ابن هاني (راس)
Ras Ibn Hani - Ras Ibn Hani
ابن هاني (رأس - )
رأس ابن هاني أكثر رؤوس الساحل السوري بروزاً. وهو على بعد نحو 10 كم عن مركز مدينة اللاذقية شمالاً. وقد اختير لحسن موقعه وجماله لتشييد منشآت سياحية. وعند مباشرة أعمال حفر الأساسات في التل الأثري الذي يتوسط الرأس، ظهرت معالم أثرية واضحة.
كان رأس ابن هاني يُعرف قديماً باسم «رأس الفنار». وهو على شكل شبه جزيرة ممتدة من الشرق إلى الغرب بطول يقرب من 3كم وعرض وسطي نحو نصف كم. القسم الغربي من شبه الجزيرة هذه صخري، وأساسها حواري ميوسيني أو إيوسيني سابق للحقب الرابع الجيولوجي. وفوق هذا الأساس طبقة حوّارية رملية صفراء. وفوق هذه الطبقة الحوارية تربة رملية حمراء غير سميكة. وفي القسم الشرقي من شبه الجزيرة تختفي الطبقة الحوارية تحت رمال كثيفة نسبياً ترسم خليجين، أحدهما شماليٌّ صغير نسبياً يعرف باسم خليج القبّان، والآخر جنوبي واسع يتصل برأس الخضر.
ويبدو أن شبه جزيرة ابن هاني كانت في الأصل جزيرة مربعة الشكل، اتصلت باليابسة بذراعين رمليين بينهما منطقة واطئة تمتلئ شتاء بالمياه.
ونحو نهاية القرن الأول قبل الميلاد، على الراجح، ارتفع مستوى البحر إلى + 1.5م عن المستوى الحالي، فقطع ذراعٌ بحريٌّ القسم الصخري من شبه جزيرة ابن هاني عن اليابسة، ثم ملأت الرمال البحرية هذا الذراع. وبعد ذلك أخذ البحر ينخفض تدريجياً مشكلاً الذراعين الرمليين المذكورين سابقاً وكذلك القسم المنخفض وهو الشكل الذي يُرى الآن تقريباً.
ونحو نهاية القرن التاسع عشر وجد العالم الفرنسي رينيه دوسو R.Dussaued في رأس ابن هاني بقايا مسرح ومعبد. كما قدَّر أن هذا الرأس هو موقع مرفأ «ديوسبوليس». وفي مطلع القرن العشرين كان في رأس ابن هاني أقسام مزروعة وممالح وآبار قديمة وبقايا أسوار ضخمة كانت حجارتها المنحوتة الضخمة تستخدم في أعمال البناء في اللاذقية وفي القرى المجاورة. وقد استُقيت هذه المعلومات من بعض المسنين في المنطقة، وأكَّد ذلك ماورد عن ميشو وبوجولا في مراسلة الشرق (1835). ولم يزل قائماً في الرأس المدفن الهلنستي المعروف بمدفن القبّان الذي حُوِّل في العصر البيزنطي إلى كنيسة. ويضاف إلى هذا المدفن من المعالم الباقية مدافنُ منقورة في الصخر.
باشرت بعثة عربية سورية - فرنسية، كانت تضم عدنان البني ونسيب صليبي وجاك وإليزابيت لاغارس، التنقيب في القسم الأوسط من رأس ابن هاني عام 1975 وكان في هذا القسم تل أثري ترتفع ذروته 9م عن سوية البحر الحالية. واتضح للبعثة أنه يضم مدينة أغاريتية ملكية أسست في وقتٍ ما من القرن الرابع عشر أو الثالث عشر ق.م، واستولت عليها «شعوب البحر» التي نزحت عن بلاد اليونان إثر اجتياح الدُوريين لها في نهاية القرن الثالث عشر. وهذه المدينة هي في السوية الخامسة من التل. كما يضم التل الأثري سوية أثرية من عصر الحديد الأول (1200 - 900 ق.م) وهي السوية الرابعة. أما السوية الثالثة وهي من عصر الحديد الثاني (900 - 600 ق.م) فلم تعط حتى الآن سوى الفخار وبعض القطع الأثرية. والسوية الثانية هي الهلنستية (أواخر القرن الرابع حتى منتصف الأول ق.م) مختلطة أحياناُ مع بعض آثار الحكم الفارسي (539 - 333ق.م) وهي غير واضحة المعالم حتى الآن في الموقع. وأخيراً فإن السوية الأولى على سطح التل هي من عصر الحكم الروماني والبيزنطي (الثالث حتى السادس الميلادي).
أنشئت المدينة الأغاريتية الجديدة في السوية الخامسة، وفق تخطيط عمراني منظم وفسيح. وكان طول المدينة قرابة كيلومتر، وعرضها نحو نصف كيلومتر. وقد قام بهذا المشروع أحد ملوك أغاريت في بحر القرن الرابع عشر أو في أواخره.
ولايمكن معرفة أسباب إقامة هذه المدينة الأغاريتية بالدقة في الوقت الحاضر. والمكتشف من هذه المدينة الجديدة حتى الآن قصران: جنوبي وشمالي وبينهما حي سكني.
القصر الجنوبي: تبلغ مساحة هذا القصر المعروفة حتى الآن ما يقرب من 5000م2 (85×55م). وهو موجه بزواياه إلى الجهات الأربع على الأسلوب البابلي ومبني على طريقة السطوح المتدرجة نحو البحر. وله من جانبه الشرقي سور دفاعي مائل، يماثل السور الشرقي لأغاريت. وكان هذا السور مشيداً مباشرة على الماء. ويراوح سمك الجدران بين 120 و150 سم. وتتوسط القصر باحة كبيرة (17×11م) فيها بركة ماء والساحة محاطة بحجرات وممرات، وتتوسط المداخل قواعد مستديرة من الحجر الكلسي كانت مخصصة لحمل أعمدة الخشب. وثمة تفاصيل معمارية أخرى كثيرة مشتركة بين أغاريت وابن هاني، ويبدو أن القصر الجنوبي هُجر أو أُفرغ من محتوياته بسبب أعمال إصلاح كبيرة أو خوفاً من غزو شعوب البحر الذي نُكب به القسم الشرقي من حوض البحر المتوسط في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وجعل ملك قبرص (ألاشيا) يحذِّر ملك أوغاريت من هذا الغزو.
القصر الشمالي: من الملاحظ حتى الآن أن هذا القصر، من حيث توجيه زواياه ومخططه، مماثل للقصر الجنوبي وكان مثله مشيداً على خط الشاطئ وبأسلوب الأسطحة المتدرجة، وهو يشبهه أيضاً من حيث عمارة جدرانه وتفاصيلها. وبخلاف القصر الجنوبي كان القصر الشمالي مؤثثاً ومسكوناً عندما هاجمته جماعات من شعوب البحر ونهبته ثم أحرقته.
وتظهر آثار الحريق واضحة في كسوة الجدران والأرضيات وفي الخشب المتفحم والرصاص الذائب. وفي القصر الشمالي أيضاً باحة مركزية غير مسقوفة، مبلطة، محاطة بحجرات وممرات تجاوز عددها حتى الآن الأربعين. وقد وُجدت في هذا القصر بعض اللّقى المعبِّرة التي نجت من النهب. ولكن الأهمية الحقيقية تكمن في كشف الرقم المسمارية التي بلغ عددها حتى الآن أكثر من مئة رقيم محررة بالأبجدية الأغاريتية وبالأكدية - البابلية. وقد عانى بعضها من الحريق. إن هذه المجموعة من الرقم هي المجموعة الأغاريتية المهمة الوحيدة المكتشفة خارج العاصمة أغاريت، وهي تقسم مبدئياً إلى خمس فئات هي:
الفئة الأولى: مراسلات داخلية بين سكان هذا القصر أو هذه المدينة والسلالة الملكية من أغاريت (الرقيم 12/78 مراسلة بين أَخَتْ مَلْكي أم الملك المقيمة على الأرجح في المدينة الجديدة وابنها امِشْتَمْرو الثاني).
الفئة الثانية: مراسلات مع ممالك خارج مملكة أغاريت (الرقيم 3/78 مراسلة مع ملك مصر).
الفئة الثالثة: نصوص دينية تقدم معلومات جديدة عن عوالم الأرباب الكنعانية القديمة وعن الطقوس والأساطير التي كانت في الواقع من مصادر التفكير الديني في هذه المنطقة من العالم، وبعضها نصوص طبية سحرية.
الفئة الرابعة: يمكن إدراجها تحت اسم فئة الرُقُم الاقتصادية والإدارية وفيها أسماء أعلام وأسماء مدن وقرى.
الفئة الخامسة: نصوص معجمية سومرية، وسومرية - بابلية، ومنها قوائم مواقع جغرافية وكواكب وغيرها.
وفي عام 1982 حققت البعثة أمراً عظيماً يتصل بالتاريخ الاقتصادي في سورية وفي شرق البحر المتوسط والعالم القديم، وهو العثور على منشأة لصب سبائك البرونز والنحاس المعدَّة لأغراض التجارة والتصدير. تتوسط المنشأة قاعدة حجرية ضخمة منحوتة بشكل جلد ثور لصب السبائك المذكورة بطولٍ يبلغ نحو 60سم، وهي الوحيدة المعروفة في العالم حتى اليوم. ومن المعروف أن سبائك النحاس والبرونز كانت تُصدَّر إلى أنحاء العالم القديم على ذلك الشكل مختومة بخاتم رسمي، كي تكون أساساً للتبادل التجاري أو نقل المعدن المعدِّ للصناعة، وقد وُجدت مثل هذه السبائك في كريت وصقلية وقبرص واليونان والأناضول وأغاريت ومصر. وترى هذه السبائك يحملها السوريون القدماء في مشاهد الهدايا المقدمة لملوك مصر وأمرائها. وما كان أحد يظن أن أغاريت ومدنها كانت من مراكز صنع هذه السبائك وتصديرها. فقد كان المعروف أن قبرص هي المصدرة للنحاس واسمها مشتق منه وبدرجة أقل الأناضول.
ألقى هذا الاكتشاف ضوءاً ساطعاً على نشاط مملكة أغاريت الصناعي والتجاري والدور الاقتصادي للقصر الملكي في أغاريت ومملكتها. ويبدو أن الملك نفسه أو أحد أفراد العائلة المالكة (كالملكة الأم مثلاً) كان يتعاطى مثل هذه الصناعة والتصدير، تحت إشرافه المباشر وتحت الختم الرسمي الذي يشيع الثقة.
وقد تكون هذه المدينة الجاثية في رأس ابن هاني هي مدينة الأنف (آفو في الكنعانية) المذكورة مراراً في النصوص الأغاريتية، أو يكون اسمها أغاريت البحر (أغاريت يم)، وثمة من يرى أن اسمها بيروت (الآبار في الكنعانية).
Ras Ibn Hani - Ras Ibn Hani
ابن هاني (رأس - )
رأس ابن هاني أكثر رؤوس الساحل السوري بروزاً. وهو على بعد نحو 10 كم عن مركز مدينة اللاذقية شمالاً. وقد اختير لحسن موقعه وجماله لتشييد منشآت سياحية. وعند مباشرة أعمال حفر الأساسات في التل الأثري الذي يتوسط الرأس، ظهرت معالم أثرية واضحة.
كان رأس ابن هاني يُعرف قديماً باسم «رأس الفنار». وهو على شكل شبه جزيرة ممتدة من الشرق إلى الغرب بطول يقرب من 3كم وعرض وسطي نحو نصف كم. القسم الغربي من شبه الجزيرة هذه صخري، وأساسها حواري ميوسيني أو إيوسيني سابق للحقب الرابع الجيولوجي. وفوق هذا الأساس طبقة حوّارية رملية صفراء. وفوق هذه الطبقة الحوارية تربة رملية حمراء غير سميكة. وفي القسم الشرقي من شبه الجزيرة تختفي الطبقة الحوارية تحت رمال كثيفة نسبياً ترسم خليجين، أحدهما شماليٌّ صغير نسبياً يعرف باسم خليج القبّان، والآخر جنوبي واسع يتصل برأس الخضر.
ويبدو أن شبه جزيرة ابن هاني كانت في الأصل جزيرة مربعة الشكل، اتصلت باليابسة بذراعين رمليين بينهما منطقة واطئة تمتلئ شتاء بالمياه.
ونحو نهاية القرن الأول قبل الميلاد، على الراجح، ارتفع مستوى البحر إلى + 1.5م عن المستوى الحالي، فقطع ذراعٌ بحريٌّ القسم الصخري من شبه جزيرة ابن هاني عن اليابسة، ثم ملأت الرمال البحرية هذا الذراع. وبعد ذلك أخذ البحر ينخفض تدريجياً مشكلاً الذراعين الرمليين المذكورين سابقاً وكذلك القسم المنخفض وهو الشكل الذي يُرى الآن تقريباً.
ونحو نهاية القرن التاسع عشر وجد العالم الفرنسي رينيه دوسو R.Dussaued في رأس ابن هاني بقايا مسرح ومعبد. كما قدَّر أن هذا الرأس هو موقع مرفأ «ديوسبوليس». وفي مطلع القرن العشرين كان في رأس ابن هاني أقسام مزروعة وممالح وآبار قديمة وبقايا أسوار ضخمة كانت حجارتها المنحوتة الضخمة تستخدم في أعمال البناء في اللاذقية وفي القرى المجاورة. وقد استُقيت هذه المعلومات من بعض المسنين في المنطقة، وأكَّد ذلك ماورد عن ميشو وبوجولا في مراسلة الشرق (1835). ولم يزل قائماً في الرأس المدفن الهلنستي المعروف بمدفن القبّان الذي حُوِّل في العصر البيزنطي إلى كنيسة. ويضاف إلى هذا المدفن من المعالم الباقية مدافنُ منقورة في الصخر.
باشرت بعثة عربية سورية - فرنسية، كانت تضم عدنان البني ونسيب صليبي وجاك وإليزابيت لاغارس، التنقيب في القسم الأوسط من رأس ابن هاني عام 1975 وكان في هذا القسم تل أثري ترتفع ذروته 9م عن سوية البحر الحالية. واتضح للبعثة أنه يضم مدينة أغاريتية ملكية أسست في وقتٍ ما من القرن الرابع عشر أو الثالث عشر ق.م، واستولت عليها «شعوب البحر» التي نزحت عن بلاد اليونان إثر اجتياح الدُوريين لها في نهاية القرن الثالث عشر. وهذه المدينة هي في السوية الخامسة من التل. كما يضم التل الأثري سوية أثرية من عصر الحديد الأول (1200 - 900 ق.م) وهي السوية الرابعة. أما السوية الثالثة وهي من عصر الحديد الثاني (900 - 600 ق.م) فلم تعط حتى الآن سوى الفخار وبعض القطع الأثرية. والسوية الثانية هي الهلنستية (أواخر القرن الرابع حتى منتصف الأول ق.م) مختلطة أحياناُ مع بعض آثار الحكم الفارسي (539 - 333ق.م) وهي غير واضحة المعالم حتى الآن في الموقع. وأخيراً فإن السوية الأولى على سطح التل هي من عصر الحكم الروماني والبيزنطي (الثالث حتى السادس الميلادي).
أنشئت المدينة الأغاريتية الجديدة في السوية الخامسة، وفق تخطيط عمراني منظم وفسيح. وكان طول المدينة قرابة كيلومتر، وعرضها نحو نصف كيلومتر. وقد قام بهذا المشروع أحد ملوك أغاريت في بحر القرن الرابع عشر أو في أواخره.
ولايمكن معرفة أسباب إقامة هذه المدينة الأغاريتية بالدقة في الوقت الحاضر. والمكتشف من هذه المدينة الجديدة حتى الآن قصران: جنوبي وشمالي وبينهما حي سكني.
رأس ابن هاني، القصر الشمالي، ردهة الاستقبال (القرن 13 ق.م) |
القصر الشمالي: من الملاحظ حتى الآن أن هذا القصر، من حيث توجيه زواياه ومخططه، مماثل للقصر الجنوبي وكان مثله مشيداً على خط الشاطئ وبأسلوب الأسطحة المتدرجة، وهو يشبهه أيضاً من حيث عمارة جدرانه وتفاصيلها. وبخلاف القصر الجنوبي كان القصر الشمالي مؤثثاً ومسكوناً عندما هاجمته جماعات من شعوب البحر ونهبته ثم أحرقته.
وتظهر آثار الحريق واضحة في كسوة الجدران والأرضيات وفي الخشب المتفحم والرصاص الذائب. وفي القصر الشمالي أيضاً باحة مركزية غير مسقوفة، مبلطة، محاطة بحجرات وممرات تجاوز عددها حتى الآن الأربعين. وقد وُجدت في هذا القصر بعض اللّقى المعبِّرة التي نجت من النهب. ولكن الأهمية الحقيقية تكمن في كشف الرقم المسمارية التي بلغ عددها حتى الآن أكثر من مئة رقيم محررة بالأبجدية الأغاريتية وبالأكدية - البابلية. وقد عانى بعضها من الحريق. إن هذه المجموعة من الرقم هي المجموعة الأغاريتية المهمة الوحيدة المكتشفة خارج العاصمة أغاريت، وهي تقسم مبدئياً إلى خمس فئات هي:
الفئة الأولى: مراسلات داخلية بين سكان هذا القصر أو هذه المدينة والسلالة الملكية من أغاريت (الرقيم 12/78 مراسلة بين أَخَتْ مَلْكي أم الملك المقيمة على الأرجح في المدينة الجديدة وابنها امِشْتَمْرو الثاني).
الفئة الثانية: مراسلات مع ممالك خارج مملكة أغاريت (الرقيم 3/78 مراسلة مع ملك مصر).
الفئة الثالثة: نصوص دينية تقدم معلومات جديدة عن عوالم الأرباب الكنعانية القديمة وعن الطقوس والأساطير التي كانت في الواقع من مصادر التفكير الديني في هذه المنطقة من العالم، وبعضها نصوص طبية سحرية.
الفئة الرابعة: يمكن إدراجها تحت اسم فئة الرُقُم الاقتصادية والإدارية وفيها أسماء أعلام وأسماء مدن وقرى.
الفئة الخامسة: نصوص معجمية سومرية، وسومرية - بابلية، ومنها قوائم مواقع جغرافية وكواكب وغيرها.
وفي عام 1982 حققت البعثة أمراً عظيماً يتصل بالتاريخ الاقتصادي في سورية وفي شرق البحر المتوسط والعالم القديم، وهو العثور على منشأة لصب سبائك البرونز والنحاس المعدَّة لأغراض التجارة والتصدير. تتوسط المنشأة قاعدة حجرية ضخمة منحوتة بشكل جلد ثور لصب السبائك المذكورة بطولٍ يبلغ نحو 60سم، وهي الوحيدة المعروفة في العالم حتى اليوم. ومن المعروف أن سبائك النحاس والبرونز كانت تُصدَّر إلى أنحاء العالم القديم على ذلك الشكل مختومة بخاتم رسمي، كي تكون أساساً للتبادل التجاري أو نقل المعدن المعدِّ للصناعة، وقد وُجدت مثل هذه السبائك في كريت وصقلية وقبرص واليونان والأناضول وأغاريت ومصر. وترى هذه السبائك يحملها السوريون القدماء في مشاهد الهدايا المقدمة لملوك مصر وأمرائها. وما كان أحد يظن أن أغاريت ومدنها كانت من مراكز صنع هذه السبائك وتصديرها. فقد كان المعروف أن قبرص هي المصدرة للنحاس واسمها مشتق منه وبدرجة أقل الأناضول.
ألقى هذا الاكتشاف ضوءاً ساطعاً على نشاط مملكة أغاريت الصناعي والتجاري والدور الاقتصادي للقصر الملكي في أغاريت ومملكتها. ويبدو أن الملك نفسه أو أحد أفراد العائلة المالكة (كالملكة الأم مثلاً) كان يتعاطى مثل هذه الصناعة والتصدير، تحت إشرافه المباشر وتحت الختم الرسمي الذي يشيع الثقة.
وقد تكون هذه المدينة الجاثية في رأس ابن هاني هي مدينة الأنف (آفو في الكنعانية) المذكورة مراراً في النصوص الأغاريتية، أو يكون اسمها أغاريت البحر (أغاريت يم)، وثمة من يرى أن اسمها بيروت (الآبار في الكنعانية).