Fareed Zaffour
16 أبريل 2022 ·
تمت المشاركة مع العامة
التاريخ بالعربية - Historia En Árabe
15 أبريل 2022 ·
(مَـعـركــة أربــيـلا أو غـوغــمـيـلا – 334 قَــبـل الـمـيـلاد)
إن دخول الإسكندر الأكبر قارة آسيا عِبارة عن فصل خطير في التاريخ، وهو براعة إستهلال علاقات أوروبا بآسيا مدة 2300 سنة تقريباً حتى اليوم، حَيث كان الإغريق يُجهدون في السابق لردّ غارات الفُرس القويّة عن بلادهم.
لم يكُن الإسكندر الأكبر يبلُغ من العُمر 20 سنة حتى اعتلى عرش مقدونيا، وكان ذلك في عام 336 ق.م، فقام بتجهيز جيشاً من أبطال بلاده، وظلّ يُدرّبهم على القتال وتقويتهم، وبحلول عام 334 ق.م قاد جيشه في حملة مُتّجها إلى بلاد فارس في آسيا، وفي هذا الوقت كانت السلالة الأخميـنيّة الفارسيّة تُسيطر على المنطقة منذ عام 560 قبل الميلاد.
عَبرَ الإسكندر بجيش مكون من 50 ألف الفٌرات وسار شرقاً، ولمّا علم الملك الفارسي داريوس بأربيلا، أسرع وعبر دجلة، وقد واصل الإسكندر مسيرة شرقاً 3 أيّام، حتى أتته التقارير بأن طلائع جيوش داريوس قد بدأت بالظهور، فأعدّ جيشه للصدام، فالتقى ببعض الجنود الفُرس، فأسرهم، وعرف منهم إن داريوس على بضعة أميال منه، وعرف منهم أيضاً ما معه من قوّات، فأراح جيشه 4 أيّام، ثُمّ استأنف المسير شرقاً ..
لمّا بلغ الإسكندر المنطقة، ظهرت له الجيوش الفارسيّة تملأ السهول، فأراد الإسكندر أن يُريح جيوشه، وأبىَ أن يُهاجمهم ليلاً كما أشار عليه بعض قوّاده، وفي النهار التالي كان كل من الإسكندر وداريوس يتوقّع أنّ يَكون خصمه البادئ بالهجوم، ونام واستراح جيش الإسكندر، أمّا الجيش الفارسي فلم ينم، بل سهرَ كُلّ الليل متوقّعاً الهجوم المقدوني الاغريقي، لكن لم يحدُث أيّ هجوم، وهذا يُفسّر أنّ جيش الإسكندر نال قسطاً من الراحة، بينما جيش داريوس مُرهق ولم يذق طعم النوم، وفي صباح اليوم التالي، فتح الفُرس عيونهم الغافلة، فإذا رجال الإسكندر بنهضون من نومهم على صوت البوق وهُم يتأهّبوت للقتال، وقد رتّب القادة جيوشهم حسب خططهم.
رتّب الإسكندر جيشه إلى خطّين إثنين، الأمامي جَبهة القِتال، والخلفي إحتياط، وفي الجبهة جناحان وقلب، الجناح الأيمن فيه الفُرسان مُنقسمين إلى ثمان فِرق، لكل فرقة قائد، وقائد الفٌرسان العام هو فيلوتاس، ويليهم حملة تروس المشاة التي يقودها نيكاتور (سلوقس)، وكان الإسكندر في هذا الجناح، وفي القلب هناك 6 آليّات، كل آليّة لها قائد، وهي آلات قتل متطوّرة سبقت عصرها، عبارة عن رِماح يصل طولها إلى 6 أمتار قادرو على قتل الخصم عن بُعد، والجناح الأيسر وفيه المشاة بقيادة كروتي، وثُم فُرسان ثيساليا بقيادة قيلبوس، وكان القائـد العام للجـناح الأيسـر هو بارمـينو، ويُحيط به فُرسان الفرساليّـين، والحُـلفاء بقـيادة أريغيوس، وهذا هو ترتيب الجبهة
أمّا الخط الإحتياطي فكان يؤلّف قلبه من مُربّعات مٌستعدّة لإمداد من يضعف في الجبهة، وإلى يمينهم إحتياط المشاة، وهم وراء فُرسان الحرس، ومعهم أرباب القسي المقدونيين، وضع في هذا الخط فُرسان منيداس، وأريتس، وأريسطون، ومثل ذلك أيضاً في الجناح الأيسر، وكان في أقصى ميسرة هذا الخطّ الخلفي أندروماخس.
أمّا جيش داريوس الفارسيّ المكوّن من حوالي 80 ألف، كان في جناحه الأيسر البكتيريون، والدنيون، والأرغوسيون، يلي هؤلاء فُرسان الفُرس، والمشاه، وأمام هذا الجناح السكيثيون الروس، ومعهم 100 عربة، وحوالي 1000 فارس تقريباً من كردستان وتركستان، وكان داريوس في القلب، وحوله الهنود والكاريون، ورماة النبال، ورماحة الفُرس الذين سنان رماحهم تُفاحات الذهب، والبابليّون، وكان القلب إلى جانبيّ داريوس فرقة اليونانيّين، وهم المُرتزقة، وأمام القلب 15 فيلاً، وايضاً حوالي 50 عربة سكيثيّة، وبالجناح الأيمن جيوش مُختلطة من الأرمن، وبلاد ما بين النهرين، والساسانيّون، والألبانيّون، وغيرهم، وأمام هذا الجناح 50 عربة، وكان الملك داريوس يضع على هذه العربات الكُبرى أكبر الآمال.
بدأت المعركة بصدور الأمر من داريوس لعربات السكيثيّين، أن تهجم على جناح الإسكندر الأيمن، فأرسل الإسكندر فُرسان منيداس في الخطّ الخلفي لصدهم، ولما تبيّنَ له أنهم قلائل أتبعهم برجال أرسطو، وكانت خسارة للإسكندر هائلة، لكنّهم ثبتوا وظلّوا يُحاربون في مُربّعات مُتساندة، ومن ثم وجّه داريوس عربات السكيثيّين على قلب الإسكندر، ويرافقها الفُرسان لإغتنام الفرص، فصد هؤلاء مشاة السلاح الخفيف بقيادة كراتيوس، فكانوا يجرحون الخيال بحرابهم، فتثور وتخبط الأرض بيديها فتُحطّم العربات، وأُفـسحت الجبهة لباقي العربات، فسارت إلى مؤخّرة صفوف قوات الإسكندر، حيث أصبحت عديمة النفع ..
حينئذ، تجمّغ أكبر عدد من فُرسان داريوس، وهجموا على جناح الفُرسان الأيمن حيث الإسكندر] نفسه، فتلقّاهم أريتس هو والباقي في خطّ الإحتياط الخلفي، كان يُراقب الحركات، فتمكّن من صدّهم، وكل ذلك ولا تزال جبهة الإسكندر سليمة وعلى أهبة الإستعداد، ثُمّ هبّت كتائب بأعداد كبيرة مُتتالية من فُرسان داريوس لإنجاد إخوانهم، وبذلك فُتحت ثغرة في جبهة داريوس بين الميسرة والقلب، وهي الفُرصة التي كان الإسكندر يتوقّعها ويبحث عنها، فاندفع بحرسه الخاص إليها، واخترق الجبهة الفارسيّة، فصارت مَيسرة الفُرس بين نيكاتور وما معه من الغَـرب، والإسـكندر من الشرق، وإذ تتقدّم حملة التروس المقدونيّة بين الفُرس وأبلوا فيهم البلاء الحسن، ومن منطقة أخرى في المعركة دخلت خمسة آلياّت على اليونانيين المُرتزقة في جيش داريوس فاخترقوها، وبذلك صارت الجبهة الفارسيّة ثلاثة أقسام مُنفصلة، الأوّل وهو الجناح الأيمن، وجزء من القلب، والثاني الجناح الأيسر بين الإسكندر ونيكاتور قائد الفرسان العام، والثالث القلب أمام الآليّات المقدونية، أمّا الجبهة المقدونيّة فلا تزال مُتّصلة ببعضها
أبدى داريوس من الحِنكة والثبات مايليق بموقفه، وتشنّجت أعصابه، فنزل من عربته، وركب أسرع حُصان ودار به شرقاً وهرب من المعركة، مع أن المعركة في جناحه الأيمن كانت إلى تلك الساعة صالحة، ولمّا تقدم الإسكندر بميمنته حدثت ثغرة بينه وبين بارمينو القائد العام للجناح الأيسر، فاندفع إليها الهنود والفُرس واجتازوا الجبهة، وشرعوا بالنهب والقتل، وكان بارمينو مُلتزماً بخطّة الدفاع فلم يخرج عنها، وأسرع سيمنياس، فأنجده بكل قوته ..
بلغ الإسكندر إستغاثة بارمينو لإنجاده، وفي عودته لمُساعدته، إلتقى الإسكندر ومن معه بهذه المجموعة الناهبة، ولم يجدوا حينئذ أيّ طريق، أو سبيل يُمكّنهم من إختراق صفوف قوات الإسكندر، وهنا قد وقعت أشد مشاهد الحرب هولاً، لأن هذا الإختراق الذي اجتازوه أقصى ما يُمكن تصوّره من المُخاطرة في القتال، وكانت النتيجة أنّ مجموعة الهنود والفُرس هذه قد سُحقوا من قِبل صفوف الإسكندر، ولكِنّهم كانوا قد قُتلوا الكثير من حرس الإسكندر وبعض من قواده أيضاً، ولمّا وصل الإسكندر إلى جناحه الأيسر، وجد أن القائد بارمينو قد تحسّن موقفه، ورُبما كان ذلك من تأثير هرب داريوس علي نفوس الجيشين.
انطلق الإسكندر المقدوني لمُطاردة داريوس، وكان داريوس حريصاً على النجاة بنفسه، فمرّ بأربيلا ولم يقف بها، بل واصل مسيره حتى حدود قزوين، حيث اغتاله باسوس حاكم باكتريا (تقع في أفغانستان وأوزبكستان حالياً)، والذي قتله الإسكندر فيما بعد لخيانته لداريوس، وبلغ الإسكندر أربيلا في اليوم الثالث، فاستولى على كنوز داريوس، وكان يفصل بين الميدان وأربيلا نهر ليكوس، فتجمّعت جنود الفُرس المُنهزمة على جسر ذلك النهر، فهدمه المقدونيّون بهم، فسقطوا إلى النهر وماتوا جميعاً غرقاً، وهكذا إنتهت معركة أربيلا، وانتزعت أوروبا الصولجان من آسيا لأوّل مرّة.
VIA Post: Nasser Saad