فإشارات مادية تدل على شيء آخر، غير ذاتها: فرسم الميزان يدل مثلاً على العدل، ورسم الجمجمة على الخطر، ويكون الدخان رمزاً للاتصال لدى بعض القبائل، كما يكون السكوت من الرموز التعبيرية ويستعمل في عملية الاتصال لأنه قد يعني أحياناً رفض أمر، أو التردد فيه، أو عدم القدرة على البوح به.
أما العلامات فإشارات تعود إلى شيء ما لأنها تملك ترابطاً دينامياً ومكانياً بينها وبين الشيء من جهة، وبينها وبين حواس أو (ذاكرة) الشخص الذي يستعملها، من جهة أخرى. ويعني ذلك أن العلامة وما تشير إليه يحدثان معاً بحيث يرتبط كل واحد منهما بالآخر في ذهن الفرد عن طريق عملية التعلم. وبهذا فإن العلامة تحمل عائدة لأي كائن حي معنى واحداً محدداً يتصل بالظروف التي تحدث فيها وتجعل الفرد يربط نتيجة أو «علامة» بسبب أو مؤثر. ومن الممكن التفريق بين العلامات الطبيعية والعلامات الاصطناعية. فالعلامات الطبيعية هي جميع العلامات المادية التي تدل على شيء آخر يرتبط بها: كأن تدل الغيوم على المطر، والدخان على الحريق. ويدخل ضمن هذه الفئة جميع العلامات اللاإرادية التي تفصح عن الحالات الوجدانية والمشاعر والنوايا: هكذا يدل بريق العينين مثلاً على الأمل، والعبوس على الغضب، واحمرار الوجه على الخجل.
وأما العلامات الاصطناعية فإشارات يصطنعها الإنسان ويربطها بموقف أو بشيء معين بغية تحميلها رسالة ما، ومثال ذلك إشارات السير، وإشارات الاتصالات البرقية. ولا تصبح «الإشارة الاصطناعية» إشارة إلا إذا كان معناها المتفق عليه معروفاً لدى المرسل إليه.
Mass communication - Communication de masse
الاتصال بالجماهير
يعرّف الاتصال في علوم السلوك بأنه العملية التي يتم بها نقل آثار التغير من أحد أطراف المجال السلوكي، وهو مصدر الإثارة، إلى الطرف الآخر بهدف إحداث تغيير فيه. ويمضي الاتصال في معظم المواقف من مصدر الإثارة وإليه، ويقل أن يمضي في اتجاه واحد حين يكون مباشراً. وتتواصل المخلوقات فيما بينها بأنماط كثيرة ومختلفة، وعلى درجات متفاوتة، وتتحدد العملية، في كل حال، بمكونات الاتصال الأساسية وفي مقدمتها: خصائص الأطراف التي يجري الاتصال فيما بينها، والحدود الفاصلة بين تلك الأطراف، وأدوات الاتصال، ومحتوى عملية الاتصال.
ويسمى الاتصال باسم الاتصال الاجتماعي social communication حين يتم به تبادل الفهم بين الكائنات البشرية ونقل المعاني من إنسان إلى آخر أو إلى جماعة، أو من جماعة إلى أخرى أو إلى فرد. ويعد هذا النوع من الاتصال أساس الحياة الاجتماعية والحضارة والتقدم وبه تتم عملية نقل تجارب الأجيال وتجارب الآخرين.
ويسمى الاتصال باسم الاتصال الجماهيري mass communication حين يكون المستقبل جمهوراً. فإذا كان الحديث عن السلوك الحيواني عرف الاتصال عندئذ باسم الاتصال الحيواني animal communication.
الإشارات في الاتصال
تجري عملية الاتصال بوساطة أنواع من الإشارات التي يتم بها التعبير عن المحتوى. والإشارة، بمعناها العام، هي كل ما يشير من كلمة أو حركة أو صورة أو إيماءة أو شيء مادي أو غير ذلك، إلى شيء غير ذاته أو إلى تصور فكري بحيث يؤدي إلى اختصار الأفكار المجردة وعمليات تركيب المعاني المطولة بما يمكن أن يرمز إليها أو يدل عليها. وفي الإشارة، بمعناها العام، دال ومدلول، أي شكل ومحتوى، ويمثلان، بوجه عام، شيئاً أو مفهوماً هو المشار إليه، أي المضمون، (سواء من العالم الخارجي أو الداخلي). تنقل الإشارة المعاني إلى أحد أطراف الاتصال ويدخل كل من طرفي الاتصال (المرسل والمرسل إليه) في تحديد شكل الإشارة ونوعها. لهذا تندرج الإشارة ضمن عملية الاتصال وتعمل وسيلة للاتصال وهدفه، ويصبح كل شيء أو صفة أو فكرة، أو غير ذلك من موضوعات الاتصال، إشارة في عملية الاتصال.
ومن هذه الزاوية يمكن أن تصبح الظاهرة الطبيعية إشارة إذا دخلت في عملية الاتصال البشري وتضمنت تفسيراً معيناً، وهذا هو حال الرعد والغيوم لدى من يرى فيها إشارة لما ينتظر أن يحدث. وانطلاقاً من هذا الفهم يمكن القول إن الإشارة، بمعناها العام في الاتصال، هي علاقة محددة بين الأطراف أو الأفراد الذين يستعملونها والواقع الذي تدل عليه، ولا يتم استعمالها إلا ضمن عمل جماعي محدد يعيه من يقوم به ويحاول فيه وضع نفسه مكان الطرف الآخر بغية فهم موقفه.
يدخل استعمال الإشارة في عملية الاتصال في كل بنية اجتماعية مهما كانت بسيطة أو معقدة. ومن البدهي القول: إن الاختلاف كبير بين الإشارات التي يستعملها الإنسان في اتصاله بالآخرين وتلك التي يستعملها الحيوان: فلكل مستواه من حيث المنعكسات الغريزية والعمليات الفكرية. فإذا وقف الحديث عن الإشارات عند الإنسان قيل عنها إنها إنتاج اجتماعي واعٍ يتكون من مجموعة علاقات بين الدال والمدلول، أو بين الإشارة والواقع الذي تدل عليه، أو بين كل هذه الجوانب والأفراد الذين يستعملون الإشارات وبين الإشارات الأخرى التي تنتمي إلى نظامها.
وتصنف الإشارات من حيث معناها العام في الاتصال إلى نوعين: الرموز symbols والعلامات signs، ويضيف بعضهم نوعاً ثالثاً يطلق عليه مصطلح «الإشارات الاصطلاحية» أو «الإشارات» بالمعنى الضيق للكلمة.
تدل الرموز على الأشياء أو الأفكار، وتحل محلها وتصبح بديلة عنها بفعل قاعدة متواضع عليها، ويتعلمها الأفراد الذين يستعملونها، وهي لا تكون إلا بوجود علاقة تجريدية تجمع ما بين طرفيها الدال والمدلول. فالميزان مثلاً رمز للعدل، وكلمة «كتاب» تدل على شيء معين. ويفقد الرمز صفته الدلالية إذا فقد تفسيره.
وبين الرموز ما هو لغوي، وبينها ما ليس كذلك. أما الرموز اللغوية فتتألف من الألفاظ المكتوبة والمنطوقة التي تؤلف منظومة من الإشارات المتعارف عليها، وهي من أكثر أنظمة الإشارات تعقيداً. وتتكون الرموز اللغوية بفعل علاقة دلالية تربط ما بين الدال والمدلول، وتُعد أداة الاتصال البشرية الأساسية وأكثر أنواع أدوات الاتصال تعبيراً، ذلك لأن الإشارات غير اللفظية لا تأخذ معناها إلا بصفتها بديلة للإشارات اللفظية، ولأن الرموز اللغوية تحمل شحنة من المعاني الثانوية اللاحقة مثل الاستنكار والتعجب والسرور وغيرها التي ترتبط بعلاقة ما بالمعنى الأصلي لها. ومع كل ذلك فإن الرموز اللغوية كثيراً ما تضلل ويساء فهمها.
تتصف الرموز اللغوية بأنها اتفاقية أي جرى الاتفاق بشأنها، ولا تخضع دائماً للمنطق من حيث ارتباطها بما تدل عليه. ثم إنها تتألف من وحدات دلالية قابلة للانقسام إلى رموز أبسط منها، ويمكن أن يدخل كل رمز منها في تركيب وحدات دلالية مختلفة. وتقوم الرموز اللغوية بدور رئيس في عملية الاتصال الفكرية والاجتماعية، ويمكن بوساطتها التعبير عن كل شيء. إنها لغة الحضارة المادية والروحية: الملموسة والمجردة.
وأما الرموز غير اللغوية فإشارات مادية تدل على شيء آخر، غير ذاتها: فرسم الميزان يدل مثلاً على العدل، ورسم الجمجمة على الخطر، ويكون الدخان رمزاً للاتصال لدى بعض القبائل، كما يكون السكوت من الرموز التعبيرية ويستعمل في عملية الاتصال لأنه قد يعني أحياناً رفض أمر، أو التردد فيه، أو عدم القدرة على البوح به.
أما العلامات فإشارات تعود إلى شيء ما لأنها تملك ترابطاً دينامياً ومكانياً بينها وبين الشيء من جهة، وبينها وبين حواس أو (ذاكرة) الشخص الذي يستعملها، من جهة أخرى. ويعني ذلك أن العلامة وما تشير إليه يحدثان معاً بحيث يرتبط كل واحد منهما بالآخر في ذهن الفرد عن طريق عملية التعلم. وبهذا فإن العلامة تحمل عائدة لأي كائن حي معنى واحداً محدداً يتصل بالظروف التي تحدث فيها وتجعل الفرد يربط نتيجة أو «علامة» بسبب أو مؤثر. ومن الممكن التفريق بين العلامات الطبيعية والعلامات الاصطناعية. فالعلامات الطبيعية هي جميع العلامات المادية التي تدل على شيء آخر يرتبط بها: كأن تدل الغيوم على المطر، والدخان على الحريق. ويدخل ضمن هذه الفئة جميع العلامات اللاإرادية التي تفصح عن الحالات الوجدانية والمشاعر والنوايا: هكذا يدل بريق العينين مثلاً على الأمل، والعبوس على الغضب، واحمرار الوجه على الخجل.
وأما العلامات الاصطناعية فإشارات يصطنعها الإنسان ويربطها بموقف أو بشيء معين بغية تحميلها رسالة ما، ومثال ذلك إشارات السير، وإشارات الاتصالات البرقية. ولا تصبح «الإشارة الاصطناعية» إشارة إلا إذا كان معناها المتفق عليه معروفاً لدى المرسل إليه.