Fareed Zaffour
15 أبريل 2020م
Sabri Yousef مع Juliett Brshan و
٣ آخرين
.
14 أبريل 2020 ·
من آمن بي وإن مات فسيحيا
وفاة الصَّديق العزيز هنري حنّا الدِّيشجي في العاصمة السُّويديّة ستوكهولم.
ببالغ الحزن والأسى تلقَّيتُ خبر وفاة الصَّديق العزيز هنري حنّا الدِّيشجي، زوج العزيزة ماريّا متّو مساء اليوم: 14. 4. 2020، في ستوكهوم على أثر إصابته بفيروس كورونا، فلا يسعني إلّا أن أتقدّم باسمي وباسم كافّة الأهل والأصدقاء بخالص التَّعازي القلبيّة لزوجته الغالية ماريا متُّو ولأخيه الصَّديق ابلحد وأخيه الصَّديق ألبير واخواته العزيزات شاميران وأميرة وسيلفى وفريال وعموم آل حنّا الديشجي وآل متّو في سوريَّا وسائر بلاد المهجر، راجياً من الرَّب القدير أن يسكنه فسيح جنّاته بين أحضان الأبرار والقدِّيسين، ويمنح كافّة أهله وذويه الصَّبر والسَّلوان.
صبري يوسف ــ ستوكهولم
**********************
يرحل الصَّديق هنري حنّا عالياً في قبّة السّماء!
يرحل الصَّديق هنري حنَّا الدِّيشجي، بإصابة كورونا بعد أن كتبتُ خمسين نصًّاً عن هجوم كورونا الفتَّاك في بقاعِ الدُّنيا، ولم يخطر على بالي نهائيّاً أنّه يستغفلَ هدوء صديقي وطيبته، فانقضَّ هذا العدو على أطيب الأصدقاء. هنري، صديق معجون بالطّيبة والمحبّة، لم ألتقِه إلّا مبتسماً حتّى وإن كنّا في تعازي، منذ شهور حضرت مراسيم دفن والدته، وفيما كنتُ أودِّعه وأقدِّم التَّعازي بعد مراسيم الدّفن وحضرنا مجلس العزاء وإذ به يستوقفني وأنا أسلّم عليه وعلى الخوري بربر، قائلاً لي: راح توقّف، وتأكل لقمة رحمة، فقلت له ... ولم يترك مجالاً للرّد فقال: هذا عزاؤك وستشارك في لقمة الرّحمة مهما كانت أعذارك وانشغالاتك! وطلب ممَّن كانوا أن يرافقونني فنظرتُ إلى الخوري بربر، جحظت عيناه وهو يقول لازم تشارك في لقمة الرّحمة قبلنا يا أستاذ، عدتُ أدراجي وابتسمتُ لهنري على مشاركتي بلقمة الرّحمة بكلِّ سرور ومحبّة، لم أجد قلباً أطيب من هنري حنّا الدِّيشجي، امتلك حضوراً طيّباً لطيفاً هادئاً مسالماً، لم أشاهده أبداً في موقف انفعالي نهائيَّاً. آلمتني إصابته في فيروس كورونا حالما سمعتُ بخير إصابته، كما آلمني إصابات العديد من الأصدقاء والصَّديقات والمعارف في السُّويد وخارج السُّويد وفي كلِّ بقاع الدُّنيا، كنتُ وما أزال في حالة اعتكاف وحداد على الكون برمَّته لهذه الكارثة الكونيّة الّتي حلَّت بنا، وتابعت وضعه وأخباره وكنت أتلقّى بين الحين والآخر أنَّ وضعه ليس على مايرام، اليوم اتصلت مع زوجته ماريا فكانت في غاية الحزن والأسى، إذ أنّني كنتُ قد تلقَّيتُ خبر وفاته ولكنّي ما كنتُ متأكِّداً من صحَّةِ الخبر، لهذا اتصلت معها فقالت: إنّ هنري في خطر وقد طلبت المستشفى منّي أن ألتقي به والتقيتُ به وكأنّ إدارة المستشفى أرادتْ من زوجته أن تلقي عليه النّظرة الأخيرة، وقالت للأطباء اتركوا الأوكسجين لغاية يوم الغد، ولكنّه بعد ساعات رحل إلى الأعالي تاركاً عذابات الأرض للأرض، وبعد ساعة اتصلت بها بعد أن وصلني خبر الوفاة من أحد الأصدقاء وإذ بي أراني غارقاً في البكاء مثل طفل فقد أبهى ألعابه وأفراحه، لم أتمكَّن من تقديم التّعازي إلّا بصعوبة، طلبتُ منها أن تسمحَ لي بنشر خبر الوفاة على صفحتي، فقالت انشر خبر الوفاة لأنّ الآخرين لا يعرفون شيئاً ونحن مصدومين بخبر الوفاة، فنشرتُ الخبر واخترت صورة من الصُّور الَّتي التقطتها في شقّتي تعانقه لوحاتي، نشرتُ الخبر وتلقَّيتُ عشرات بل مئات التّعازي لا أصدِّق نفسي نهائيّاً بأنَّ هنري ودَّعنا إلى الأبد بهذه البساطة، واستغربُ كيف لا يتدخَّلُ الله القادر على كل شيء ويمحق كورونا من الوجود وينقذنا من هذه الكارثة، فقد مرمر كورونا البشريّة، فولَّتْ بعيداً كل تكنولوجيات وتقنيات العصر، هل من المعقول هذا الفيروس الفتّاك اللَّعين أن ينتصر على كل هذه العلوم الطِّبِّيّة بعد آلاف السّنين من الخبرات الطَّويلة، وكنتُ أظنُّ أنَّ هكذا فيروس فتّاك لا بدَّ أن يكتشف الأطباء في أبحاثهم دواءً له، ويبدو أنَّ الإنسان مايزال في وادٍ وخطورات ما ينجم في العالم في وادٍ آخر، أين هي برامجكم في سباق التسلّح وغزو الفضاء، الغريب بالأمر أنَّنا صدّقناهم بسباق التّسلّح وغزو الفضاء، ونسينا بأنَّ هناك فيروس لا يرى بالمجهر وغير مرئي ومصنّف أنّه فيروس ميت، ورغم هذا فهو قادر على أن يفتك بالبشر دون أن يأخذ أيّة اعتبار لكل تطوّرات البشر، وكأنّ البشر لا شيء أمام هذا الوباء غير المرئي، وقد كتبت مقالات ورسالة إلى الأمانة العامة للأمم المتّحدة وكل زعماء العالم بضرورة إعداد وعقد مؤتمر طبِّي عالمي، ويتعاون كل أطباء العالم المتخصّصين بهذه الأمراض لصناعة دواء مضاد لهذا الفيروس الفتّاك قبل أن يكتسح الكثير من البشر، كم حلمتُ أن أصبح إلهاً حتّى لوقت قصير كي أبيده بغمضة عين، أهمس لنفسي مناجياً ربّ الأرباب، لماذا يا رب الكون والعباد لا تمحق كورونا بغمضة عين، أم أنَّ إيمان البشر تضعضع إلى أن وصل إلى ما وصلنا إليه؟! .. آهٍ، كيفَ أستقبل ألبير خبر وفاة أخيه هنري، انسابت دموعنا جميعاً وغاص ألبير في بكاءٍ ممزوج بحزنٍ عميق، فناجاه أخيه ابلحد من أقصى شمال السُّويد وبدأ يبكي بكاءً مرّاً، تذكّرت مقطعاً قصيراً كتبته منذ سنوات يناسب تماماً واقعنا الحالي الَّذي نمرُّ فيه، حيث قلتُ منذ أكثر من عقدين من الزّمن:
"البكاء مهنةٌ ملائمة لهذا الزّمان".
وها أنا أرى فعلاً أنَّ البكاءَ أصبح مهنة ملائمة لهذا الزّمان، ففي كل يوم وأسبوع نودّع عزيزاً علينا، ومع أنّ كورونا بكلِّ عنفوانه لا أراه يستحقُّ أن أكتب عنه جملة شعريّة واحدة، لكنّي وجدت نفسي محاصراً في خانة اليك، ولا بدَّ أن أتحدّاه عبر القصيدة والكلمة، فكتبتُ على مدى عشرة أيام خمسين نصاً، واليوم شعرت نفسي أنّني غير قادر على كتابة أي سطر عن هذا العدو اللَّدود، وما كنتُ أعلم أبداً أنّه سيفترس صديق من لونِ الفرح والحنين والحب والطِّيبة، يا إلهي كيف قرأتْ اخته شاميران خبر وفاته؟! ماذا تتحمَّل لتتحمَّل؟! والمفجع في الأمر أنّنا لا نستطيع أن نقوم بواجبنا في التَّعازي، مع أنَّ صديقي الرّاحل أُصيب بفيروس كورونا خلال قيامه بواجب العزاء، فلماذا حضر أصلاً هو وغيره واجب العزاء؟ إنّي أرى كورونا يتحدَّى بكلِّ صفاقة حتّى عاداتنا وتقاليدنا، فبالرغم من أنّه يكتسحنا ولا يتركنا حتّى نودّع أحبّائنا ونقوم بواجب العزاء وكأنّه ينتقم منّا شرّ انتقام، ماذا عملنا لكورونا كي ينتقم منّا كل هذا الانتقام المرير؟! إنَّ صنّاع كورونا هم من فصيلة مجانين هذا الزّمان وكل الأزمنة، وليس لهم أيّة علاقة بإنسانيّة الإنسان، وأرى أنَّ البشريّة في طورها إلى العبورِ في أعماق الغباء والتّحجُّر الفكري والأخلاقي والكوني، فهل من المعقول أن يقوم هناك إنسان فيه ذرّة أخلاق بتصنيع هكذا فيروس يدمِّر الكون والإنسان والحجر والحياة؟!
كيف تلقَّوا أخوات هنري خبر الرّحيل؟! شاميران، يا أخت المطر النّاعم وهو يتناثر في ربوع ديريك وأنت تنتظرين هنري قادماً من الدّوام، كيف انسابت دموعك وأنت تتلقّين هذا الرّحيل المؤلم للروح؟ أميرة أين أنتِ كي تري بأمِّ عينيك كيفَ انسابت دموعنا مثل أطفال فقدوا أقربَ المقرّبين إليهم، كيفَ تتحمّلُ عيناك فقدان الأب والأم وأخيك الكبير وأنتِ في آخر الدُّنيا؟ وأنتِ يا سيلفى كيف تلقَّيتِ هذا الكابوس الَّذي صعقنا وكأنَّنا في واقعٍ خرافي ولا نعيش الواقع؟ وأنتِ يا آخر العنقود، عزيزتي فريال هل تحمّلتِ أنين هذا الفراق المرير؟ أسمع صوت هنري يتكلّم معي، حديثاً رهيفاً طيّباً له مذاق المحبّة والاحترام العميق. يرنُّ صوته في أذني، أسمع قهقهاته النّاعمة وبسمته العريضة ترتسم على وجهه الباسم، صُعقَ صديقه العزيز ألبير ملكي وهو يقرا خبر وفاة أصدق الأصدقاء، وتقفز به الذّاكرة إلى ربوع ديريك وأيام الصِّبا والشَّباب والمدرسة، ويجنُّ جنونُ صديقه كريم شمو وهو ينظر إلى صورة صديقه هنري مودّعاً الكون بعد أن كان بأشدِّ لهفته أن يلتقي به في أقرب وقت كي يستعيدا ذكريات أيّام الطُّفولة والشَّباب وأيام الدِّراسة في ربوع ديريك وذكريات الماضي الجميل، فلا يجد أكثر من دموعه ردّاً لِمَا تلقّاه من صدمة الصّدمات، ينذهل الصَّديق كابي سارة وهو يقرأ نعوة صديقه هنري فتطفحُ عيناه دمعاً، ثمَّ يغوصُ في حزن مرصرص بالأنين وراح يكتبُ عن الرَّاحل ما جادت به دموعه وروحه إلى ما كان يجمعه من لقاءات طيّبة مع هذا الصَّديق الَّذي حلّق عالياً نحو أعالي السّماء، ومن بعيد تنساب دموع الصدّيق بهيج القس، فتتراءى قامة هنري أمامه ويسترجع أيام البراءة والطُّفولة والذّكريات الجميلة، يشهق بحسرة حارقة على غدر هذا الزّمان وما حلَّ بنا نحن البشر في غربتنا في الحياة، يتصّل بي الصديق فريد مراد مبلِّغاً إياي أنّ صديقنا هنري قد فارق الحياة، البكاء سبيلنا الوحيد إلى وداع الأحبة تباعاً، كيف تحمّلت وجنتا فريد وهو يودّع رحيل الأحبّة تباعاً، يا إلهي كارثة الكوارث حلَّت علينا، ومن أعماق غربته تنساب دموع الصَّديق ميخائيل ابراهيم ملكي وهو يتمعَّن بخبر نعي هنري، ولا يصدِّق أنَّ الحياة أصبحت مثلَ فكرة عابرة والموت غدا حكاية كل صباح ومساء، تساؤلات لا تحصى خطرت على بال ميخائيل وهو يذرف دمعه على أنين الفراق، دموع ساخنة انسابت من عيني جانيت عازار عندما قرأت الخبر وكأنّ رأسها ارتطم فجأةً في جدار، جحظت عينا الصَّديقة نعيمة قرياقس وهي تمعن النّظر في وجه هنري، متمتمةً ما هذه الكوارث الّتي تلاحقنا في عقر دارنا وتفترسُ أصدقاءَنا في كل يوم، وحده البكاء يهيمن على أجواء المكان لدى كل الأصدقاء والصَّديقات، فجأةً يقفُ الصَّديق يعقوب سليمان ممعناً النّظر في تفاقمات رحيل الأصدقاء، تذكّر ديريك وأصدقاء ديريك وقفز إلى ذهنه هنري بقامته الوقورة والطَّيبة، هزَّ رأسه ودمعته تغالبه وتودِّع صديقاً من لون المطر، وتلمح عينا الصّديق ميخائيل ميكاليدس نعوة الصّديق هنري فيرتعش حزناً ويقول حتّى أنتَ يا هنري تصدمنا بهذا الرّحيل المفاجئ وتترقرق دموعه وهو يسترجع أجمل اللِّقاءات الّتي جمعتهما في ربوع الغربة، ولا يصدِّق الصَّديق بطرس القس عندما يرى شارة الحزن مرتسمة على صورة صديقه هنري وهو يرحل نحو بهاءِ السّماء، يتمتمُ بطرس قائلاً: دموعنا هي عطاؤنا الوحيد نذرفها بكلِّ سخاءٍ في وداع الأصدقاء والصَّديقات في الآونة الأخيرة، ثم يهزّ الصَّيدق عيسى توما رأسه حزناً وأنيناً وتتربّص دمعتاه في مآقيه مستذكراً أجمل اللِّقاءات مع هنري الّذي ما كان يغيب عن أيّة مناسبة في غربته الطَّويلة في ربوع السُّويد. وشاحٌ ملبّد بالحزن يهيمن على قلوب كلِّ الأصدقاء والصَّديقات والأهل والمعارف الَّذينَ عرفوا والتقوا مع هنري عبر ديريك وفي محطّاتِ دنيا الاغتراب، ولم نجد سوى انسياب دموعنا الساخنة نذرفها بسخاءٍ على أنين الفراق.
تقف ماريا جرجيس متّو، زوجة هنري والدُّموع تنسابُ من عينيها ولا تصدِّقُ أبداً أن يفارقها شريك عمرها الحياة بهذه السّرعة المميتة، جفّت الدّموعُ في محجرَي عينيها ثمَّ انسابت من مآقيها وآلاف الصُّور ارتسمت أمامها دفعةً واحدة، ثمَّ تراءت أمامها رحيل حماتها أم هنري ورحيل والدها جرجيس متّو ورحيل عمَّها أدوار متّو ثمَّ رحيل عمّتها جولييت متّو وجدّها المعروف بخدماته في كنيسة السّيدة العذراء على مدى أكثر من نصف قرن من الزّمن ساعوراً للكنيسة، ورحيل جدّتها أم جرجيس سيّدة ابلحد أفريم، فلم تجد نفسها إلّا وهي في عزاء ممتدّ على مساحات العمر وكأنّها في حالة حزنٍ وعزاء مفتوح لكل الأحبّة الَّذين رحلوا، ولم تفارق قامة هنري خيالها وهو مبتسم يستقبل ضيوفه، يا إلهي كم كان اللِّقاء معه جميلاً عندما زار الصًّديق كريم متُّو عمّ ماريا ومعه يعقوب متُّو، كم كان لقائي بهم بديعاً ورهيفاً وطيّباً وعذباً والقهقهات تتعالى، فقال لي تعرف يا أستاذ صبري، كريم ويعقوب يعتبرونك وكأنّك أخيهم وابن عمّهم ومن أقرب المقرّبين إليهم، فقلت له لا تغلط! فضحك وقال ليش أنا أقدر أغلط، وكريم ويعقوب وأنت موجودين، وقلت له: كريم ويعقوب متّو وآل متوّ عموماً أصدقاء من وهج الفرح والعطاء الأصيل، شربنا آنذاك نخب الصّداقة والفرح وغمرتنا قهقهات لا تنسى، الحياة جميلة بهذا التَّواصل الإنساني. كانت ماريا آنذاك في أوح حبورها وفرحها وحولها أعمامها وزوجها الغالي هنري. كم كان اللّقاء جميلاً في اليوم التّالي عندما زارني هنري برفقة كريم ويعقوب متّو والتقطنا صوراً تذكاريّة في مرسمي، ومحفوظة في أرشيفي، وقال: ما أجمل هذه اللَّوحات الَّتي تحمل معاني كبيرة، ثمّ ترتسم أمامي زيارة كريم وجولييت مع الصَّبايا الرّائعات إلى بيت هنري وماريا ويدعوني هنري بطلب خاص قائلاً: آل متّو يطلبونك موجوداً، خلال دقائق كنت بين الأيادي وتركتُ كل كتاباتي جانباً، قامت القهقهات والأفراح والقصص الطَّريفة ركباً.
كان الصَّديق هنري حنّا شخصيّة اجتماعيّة ودودة ونادرة في هدوئه وروعته وكرمه وسخائه وتواصله الرّاقي مع الجميع. كم كانت الصَّدمة كبيرة على رافي متّو شقيق ماريا وعلى أخيه الكبير هادي وأخت ماريا وعلى عمّه كابي متو ومتّى متو وابن عمّه ريمون متوّ ودافيد متو وميلاد متو ومايا وداليدا متّو وعموم آل متُّو وحنّا الدّيشجي وكلّ الأصدقاء والصّديقات والمعارف.
خسرتُ صديقاً من رهافة بوح القصيدة، صديقاً من لونِ الأصالة المعتّقة بالخبز المقّمر، هذا الصّديق الّذي مراراً تجوَّلَ في أعماق سهول القمح يقرأ في أيّام الرَّبيع عبر براري ديريك متوحِّهاً إلى الحكميّة تارةً والقرى المجاورة تارةً أخرى وقدَّم أجمل ما عنده عبر كل محطّات حياته في ديريك وبلاد الاغتراب ولم يقصده أحدٌ إلّا ولبّى طلبه وقدّم له الخدمة الّتي يستطيع تقديمها وشارك حتّى آخر لحظة في حياته القيام بواجباته.
نَم قرير العين يا صديقي هنري حنّا، وإلى جنان الخلد، راجياً من الرّب أن يسكنكَ فراديس النّعيم!
صبري يوسف
15 أبريل 2020م
Sabri Yousef مع Juliett Brshan و
٣ آخرين
.
14 أبريل 2020 ·
من آمن بي وإن مات فسيحيا
وفاة الصَّديق العزيز هنري حنّا الدِّيشجي في العاصمة السُّويديّة ستوكهولم.
ببالغ الحزن والأسى تلقَّيتُ خبر وفاة الصَّديق العزيز هنري حنّا الدِّيشجي، زوج العزيزة ماريّا متّو مساء اليوم: 14. 4. 2020، في ستوكهوم على أثر إصابته بفيروس كورونا، فلا يسعني إلّا أن أتقدّم باسمي وباسم كافّة الأهل والأصدقاء بخالص التَّعازي القلبيّة لزوجته الغالية ماريا متُّو ولأخيه الصَّديق ابلحد وأخيه الصَّديق ألبير واخواته العزيزات شاميران وأميرة وسيلفى وفريال وعموم آل حنّا الديشجي وآل متّو في سوريَّا وسائر بلاد المهجر، راجياً من الرَّب القدير أن يسكنه فسيح جنّاته بين أحضان الأبرار والقدِّيسين، ويمنح كافّة أهله وذويه الصَّبر والسَّلوان.
صبري يوسف ــ ستوكهولم
**********************
يرحل الصَّديق هنري حنّا عالياً في قبّة السّماء!
يرحل الصَّديق هنري حنَّا الدِّيشجي، بإصابة كورونا بعد أن كتبتُ خمسين نصًّاً عن هجوم كورونا الفتَّاك في بقاعِ الدُّنيا، ولم يخطر على بالي نهائيّاً أنّه يستغفلَ هدوء صديقي وطيبته، فانقضَّ هذا العدو على أطيب الأصدقاء. هنري، صديق معجون بالطّيبة والمحبّة، لم ألتقِه إلّا مبتسماً حتّى وإن كنّا في تعازي، منذ شهور حضرت مراسيم دفن والدته، وفيما كنتُ أودِّعه وأقدِّم التَّعازي بعد مراسيم الدّفن وحضرنا مجلس العزاء وإذ به يستوقفني وأنا أسلّم عليه وعلى الخوري بربر، قائلاً لي: راح توقّف، وتأكل لقمة رحمة، فقلت له ... ولم يترك مجالاً للرّد فقال: هذا عزاؤك وستشارك في لقمة الرّحمة مهما كانت أعذارك وانشغالاتك! وطلب ممَّن كانوا أن يرافقونني فنظرتُ إلى الخوري بربر، جحظت عيناه وهو يقول لازم تشارك في لقمة الرّحمة قبلنا يا أستاذ، عدتُ أدراجي وابتسمتُ لهنري على مشاركتي بلقمة الرّحمة بكلِّ سرور ومحبّة، لم أجد قلباً أطيب من هنري حنّا الدِّيشجي، امتلك حضوراً طيّباً لطيفاً هادئاً مسالماً، لم أشاهده أبداً في موقف انفعالي نهائيَّاً. آلمتني إصابته في فيروس كورونا حالما سمعتُ بخير إصابته، كما آلمني إصابات العديد من الأصدقاء والصَّديقات والمعارف في السُّويد وخارج السُّويد وفي كلِّ بقاع الدُّنيا، كنتُ وما أزال في حالة اعتكاف وحداد على الكون برمَّته لهذه الكارثة الكونيّة الّتي حلَّت بنا، وتابعت وضعه وأخباره وكنت أتلقّى بين الحين والآخر أنَّ وضعه ليس على مايرام، اليوم اتصلت مع زوجته ماريا فكانت في غاية الحزن والأسى، إذ أنّني كنتُ قد تلقَّيتُ خبر وفاته ولكنّي ما كنتُ متأكِّداً من صحَّةِ الخبر، لهذا اتصلت معها فقالت: إنّ هنري في خطر وقد طلبت المستشفى منّي أن ألتقي به والتقيتُ به وكأنّ إدارة المستشفى أرادتْ من زوجته أن تلقي عليه النّظرة الأخيرة، وقالت للأطباء اتركوا الأوكسجين لغاية يوم الغد، ولكنّه بعد ساعات رحل إلى الأعالي تاركاً عذابات الأرض للأرض، وبعد ساعة اتصلت بها بعد أن وصلني خبر الوفاة من أحد الأصدقاء وإذ بي أراني غارقاً في البكاء مثل طفل فقد أبهى ألعابه وأفراحه، لم أتمكَّن من تقديم التّعازي إلّا بصعوبة، طلبتُ منها أن تسمحَ لي بنشر خبر الوفاة على صفحتي، فقالت انشر خبر الوفاة لأنّ الآخرين لا يعرفون شيئاً ونحن مصدومين بخبر الوفاة، فنشرتُ الخبر واخترت صورة من الصُّور الَّتي التقطتها في شقّتي تعانقه لوحاتي، نشرتُ الخبر وتلقَّيتُ عشرات بل مئات التّعازي لا أصدِّق نفسي نهائيّاً بأنَّ هنري ودَّعنا إلى الأبد بهذه البساطة، واستغربُ كيف لا يتدخَّلُ الله القادر على كل شيء ويمحق كورونا من الوجود وينقذنا من هذه الكارثة، فقد مرمر كورونا البشريّة، فولَّتْ بعيداً كل تكنولوجيات وتقنيات العصر، هل من المعقول هذا الفيروس الفتّاك اللَّعين أن ينتصر على كل هذه العلوم الطِّبِّيّة بعد آلاف السّنين من الخبرات الطَّويلة، وكنتُ أظنُّ أنَّ هكذا فيروس فتّاك لا بدَّ أن يكتشف الأطباء في أبحاثهم دواءً له، ويبدو أنَّ الإنسان مايزال في وادٍ وخطورات ما ينجم في العالم في وادٍ آخر، أين هي برامجكم في سباق التسلّح وغزو الفضاء، الغريب بالأمر أنَّنا صدّقناهم بسباق التّسلّح وغزو الفضاء، ونسينا بأنَّ هناك فيروس لا يرى بالمجهر وغير مرئي ومصنّف أنّه فيروس ميت، ورغم هذا فهو قادر على أن يفتك بالبشر دون أن يأخذ أيّة اعتبار لكل تطوّرات البشر، وكأنّ البشر لا شيء أمام هذا الوباء غير المرئي، وقد كتبت مقالات ورسالة إلى الأمانة العامة للأمم المتّحدة وكل زعماء العالم بضرورة إعداد وعقد مؤتمر طبِّي عالمي، ويتعاون كل أطباء العالم المتخصّصين بهذه الأمراض لصناعة دواء مضاد لهذا الفيروس الفتّاك قبل أن يكتسح الكثير من البشر، كم حلمتُ أن أصبح إلهاً حتّى لوقت قصير كي أبيده بغمضة عين، أهمس لنفسي مناجياً ربّ الأرباب، لماذا يا رب الكون والعباد لا تمحق كورونا بغمضة عين، أم أنَّ إيمان البشر تضعضع إلى أن وصل إلى ما وصلنا إليه؟! .. آهٍ، كيفَ أستقبل ألبير خبر وفاة أخيه هنري، انسابت دموعنا جميعاً وغاص ألبير في بكاءٍ ممزوج بحزنٍ عميق، فناجاه أخيه ابلحد من أقصى شمال السُّويد وبدأ يبكي بكاءً مرّاً، تذكّرت مقطعاً قصيراً كتبته منذ سنوات يناسب تماماً واقعنا الحالي الَّذي نمرُّ فيه، حيث قلتُ منذ أكثر من عقدين من الزّمن:
"البكاء مهنةٌ ملائمة لهذا الزّمان".
وها أنا أرى فعلاً أنَّ البكاءَ أصبح مهنة ملائمة لهذا الزّمان، ففي كل يوم وأسبوع نودّع عزيزاً علينا، ومع أنّ كورونا بكلِّ عنفوانه لا أراه يستحقُّ أن أكتب عنه جملة شعريّة واحدة، لكنّي وجدت نفسي محاصراً في خانة اليك، ولا بدَّ أن أتحدّاه عبر القصيدة والكلمة، فكتبتُ على مدى عشرة أيام خمسين نصاً، واليوم شعرت نفسي أنّني غير قادر على كتابة أي سطر عن هذا العدو اللَّدود، وما كنتُ أعلم أبداً أنّه سيفترس صديق من لونِ الفرح والحنين والحب والطِّيبة، يا إلهي كيف قرأتْ اخته شاميران خبر وفاته؟! ماذا تتحمَّل لتتحمَّل؟! والمفجع في الأمر أنّنا لا نستطيع أن نقوم بواجبنا في التَّعازي، مع أنَّ صديقي الرّاحل أُصيب بفيروس كورونا خلال قيامه بواجب العزاء، فلماذا حضر أصلاً هو وغيره واجب العزاء؟ إنّي أرى كورونا يتحدَّى بكلِّ صفاقة حتّى عاداتنا وتقاليدنا، فبالرغم من أنّه يكتسحنا ولا يتركنا حتّى نودّع أحبّائنا ونقوم بواجب العزاء وكأنّه ينتقم منّا شرّ انتقام، ماذا عملنا لكورونا كي ينتقم منّا كل هذا الانتقام المرير؟! إنَّ صنّاع كورونا هم من فصيلة مجانين هذا الزّمان وكل الأزمنة، وليس لهم أيّة علاقة بإنسانيّة الإنسان، وأرى أنَّ البشريّة في طورها إلى العبورِ في أعماق الغباء والتّحجُّر الفكري والأخلاقي والكوني، فهل من المعقول أن يقوم هناك إنسان فيه ذرّة أخلاق بتصنيع هكذا فيروس يدمِّر الكون والإنسان والحجر والحياة؟!
كيف تلقَّوا أخوات هنري خبر الرّحيل؟! شاميران، يا أخت المطر النّاعم وهو يتناثر في ربوع ديريك وأنت تنتظرين هنري قادماً من الدّوام، كيف انسابت دموعك وأنت تتلقّين هذا الرّحيل المؤلم للروح؟ أميرة أين أنتِ كي تري بأمِّ عينيك كيفَ انسابت دموعنا مثل أطفال فقدوا أقربَ المقرّبين إليهم، كيفَ تتحمّلُ عيناك فقدان الأب والأم وأخيك الكبير وأنتِ في آخر الدُّنيا؟ وأنتِ يا سيلفى كيف تلقَّيتِ هذا الكابوس الَّذي صعقنا وكأنَّنا في واقعٍ خرافي ولا نعيش الواقع؟ وأنتِ يا آخر العنقود، عزيزتي فريال هل تحمّلتِ أنين هذا الفراق المرير؟ أسمع صوت هنري يتكلّم معي، حديثاً رهيفاً طيّباً له مذاق المحبّة والاحترام العميق. يرنُّ صوته في أذني، أسمع قهقهاته النّاعمة وبسمته العريضة ترتسم على وجهه الباسم، صُعقَ صديقه العزيز ألبير ملكي وهو يقرا خبر وفاة أصدق الأصدقاء، وتقفز به الذّاكرة إلى ربوع ديريك وأيام الصِّبا والشَّباب والمدرسة، ويجنُّ جنونُ صديقه كريم شمو وهو ينظر إلى صورة صديقه هنري مودّعاً الكون بعد أن كان بأشدِّ لهفته أن يلتقي به في أقرب وقت كي يستعيدا ذكريات أيّام الطُّفولة والشَّباب وأيام الدِّراسة في ربوع ديريك وذكريات الماضي الجميل، فلا يجد أكثر من دموعه ردّاً لِمَا تلقّاه من صدمة الصّدمات، ينذهل الصَّديق كابي سارة وهو يقرأ نعوة صديقه هنري فتطفحُ عيناه دمعاً، ثمَّ يغوصُ في حزن مرصرص بالأنين وراح يكتبُ عن الرَّاحل ما جادت به دموعه وروحه إلى ما كان يجمعه من لقاءات طيّبة مع هذا الصَّديق الَّذي حلّق عالياً نحو أعالي السّماء، ومن بعيد تنساب دموع الصدّيق بهيج القس، فتتراءى قامة هنري أمامه ويسترجع أيام البراءة والطُّفولة والذّكريات الجميلة، يشهق بحسرة حارقة على غدر هذا الزّمان وما حلَّ بنا نحن البشر في غربتنا في الحياة، يتصّل بي الصديق فريد مراد مبلِّغاً إياي أنّ صديقنا هنري قد فارق الحياة، البكاء سبيلنا الوحيد إلى وداع الأحبة تباعاً، كيف تحمّلت وجنتا فريد وهو يودّع رحيل الأحبّة تباعاً، يا إلهي كارثة الكوارث حلَّت علينا، ومن أعماق غربته تنساب دموع الصَّديق ميخائيل ابراهيم ملكي وهو يتمعَّن بخبر نعي هنري، ولا يصدِّق أنَّ الحياة أصبحت مثلَ فكرة عابرة والموت غدا حكاية كل صباح ومساء، تساؤلات لا تحصى خطرت على بال ميخائيل وهو يذرف دمعه على أنين الفراق، دموع ساخنة انسابت من عيني جانيت عازار عندما قرأت الخبر وكأنّ رأسها ارتطم فجأةً في جدار، جحظت عينا الصَّديقة نعيمة قرياقس وهي تمعن النّظر في وجه هنري، متمتمةً ما هذه الكوارث الّتي تلاحقنا في عقر دارنا وتفترسُ أصدقاءَنا في كل يوم، وحده البكاء يهيمن على أجواء المكان لدى كل الأصدقاء والصَّديقات، فجأةً يقفُ الصَّديق يعقوب سليمان ممعناً النّظر في تفاقمات رحيل الأصدقاء، تذكّر ديريك وأصدقاء ديريك وقفز إلى ذهنه هنري بقامته الوقورة والطَّيبة، هزَّ رأسه ودمعته تغالبه وتودِّع صديقاً من لون المطر، وتلمح عينا الصّديق ميخائيل ميكاليدس نعوة الصّديق هنري فيرتعش حزناً ويقول حتّى أنتَ يا هنري تصدمنا بهذا الرّحيل المفاجئ وتترقرق دموعه وهو يسترجع أجمل اللِّقاءات الّتي جمعتهما في ربوع الغربة، ولا يصدِّق الصَّديق بطرس القس عندما يرى شارة الحزن مرتسمة على صورة صديقه هنري وهو يرحل نحو بهاءِ السّماء، يتمتمُ بطرس قائلاً: دموعنا هي عطاؤنا الوحيد نذرفها بكلِّ سخاءٍ في وداع الأصدقاء والصَّديقات في الآونة الأخيرة، ثم يهزّ الصَّيدق عيسى توما رأسه حزناً وأنيناً وتتربّص دمعتاه في مآقيه مستذكراً أجمل اللِّقاءات مع هنري الّذي ما كان يغيب عن أيّة مناسبة في غربته الطَّويلة في ربوع السُّويد. وشاحٌ ملبّد بالحزن يهيمن على قلوب كلِّ الأصدقاء والصَّديقات والأهل والمعارف الَّذينَ عرفوا والتقوا مع هنري عبر ديريك وفي محطّاتِ دنيا الاغتراب، ولم نجد سوى انسياب دموعنا الساخنة نذرفها بسخاءٍ على أنين الفراق.
تقف ماريا جرجيس متّو، زوجة هنري والدُّموع تنسابُ من عينيها ولا تصدِّقُ أبداً أن يفارقها شريك عمرها الحياة بهذه السّرعة المميتة، جفّت الدّموعُ في محجرَي عينيها ثمَّ انسابت من مآقيها وآلاف الصُّور ارتسمت أمامها دفعةً واحدة، ثمَّ تراءت أمامها رحيل حماتها أم هنري ورحيل والدها جرجيس متّو ورحيل عمَّها أدوار متّو ثمَّ رحيل عمّتها جولييت متّو وجدّها المعروف بخدماته في كنيسة السّيدة العذراء على مدى أكثر من نصف قرن من الزّمن ساعوراً للكنيسة، ورحيل جدّتها أم جرجيس سيّدة ابلحد أفريم، فلم تجد نفسها إلّا وهي في عزاء ممتدّ على مساحات العمر وكأنّها في حالة حزنٍ وعزاء مفتوح لكل الأحبّة الَّذين رحلوا، ولم تفارق قامة هنري خيالها وهو مبتسم يستقبل ضيوفه، يا إلهي كم كان اللِّقاء معه جميلاً عندما زار الصًّديق كريم متُّو عمّ ماريا ومعه يعقوب متُّو، كم كان لقائي بهم بديعاً ورهيفاً وطيّباً وعذباً والقهقهات تتعالى، فقال لي تعرف يا أستاذ صبري، كريم ويعقوب يعتبرونك وكأنّك أخيهم وابن عمّهم ومن أقرب المقرّبين إليهم، فقلت له لا تغلط! فضحك وقال ليش أنا أقدر أغلط، وكريم ويعقوب وأنت موجودين، وقلت له: كريم ويعقوب متّو وآل متوّ عموماً أصدقاء من وهج الفرح والعطاء الأصيل، شربنا آنذاك نخب الصّداقة والفرح وغمرتنا قهقهات لا تنسى، الحياة جميلة بهذا التَّواصل الإنساني. كانت ماريا آنذاك في أوح حبورها وفرحها وحولها أعمامها وزوجها الغالي هنري. كم كان اللّقاء جميلاً في اليوم التّالي عندما زارني هنري برفقة كريم ويعقوب متّو والتقطنا صوراً تذكاريّة في مرسمي، ومحفوظة في أرشيفي، وقال: ما أجمل هذه اللَّوحات الَّتي تحمل معاني كبيرة، ثمّ ترتسم أمامي زيارة كريم وجولييت مع الصَّبايا الرّائعات إلى بيت هنري وماريا ويدعوني هنري بطلب خاص قائلاً: آل متّو يطلبونك موجوداً، خلال دقائق كنت بين الأيادي وتركتُ كل كتاباتي جانباً، قامت القهقهات والأفراح والقصص الطَّريفة ركباً.
كان الصَّديق هنري حنّا شخصيّة اجتماعيّة ودودة ونادرة في هدوئه وروعته وكرمه وسخائه وتواصله الرّاقي مع الجميع. كم كانت الصَّدمة كبيرة على رافي متّو شقيق ماريا وعلى أخيه الكبير هادي وأخت ماريا وعلى عمّه كابي متو ومتّى متو وابن عمّه ريمون متوّ ودافيد متو وميلاد متو ومايا وداليدا متّو وعموم آل متُّو وحنّا الدّيشجي وكلّ الأصدقاء والصّديقات والمعارف.
خسرتُ صديقاً من رهافة بوح القصيدة، صديقاً من لونِ الأصالة المعتّقة بالخبز المقّمر، هذا الصّديق الّذي مراراً تجوَّلَ في أعماق سهول القمح يقرأ في أيّام الرَّبيع عبر براري ديريك متوحِّهاً إلى الحكميّة تارةً والقرى المجاورة تارةً أخرى وقدَّم أجمل ما عنده عبر كل محطّات حياته في ديريك وبلاد الاغتراب ولم يقصده أحدٌ إلّا ولبّى طلبه وقدّم له الخدمة الّتي يستطيع تقديمها وشارك حتّى آخر لحظة في حياته القيام بواجباته.
نَم قرير العين يا صديقي هنري حنّا، وإلى جنان الخلد، راجياً من الرّب أن يسكنكَ فراديس النّعيم!
صبري يوسف