مصور الشهر
بریت ادوارد ویستون المدارس الفوتوغرافية لاتصنع مصوراً
بريت إدوارد ويستون ، مصور عالمي كبير ، يكره النظريات ويرى أن مجلات التصوير مضجرة ، لكنه يصر على أهمية الاستفادة من تعليم التصوير لكن بشرط وجود الموهبة التي هي الأساس ، فالفنان برايه يولد فنانا وعليه متابعة المسيرة بجد للوصول إلى التألق المطلوب .
إنـه الرائد الأميركي للتصوير الفوتوغرافي للمناظر الطبيعية بريت ويستون ابـن المصـور الشـهيـر إدوارد ويستون واحد كبار المصورين في العـالم ... تجـاوز السبعين من عمره ولا يزال يحمل لقب . الأمير ذهبي الشعر ، حيث يبدو أقل من سنه الحقيقي بعشرين سنة .
ويقيم ويستون على الشاطيء الباسيفيكي في منتجع كارميل حيث يـديـر النجم السينمائي کلینت ایستوود نـاديـا ليلياً وحيث يسكـن الكثيرون ممـن ينشدون الراحة والهدوء .
هناك يعيش المصور العالمي منذ عام ١٩٥٨ ، بعد سلسلة زيجات فاشلة ، في منزل يقع وسط التلال والمناظر الطبيعية الرائعة وبمجرد الدخول إلى داره يبدو من الواضح اننا في بيت مصور فوتوغرافي ، ففي الخارج يوجد حوض سبـاحـة يتميـز بـنـافـذة مشاهدة لما تحت الماء ، تسمـح بتصوير السابحات والسابحين . اما في الداخل فقد تحولت إحدى غرف النوم إلى غرفة سوداء مجهزة بمكبر ۱۰ × ۸ بوصة وإلى جانبها غرفة للغسيل وللتجفيف على شاشات - الفايبر غلاس .
المـدخـل إلى المنـزل يتميز بالبساطة وقـد زينـه ويستـون بـاحـدث طبعـاتـه السـوداء - البيضاء بمقاييس كبيرة تغطي معظم الجـدران ، إضافة إلى منحوناته الخشبية المبعثرة في ارجاء المنزل .
عـدا هـذه الأجـواء يمضي المصور فترة طويلة من وقته في بيت آخر على جزيرة هاواي ، وهو المكان الذي انتج فيه العديد من اعماله المهمـة ضمن مجمـوعـة - اوراق شجر وطمی - .
ورغم تاريخه الطويل ، لا يحب ويستـون الكلام عن التصـويـر الفـوتـوغـرافي ويكاد لا يطيق الانغماس في النظريات ، مفضلاً التحدث عن رحلته مع التصوير الفوتوغرافي ببساطة ، بينما لا يكف عن التلاعب بغليونه يكفين تبرز منهما أظافر سوداء اعطتها هذا اللون سنوات من النقع في مظهر - الاميدول .
في شبابه ، كان بريت ويستون فوضوياً . ولما خـاف والده على مستقبـل ابنـه لو بقي في لوس انجلوس ، عـاد بـه للعيش في مكسيكو سيتي ، حيث كـان إدوارد يبتدع اسلوباً جديداً في تصويره الفوتوغرافي ويعيش مع المصورة الفوتوغرافية الايطالية الجميلة تينا موديتي ، كان بريت في الثانية عشرة فقط حين التقط صورته الفوتوغرافية الأولى في مكسيكو بالذات ، فقد أعطاه والده كاميرا - غرافليكس ، ليعمل بها وكانت عبارة عن كاميرا منمقة احادية العدسة بلغ ثمنها يومها ١٣٥ دولارا .
قال بريت متذكراً :
- عـلمني والدي الأسس ثم تركني لحالي ، حيث كان علي إما ان انجـح أو اتناسي المـوضـوع تلقائياً ، لم يحاول ان يؤثر علي مباشرة ، إلا انه فعل ذلك بدهاء ، دون ان يكون استاذاً اعطاني فكـرة مختصرة عن التعريض الضوئي كيـف تـحـكـم عـلى الضوء . على انني لم استعمل العداد الضوئي ابدأ ، وما زلت لا استعمله .
اما صوره الفوتوغرافية الأولى فكانت مجموعة زنابق وسقيفة تنك مجعد .. سرى في جسدي ما يشبه التيار الكهربائي عنـدمـا شـاهـدت الصورة على الزجـاج المبرغل لأول مرة . . والإثارة هذه
لم تفارقه ابدأ ، حيث ثابـر طيلة ستين سنة على صنـع صـور فوتوغرافية - تكهرب ، الناظر كما أن الكثير من مواضيعه كان وما زال شبيها بتلك الصور ذاتها .
تجدر الإشارة هنا إلى شعور العديد من النقاد أن بعض افضل اعمال ويستون انجـزها وهـو ما يزال صغيراً .. ! وهو يوافقهم على ذلك قائلا :
اظن ان الأمر كذلك . فبعض الناس يتيقظون مبكرين . اما عني فـاظنني ولدت مـع هـذه العين ذات النوع الخـاص الغريب ... انهـا عـين بـريـت ويستون التي آمل انني ما زلت محتفظاً بها على ان عملي الآن هو اكثر خصوبة وأكثر ثقة .
مع ذلك ، وحتى كمراهق شاب حصل بريت على تقدير عالمي قال :
- في شتوتغارت ، أقاموا هناك معرضاً للمصورين الفوتوغرافيين الاميريكيين : إيموجين كانينغهام ووالدي وتشارلز شيـلار ورالف شتاینر ، حدث هذا قبلمـا يصبح انسيـل آدامـز مـعـروفـاً ، وقد انتخبوني لاشارك في العرض كنت في الرابعة عشرة فقط من عمري حينذاك ، وكان ذلك معرضاً طلبـعيـا وشـهـيـرا شـهـدتـه العشرينيات . عنـدمـا اعـود بالذاكرة إلى الوراء اشاهد بعض الأشياء التي انجزتهـا وانـا في الثالثة عشرة والرابعة عشرة من العمر وما زالت محتفظة بروعتها .
ثم على الرغم من ان التصوير الفوتوغرافي أصبح حياته منذ ذلك الوقت وصاعدا ، كـان على ويستـون ان يصـرف ١٥ سنة اخرى من هذه الحياة قيلما يصنف نفسه كمصور فوتوغرافي كما انه لا يجد الكثير من الصبر مع الكثيرين من التلاميذ الذين يتخرجون من مدارس التصوير الفوتوغرافي اليـوم . . في هذه الأيـام ، يذهـب الصـغـار إلى الجـامـعـة ويـحـصـلـون عـلى مـاجيستيـرات في التصوير الفوتوغرافي ، ثم يطلقون على انفسهم تسميـة مصـوريـن فوتوغرافيين .
وهذا يضحكني لأن ذلك يـحـتـاج إلى سنـوات وسنوات وهم يظنونه سهلا .
في السنوات الأولى المبكرة امن بريت ويستون معيشته من مهام التقاط صور وجهية ، إلا أنه لم يـدخـل عـالم الـتـصـويـر الفوتوغرافي التجاري فعلياً على الإطلاق يقول في هذا الصدد :
- لست برجل اعمال ، ولا احب ان يفرض على العمل فرضاً ، كما لدي نوع من الازدراء لمن يطلق عليهم القاب مدراء فنيين ورؤساء تحرير لمجلات . إذ طالما أن الأمر متعلق بي فانا لا اقبل بالحلول الوسط ... وأشكر الله على ذلك .
بدلا من ذلك اختار ويستـون العيش ببساطة واقتصاد ، وما زال هكذا إلى حد كبير ، رغم انه ميسور الحال الآن بناء على اية معايير .
ففي معرض إقامته احدى الغاليريهات في سان فرانسيسكو مؤخراً على سبيل المثال ، باع ما يزيد على ٤٠ طبعـة ، كلا منها بمبلغ ۱۲۰۰ دولار ، وهـذا المستوى من النجاح يجعل بريت ويـستـون واحـداً مـن قـلائـل المصورين الفوتوغرافيين في العالم ممن يستطيعون العيش برخاء من بيع طبعاتهم فقط .
على أن ويستون لا يجري وراء الشهرة والثروة ابدأ ؛ بل يقول :
ـ يروقني وجود عدد قليل من المشاهدين . أما الحشد فلا اهتم به ، الآخرون من أمثال شقيقي كول وأنسیل آدامز هم ممثلون غير بارعين يحتاجون إلى حشد كبير من المشاهدين .
اما انا فافضل وجود عشرة اشخاص يفهمون بالفعل ، بدلا من عشـرة آلاف ياخذون إلى التصفيق لان هذا هو ما تقتضيه المناسبة .
من هنا فانا عندما أخرج لاصـور ، لا افعل ذلك وهمي الأكبر ان امنع شخصا ما أو أن أكسب المال ، فانا احب الصورة واصنعها لنفسي قبل
كل شيء .
على أن المنافسة طويلة الأمد بين بريت ويستون وجاره آنسیل آدامز ظلت مطروحـة وحين سُئل عما إذا كان قد استخدم النظام المداري ( Zone System ) ، أجاب :
ـ هـذا شيء سخيف جـداً وربما وسيلة للمبتدئين ، شيء ما يعتمدون عليـه ، ولكنـه أكثـر تشويشأ من ان يـروقني بل واعتبره مضيعة للوقت ذلك ان اي مصور فوتوغرافي يعمل طيلة الوقت سيحصل على احسـاس بالضوء ، ولن يحتاج لهذا الذي تتحدثون عنه قد يكون عنصراً حاسماً أكثر بكثير في مجال اللون أو البولارويد إلا أنه يتوفر لك بعد في الأسود والأبيض .
وهو ينظر إلى النظام المداري على انـه عقيـة تقـف في وجـه الإبداع ، وانـه على المصـور الفوتوغرافي الناشط أن ينقي في ذاته إحساساً بالضـوء ومعرفة بكل من الفيلم والمظهـر ليتجنب هذه العقبة .
كذلك يدعي بـريت انه لا يهتم بتقنيات التصوير الفوتوغرافي بل وحتى تعريضاته الضوئية ينجزها بالبديهة . يقول : ـ أعـرف الفارق بين غـويتـز ( Goetz ) و داغـور ( Dagor ) أو ما هي الرولي ( Rollei ) بالمقارنة مع اللايكا ( Leica ) .
اعـرف هـذه الأشياء كما اعرف انه لا بد لي من ان اتنفس . أمـا عـن مـعـرفـة البصريات والكيمياء فلا اهتمام لي هنا لأن المنتجين يفعلون ذلك لنا . وهـو هـدر للوقت . اعرف الورقة والفيلم اللذين يناسبـان اسلوبي : هـذان اعرفهمـا حق المعـرفـة ، واعرف كل شيء بصددهما .
على الرغم من افتـقـاره إلى الاهتمام التقني ، عمل ويستون بعـدد مختلف من الكـاميـرات معظمها كـاميـرات منـظر واحد معقدة منمقة ، فقـد ابتـدا بـ غرافليكس - ٥ × ٤ بوصة - . وفي العام ١٩٣٠ إبتاعت له والدتـه کامیرا ۱۰ × ۸ بوصة مقابل ٢٥ دولار .
فلطالما كان ينظر بحسد إلى الكاميرا الكبيرة لوالده وشعر ببهجة عظيمـة عندمـا راح يلتقط سلبيات ۱۰ × ۸ بـوصـة للمـرة الأولى كذلك عمل لفترة من الوقت بكاميرا ١١ × ١٤ بوصة عملاقة ، إلا أنه تحول في الأونة الأخيرة نحو الاتجاه الأخـر ، مبتعداً عن كاميرات البنية الكبيرة ليعمـل برولي ( 66 SL ) ١/٤ بـوصـة مربعة ، وهو يقول :
ـ كـنـت بـحـاجـة لتغييـر خطواتي ، وعنـدمـا تـوفـر لي الحصول على هذه ، الرولي ، الصغيرة ، حدث انها غيرت طريقة مشاهدتي . اصبحت خصباً أكثر . ذلك ان هذه الكاميرا جعلت بعض الأشياء ممكنة بعدما سبق انني لم استطع إنجازها بكاميرا كبيرة ، ما زلت استعمل كاميرا ٤ × ٥ بوصة و ٥ × ٧ بوصة ، إلا انني لا اتقلب بين ملايين الكاميرات كما يفعل الهواة .
انتقـل حـديثـنـا بعـد ذلك إلى التعليم الفوتوغرافي ، ولويستون كغيره آراء قوية حول الموضوع : ـ الفنانون يولدون . لا يجري تفقيسهم في الكليات الفنية أو المدارس الفوتوغرافيـة . لذلك ارى انك لا تستطيع تعليم الفن . تستطيع التاثير على شخص ما طبعـا ولكن يبدو لي ان الفنان يولد ومعـه مقـدار صغير من النوعية الاضافية . لا تحمل جميعنا طاقات التحول إلى پوزارت آخـر او باخ او اینشتاین ... هذا سخف كبيـر . اظن ان الفنانين يولدون فنانين ، حيث تؤثر عليهم البيئة بنسبة ٩٥ في المـائـة والنسبـة البـاقيـة موجودة فيهم اصلا ، لهذا السبب تجد الاعمال الفنية ، التجارية مليئة بما هو سخيف ، لاننا لا نولد جميعنـا مثـل بعضنا البعض فالطبيعة لا تكرر ذاتها أبدأ .
على أن ويستون يؤمن بالتعليم التقني فعلا ، وعلى الرغم من انه توفر له احـد أعظم المصورين الفوتوغرافيين في العالم كوالده يقول شارحاً :
ـ لقـد تشـاحـنت مـع نفسي بعنف لاتعلم ، فقد علمت نفسي بنفسي اسـاسـا ، لذلك اؤمـن بجدوى المـدرسـة لـتـعـلـيـم الأساليب . لتعليم الصنعة والتعليم هـو وظيفـة تستغـرق الوقت كله . وارى ان المعلمين معظمهم ليسـوا بـمصـوريـن فوتوغرافيين مجيدين .
بـالـحـديـث عن والده إدوارد ويستون ، يقول برت :
ـ ما زلت متاثراً به ، بروحه بعمله . والدي كذلك كان متاثراً مثلنا جميعاً بـالـنـاس ، بالموسيقى .... وباشياء كثيرة .
وتابع أنه لم يستصعب ابدأ العمل في ظل والده ، اما حول راي بعض النقاد الذين يعتبرونه قد فاق والده بعمله فينفجر قائلاً :
ـ لن يحدث لأي كان ان يتفوق على إدوارد ويستون في أشيائه الخاصة وانا لا اهتم بالتفـوق على احد ، سوى على نفسي فقط ! لم اكن في يوم من الأيام مهتما فعلا بمحاولة ان اتساوى مع والدي كان رجلا مميزاً ، وكان مرافقـاً عظيماً مثلما كان والداً رائعاً . كنت معـه اشبه بشقيقين تتعقبنـا السيدات ذاتهن ، ولكنه كان أكثر براعة ومعرفة مني طبعا . وقد حدث لبعض صديقاته ان خـرجن معي بي وعلممنني أشياء كثيرة .. استطيع اعطاء أربعة أو خمسة اسماء ، ولكنني لن افعل !
لم يسبق لبـريت ويستون ان طبـع بالألوان ابـدأ ، وهـو ليس مهتماً بهذا المجال فعلياً .
كما انه لا يبدي اهتماماً كبيراً بـاعـمـال مصورين فوتوغرافيين آخرين وهو يشرح ذلك قائلاً :
ـ ليس لديّ الوقت لذلك ، فانا لا أكثـر من تـصفـح الـمـجـلات الفوتوغرافية ، والمشكلة مع هذه المجلات انها تصيبني بالملل ، اما طاقتي فتذهب جميعها إلى عملي .
لهذا السبب تـجـدني خصب الانتاج فانا اعمل ، ثمانية ، ايام في الاسبوع ( ! ) استيقظ واطبع عند الساعة الثالثة صباحاً ، وما زلت افعل ذلك منذ اربعين سنة كـان والدي يستيقظ ليكتب في مفكرته ، امـا انـا فـاستيقظ في الصباح لاطبع⏹
- نيويورك - هاري قوندقجيان
بریت ادوارد ویستون المدارس الفوتوغرافية لاتصنع مصوراً
بريت إدوارد ويستون ، مصور عالمي كبير ، يكره النظريات ويرى أن مجلات التصوير مضجرة ، لكنه يصر على أهمية الاستفادة من تعليم التصوير لكن بشرط وجود الموهبة التي هي الأساس ، فالفنان برايه يولد فنانا وعليه متابعة المسيرة بجد للوصول إلى التألق المطلوب .
إنـه الرائد الأميركي للتصوير الفوتوغرافي للمناظر الطبيعية بريت ويستون ابـن المصـور الشـهيـر إدوارد ويستون واحد كبار المصورين في العـالم ... تجـاوز السبعين من عمره ولا يزال يحمل لقب . الأمير ذهبي الشعر ، حيث يبدو أقل من سنه الحقيقي بعشرين سنة .
ويقيم ويستون على الشاطيء الباسيفيكي في منتجع كارميل حيث يـديـر النجم السينمائي کلینت ایستوود نـاديـا ليلياً وحيث يسكـن الكثيرون ممـن ينشدون الراحة والهدوء .
هناك يعيش المصور العالمي منذ عام ١٩٥٨ ، بعد سلسلة زيجات فاشلة ، في منزل يقع وسط التلال والمناظر الطبيعية الرائعة وبمجرد الدخول إلى داره يبدو من الواضح اننا في بيت مصور فوتوغرافي ، ففي الخارج يوجد حوض سبـاحـة يتميـز بـنـافـذة مشاهدة لما تحت الماء ، تسمـح بتصوير السابحات والسابحين . اما في الداخل فقد تحولت إحدى غرف النوم إلى غرفة سوداء مجهزة بمكبر ۱۰ × ۸ بوصة وإلى جانبها غرفة للغسيل وللتجفيف على شاشات - الفايبر غلاس .
المـدخـل إلى المنـزل يتميز بالبساطة وقـد زينـه ويستـون بـاحـدث طبعـاتـه السـوداء - البيضاء بمقاييس كبيرة تغطي معظم الجـدران ، إضافة إلى منحوناته الخشبية المبعثرة في ارجاء المنزل .
عـدا هـذه الأجـواء يمضي المصور فترة طويلة من وقته في بيت آخر على جزيرة هاواي ، وهو المكان الذي انتج فيه العديد من اعماله المهمـة ضمن مجمـوعـة - اوراق شجر وطمی - .
ورغم تاريخه الطويل ، لا يحب ويستـون الكلام عن التصـويـر الفـوتـوغـرافي ويكاد لا يطيق الانغماس في النظريات ، مفضلاً التحدث عن رحلته مع التصوير الفوتوغرافي ببساطة ، بينما لا يكف عن التلاعب بغليونه يكفين تبرز منهما أظافر سوداء اعطتها هذا اللون سنوات من النقع في مظهر - الاميدول .
في شبابه ، كان بريت ويستون فوضوياً . ولما خـاف والده على مستقبـل ابنـه لو بقي في لوس انجلوس ، عـاد بـه للعيش في مكسيكو سيتي ، حيث كـان إدوارد يبتدع اسلوباً جديداً في تصويره الفوتوغرافي ويعيش مع المصورة الفوتوغرافية الايطالية الجميلة تينا موديتي ، كان بريت في الثانية عشرة فقط حين التقط صورته الفوتوغرافية الأولى في مكسيكو بالذات ، فقد أعطاه والده كاميرا - غرافليكس ، ليعمل بها وكانت عبارة عن كاميرا منمقة احادية العدسة بلغ ثمنها يومها ١٣٥ دولارا .
قال بريت متذكراً :
- عـلمني والدي الأسس ثم تركني لحالي ، حيث كان علي إما ان انجـح أو اتناسي المـوضـوع تلقائياً ، لم يحاول ان يؤثر علي مباشرة ، إلا انه فعل ذلك بدهاء ، دون ان يكون استاذاً اعطاني فكـرة مختصرة عن التعريض الضوئي كيـف تـحـكـم عـلى الضوء . على انني لم استعمل العداد الضوئي ابدأ ، وما زلت لا استعمله .
اما صوره الفوتوغرافية الأولى فكانت مجموعة زنابق وسقيفة تنك مجعد .. سرى في جسدي ما يشبه التيار الكهربائي عنـدمـا شـاهـدت الصورة على الزجـاج المبرغل لأول مرة . . والإثارة هذه
لم تفارقه ابدأ ، حيث ثابـر طيلة ستين سنة على صنـع صـور فوتوغرافية - تكهرب ، الناظر كما أن الكثير من مواضيعه كان وما زال شبيها بتلك الصور ذاتها .
تجدر الإشارة هنا إلى شعور العديد من النقاد أن بعض افضل اعمال ويستون انجـزها وهـو ما يزال صغيراً .. ! وهو يوافقهم على ذلك قائلا :
اظن ان الأمر كذلك . فبعض الناس يتيقظون مبكرين . اما عني فـاظنني ولدت مـع هـذه العين ذات النوع الخـاص الغريب ... انهـا عـين بـريـت ويستون التي آمل انني ما زلت محتفظاً بها على ان عملي الآن هو اكثر خصوبة وأكثر ثقة .
مع ذلك ، وحتى كمراهق شاب حصل بريت على تقدير عالمي قال :
- في شتوتغارت ، أقاموا هناك معرضاً للمصورين الفوتوغرافيين الاميريكيين : إيموجين كانينغهام ووالدي وتشارلز شيـلار ورالف شتاینر ، حدث هذا قبلمـا يصبح انسيـل آدامـز مـعـروفـاً ، وقد انتخبوني لاشارك في العرض كنت في الرابعة عشرة فقط من عمري حينذاك ، وكان ذلك معرضاً طلبـعيـا وشـهـيـرا شـهـدتـه العشرينيات . عنـدمـا اعـود بالذاكرة إلى الوراء اشاهد بعض الأشياء التي انجزتهـا وانـا في الثالثة عشرة والرابعة عشرة من العمر وما زالت محتفظة بروعتها .
ثم على الرغم من ان التصوير الفوتوغرافي أصبح حياته منذ ذلك الوقت وصاعدا ، كـان على ويستـون ان يصـرف ١٥ سنة اخرى من هذه الحياة قيلما يصنف نفسه كمصور فوتوغرافي كما انه لا يجد الكثير من الصبر مع الكثيرين من التلاميذ الذين يتخرجون من مدارس التصوير الفوتوغرافي اليـوم . . في هذه الأيـام ، يذهـب الصـغـار إلى الجـامـعـة ويـحـصـلـون عـلى مـاجيستيـرات في التصوير الفوتوغرافي ، ثم يطلقون على انفسهم تسميـة مصـوريـن فوتوغرافيين .
وهذا يضحكني لأن ذلك يـحـتـاج إلى سنـوات وسنوات وهم يظنونه سهلا .
في السنوات الأولى المبكرة امن بريت ويستون معيشته من مهام التقاط صور وجهية ، إلا أنه لم يـدخـل عـالم الـتـصـويـر الفوتوغرافي التجاري فعلياً على الإطلاق يقول في هذا الصدد :
- لست برجل اعمال ، ولا احب ان يفرض على العمل فرضاً ، كما لدي نوع من الازدراء لمن يطلق عليهم القاب مدراء فنيين ورؤساء تحرير لمجلات . إذ طالما أن الأمر متعلق بي فانا لا اقبل بالحلول الوسط ... وأشكر الله على ذلك .
بدلا من ذلك اختار ويستـون العيش ببساطة واقتصاد ، وما زال هكذا إلى حد كبير ، رغم انه ميسور الحال الآن بناء على اية معايير .
ففي معرض إقامته احدى الغاليريهات في سان فرانسيسكو مؤخراً على سبيل المثال ، باع ما يزيد على ٤٠ طبعـة ، كلا منها بمبلغ ۱۲۰۰ دولار ، وهـذا المستوى من النجاح يجعل بريت ويـستـون واحـداً مـن قـلائـل المصورين الفوتوغرافيين في العالم ممن يستطيعون العيش برخاء من بيع طبعاتهم فقط .
على أن ويستون لا يجري وراء الشهرة والثروة ابدأ ؛ بل يقول :
ـ يروقني وجود عدد قليل من المشاهدين . أما الحشد فلا اهتم به ، الآخرون من أمثال شقيقي كول وأنسیل آدامز هم ممثلون غير بارعين يحتاجون إلى حشد كبير من المشاهدين .
اما انا فافضل وجود عشرة اشخاص يفهمون بالفعل ، بدلا من عشـرة آلاف ياخذون إلى التصفيق لان هذا هو ما تقتضيه المناسبة .
من هنا فانا عندما أخرج لاصـور ، لا افعل ذلك وهمي الأكبر ان امنع شخصا ما أو أن أكسب المال ، فانا احب الصورة واصنعها لنفسي قبل
كل شيء .
على أن المنافسة طويلة الأمد بين بريت ويستون وجاره آنسیل آدامز ظلت مطروحـة وحين سُئل عما إذا كان قد استخدم النظام المداري ( Zone System ) ، أجاب :
ـ هـذا شيء سخيف جـداً وربما وسيلة للمبتدئين ، شيء ما يعتمدون عليـه ، ولكنـه أكثـر تشويشأ من ان يـروقني بل واعتبره مضيعة للوقت ذلك ان اي مصور فوتوغرافي يعمل طيلة الوقت سيحصل على احسـاس بالضوء ، ولن يحتاج لهذا الذي تتحدثون عنه قد يكون عنصراً حاسماً أكثر بكثير في مجال اللون أو البولارويد إلا أنه يتوفر لك بعد في الأسود والأبيض .
وهو ينظر إلى النظام المداري على انـه عقيـة تقـف في وجـه الإبداع ، وانـه على المصـور الفوتوغرافي الناشط أن ينقي في ذاته إحساساً بالضـوء ومعرفة بكل من الفيلم والمظهـر ليتجنب هذه العقبة .
كذلك يدعي بـريت انه لا يهتم بتقنيات التصوير الفوتوغرافي بل وحتى تعريضاته الضوئية ينجزها بالبديهة . يقول : ـ أعـرف الفارق بين غـويتـز ( Goetz ) و داغـور ( Dagor ) أو ما هي الرولي ( Rollei ) بالمقارنة مع اللايكا ( Leica ) .
اعـرف هـذه الأشياء كما اعرف انه لا بد لي من ان اتنفس . أمـا عـن مـعـرفـة البصريات والكيمياء فلا اهتمام لي هنا لأن المنتجين يفعلون ذلك لنا . وهـو هـدر للوقت . اعرف الورقة والفيلم اللذين يناسبـان اسلوبي : هـذان اعرفهمـا حق المعـرفـة ، واعرف كل شيء بصددهما .
على الرغم من افتـقـاره إلى الاهتمام التقني ، عمل ويستون بعـدد مختلف من الكـاميـرات معظمها كـاميـرات منـظر واحد معقدة منمقة ، فقـد ابتـدا بـ غرافليكس - ٥ × ٤ بوصة - . وفي العام ١٩٣٠ إبتاعت له والدتـه کامیرا ۱۰ × ۸ بوصة مقابل ٢٥ دولار .
فلطالما كان ينظر بحسد إلى الكاميرا الكبيرة لوالده وشعر ببهجة عظيمـة عندمـا راح يلتقط سلبيات ۱۰ × ۸ بـوصـة للمـرة الأولى كذلك عمل لفترة من الوقت بكاميرا ١١ × ١٤ بوصة عملاقة ، إلا أنه تحول في الأونة الأخيرة نحو الاتجاه الأخـر ، مبتعداً عن كاميرات البنية الكبيرة ليعمـل برولي ( 66 SL ) ١/٤ بـوصـة مربعة ، وهو يقول :
ـ كـنـت بـحـاجـة لتغييـر خطواتي ، وعنـدمـا تـوفـر لي الحصول على هذه ، الرولي ، الصغيرة ، حدث انها غيرت طريقة مشاهدتي . اصبحت خصباً أكثر . ذلك ان هذه الكاميرا جعلت بعض الأشياء ممكنة بعدما سبق انني لم استطع إنجازها بكاميرا كبيرة ، ما زلت استعمل كاميرا ٤ × ٥ بوصة و ٥ × ٧ بوصة ، إلا انني لا اتقلب بين ملايين الكاميرات كما يفعل الهواة .
انتقـل حـديثـنـا بعـد ذلك إلى التعليم الفوتوغرافي ، ولويستون كغيره آراء قوية حول الموضوع : ـ الفنانون يولدون . لا يجري تفقيسهم في الكليات الفنية أو المدارس الفوتوغرافيـة . لذلك ارى انك لا تستطيع تعليم الفن . تستطيع التاثير على شخص ما طبعـا ولكن يبدو لي ان الفنان يولد ومعـه مقـدار صغير من النوعية الاضافية . لا تحمل جميعنا طاقات التحول إلى پوزارت آخـر او باخ او اینشتاین ... هذا سخف كبيـر . اظن ان الفنانين يولدون فنانين ، حيث تؤثر عليهم البيئة بنسبة ٩٥ في المـائـة والنسبـة البـاقيـة موجودة فيهم اصلا ، لهذا السبب تجد الاعمال الفنية ، التجارية مليئة بما هو سخيف ، لاننا لا نولد جميعنـا مثـل بعضنا البعض فالطبيعة لا تكرر ذاتها أبدأ .
على أن ويستون يؤمن بالتعليم التقني فعلا ، وعلى الرغم من انه توفر له احـد أعظم المصورين الفوتوغرافيين في العالم كوالده يقول شارحاً :
ـ لقـد تشـاحـنت مـع نفسي بعنف لاتعلم ، فقد علمت نفسي بنفسي اسـاسـا ، لذلك اؤمـن بجدوى المـدرسـة لـتـعـلـيـم الأساليب . لتعليم الصنعة والتعليم هـو وظيفـة تستغـرق الوقت كله . وارى ان المعلمين معظمهم ليسـوا بـمصـوريـن فوتوغرافيين مجيدين .
بـالـحـديـث عن والده إدوارد ويستون ، يقول برت :
ـ ما زلت متاثراً به ، بروحه بعمله . والدي كذلك كان متاثراً مثلنا جميعاً بـالـنـاس ، بالموسيقى .... وباشياء كثيرة .
وتابع أنه لم يستصعب ابدأ العمل في ظل والده ، اما حول راي بعض النقاد الذين يعتبرونه قد فاق والده بعمله فينفجر قائلاً :
ـ لن يحدث لأي كان ان يتفوق على إدوارد ويستون في أشيائه الخاصة وانا لا اهتم بالتفـوق على احد ، سوى على نفسي فقط ! لم اكن في يوم من الأيام مهتما فعلا بمحاولة ان اتساوى مع والدي كان رجلا مميزاً ، وكان مرافقـاً عظيماً مثلما كان والداً رائعاً . كنت معـه اشبه بشقيقين تتعقبنـا السيدات ذاتهن ، ولكنه كان أكثر براعة ومعرفة مني طبعا . وقد حدث لبعض صديقاته ان خـرجن معي بي وعلممنني أشياء كثيرة .. استطيع اعطاء أربعة أو خمسة اسماء ، ولكنني لن افعل !
لم يسبق لبـريت ويستون ان طبـع بالألوان ابـدأ ، وهـو ليس مهتماً بهذا المجال فعلياً .
كما انه لا يبدي اهتماماً كبيراً بـاعـمـال مصورين فوتوغرافيين آخرين وهو يشرح ذلك قائلاً :
ـ ليس لديّ الوقت لذلك ، فانا لا أكثـر من تـصفـح الـمـجـلات الفوتوغرافية ، والمشكلة مع هذه المجلات انها تصيبني بالملل ، اما طاقتي فتذهب جميعها إلى عملي .
لهذا السبب تـجـدني خصب الانتاج فانا اعمل ، ثمانية ، ايام في الاسبوع ( ! ) استيقظ واطبع عند الساعة الثالثة صباحاً ، وما زلت افعل ذلك منذ اربعين سنة كـان والدي يستيقظ ليكتب في مفكرته ، امـا انـا فـاستيقظ في الصباح لاطبع⏹
- نيويورك - هاري قوندقجيان
تعليق