رفاعيه (طريقه)
Al-Refaiya - Al-Refaiya
الرفاعية (الطريقة -)
من أبرز الطرق الصوفية وأهمها، وأوسعها انتشاراً، كالشاذلية[ر]، والنقشبندية[ر]، والقادرية[ر] وتلتقي كلها على أصل عظيم واحد، هو تزكية النفس وتصفيتها، لتحقيق معنى الإحسان الوارد في نص الحديث الصحيح الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام وقد سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والطرق الصوفية كلها تسعى جاهدة للوصول إلى هذا الغرض وتحقيق هذا المقصد، الذي يعدّ روح الأعمال الصالحة وجوهرها، كالروح للجسد ولا ينال على وجه الكمال إلا تزكية النفس وتصفيتها.
ومع أن تربية النبي r كانت قائمة على هذا الأساس، لكن مصطلح التصوف لم يعرف في الصدر الأول وإنما برز في أواخر المائتين للهجرة، لأن شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم لا فضيلة فوقها، كما نال التابعون هذا الشرف بمتابعتهم للصحابة رضوان الله عليهم، إلى أن اختلف الناس وتباينت المراتب وظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق، فأطلق على خواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين اسم الزهاد والعباد وادعي كل فريق بأن فيهم زهاداً وعباداً، وانفرد خواص أهل السنة المتمسكون بآداب وأحوال فضلاء الصدر الأول، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف.
ومؤسس الطريقة الرفاعية هو الإمام أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي الحسيني، أبو العباس، ينتهي نسبه إلى الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما، ولد في قرية حسن من أعمال واسط بالعراق عام 512هـ / 1118م وتفقه وتأدب في بلد مولده، ثم سكن قرية أم عبيدة بالبطائح بين واسط والبصرة وتوفي بها عام 572هـ / 1176م، ترجم له ولطريقته الكثيرون من القدامى والمحدثين فضلاً عما تركه من مؤلفات، ومن خلال ذلك كله تتحدد المبادئ العامة التي تقوم عليها هذه الطريقة ومن ذلك:
ـ إحكام جانب التوحيد والتحقق بمعانيه، وذلك بتنـزيه الله تعالى في ذاته وصفاته عن سمات الحدوث، وتعظيم كتاب الله بالأخذ بأحكامه وامتثال أوامره، والإيمان بكل ما جاء به رسول الله r، إقراراً باللسان وتصديقاً بالجنان، وعملاً بالأركان واتصافاً بالإحسان.
ـ المحبة كل المحبة للنبي r، ولآل بيته وذريته وكثرة الصلاة والسلام عليه، والتمسك بسنته، والغيرة له ولشريعته، والإجلال لمن شرفهم الله تعالى بصحبته، وحفظ حرماتهم والكف عما شجر بينهم، والإعزاز لكل متبع له متمسك بآثاره، وتوقير أهل العلم والفضل والنظر إلى الكل بعين الحرمة والرعاية.
ـ رد القول بالحلول والاتحاد، ورد الشطحات والدعاوى العريضة التي لا يقول بها الشرع، ولا يرتضيها العقل.
ـ الإيمان بأن المؤثر الحقيقي هو الله وما سواه أسباب ظاهرة، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ولا يجوز تعطيل الأسباب، مع اعتقاد أن الفعل في الكل للقدير القاهر.
ـ التفكر في ما سوى الله من المخلوقات، والكف عن التفكر في ذات الخالق.
ـ ذكر الله تعالى مع حضور القلب جهراً مع الإخوان وسراً حالة الانفراد، في كل الأوقات والأحوال وحماية القلب من الغفلة، وتذكيره بالموت. وأعز شيء على الموفق وقته وقلبه، يعمل في وقته لصلاح قلبه في كل لمحة ونفس.
ـ المبايعة للشيخ المرشد للسير في طريق الحق عملاً بسنة النبي r، وأخذاً بما كان عليه أمر النبي r مع أصحابه.
ـ التخلق بأخلاق النبي r على أنه أحسن الحسن، والتصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالتصوف.
ـ حفظ قدر النعمة لكل منعم، قلت أوجلت، مع عدم النسيان للمنعم الحقيقي فهو سبحانه المفيض لجميع النعم.
ـ طلب العلم لوجه الله تعالى وقراءة القرآن بالتدبر، فالقرآن مأدبة الحق، والعلم سلم القرب الموصل لنور الحقيقة.
ـ اتخاذ حرفةٍ للمعيشة من الحلال، فأهل الحق يعملون بأيديهم، ويخلصون بقلوبهم، وأهل البطالة الذين يظهرون التمسكن والتزهد ويتخذون الملابس الخشنة، فلا هم من الحق والحقيقة ولا هم من الشريعة ولا الطريقة بشيء.
ـ الأخذ بالمفيد والترك لما لا يعني من الأقوال والأعمال، فإنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
ـ عرض ما ينقل عن رجال الطريق من أقوال وأحوال على قانون الشريعة المطهرة، فإذا أنكرها وتعذر التأويل أنكروا نسبة ما ينقل عنهم إليهم، وجزموا أنه من المدسوس عليهم، وبرؤوا ساحتهم من المؤاخذات.
ـ انطلقت الطريقة الرفاعية من العراق ثم انتشرت في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي وألزمت السالك فيها بأربعة أشياء هي: العلم والعمل، والإخلاص والخوف. فمن علم ولم يعمل، أو عمل بغير ما علم فهو محجوب. وإن علم وعمل ولكنه لم يخلص في عمله لله فهو مغبون، وإذا لم يخف من الله ولم يحذر الآفات إلى أن يجد الأمن عند لقاء الله فهو مغرور.
ولترسيخ هذه المبادئ في نفوس مريدي هذه الطريقة يلجأ رجالها ومرشدوها إلى الوسائل الآتية:
أولاً: لبس الخرقة: ومعناه أن يكسو المرشد مريده ثوباً، كما كسا النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير بردته وعلياً رضي الله عنه ثوبه، وكما كسا علي رضي الله عنه الحسن البصري، وكسا الحسن حبيباً العجمي وهكذا، لأن المحاكاة في الزي رمز للمحاكاة في السلوك والخلق.
ثانياً: البيعة وتلقين الذكر: يلتزم المريد بالوفاء بعهد شيخه، من طلب العلم والتفقه بالدين، ودوام الذكر في كل حال وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم فوفوا بعهودهم.
ثالثاً: الصحبة: وهي صحبة المريد للشيخ مع المحبة الصادقة والإخلاص لتنطبع أخلاقه بأخلاقه عن طريق الترويض والمجاهدة والسياحة والخروج في سبيل الله، والتجرد عن أسر الدنيا وشهواتها.
رابعاً: الخلوة في كل عام لمدة أسبوع والمواظبة على قيام الليل والتهجد، وبذل ما في اليد، وإيثار الآخرة على الدنيا. ويجب على المريد أن لا يهتم بالخوارق والكرامات ولا يطلبها، لأن أعظم الكرامات على الإطلاق هو الاستقامة على منهاج الشرع وآدابه، ولو حصل له شيء من الخوارق تستر عليه ولم يفرح به مخافة الاستدراج، ويرفضون الشطح لأنه رعونة ولا يصدر عن واصل راسخ متوازن.
هشام برهاني
Al-Refaiya - Al-Refaiya
الرفاعية (الطريقة -)
من أبرز الطرق الصوفية وأهمها، وأوسعها انتشاراً، كالشاذلية[ر]، والنقشبندية[ر]، والقادرية[ر] وتلتقي كلها على أصل عظيم واحد، هو تزكية النفس وتصفيتها، لتحقيق معنى الإحسان الوارد في نص الحديث الصحيح الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام وقد سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والطرق الصوفية كلها تسعى جاهدة للوصول إلى هذا الغرض وتحقيق هذا المقصد، الذي يعدّ روح الأعمال الصالحة وجوهرها، كالروح للجسد ولا ينال على وجه الكمال إلا تزكية النفس وتصفيتها.
ومع أن تربية النبي r كانت قائمة على هذا الأساس، لكن مصطلح التصوف لم يعرف في الصدر الأول وإنما برز في أواخر المائتين للهجرة، لأن شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم لا فضيلة فوقها، كما نال التابعون هذا الشرف بمتابعتهم للصحابة رضوان الله عليهم، إلى أن اختلف الناس وتباينت المراتب وظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق، فأطلق على خواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين اسم الزهاد والعباد وادعي كل فريق بأن فيهم زهاداً وعباداً، وانفرد خواص أهل السنة المتمسكون بآداب وأحوال فضلاء الصدر الأول، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف.
ومؤسس الطريقة الرفاعية هو الإمام أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي الحسيني، أبو العباس، ينتهي نسبه إلى الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما، ولد في قرية حسن من أعمال واسط بالعراق عام 512هـ / 1118م وتفقه وتأدب في بلد مولده، ثم سكن قرية أم عبيدة بالبطائح بين واسط والبصرة وتوفي بها عام 572هـ / 1176م، ترجم له ولطريقته الكثيرون من القدامى والمحدثين فضلاً عما تركه من مؤلفات، ومن خلال ذلك كله تتحدد المبادئ العامة التي تقوم عليها هذه الطريقة ومن ذلك:
ـ إحكام جانب التوحيد والتحقق بمعانيه، وذلك بتنـزيه الله تعالى في ذاته وصفاته عن سمات الحدوث، وتعظيم كتاب الله بالأخذ بأحكامه وامتثال أوامره، والإيمان بكل ما جاء به رسول الله r، إقراراً باللسان وتصديقاً بالجنان، وعملاً بالأركان واتصافاً بالإحسان.
ـ المحبة كل المحبة للنبي r، ولآل بيته وذريته وكثرة الصلاة والسلام عليه، والتمسك بسنته، والغيرة له ولشريعته، والإجلال لمن شرفهم الله تعالى بصحبته، وحفظ حرماتهم والكف عما شجر بينهم، والإعزاز لكل متبع له متمسك بآثاره، وتوقير أهل العلم والفضل والنظر إلى الكل بعين الحرمة والرعاية.
ـ رد القول بالحلول والاتحاد، ورد الشطحات والدعاوى العريضة التي لا يقول بها الشرع، ولا يرتضيها العقل.
ـ الإيمان بأن المؤثر الحقيقي هو الله وما سواه أسباب ظاهرة، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ولا يجوز تعطيل الأسباب، مع اعتقاد أن الفعل في الكل للقدير القاهر.
ـ التفكر في ما سوى الله من المخلوقات، والكف عن التفكر في ذات الخالق.
ـ ذكر الله تعالى مع حضور القلب جهراً مع الإخوان وسراً حالة الانفراد، في كل الأوقات والأحوال وحماية القلب من الغفلة، وتذكيره بالموت. وأعز شيء على الموفق وقته وقلبه، يعمل في وقته لصلاح قلبه في كل لمحة ونفس.
ـ المبايعة للشيخ المرشد للسير في طريق الحق عملاً بسنة النبي r، وأخذاً بما كان عليه أمر النبي r مع أصحابه.
ـ التخلق بأخلاق النبي r على أنه أحسن الحسن، والتصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالتصوف.
ـ حفظ قدر النعمة لكل منعم، قلت أوجلت، مع عدم النسيان للمنعم الحقيقي فهو سبحانه المفيض لجميع النعم.
ـ طلب العلم لوجه الله تعالى وقراءة القرآن بالتدبر، فالقرآن مأدبة الحق، والعلم سلم القرب الموصل لنور الحقيقة.
ـ اتخاذ حرفةٍ للمعيشة من الحلال، فأهل الحق يعملون بأيديهم، ويخلصون بقلوبهم، وأهل البطالة الذين يظهرون التمسكن والتزهد ويتخذون الملابس الخشنة، فلا هم من الحق والحقيقة ولا هم من الشريعة ولا الطريقة بشيء.
ـ الأخذ بالمفيد والترك لما لا يعني من الأقوال والأعمال، فإنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
ـ عرض ما ينقل عن رجال الطريق من أقوال وأحوال على قانون الشريعة المطهرة، فإذا أنكرها وتعذر التأويل أنكروا نسبة ما ينقل عنهم إليهم، وجزموا أنه من المدسوس عليهم، وبرؤوا ساحتهم من المؤاخذات.
ـ انطلقت الطريقة الرفاعية من العراق ثم انتشرت في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي وألزمت السالك فيها بأربعة أشياء هي: العلم والعمل، والإخلاص والخوف. فمن علم ولم يعمل، أو عمل بغير ما علم فهو محجوب. وإن علم وعمل ولكنه لم يخلص في عمله لله فهو مغبون، وإذا لم يخف من الله ولم يحذر الآفات إلى أن يجد الأمن عند لقاء الله فهو مغرور.
ولترسيخ هذه المبادئ في نفوس مريدي هذه الطريقة يلجأ رجالها ومرشدوها إلى الوسائل الآتية:
أولاً: لبس الخرقة: ومعناه أن يكسو المرشد مريده ثوباً، كما كسا النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير بردته وعلياً رضي الله عنه ثوبه، وكما كسا علي رضي الله عنه الحسن البصري، وكسا الحسن حبيباً العجمي وهكذا، لأن المحاكاة في الزي رمز للمحاكاة في السلوك والخلق.
ثانياً: البيعة وتلقين الذكر: يلتزم المريد بالوفاء بعهد شيخه، من طلب العلم والتفقه بالدين، ودوام الذكر في كل حال وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم فوفوا بعهودهم.
ثالثاً: الصحبة: وهي صحبة المريد للشيخ مع المحبة الصادقة والإخلاص لتنطبع أخلاقه بأخلاقه عن طريق الترويض والمجاهدة والسياحة والخروج في سبيل الله، والتجرد عن أسر الدنيا وشهواتها.
رابعاً: الخلوة في كل عام لمدة أسبوع والمواظبة على قيام الليل والتهجد، وبذل ما في اليد، وإيثار الآخرة على الدنيا. ويجب على المريد أن لا يهتم بالخوارق والكرامات ولا يطلبها، لأن أعظم الكرامات على الإطلاق هو الاستقامة على منهاج الشرع وآدابه، ولو حصل له شيء من الخوارق تستر عليه ولم يفرح به مخافة الاستدراج، ويرفضون الشطح لأنه رعونة ولا يصدر عن واصل راسخ متوازن.
هشام برهاني