رتشاردسن (صموييل)
Richardson (Samuel-) - Richardson (Samuel-)
رتشاردسن (صموئيل -)
(1689-1761)
صموئيل رتشاردسن Samuel Richardson أحد رواد الرواية الإنكليزية، إذ أدخل عليها أسلوباً جديداً تميز به، وأثار بروايته الأولى ضجة أدبية وثقافية كان لها أثرها في صناعة الرواية أدبياً.
ولد رتشاردسن لأب نجار في بلدة مَكوورث Mackworth في داربيشر Derbyshire في إنكلترا، وتوفي بالقرب من لندن. تلقى الحد الأدنى من التعليم، إلا أنه قرأ كثيراً، وعمل وهو في الثالثة عشرة من عمره في كتابة رسائل العشاق، إذ كانت الشابات تقصدنه لكتابة رسائلهن. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره عمل في مطبعة وأصبح خبيراً في الأعمال التي تتعلق بالطباعة والنشر والتحرير والتصنيف ومراجعة الفهارس، مما كوّن لديه أساساً متيناً لممارسة الكتابة. تزوج في عام 1715 من مارثا وايلد ابنة صاحب المطبعة، التي صُدم بوفاتها ووفاة أولاده منها تباعاً في مدة وجيزة، وكان لزواجه الثاني في عـام 1733 من إليزابيث ليك Elizabeth Leake، ابنة زميله في المهنة والتي رزق منها ببنات أربع، أكبر الأثر في تحسن وضعه النفسي.
لم تكن بداياته الأدبية في مجال الرواية وإنما في إعادة كتابة «حكايات إيسوب» Aesop’s Fablesالإغريقية من منظوره الخاص عام 1739، مركزاً فيها على الأخلاق. ثم كتب «رسائل حميمية للمناسبات المهمة» Familiar Letters on Important Occasions قدم فيها نصائح ومواعظ للشابات لترشدهن إلى التصرف السليم في مواقف الحياة الصعبة، ولاسيما في الأمور العاطفية. وقد تميز في هذه الرسائل أسلوب رتشاردسن الذي اشتهر به والذي يجمع بين الوعظ الأخلاقي وأسلوب الرسائل. وخلال وقت قصير انتقل رتشاردسن إلى كتابة الرواية الرسائلية epistolary novel التي تأخذ شكل رسائل متبادلة بين الشخصيات. وقد كان يُنظر في عصره إلى كتابة الرسائل بوصفها أسلوباً روائياً مهماً فنياً لأنه يسمح بطرح وجهات نظر مختلفة ومتباينة للشخصيات حيال الموقف أو الحدث ذاته. وطُوِّر هذا الأسلوب لاحقاً على يد أدباء آخرين، منهم هنري جيمس[ر] بعد قرابة قرن ونيف.
كان رتشاردسن متمكناً من استخدام هذا الأسلوب منذ روايته الأولى «باميلا، أو مكافأة الفضيلة» Pamela: or Virtue Rewarded التي أنهى كتابة جزئها الأول عام 1740، ونشرها في مجلدين. وقد تحدث في الصفحة الأولى من الرواية عن هدفه من كتابتها وهو «أن يهذب الأخلاق وينشر مبادئ الفضيلة والدين في عقول الشباب من الجنسين». وتتحدث الرواية عن شابة فقيرة تعمل في منزل عائلة أرستقراطية وتقرر الحفاظ على فضيلتها برفضها ابن هذه العائلة الذي يحاول التحرش بها، على الرغم من شعورها نحوه بعاطفة مشوبة بالحذر، ويقرر الابن احتجاز باميلا مدة أربعين يوماً ليفرض رأيه عليها، فتكتب مذكراتها. وتمر علاقتهما بعدة مراحل، من الصراع إلى التأمل ومن ثم الزواج، يصفها رتشاردسن في سلسلة من الرسائل المتبادلة بين باميلا والشاب الأرستقراطي، ويظهر فيها صراع الطبقات الاجتماعية والعلاقات بينها. وتكمن أهمية الرواية في أنها جمعت بين ثلاثة مكونات: الحكاية الأخلاقية the morality tale، والرواية الرسائلية، وقصة سندريلا. وقد أضفى أسلوب الرسائل عليها ميزة إضافية تتمثل في أن استعمال الكاتب للزمن الحاضر في الرواية تبدّى وكأنه نسخ فوري لردود أفعال الشخصيات تجاه الأحداث.
لاقت «باميلا» نجاحاً كبيراً، وأثنى بعض النقاد والأدباء من أمثال ألكسندر بوب[ر] على العمق النفسي فيها، وعلى الدقة في التفاصيل والتقنية الدرامية في كتابة الرسائل على الرغم من المبالغة في العاطفة والرتابة التي قد تشعر القارئ بالملل. ولكن آراء النقاد الآخرين تباينت ما بين الإعجاب والنفور، ففي القرن العشرين وصف الناقد تيري إيغلتون Terry Eagleton هذا الحدث بأنه «حدث ثقافي» أثر في مناحي الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية كافة وفي عادات وأذواق الناس آنذاك، كما سبب تغييراً في الأسلوب الأدبي للرواية، مع أن الرواية الرسائلية لم تكن مجهولة آنئذٍ، إلا أن الشهرة التي حققتها «باميلا» عززت هذا الجنس الأدبي. وقد طبعت الرواية طبعات عدة (ست طبعات في أقل من عامين)، واضطر رتشاردسن أن يتبع الجزء الأول منها بجزء ثان،ٍ لا ليعزز نجاحه فقط، وإنما ليحافظ على الرواية من المحاولات العديدة لاقتباسها وإعادة كتابة أجزاء منها. وقد ظهر جزؤها الثاني عام 1741، وصورت باميلا هذه المرة أماً وزوجة مثالية بأسلوب الجزء الأول نفسه.
قُلِّدت «باميلا» واقُتبست وسُرقت أجزاء منها، وتعرضت للرقابة. فقد كتب هنري فيلدينغ[ر]، المنافس الأول لرتشاردسن، رواية «شاميلا» Shamela التي كانت محاكاة ساخرة لـ «باميلا» وللنفاق الأخلاقي فيها، وكذلك رواية «جوزيف أندروز» Joseph Andrews التي اختلق فيها شخصية جوزيف شقيقاً لباميلا يحافظ على فضيلته من كيد وغواية النساء لـه. وكتبت الروائية إليزا هيوود Eliza Haywood المعاصرة لرتشاردسن اقتباساً لها تحت عنوان «نقيض باميلا» Anti Pamela.
وبالأسلوب نفسه كتب رتشاردسن روايات أخرى، مثل «كلاريسا هارلو» Clarissa Harlowe في سبعة مجلدات بين عامي 1747 و1748 وهي تعد أفضل أعماله، ثم «حياة السير تشارلز غرانديسن» The History of Sir Charles Grandison في سبعة مجلدات (1753-1754). وعالجت هاتان الروايتان الموضوعات الأخلاقية ذاتها بأسلوب وعظي. وإذا كان الروائي دانيال ديفو[ر] قد لُقب «أبو الرواية الإنكليزية» فيمكن عدّ رتشاردسن رائداً للرواية الرسائلية العاطفية، كما أثر في كتّاب عصره ومن جاء بعده. فقد استخدم كلٌ من جين أوستن[ر] ولورنس ستيرن[ر] أسلوب الرسائل في كتاباتهما. ولازالت روايات رتشاردسن على الرغم من طولها تلقى اهتماماً كبيراً لدى المختصين من الأدباء والنقاد.
ريما الحكيم
Richardson (Samuel-) - Richardson (Samuel-)
رتشاردسن (صموئيل -)
(1689-1761)
صموئيل رتشاردسن Samuel Richardson أحد رواد الرواية الإنكليزية، إذ أدخل عليها أسلوباً جديداً تميز به، وأثار بروايته الأولى ضجة أدبية وثقافية كان لها أثرها في صناعة الرواية أدبياً.
ولد رتشاردسن لأب نجار في بلدة مَكوورث Mackworth في داربيشر Derbyshire في إنكلترا، وتوفي بالقرب من لندن. تلقى الحد الأدنى من التعليم، إلا أنه قرأ كثيراً، وعمل وهو في الثالثة عشرة من عمره في كتابة رسائل العشاق، إذ كانت الشابات تقصدنه لكتابة رسائلهن. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره عمل في مطبعة وأصبح خبيراً في الأعمال التي تتعلق بالطباعة والنشر والتحرير والتصنيف ومراجعة الفهارس، مما كوّن لديه أساساً متيناً لممارسة الكتابة. تزوج في عام 1715 من مارثا وايلد ابنة صاحب المطبعة، التي صُدم بوفاتها ووفاة أولاده منها تباعاً في مدة وجيزة، وكان لزواجه الثاني في عـام 1733 من إليزابيث ليك Elizabeth Leake، ابنة زميله في المهنة والتي رزق منها ببنات أربع، أكبر الأثر في تحسن وضعه النفسي.
لم تكن بداياته الأدبية في مجال الرواية وإنما في إعادة كتابة «حكايات إيسوب» Aesop’s Fablesالإغريقية من منظوره الخاص عام 1739، مركزاً فيها على الأخلاق. ثم كتب «رسائل حميمية للمناسبات المهمة» Familiar Letters on Important Occasions قدم فيها نصائح ومواعظ للشابات لترشدهن إلى التصرف السليم في مواقف الحياة الصعبة، ولاسيما في الأمور العاطفية. وقد تميز في هذه الرسائل أسلوب رتشاردسن الذي اشتهر به والذي يجمع بين الوعظ الأخلاقي وأسلوب الرسائل. وخلال وقت قصير انتقل رتشاردسن إلى كتابة الرواية الرسائلية epistolary novel التي تأخذ شكل رسائل متبادلة بين الشخصيات. وقد كان يُنظر في عصره إلى كتابة الرسائل بوصفها أسلوباً روائياً مهماً فنياً لأنه يسمح بطرح وجهات نظر مختلفة ومتباينة للشخصيات حيال الموقف أو الحدث ذاته. وطُوِّر هذا الأسلوب لاحقاً على يد أدباء آخرين، منهم هنري جيمس[ر] بعد قرابة قرن ونيف.
كان رتشاردسن متمكناً من استخدام هذا الأسلوب منذ روايته الأولى «باميلا، أو مكافأة الفضيلة» Pamela: or Virtue Rewarded التي أنهى كتابة جزئها الأول عام 1740، ونشرها في مجلدين. وقد تحدث في الصفحة الأولى من الرواية عن هدفه من كتابتها وهو «أن يهذب الأخلاق وينشر مبادئ الفضيلة والدين في عقول الشباب من الجنسين». وتتحدث الرواية عن شابة فقيرة تعمل في منزل عائلة أرستقراطية وتقرر الحفاظ على فضيلتها برفضها ابن هذه العائلة الذي يحاول التحرش بها، على الرغم من شعورها نحوه بعاطفة مشوبة بالحذر، ويقرر الابن احتجاز باميلا مدة أربعين يوماً ليفرض رأيه عليها، فتكتب مذكراتها. وتمر علاقتهما بعدة مراحل، من الصراع إلى التأمل ومن ثم الزواج، يصفها رتشاردسن في سلسلة من الرسائل المتبادلة بين باميلا والشاب الأرستقراطي، ويظهر فيها صراع الطبقات الاجتماعية والعلاقات بينها. وتكمن أهمية الرواية في أنها جمعت بين ثلاثة مكونات: الحكاية الأخلاقية the morality tale، والرواية الرسائلية، وقصة سندريلا. وقد أضفى أسلوب الرسائل عليها ميزة إضافية تتمثل في أن استعمال الكاتب للزمن الحاضر في الرواية تبدّى وكأنه نسخ فوري لردود أفعال الشخصيات تجاه الأحداث.
لاقت «باميلا» نجاحاً كبيراً، وأثنى بعض النقاد والأدباء من أمثال ألكسندر بوب[ر] على العمق النفسي فيها، وعلى الدقة في التفاصيل والتقنية الدرامية في كتابة الرسائل على الرغم من المبالغة في العاطفة والرتابة التي قد تشعر القارئ بالملل. ولكن آراء النقاد الآخرين تباينت ما بين الإعجاب والنفور، ففي القرن العشرين وصف الناقد تيري إيغلتون Terry Eagleton هذا الحدث بأنه «حدث ثقافي» أثر في مناحي الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية كافة وفي عادات وأذواق الناس آنذاك، كما سبب تغييراً في الأسلوب الأدبي للرواية، مع أن الرواية الرسائلية لم تكن مجهولة آنئذٍ، إلا أن الشهرة التي حققتها «باميلا» عززت هذا الجنس الأدبي. وقد طبعت الرواية طبعات عدة (ست طبعات في أقل من عامين)، واضطر رتشاردسن أن يتبع الجزء الأول منها بجزء ثان،ٍ لا ليعزز نجاحه فقط، وإنما ليحافظ على الرواية من المحاولات العديدة لاقتباسها وإعادة كتابة أجزاء منها. وقد ظهر جزؤها الثاني عام 1741، وصورت باميلا هذه المرة أماً وزوجة مثالية بأسلوب الجزء الأول نفسه.
قُلِّدت «باميلا» واقُتبست وسُرقت أجزاء منها، وتعرضت للرقابة. فقد كتب هنري فيلدينغ[ر]، المنافس الأول لرتشاردسن، رواية «شاميلا» Shamela التي كانت محاكاة ساخرة لـ «باميلا» وللنفاق الأخلاقي فيها، وكذلك رواية «جوزيف أندروز» Joseph Andrews التي اختلق فيها شخصية جوزيف شقيقاً لباميلا يحافظ على فضيلته من كيد وغواية النساء لـه. وكتبت الروائية إليزا هيوود Eliza Haywood المعاصرة لرتشاردسن اقتباساً لها تحت عنوان «نقيض باميلا» Anti Pamela.
وبالأسلوب نفسه كتب رتشاردسن روايات أخرى، مثل «كلاريسا هارلو» Clarissa Harlowe في سبعة مجلدات بين عامي 1747 و1748 وهي تعد أفضل أعماله، ثم «حياة السير تشارلز غرانديسن» The History of Sir Charles Grandison في سبعة مجلدات (1753-1754). وعالجت هاتان الروايتان الموضوعات الأخلاقية ذاتها بأسلوب وعظي. وإذا كان الروائي دانيال ديفو[ر] قد لُقب «أبو الرواية الإنكليزية» فيمكن عدّ رتشاردسن رائداً للرواية الرسائلية العاطفية، كما أثر في كتّاب عصره ومن جاء بعده. فقد استخدم كلٌ من جين أوستن[ر] ولورنس ستيرن[ر] أسلوب الرسائل في كتاباتهما. ولازالت روايات رتشاردسن على الرغم من طولها تلقى اهتماماً كبيراً لدى المختصين من الأدباء والنقاد.
ريما الحكيم