كان هيربرت جورج ويلز من أوائل الذين كتبوا عن آلات الزمن والغزوات الفضائية، وتنبأ بأشياء غريبة في رواياته الخيالية بشكل ربما لا يصدق، مثل السفر إلى الفضاء والقنبلة الذرية والباب تلقائي الفتح، حتى قبل وجودها في العالم الحقيقي. ولذلك يُلقب بـ"أبو الخيال العلمي المعاصر"، ولا يزال تأثير كتاباته في الكتب والأفلام والبرامج التلفزيونية الحديثة حاضرًا إلى اليوم.
يلقب جورج ويلز بـ"أبو الخيال العلمي المعاصر"، بسبب تنبؤاته باختراعات وأمور قبل أن تحدث بنحو 100 عام
ولد هيربرت جورج ويلز سنة 1866 في بريطانيا، كان أبوه جوزيف ويلز يعمل بستانيًا، وبعدما ورث بعض المال من عائلته، اشترى متجرًا للخزف، لكنه لم ينجح في مشروعه التجاري البسيط، واضطر إلى بيع الخفافيش وكرات الكريكيت لإطعام عائلته. أما أمه سارة نيل فكانت خادمة في المنازل.
عندما كان جورج ويلز في عمر السابعة، تعرض لحادث مؤسف أثناء اللعب، وكُسرت ساقه، فكان عليه البقاء في السرير لفترة من الوقت حتى تشفى إصابته. قدمت له والدته حينها بعض الروايات لتزجية الوقت وهو طريح الفراش، فأمضى فترة شفائه في قراءة الروايات. ومنذ تلك اللحظة ذاق طعم الكتب، وأصبح شغوفًا بالعوالم جديدة التي سافرت به بعيدًا وهو على السرير.
دخل ويلز مدرسة للعلوم الطبيعية، بفضل منحة استفاد منها، ودرس البيولوجيا. بعد تخرجه عام 1888، أصبح مدرسًا للعلوم. ولم يكتف بذلك، بل زاول مهنة أخرى كمساعد في تجارة القماش، حيث كان لدى الناس فكرة في ذلك الوقت مفادها أنه على المرء أن يتعلم مهنًا مختلفة لضمان عيشه.
فشل ويلز في تجارة النسيج، وطرده صاحب العمل، لكنه في المقابل طوّر مساره كأستاذ في البيولوجيا، وانفتح على الكتب العلمية والروايات الأدبية المهتمة بالعلوم، وهكذا أضحى يكتب في المجلات ويؤلف الروايات، إلى أن حقّقت له أول سلسلة مقالات نشرها في إدى المجلات تحت عنوان "تجربة في التنبؤ" دخلًا وافرًا لقاء المبيعات، وهي المقالات التي تنبأ فيها بانتشار القطارات والسيارات وهجرة السكان من مراكز المدينة إلى الضواحي، و تنبأ فيه بتراجع القيود الأخلاقية في أوروبا جراء سعي الرجال والنساء إلى مزيد من الحرية الجنسية.
كان البريطاني هيربرت جورج ويلز كاتبًا غزير الإنتاج، إذ ألف أكثر من 100 كتاب خلال ستين سنة من حياته المهنية. جل أعماله تقع في صنف الخيال العلمي، غير أنه كتب أيضًا عن الحياة المريرة والتحولات الاجتماعية، والكثير من القصص الخيالية.
ومن أشهر أعماله روايته الأولى "آلة الزمن" التي نُشرت في عام 1895، و"جزيرة دكتور مورو" ونشرت عام 1896 ، و"الرجل غير المرئي" عام 1897 و"الحرب العالمية" عام 1898. وجميع هذه الأعمال باتت من الكلاسيكيات الأدبية التي تحولت غلى أعمال سينمائية.
بدا اهتمام ويلز بإصلاح المشاكل المجتمعية والسياسية واضحًا في كتاباته، والتي كانت كثيرا ما تنحوا نحو أفكار طوباوية، على سبيل المثال في روايته "شكل الأشياء القادمة" والتي نشرت عام 1933، يصف العالم في حالة كارثة شاملة، إلى أن دخل مذنب المجال الأرضي وأطلق غازًا غامضًا جعل البشر أكثر عقلانية، وأسسوا دولة عالمية يعيش فيها كل البشر بمختلف قومياتهم وانتماءاتهم. وربما تأسيس الأمم المتحدة مقدمة لتحقيق هذه النبوءة مستقبلًا.
ولم يكن الغرض من تنبؤات جورج ويلز إظهار ما كان سيحدث فعلًا، ولكن ببساطة كان يسعى إلى الاستحواذ على القارئ من خلال "الوهم الرومانسي" كما سماه. ومع ذلك فقد تحققت الكثير من الأشياء التي أشار لها في رواياته الخيالية، منها حديثه عن اختراع غير محدد يُسرع من عملية الاضمحلال الإشعاعي لإنتاج قنابل تنفجر بقوّة هائلة، وتستمر لأيام في الانفجار، وهي فكرة قريبة من سلسلة التفاعلات النووية.
لم يكن الغرض من تنبؤات جورج ويلز إظهار ما سيحدث فعلًا، وإنما ببساطة كان يسعى للاستحواذ على القارئ عبر "الوهم الرومانسي" كما سماه
وإلى الآن ربما لا زلنا نتحسس، بعد 72 سنة من وفاته، نفحات من أفكاره التي قالها يومًا: "لم يعد العقل قادرًا على التكيف بسرعة كافية للظروف التي تتغير أسرع من أي وقت مضى. نحن على بعد 100 عام وراء اختراعاتنا. هذه الفجوة سوف تنمو فقط. لم يعد الإنسان سيد الخلق متناغمًا مع بيئته. وهكذا فإن العالم الإنساني ليس مفلسًا فحسب، بل منتهي، سيكون شكل الأشياء القادمة أكثر عبثًا".