اللاسامية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللاسامية

    لاساميه Antisemitism - Antisémitisme
    اللاسامية



    نشأ مصطلح اللاسامية أو معاداة السامية Anti-Semitism من التسمية «الساميون»، وهي مصطلح توصل إليه العالم النمساوي شلوتزر Schlözer في عام 1781م عندما كان يبحث عن اسم جامع للغات العبرية والعربية والآرامية والأثيوبية التي وجدها متشابهة في كثير من خصائصها اللفظية والصوتية والصرفية والمعنوية، فرأى أن التوراة تذكر نوحاً وأولاده الثلاثة: سام وحام ويافث، وتُعدّد أبناءهم وأحفادهم فيما يسمى بجدول الأنساب. فدعا الأقوام من نسل سام الذين تذكرهم التوراة (سفر التكوين، الإصحاح العاشر) وهم: عابر ونسله العبريون (أو العبرانيون)، وآشور أي الآشوريون، وآرام أي الآراميون، ويقطان وهو تحريف لاسم قحطان كما يبدو، أي العرب، دعاهم ساميين [ر]، ودعا لغاتهم التي يتحدثونها «اللغات السامية»، وتوصل من ذلك إلى رأي مفاده أن الشعوب التي سكنت مناطق بلاد الرافدين وبلاد الشام (سورية الكبرى)، وشبه الجزيرة العربية كلها تتكلم لغة واحدة هي اللغة السامية، وأن تلك الشعوب تنحدر من أصل واحد، وتنتسب إلى جد واحد هو سام بن نوح بحسب الرواية التوراتية. وقد شمل المصطلح فيما بعد إضافة إلى الشعوب المذكورة في النص التوراتي الشعب الأكادي والبابلي وشعب أوغاريت، وقسماً كبيراً من أهل الحبشة وإبلا التي تم اكتشاف آثارها الكتابية وتبين أن لغاتها سامية.

    الجذور السياسية والاجتماعية والاقتصادية: بدأ الحديث عن «اللاسامية» أو «معاداة السامية» في القرن التاسع عشر، وخاصة منذ عام 1880 عندما ظهر هذا المصطلح أول مرة على يد صحفي ألماني من مدينة هامبورغ، يدعى ڤيلهلم مَرْ Wilhelm Marr، وقصد به معاداة اليهود أينما كانوا في أوربا الشرقية أو الغربية، وذلك بعد الحرب البروسية الفرنسية التي تسببت بانهيار كثير من الماليين الألمان؛ ما جعلهم يلقون اللوم على اليهود، فقد عدّ هؤلاء ممثلين للسامية، وظهر ذلك على شكل حركة معادية لليهود الذين كانوا يتصفون في آداب الشعوب الأوربية وفي نظرتها إليهم من خلال تعاملهم بالجشع والاستغلال المالي وحب المال وجمعه بطرق غير أخلاقية أو مألوفة عند الأوربيين، كما يبدو في شخصية شايلوك في قصة شكسبير «تاجر البندقية»، وفي قصة «بائع الحليب» الروسية، وغيرها. وقد نشأت هذه العداوة بين الأوربيين - وهم مسيحيون - واليهود الذين يعيشون معهم متأثرة أصلاً باعتقاد ديني، وهو أن اليهود هم الذين صلبوا السيد المسيح بعد أن عادوه وعذّبوه وهزئوا به. ثم تطورت هذه الحركة الدينية إلى حركة سياسية. وقد وجد الأوربيون اليهود يعيشون في أحياء خاصة بهم (غيتو Ghettos) يعزلون أنفسهم عن الناس الآخرين (ولم يعزلهم الناس في أي مكان في العالم حتى في محيطهم الشرقي والغربي) لاعتقادهم الجازم بأنهم فوق البشر، وأنهم «شعب الله المختار»، فاجتمع السبب الديني مع السبب الاجتماعي الانعزالي لليهود، ومع السبب الاقتصادي الذي يتمثل بجشع اليهود وجمعهم المال بكل الطرق المتاحة، وسيطرتهم على السوق برؤوس أموالهم (وهم اليوم يملكون أغنى مصارف العالم، ويمتلكون أكثر أسهمها، وأكبر متاجره ومؤسساته المالية نتيجة حرصهم وقدراتهم المادية).

    مظاهرها المختلفة: كان رد فعل الأوربيين أن شككوا في اليهود «الساميين»، فظهرت في ألمانيا جماعات معادية رفعت شعاراً عرقياً اعتزت به، وهو العرق الآري والعصبية الآرية مقابل السامية. وحذر المفكر الألماني هاينريش فون ترايتشكه Heinrich von Treitschke من تدخل اليهود في الثقافة الألمانية ولاسيما بعد أن صاروا يملكون رؤوس الأموال ومن المتنفذين في البلد، وحمّلهم وزر كل المصائب التي تحل بالألمان. وظهر في العام 1912 كتاب لاقى انتشاراً واسعاً في ألمانيا عن اليهود والحياة الاقتصادية، كتبه ڤِرْنَر سومبارت Werner Sombart وصم فيه اليهود بأنهم ممثلو الرأسمالية الطفيلية والمحتكرة. وفي ذلك الوقت كان نشوء اللاسامية يظهر في فرنسا أيضاً ويتنامى الشعور بالعداء لليهود، فظهر كتاب «فرنسا اليهودية» للكاتب إدوار دريمون Édouard Drumont عام 1886 الذي طبعت منه مئتا طبعة حتى عام 1914، ويعبر عما يجيش في صدور الفرنسيين من عداء للسامية رداً على تأسيس الوكالة الإسرائيلية العالمية في باريس عام 1860 التي حددت أهدافها في السيطرة على العالم، وعلى نشر وثائق بروتوكولات حكماء صهيون التي ترسم صورة جلية عن المؤامرات اليهودية التي جعلت هدفها الرئيس إحكام سيادة اليهود على العالم. ولم يهل القرن العشرون حتى كانت اللاسامية تنتشر في كل مكان من أوربا.

    اللاسامية في الرايخ الثالث: وصل الحزب الوطني الاشتراكي (النازي) في ألمانيا إلى الحكم بزعامة أدولف هتلر A.Hitler قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، فبلغت مناهضة السامية قمتها إذ صار الألمان يعدون اليهود بتآمرهم مع الحلفاء سبب نكبة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وسبب تدهور الاقتصاد الألماني بعد الحرب؛ فأصدرت الحكومة الألمانية النازية عام 1933 تشريعات عدة للتحرر من السيطرة المالية اليهودية، وصارت تلاحق اليهود وتنكّل بهم، اعتقاداً منها بأنهم سماسرة الحروب في العالم ولاسيما في الحروب الأوربية الأولى، وفي حرب جنوب إفريقيا، وفي حرب الأفيون، وفي إشاعة روح العالمية عن طريق الماسونية [ر] التي يديرونها، وعن طريق عدد من الهيئات التي تسعى إلى القضاء على القوميات لفرض سيطرتهم غير المباشرة على الشعوب، كما هي الحال في العصر الراهن من خلال اللوبي اليهودي الإسرائيلي الناشط في الولايات المتحدة الأمريكية وفي معظم الدول الأوربية. وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية، ورجحت كفة الميزان لمصلحة الحلفاء، وانهزمت دول المحور وعلى رأسها ألمانيا كثر الحديث بتأثير من الصهيونية العالمية عن الهولوكوست (محارق اليهود) التي حصدت أرواح الملايين منهم على حد زعمهم. وترتب على ذلك محاسبة الألمان وكل من كان مسؤولاً منهم في أثناء الحرب، وصار لزاماً على الألمان دفع مئات الملايين من الدولارات (نحو 70 مليوناً كل عام مدة اثنتي عشرة سنة) تعويضاً لليهود جراء هذا الادعاء - بعد أن قامت الدولة الألمانية الجديدة باسم ألمانيا الاتحادية وانتهى الرايخ الألماني - وأصيب بعض الألمان بعقدة الذنب التي استغلها اليهود أسوأ استغلال. وصارت اللاسامية التي تعني معاداة اليهود فحسب دون غيرهم من الساميين جريمة يعاقِب عليها القانون الألماني وأكثر القوانين الأوربية. وصدر تشريع في فرنسا يجرّم من يُكذّب أو يشكك في أرقام ضحايا الهولوكوست، وقد حُوكم المفكر الفرنسي روجيه غارودي R.Garaudy لأنه فعل ذلك. وفي مؤتمر «معاداة السامية» الذي استضافته منظمة الأمن والتعاون في أوربا عام 2004 في برلين، وحضرته 55 دولة من أوربا وأمريكا الشمالية وآسيا الوسطى توصل المؤتمر إلى ما يسمى إعلان برلين. وقد تعهد هؤلاء بمحاربة الأشكال الجديدة من العداء للسامية، ومكافحة جرائم الكراهية ضد اليهود. وألزم الدول الموقعة عليه بتعزيز تشريعاتها، وزيادة إحكام إنفاذ القانون في كل ما يتصل بمعاداة اليهود، وقدم وزير الخارجية البلغاري وهو رئيس المؤتمر إلى وزير الخارجية الألماني قميصاً أصفر طبعت عليه نجمة داود، قال إن جده - وهو يهودي - كان يرتديه في أثناء الحرب العالمية الثانية حين كان النازيون يفرضون ذلك على اليهود.

    اللاسامية سلاح في يد الصهيونية: تحول عداء الأوربيين الديني لليهود إلى عداء سياسي واضح بعد الحرب العالمية الثانية، وصار يحمل هذا العداء اسم اللاسامية في كل أوربا، واستمر كذلك ولاسيما بعد أن أفتى رأس الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان بتبرئة اليهود من دم المسيح. وعندما أقام الصهاينة دولة لهم في فلسطين بمساعدة بريطانيا التي كانت دولة انتداب على فلسطين، وتنفيذاً لوعد بلفور بإقامة وطن لليهود فيها نصبت إسرائيل نفسها ممثلة لليهود أينما كانوا، وصارت تدّعي التجسيد القومي لليهود في كل أنحاء العالم. وبعدما كانت معاداة المسيحية لليهودية «لاسامية» صارت بعد قيام إسرائيل عام 1948 معاداتها لاسامية؛ إذ صار كل من يعادي أو ينتقد إسرائيل وحكامها لسلوكهم وسياستهم الهمجية في الأراضي المحتلة هو لاسامي، وكذلك كل من يؤيد حق الفلسطينيين في أرضهم، وكان ذلك لمصلحة اليهود ولمصلحة الكيان الصهيوني في فلسطين. وقد أحسنوا استغلال ذلك لترسيخ فكرة جديدة في المحافل الدولية، وهي أن العداء لإسرائيل هو بمنزلة العداء للسامية، واستطاعوا أن يقنعوا الدول الكبرى بهذه الفكرة، وعدوا إسرائيل ملجأ لكل يهود العالم الذين تعرضوا للاضطهاد ولاسيما اضطهاد النازيين, وعدّوها نموذجاً للدول الأوربية. وانحازت دول الغرب إلى إسرائيل، وساندت الحركة الصهيونية الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية واتخذت طابعاً سياسياً في أثناء الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، بين دول حلف وارسو ودول حلف الناتو (شمال الأطلسي).

    تسعى إسرائيل اليوم إلى كسب تأييد اليهود في كل مكان، فتصور ليهود الشتات أن المعاداة الأوربية القديمة قد بعثت من جديد اليوم، وليس لهم من نصير وحامٍ غير الدولة اليهودية التي يجب أن تكون وطنهم الوحيد. ومن الواضح أن النازيين روّجوا هذه الفكرة قبل قيام إسرائيل من دون أن يقصدوا، فقد عقد هتلر اتفاقية مع الصهاينة تقضي بالسماح لليهود بالهجرة مع الإفراج عن أموالهم مقابل تخلي الصهاينة عن مقاطعة شراء البضائع الألمانية. وقد تكفلت الوكالة اليهودية بتنفيذ الاتفاقية بمساهمة الغستابو Gestapo وفرق الصاعقة ووزارة الاقتصاد الألمانية. فهاجر تنفيذاً لهذه الاتفاقية أكثر من ستين ألف يهودي إلى فلسطين في العام 1942. ويقول إسرائيل شاحاك في كتابه «التاريخ اليهودي المكشوف والمستور»: «كانت تقوم على الدوام بين الصهاينة وأعداء السامية علاقات وثيقة، وهناك أمثلة عن أمثال هذه التحالفات مشهورة جداً. منها أن هرتزل نفسه، وهو رئيس الحركة الصهيونية ومؤتمرها الأول في العام 1897 في مدينة بال السويسرية قد تحالف مع الكونت فون بلهفي الوزير المعروف بمعاداته للسامية لدى القيصر نقولا الثاني. كما أن جابوتِنسكي Jabotinsky، وهو من أكبر زعماء الصهاينة عقد ميثاقاً مع بتليورا Petlyura الزعيم الأوكراني الرجعي الذي قتلت قواته نحو مئة ألف يهودي فيما بين 1918-1921، وكذلك بن غوريون الذي كان حلفاؤه بين اليمين الفرنسي المتطرف إبان الحرب الجزائرية، وبينهم أشد أعداء السامية الذين يصرحون بعدائهم لليهود، ولكن ليسوا أعداء اليهود في إسرائيل». وباتت إسرائيل تكيل التهم لكل من يعارض سياستها، وتتهم السياسيين الذين ينتقدونها باللاسامية؛ ومنهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة النمساوي كورت فالدهايم K.Waldheim عندما صار رئيساً للنمسا. وسقط المرشح الأمريكي الجمهوري بول كلوسي عام 1982 لدعوته الأمريكان إلى كبح جماح إسرائيل، وكذلك المرشح بوكانن P.Buchanan لتشككه في المحرقة. واتهم مهاتير محمد Mahathir Mohamad، رئيس وزراء ماليزيا السابق بأنه معادٍ للسامية لأنه صرح بأن إسرائيل تحكم العالم بالوساطة. وصارت إسرائيل تهاجم زعماء الدول التي تظهر فيها حوادث تدنيس أو تفجير للمعابد والمدارس والمقرات اليهودية بتقصيرهم وبأنهم معادون للسامية. وفعلت ذلك عندما نشر البرلمان الأوربي تقريراً في العام 2003 يشير إلى أن نزعة معاداة السامية تشهد ازدياداً في عدد من دول الاتحاد الأوربي ولاسيما في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا في السنوات الثلاث الماضية. ولجأت إلى محاربة كل الكتّاب الذين لاتعجبها آراؤهم ويميلون إلى الحديث السلبي عن واقعها، وتصادر كتبهم إن استطاعت، ووقفت موقفاً عدائياً من فيلم «آلام المسيح» واتهمت مخرجه باللاسامية، وهو يصور الساعات الأخيرة من حياة السيد المسيح. وسعت إسرائيل ومازالت تسعى إقناع العالم بأن العرب والمسلمين لاساميون، وهي تقود اليوم هذه الحركة المعادية للعرب والمسلمين، وتجد من دون شك من يساندها في الغرب, وتؤدي دور النازيين الذين كانوا يكرهون اليهود ويضطهدونهم، وتتقمص دورهم العنصري، فيتحول بذلك المُضطهَد إلى مُضطهِد وجلاّد.

    أحمد هبو
يعمل...
X