لامارتين (الفونس دي) Lamartine (Alphonse de-) - Lamartine (Alphonse de-)
لامارتين (ألفونس دي ـ)
(1790ـ 1869)
ألفونس دي لامارتين Alphonse de Lamartine رائد الإبداعية [ر] (الرومانسية) وأشهر الشعراء الفرنسيين في مطلع القرن التاسع عشر. ولد في ماكون Mâcon جنوب شرقي باريس. يتحدر من أسرة نبيلة ريفية وعاش طفولته مع شقيقاته الخمس- وكان بكرهم - في أحضان الطبيعة. غرست والدته في ذهنه باكراً التعاليم الدينية ثم تولى تدريسه القس دومون Dumont وتابع دراسته في معهد اليسوعيين في بلدة بيللِه Belley، وكان مولعاً بالقراءة فاختار من القدامى ڤرجيليوس [ر] وهوراتيوس [ر]، ومن معاصريه شاتوبريان [ر]. وفي عام 1807 رفض - وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة - الدخول في خدمة نابليون وآثر الانزواء والعيش في أملاك والده النائية في ميللي Milly قرب ضفاف نهر اللوار في أواسط فرنسا، وكان يحلم بدخول السلك الخارجي أو الجيش كما فعل والده. وصرف جلّ وقته في المطالعة ونظم الشعر (1808-1811) وعندما سئم قام برحلة مع صديقه ڤيريو Virieu إلى إيطاليا والتقى فتاة من نابولي جسدّت الحب البريء ldylle في روايته «غراتسييلّلا» Graziella التي صدرت عام 1849.
عند سقوط الامبراطورية L’Empire عام 1814 تفاءل لامارتين وخدم مع الحرس الخاص للملك لويس الثامن عشر ولكن سرعان ما قدم استقالته وعاد إلى ميللي. إلا أن العاصمة جذبته بأضوائها وملاهيها، وكان حنينه إلى حياة الترف يدفعه إلى الذهاب إلى باريس بين الحين والآخر.
وفي خريف عام 1816 ذهب إلى ايكس ليه بان Aix-Les-Bains استجماماً واسترواحاً، وعلى ضفاف بحيرة بورجيه Bourget التقى السيدة جولي شارل Julie Charles زوجة فيزيائي شهير ومصابة بالسل الرئوي. فوقع في حبها، وسرعان ما انتهت قصة حبه بوفاتها بعد عام. وبقيت جولي المرأة المثالية التي خلّدها الشاعر في قصيدته الشهيرة «البحيرة» Le Lac والتي تُرجمت إلى لغات عديدة ومنها العربية. ويعتصر قلب لامارتين ألماً لفراقها، ولكن إبداعه يتفجر في الوقت ذاته فينظم ديوانه الأول الشهير «التأملات» Les Méditations (1820) الذي يضم أربعاً وعشرين قصيدة أشهرها قصيدة «البحيرة». ويتضرع فيه لامارتين ويتساءل علّ إيمانه الذي تسلّح به منذ صغره يسعفه في تجاوز هذه المحنة. وحاز ديوانه نجاحاً منقطع النظير بأسلوبه الإبداعي والعاطفي الجديد، إذ يُعد أول مجموعة قصائد غنائية ورومانسية في تاريخ الأدب الفرنسي، كذلك بما حمله من مشاعر صادقة، عميقة ورقيقة، وبلغة عذبة الإيقاع جميلة الجرس. وقد وضعه هذا الديوان في الذروة بين الشعراء ومهّد له الطريق إلى عضوية الأكاديمية الفرنسية عام 1829. وفي العام الذي حقق فيه الشهرة (1820) حظي بمنصب ملحق في سفارة فرنسا في نابولي ساعده على الاستقرار والزواج من ماري آن برتش Mary-Ann Birch وهي فتاة إنكليزية التقاها في شمبري Chambéry، ورزق منها بطفلين توفيا في حياته، ألفونس في شهره العشرين وجوليا في عامها العاشر.
بقي الزوجان في جنوبي إيطاليا حتى عام 1821 عادا بعدها إلى فرنسا ثم سافرا إلى إنكلترا (1822). وأمضى لامارتين فترة (1822- 1825) متنقلاً بين باريس وقصر سان بوان Saint-Point هدية زواجه، وشهدت هذه السنوات استقراراً اجتماعياً وعاطفياً ما دفعه إلى المزيد من الكتابات؛ فصدر له «التأملات الجديدة» Les Nouvelles Méditations (1823) و«موت سقراط» La Mort de Socrate و«أنشودة المزار الأخيرة لهارولد» Le Dernier Chant de Pèlerinage d’Harold (1825). وفي هذا العام حظي بمنصب سكرتير في سفارته في فلورنسا وأمضى ثلاث سنوات استطاع بعدها أن يصدر ديوانه الثاني الشهير «تناغمات شعرية ودينية» Harmonies Poétiques et religieuses (1830). وقد كان الموضوع الرئيسي لديه، بعد الحب المُحطّم، موضوع الإله الخالق Dieu-Créateur الذي يشغله ويؤمن بوجوده، وموضوعات ماوراء الطبيعة. وسافر عام 1832 مع زوجته وابنته إلى الشرق لزيارة الأماكن المقدسة، حيث تجلت الكلمة الإلهية، بهدف تعزيز مشاعره الدينية. وفي 7/12/1832 جاء نعي ابنته الوحيدة جوليا. كما جاء، وهو في بعلبك نبأ انتخابه نائباً في الجمعية الوطنية. وكتب حول رحلته «رحلة إلى الشرق» Voyage en Orient (1835). وبعد أن نشر قصيدتيه اللتين أرادهما ملحمتين «جوسلان» Jocelyn (1836) و«سقوط الملاك» La Chute d’un ange (1838)، تفرغ كليـاً للسياسة وكان ينادي بالجمهورية وبحريـة الانتخابات والاعتدال بين التيارات الحزبية وحماية الضعفاء من المتسلطين. وعندما اندلعت ثورة 1848 كان هو على رأس الحكومة المؤقتة، ولكن كما قال الناقد غيمان Guillemin «إن الإرادة الطيبة لا تكفي للدخول في السياسة»، كما أن نبالته وكرم أخلاقه باعدا بينه وبين المستفيدين الطامعين. وعندما وجد لامارتين أن الجمهورية الجديدة ضحّت بالذين صوتّوا لها من طبقة الكادحين ولجأت إلى القمع من جديد وهو الذي طرح منذ عام 1830 قضية البروليتاريا (طبقة العمال الكادحة) Prolétariat وسعى جاهداً إلى إقناع الطبقة المالكة أن نجاتها تقتضي، إضافة إلى الحكمة والحس السليم، إعادة بناء البنى الاجتماعية لانتشال هذه الطبقة من الظروف غير الإنسانية التي ترزح تحت نيرها، وأن قمعها يؤدي إلى الانفجار، اعتزل السياسة بعد أن وجد نفسه وحيداً لم يناصره أحد، بل على خلاف ذلك أثار مخاوف المغرضين السياسيين. كتب في هذه الأثناء «تاريخ الجيرونديين» (مجموعة سياسية) Histoire des Girondins (1847).
عاش لامارتين في سنواته الأخيرة في ضائقة مادية وقد كبلّته الديون من جرّاء كرمه وإسرافه ولم يجد إلى جانبه بعد وفاة زوجته سوى ابنة أخته. وحاول أن يكتب قصصاً اجتماعيـة لتسديد ديونه أشهرهـا «رفائيل» Raphaël و«حجّار سان بوان» Le Tailleur de Pierres de Saint-Point حيث دفن بعد وفاته في باريس.
يقول لامارتين: «أنا الأول في هذا العصر الذي زوّد القريحة الشاعرية بالوتر الحساس، وشعري ينبض بنبضات القلب». أما في معركته حول الإله Bataille de Dieu فهو يؤمن بإله خالق، إله محبة Dieu-Amour وإن خطف منه طفليه. وعندما نُسب إليه مذهب الحلولية Panthéisme القائل: إن الله والطبيعة شيء واحد دافع قائلاً: «لست بالطفل الذي يخلط بين الخالق والمخلوق» وأضاف «أتساءل كيف يمكن أن يفقد الإنسان بصيرته ويتجرد من هذا الحس الفطري: الإحساس بوجود خالق لهذا الكون».
وعلى هذا الأساس يُلاحظ أنه لم يتحامل على الإسلام في رحلته إلى الشرق كما فعل بعض معاصريه، ورأى أن المسيحية والإسلام يجتمعان في جوهرهما.
وقال في الرسول محمد r «لو أن عظمة الرجال تُقاس بأعمالهم فهذا الرجل أحدث ثورة في الفكر، فقد زعزع المعتقدات الخاطئة وأسس، على كتابٍ، شريعةً وحّدت شعوباً وأعراقاً مختلفة من أنحاء العالم تنادي بمحبة إله واحد وبالنفور من تعدد الآلهة. وإن كانت أهداف أشهر العظماء ماديةً وتلاشت قبل رحيلهم، فأي هدف أسمى من هدف محمد r».
حنان المالكي
لامارتين (ألفونس دي ـ)
(1790ـ 1869)
ألفونس دي لامارتين Alphonse de Lamartine رائد الإبداعية [ر] (الرومانسية) وأشهر الشعراء الفرنسيين في مطلع القرن التاسع عشر. ولد في ماكون Mâcon جنوب شرقي باريس. يتحدر من أسرة نبيلة ريفية وعاش طفولته مع شقيقاته الخمس- وكان بكرهم - في أحضان الطبيعة. غرست والدته في ذهنه باكراً التعاليم الدينية ثم تولى تدريسه القس دومون Dumont وتابع دراسته في معهد اليسوعيين في بلدة بيللِه Belley، وكان مولعاً بالقراءة فاختار من القدامى ڤرجيليوس [ر] وهوراتيوس [ر]، ومن معاصريه شاتوبريان [ر]. وفي عام 1807 رفض - وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة - الدخول في خدمة نابليون وآثر الانزواء والعيش في أملاك والده النائية في ميللي Milly قرب ضفاف نهر اللوار في أواسط فرنسا، وكان يحلم بدخول السلك الخارجي أو الجيش كما فعل والده. وصرف جلّ وقته في المطالعة ونظم الشعر (1808-1811) وعندما سئم قام برحلة مع صديقه ڤيريو Virieu إلى إيطاليا والتقى فتاة من نابولي جسدّت الحب البريء ldylle في روايته «غراتسييلّلا» Graziella التي صدرت عام 1849.
عند سقوط الامبراطورية L’Empire عام 1814 تفاءل لامارتين وخدم مع الحرس الخاص للملك لويس الثامن عشر ولكن سرعان ما قدم استقالته وعاد إلى ميللي. إلا أن العاصمة جذبته بأضوائها وملاهيها، وكان حنينه إلى حياة الترف يدفعه إلى الذهاب إلى باريس بين الحين والآخر.
وفي خريف عام 1816 ذهب إلى ايكس ليه بان Aix-Les-Bains استجماماً واسترواحاً، وعلى ضفاف بحيرة بورجيه Bourget التقى السيدة جولي شارل Julie Charles زوجة فيزيائي شهير ومصابة بالسل الرئوي. فوقع في حبها، وسرعان ما انتهت قصة حبه بوفاتها بعد عام. وبقيت جولي المرأة المثالية التي خلّدها الشاعر في قصيدته الشهيرة «البحيرة» Le Lac والتي تُرجمت إلى لغات عديدة ومنها العربية. ويعتصر قلب لامارتين ألماً لفراقها، ولكن إبداعه يتفجر في الوقت ذاته فينظم ديوانه الأول الشهير «التأملات» Les Méditations (1820) الذي يضم أربعاً وعشرين قصيدة أشهرها قصيدة «البحيرة». ويتضرع فيه لامارتين ويتساءل علّ إيمانه الذي تسلّح به منذ صغره يسعفه في تجاوز هذه المحنة. وحاز ديوانه نجاحاً منقطع النظير بأسلوبه الإبداعي والعاطفي الجديد، إذ يُعد أول مجموعة قصائد غنائية ورومانسية في تاريخ الأدب الفرنسي، كذلك بما حمله من مشاعر صادقة، عميقة ورقيقة، وبلغة عذبة الإيقاع جميلة الجرس. وقد وضعه هذا الديوان في الذروة بين الشعراء ومهّد له الطريق إلى عضوية الأكاديمية الفرنسية عام 1829. وفي العام الذي حقق فيه الشهرة (1820) حظي بمنصب ملحق في سفارة فرنسا في نابولي ساعده على الاستقرار والزواج من ماري آن برتش Mary-Ann Birch وهي فتاة إنكليزية التقاها في شمبري Chambéry، ورزق منها بطفلين توفيا في حياته، ألفونس في شهره العشرين وجوليا في عامها العاشر.
بقي الزوجان في جنوبي إيطاليا حتى عام 1821 عادا بعدها إلى فرنسا ثم سافرا إلى إنكلترا (1822). وأمضى لامارتين فترة (1822- 1825) متنقلاً بين باريس وقصر سان بوان Saint-Point هدية زواجه، وشهدت هذه السنوات استقراراً اجتماعياً وعاطفياً ما دفعه إلى المزيد من الكتابات؛ فصدر له «التأملات الجديدة» Les Nouvelles Méditations (1823) و«موت سقراط» La Mort de Socrate و«أنشودة المزار الأخيرة لهارولد» Le Dernier Chant de Pèlerinage d’Harold (1825). وفي هذا العام حظي بمنصب سكرتير في سفارته في فلورنسا وأمضى ثلاث سنوات استطاع بعدها أن يصدر ديوانه الثاني الشهير «تناغمات شعرية ودينية» Harmonies Poétiques et religieuses (1830). وقد كان الموضوع الرئيسي لديه، بعد الحب المُحطّم، موضوع الإله الخالق Dieu-Créateur الذي يشغله ويؤمن بوجوده، وموضوعات ماوراء الطبيعة. وسافر عام 1832 مع زوجته وابنته إلى الشرق لزيارة الأماكن المقدسة، حيث تجلت الكلمة الإلهية، بهدف تعزيز مشاعره الدينية. وفي 7/12/1832 جاء نعي ابنته الوحيدة جوليا. كما جاء، وهو في بعلبك نبأ انتخابه نائباً في الجمعية الوطنية. وكتب حول رحلته «رحلة إلى الشرق» Voyage en Orient (1835). وبعد أن نشر قصيدتيه اللتين أرادهما ملحمتين «جوسلان» Jocelyn (1836) و«سقوط الملاك» La Chute d’un ange (1838)، تفرغ كليـاً للسياسة وكان ينادي بالجمهورية وبحريـة الانتخابات والاعتدال بين التيارات الحزبية وحماية الضعفاء من المتسلطين. وعندما اندلعت ثورة 1848 كان هو على رأس الحكومة المؤقتة، ولكن كما قال الناقد غيمان Guillemin «إن الإرادة الطيبة لا تكفي للدخول في السياسة»، كما أن نبالته وكرم أخلاقه باعدا بينه وبين المستفيدين الطامعين. وعندما وجد لامارتين أن الجمهورية الجديدة ضحّت بالذين صوتّوا لها من طبقة الكادحين ولجأت إلى القمع من جديد وهو الذي طرح منذ عام 1830 قضية البروليتاريا (طبقة العمال الكادحة) Prolétariat وسعى جاهداً إلى إقناع الطبقة المالكة أن نجاتها تقتضي، إضافة إلى الحكمة والحس السليم، إعادة بناء البنى الاجتماعية لانتشال هذه الطبقة من الظروف غير الإنسانية التي ترزح تحت نيرها، وأن قمعها يؤدي إلى الانفجار، اعتزل السياسة بعد أن وجد نفسه وحيداً لم يناصره أحد، بل على خلاف ذلك أثار مخاوف المغرضين السياسيين. كتب في هذه الأثناء «تاريخ الجيرونديين» (مجموعة سياسية) Histoire des Girondins (1847).
عاش لامارتين في سنواته الأخيرة في ضائقة مادية وقد كبلّته الديون من جرّاء كرمه وإسرافه ولم يجد إلى جانبه بعد وفاة زوجته سوى ابنة أخته. وحاول أن يكتب قصصاً اجتماعيـة لتسديد ديونه أشهرهـا «رفائيل» Raphaël و«حجّار سان بوان» Le Tailleur de Pierres de Saint-Point حيث دفن بعد وفاته في باريس.
يقول لامارتين: «أنا الأول في هذا العصر الذي زوّد القريحة الشاعرية بالوتر الحساس، وشعري ينبض بنبضات القلب». أما في معركته حول الإله Bataille de Dieu فهو يؤمن بإله خالق، إله محبة Dieu-Amour وإن خطف منه طفليه. وعندما نُسب إليه مذهب الحلولية Panthéisme القائل: إن الله والطبيعة شيء واحد دافع قائلاً: «لست بالطفل الذي يخلط بين الخالق والمخلوق» وأضاف «أتساءل كيف يمكن أن يفقد الإنسان بصيرته ويتجرد من هذا الحس الفطري: الإحساس بوجود خالق لهذا الكون».
وعلى هذا الأساس يُلاحظ أنه لم يتحامل على الإسلام في رحلته إلى الشرق كما فعل بعض معاصريه، ورأى أن المسيحية والإسلام يجتمعان في جوهرهما.
وقال في الرسول محمد r «لو أن عظمة الرجال تُقاس بأعمالهم فهذا الرجل أحدث ثورة في الفكر، فقد زعزع المعتقدات الخاطئة وأسس، على كتابٍ، شريعةً وحّدت شعوباً وأعراقاً مختلفة من أنحاء العالم تنادي بمحبة إله واحد وبالنفور من تعدد الآلهة. وإن كانت أهداف أشهر العظماء ماديةً وتلاشت قبل رحيلهم، فأي هدف أسمى من هدف محمد r».
حنان المالكي