رده (حروب)
Al-Riddah war - Al-Riddah (Apostasie dans l'islam)
الرِّدَّة (حروب -)
الردة اسم من ارتدَّ، وارتد عنه، تحول ومنه الردة عن الإسلام أي الرجوع عنه وجاء في التنزيل، )ولا يزالونَ يُقاتِلُونكُم حتى يَرُدُّوكُم عَنْ دِينِكُم إنْ استَطَاعُوا ومن يَرْتَدِدْ منكم عن دِينِهِ فَيَمُتْ وهو كَافِرٌ فأولئك حبطَتْ أعمالهم في الدُنيا والآخرة وأولئك أصحاب النارِ همْ فيها خالدون( (البقرة 217).
تذكر المصادر أن العرب ارتدت بعد وفاة الرسول r إما ردة عامة أو خاصة حتى لم يبق أحد متمسكاً بدينه إلا قريش في مكة، وثقيف بالطائف وآخرون قليلون.
ويعد كثير من المؤرخين هذه الردة، ردة دينية، ولكن قبل اتهام هذه القبائل في اليمن وحضرموت ومهرة وعمان واليمامة وبلاد أسد بالرجوع عن الإسلام، على الباحث أن يتبين مدى تغلغل الإسلام بين هذه القبائل، الإسلام بمعنى الإيمان التام والكامل كدين ونظام للحياة والجماعة من جهة، ومدى تقبل القبائل العربية في الجزيرة العربية لمفهوم الدولة التي ظهرت بظهور الإسلام، وما يتضمنه مفهوم الدولة من انصياع للسلطة المركزية من جهة أخرى.
من المتفق عليه أن فتح مكة سنة 8هـ، وما أعقبه من استسلام هوازن وثقيف، أثبت أن المسلمين أضحوا قوة سياسية حربية، ولذلك بدأت القبائل ترسل وفودها من نهاية العام الثامن وطوال العام التاسع، معلنة إسلامها وولاءها للرسول r، كما أن مقدمات سورة التوبة (1- 28) التي تنزلت في نهاية السنة التاسعة للهجرة قبل موسم الحج، تضمنت أحكاماً نهائية بالنسبة للعرب المشركين الذين سيمهلون أربعة أشهر فإن لم ينضموا إلى الصف المسلم فسيحاربون وسيكون الله ورسوله براء منهم.
كان لهذا الوعيد والإنذار أثرهما في حث من بقي على الشرك من القبائل على الانضمام للصف الإسلامي، ولذلك فإن الوفود التي قدمت على المدينة في السنة العاشرة كانت أكثر بكثير من تلك التي قدمت في السنة التاسعة، وهذا يدل على أن معظم هذه الوفود، قدمت عندما أدركت أن لا فائدة من المقاومة، وأنّ من الأفضل القبول بالأمر الواقع، ومبايعة الرسول r على الطاعة والولاء، ولكن المرء لا يستطيع أن ينكر أن بعض أفراد هذه الوفود قد أسلموا وحسن إسلامهم، بينما لم يدخل الإيمان قلوب الآخرين وشتان بين المسلم والمؤمن، وقد أشار القرآن إلى ذلك صراحة )قالت الأعرابُ آمنّا، قُلْ لم تُؤْمِنوا ولكن قولوا أسْلَمْنا ولما يَدْخُلِ الإيمانُ في قلوبِكم( (الحجرات 14)، ومن ثم فإنه ما أن انتشر خبر مرض رسول الله r إثر عودته من حجة الوداع، وهو غير مرض موته (توفي الرسول r في ربيع الأول سنة 11هـ)، حتى وثب الأسود العنسي باليمن ومُسيلمة باليمامة، وطليحة في بلاد أسد، وقد ادعى هؤلاء النبوة كما ادعتها بعد ذلك سجاح بنت الحارث بن سويد، وذو التاج لقيط بن مالك الأزدي في عمان.
يلاحظ أن مدعي النبوة وجدوا في هذا الادعاء ما يُكسبهم قوة ويُمكنهم من السيطرة وتولي الحكم في المناطق التي ثاروا فيها، كما يشير إلى أنهم لم يؤمنوا بمحمد r على أنه نبي مرسل وإنما على أن النبوة قد ساعدته على تحقيق سيادته وسلطانه وسلطان قريش على العرب. فهذا مسيلمة وفق رواية البلاذري يقول للرسول r حين أقبل مع الوفد «إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك على أنه لنا من بعدك، فكان جواب رسول الله r لا ولا نعمة عين ولكن الله قاتلك». وما أن انصرف وفد بني حنيفة حتى ادعى مسيلمة النبوة، فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة، وكتب إلى رسول الله r «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، فإني قد أُشركت في الأمر معك، وأن لنا نصف الأرض ولكم نصف الأرض ولكن قريشاً قوم يعتدون»، وكان ذلك آخر سنة 10هـ، أما الأسود العنسي ذو الخمار عبهلة فقد تكهّن وادعى النبوة وسمى نفسه رحمان اليمن، كما سمَّى مسيلمة نفسه رحمان اليمامة، وإذا ما دُرِست الروايات المتعلقة بردة الأسود العنسي التي قُضي عليها قبل وفاة الرسولr ثم الردة الثانيـة التي قادها قبيس بـن عبـد يغوث، يتبين أنها عبارة عن رفض لفكرة الانصياع للسلطة المركزية التي أوجدها الرسول r من ناحية، ورفض للمكانة التي احتلها الأبناء عند إسلامهم في المجتمع اليمني من ناحية ثانية، والأبناء هم أولاد أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع سيف بن ذي يزن[ر].
إن هذا الرفض في الخضوع للسلطة المركزية يظهر واضحاً جلياً كذلك في الروايات المتعلقة بردة طُليحة الأسدي والقبائل التي انضمت إليه عصبية، فهذا عُيينة بن حُصين الغطفاني يجدد الحلف بين غطفان وبني أسد ويقول: «والله لئن نتبع نبياً من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبياً من قريش وقد مات محمد وبقي طُليحة».
ولو تتبع الباحث أسباب ارتداد القبائل في المناطق الأخرى لوجد الأسباب نفسها، فقد دانت القبائل بالولاء للرسول شخصياً واعترفت بزعامته وسيادته، ولكنها وجدت صعوبة في الانصياع لشخص آخر غير الرسول r فتجلى هذا الرفض إما بالانضمام إلى مدعي النبوة أو برفض دفع الزكاة لأن القبائل رأت في الزكاة عبئاً ثقيلاً لم تدرك معناه، فالزكاة كانت أيام الرسول r تُجمع من الأطراف المسلمة كافة وتُرسل إلى المدينة حيث يقوم الرسول r بتوزيعها على المستحقين، فلما توفي الرسول r قال قُرّة بن هُبيرة من بني عامر لعمرو ابن العاص[ر] الذي كان أبو بكر وجهه لقتال المرتدين في عُمان: «يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفساً بالأتاوة (أي الزكاة) فإن أنتم أعفيتمونا من أخذ أموالها فستُسْمَع لكم وتُطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم»، ولذا لجأت الدولة بعد القضاء على الردة إلى ترتيب آخر يتلخص في أن تُجمع الزكاة من الأطراف وينفق منها على المستحقين في هذه الأطراف، ويُرسل الفائض بعد ذلك إلى بيت المال في العاصمة.
وقف أبو بكر من مدَّعي النبوة، كما وقف من أولئك الذين امتنعوا عن دفع الزكاة موقفاً صارماً واحداً، إذ إن مفهوم الإيمان والدولة، ووحدة كلمة العرب، ومحو العصبية القبلية وإحلال الوحدة الدينية والقومية الإسلامية محلها، هذه الأمور كانت عند أبي بكر كلاً لا يتجزأ، ومن ثم قرر محاربة أولئك الذين رفضوا أن يدينوا له بما كانوا يدينون به للرسول، وقال كلمته المشهورة «والله لو منعوني عقالاً كانوا يُؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه».
تصدى أبو بكر للردة بعزم وتصميم وعَبّأ القوات لقتالهم، وكان لخالد بن الوليد الدور الأكبر في القضاء على أخطر ردتين، وهما رِدَّة طُليحة الأسدي ورِدَّة بني حنيفة وزعيمهم القوي مُسيلمة الكذاب.
كان نجاح أبي بكر في عام تقريباً في القضاء على حركة المرتدين إيذاناً باستتباب سلطة المدينة على الجزيرة العربية، كما كان نجاحه تَصفية وتثبيتاً للإسلام ومَدَّاً له، كان تصفية لأنها خلَّصت الدولة الإسلامية الناشئة من كل الشكوك التي أثارها موت الرسول r، والخوف من أن يتصدَّع البنيان بموت الباني، كما كان تثبيتاً للإسلام ومداً له إلى الأطراف التي بدا وكأنها لم تكن قد لُقِّنت الدين كما لُقّنته المراكز القريبة من مكة والمدينة.
فكان لا بد من تحقيق ذلك قبل أن ينطلق العرب إلى الشام والعراق ومصر محررين.
نجدة خماش
Al-Riddah war - Al-Riddah (Apostasie dans l'islam)
الرِّدَّة (حروب -)
الردة اسم من ارتدَّ، وارتد عنه، تحول ومنه الردة عن الإسلام أي الرجوع عنه وجاء في التنزيل، )ولا يزالونَ يُقاتِلُونكُم حتى يَرُدُّوكُم عَنْ دِينِكُم إنْ استَطَاعُوا ومن يَرْتَدِدْ منكم عن دِينِهِ فَيَمُتْ وهو كَافِرٌ فأولئك حبطَتْ أعمالهم في الدُنيا والآخرة وأولئك أصحاب النارِ همْ فيها خالدون( (البقرة 217).
تذكر المصادر أن العرب ارتدت بعد وفاة الرسول r إما ردة عامة أو خاصة حتى لم يبق أحد متمسكاً بدينه إلا قريش في مكة، وثقيف بالطائف وآخرون قليلون.
ويعد كثير من المؤرخين هذه الردة، ردة دينية، ولكن قبل اتهام هذه القبائل في اليمن وحضرموت ومهرة وعمان واليمامة وبلاد أسد بالرجوع عن الإسلام، على الباحث أن يتبين مدى تغلغل الإسلام بين هذه القبائل، الإسلام بمعنى الإيمان التام والكامل كدين ونظام للحياة والجماعة من جهة، ومدى تقبل القبائل العربية في الجزيرة العربية لمفهوم الدولة التي ظهرت بظهور الإسلام، وما يتضمنه مفهوم الدولة من انصياع للسلطة المركزية من جهة أخرى.
من المتفق عليه أن فتح مكة سنة 8هـ، وما أعقبه من استسلام هوازن وثقيف، أثبت أن المسلمين أضحوا قوة سياسية حربية، ولذلك بدأت القبائل ترسل وفودها من نهاية العام الثامن وطوال العام التاسع، معلنة إسلامها وولاءها للرسول r، كما أن مقدمات سورة التوبة (1- 28) التي تنزلت في نهاية السنة التاسعة للهجرة قبل موسم الحج، تضمنت أحكاماً نهائية بالنسبة للعرب المشركين الذين سيمهلون أربعة أشهر فإن لم ينضموا إلى الصف المسلم فسيحاربون وسيكون الله ورسوله براء منهم.
كان لهذا الوعيد والإنذار أثرهما في حث من بقي على الشرك من القبائل على الانضمام للصف الإسلامي، ولذلك فإن الوفود التي قدمت على المدينة في السنة العاشرة كانت أكثر بكثير من تلك التي قدمت في السنة التاسعة، وهذا يدل على أن معظم هذه الوفود، قدمت عندما أدركت أن لا فائدة من المقاومة، وأنّ من الأفضل القبول بالأمر الواقع، ومبايعة الرسول r على الطاعة والولاء، ولكن المرء لا يستطيع أن ينكر أن بعض أفراد هذه الوفود قد أسلموا وحسن إسلامهم، بينما لم يدخل الإيمان قلوب الآخرين وشتان بين المسلم والمؤمن، وقد أشار القرآن إلى ذلك صراحة )قالت الأعرابُ آمنّا، قُلْ لم تُؤْمِنوا ولكن قولوا أسْلَمْنا ولما يَدْخُلِ الإيمانُ في قلوبِكم( (الحجرات 14)، ومن ثم فإنه ما أن انتشر خبر مرض رسول الله r إثر عودته من حجة الوداع، وهو غير مرض موته (توفي الرسول r في ربيع الأول سنة 11هـ)، حتى وثب الأسود العنسي باليمن ومُسيلمة باليمامة، وطليحة في بلاد أسد، وقد ادعى هؤلاء النبوة كما ادعتها بعد ذلك سجاح بنت الحارث بن سويد، وذو التاج لقيط بن مالك الأزدي في عمان.
يلاحظ أن مدعي النبوة وجدوا في هذا الادعاء ما يُكسبهم قوة ويُمكنهم من السيطرة وتولي الحكم في المناطق التي ثاروا فيها، كما يشير إلى أنهم لم يؤمنوا بمحمد r على أنه نبي مرسل وإنما على أن النبوة قد ساعدته على تحقيق سيادته وسلطانه وسلطان قريش على العرب. فهذا مسيلمة وفق رواية البلاذري يقول للرسول r حين أقبل مع الوفد «إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك على أنه لنا من بعدك، فكان جواب رسول الله r لا ولا نعمة عين ولكن الله قاتلك». وما أن انصرف وفد بني حنيفة حتى ادعى مسيلمة النبوة، فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة، وكتب إلى رسول الله r «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، فإني قد أُشركت في الأمر معك، وأن لنا نصف الأرض ولكم نصف الأرض ولكن قريشاً قوم يعتدون»، وكان ذلك آخر سنة 10هـ، أما الأسود العنسي ذو الخمار عبهلة فقد تكهّن وادعى النبوة وسمى نفسه رحمان اليمن، كما سمَّى مسيلمة نفسه رحمان اليمامة، وإذا ما دُرِست الروايات المتعلقة بردة الأسود العنسي التي قُضي عليها قبل وفاة الرسولr ثم الردة الثانيـة التي قادها قبيس بـن عبـد يغوث، يتبين أنها عبارة عن رفض لفكرة الانصياع للسلطة المركزية التي أوجدها الرسول r من ناحية، ورفض للمكانة التي احتلها الأبناء عند إسلامهم في المجتمع اليمني من ناحية ثانية، والأبناء هم أولاد أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع سيف بن ذي يزن[ر].
إن هذا الرفض في الخضوع للسلطة المركزية يظهر واضحاً جلياً كذلك في الروايات المتعلقة بردة طُليحة الأسدي والقبائل التي انضمت إليه عصبية، فهذا عُيينة بن حُصين الغطفاني يجدد الحلف بين غطفان وبني أسد ويقول: «والله لئن نتبع نبياً من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبياً من قريش وقد مات محمد وبقي طُليحة».
ولو تتبع الباحث أسباب ارتداد القبائل في المناطق الأخرى لوجد الأسباب نفسها، فقد دانت القبائل بالولاء للرسول شخصياً واعترفت بزعامته وسيادته، ولكنها وجدت صعوبة في الانصياع لشخص آخر غير الرسول r فتجلى هذا الرفض إما بالانضمام إلى مدعي النبوة أو برفض دفع الزكاة لأن القبائل رأت في الزكاة عبئاً ثقيلاً لم تدرك معناه، فالزكاة كانت أيام الرسول r تُجمع من الأطراف المسلمة كافة وتُرسل إلى المدينة حيث يقوم الرسول r بتوزيعها على المستحقين، فلما توفي الرسول r قال قُرّة بن هُبيرة من بني عامر لعمرو ابن العاص[ر] الذي كان أبو بكر وجهه لقتال المرتدين في عُمان: «يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفساً بالأتاوة (أي الزكاة) فإن أنتم أعفيتمونا من أخذ أموالها فستُسْمَع لكم وتُطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم»، ولذا لجأت الدولة بعد القضاء على الردة إلى ترتيب آخر يتلخص في أن تُجمع الزكاة من الأطراف وينفق منها على المستحقين في هذه الأطراف، ويُرسل الفائض بعد ذلك إلى بيت المال في العاصمة.
وقف أبو بكر من مدَّعي النبوة، كما وقف من أولئك الذين امتنعوا عن دفع الزكاة موقفاً صارماً واحداً، إذ إن مفهوم الإيمان والدولة، ووحدة كلمة العرب، ومحو العصبية القبلية وإحلال الوحدة الدينية والقومية الإسلامية محلها، هذه الأمور كانت عند أبي بكر كلاً لا يتجزأ، ومن ثم قرر محاربة أولئك الذين رفضوا أن يدينوا له بما كانوا يدينون به للرسول، وقال كلمته المشهورة «والله لو منعوني عقالاً كانوا يُؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه».
تصدى أبو بكر للردة بعزم وتصميم وعَبّأ القوات لقتالهم، وكان لخالد بن الوليد الدور الأكبر في القضاء على أخطر ردتين، وهما رِدَّة طُليحة الأسدي ورِدَّة بني حنيفة وزعيمهم القوي مُسيلمة الكذاب.
كان نجاح أبي بكر في عام تقريباً في القضاء على حركة المرتدين إيذاناً باستتباب سلطة المدينة على الجزيرة العربية، كما كان نجاحه تَصفية وتثبيتاً للإسلام ومَدَّاً له، كان تصفية لأنها خلَّصت الدولة الإسلامية الناشئة من كل الشكوك التي أثارها موت الرسول r، والخوف من أن يتصدَّع البنيان بموت الباني، كما كان تثبيتاً للإسلام ومداً له إلى الأطراف التي بدا وكأنها لم تكن قد لُقِّنت الدين كما لُقّنته المراكز القريبة من مكة والمدينة.
فكان لا بد من تحقيق ذلك قبل أن ينطلق العرب إلى الشام والعراق ومصر محررين.
نجدة خماش