«الوداع الصامت»: فيلم وثائقي عن الدم الفلسطيني / كمال القاضي
رغم تطور نشاطها الإبداعي واتساع منظور الرؤية لدى صُناعها والقائمين عليها، إلا أنها لم تتخل عن قضيتها الأساسية في إثبات حق الشعب الأبي في الاستقلال والحرية، وتحرير الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء عبر سنوات الكفاح والنضال والانتصار.
إنها السينما الفلسطينية بإيقاعها وثباتها عند نقطة الالتقاء بهموم الشعب وقضاياه العادلة، تضيف إلى رصيدها التاريخي فيلماً وثائقياً جديداً موقعا بإمضاء مخرجته امتياز المغربي، تحت عنوان «الوداع الصامت» حيث الإشارة إلى الموت الذي لم يُفارق منذ تاريخ النكبة مُدن وقرى فلسطين، القدس وغزة وبيت لحم وجنين وطولكرم والخليل ونابلس ورام الله وخان يونس وبير السبع ورفح والناصرة وغيرها.
رؤية إبداعية واقعية مُتكاملة تمتزج فيها الشهادات الحية للنساء الفلسطينيات والفتيات على وقائع الاعتداء اليومي وممارسات الاحتلال وانتهاكاته ضد كل ما ينبض بالحياة على الأرض الطيبة، ولعلها من المرات القليلة والاستثنائية التي اعتنى فيها مُصنف فني وثائقي بإثبات شهادة المرأة مُنفردة، دون الرجل لتُسجل بنفسها مراحل كفاحها في ميدان المواجهة في مُختلف صور التضحية والصمود، فتحرُكها لم يُرتهن يوماً بتحرك الرجل وإنما صارت هي في ذاتها شُعلة الحماس والفداء والمُحرك الرئيسي لنوازع القتال والإقدام، تثور فترفع لواء الحرية وتتقدم الصفوف وتُلقي الرُعب في قلوب الواقفين على الجانب الآخر في الجبهة المُضادة.
لقد بعثت المخرجة امتياز المغربي تلك الرسالة القوية نيابة عن المرأة الفلسطينية، بقصد أو بعفوية أو بفعل التأثير المُباشر وغير المُباشر للوقفات والاحتجاجات وما بينها، حيث الدماء والشهداء وتكتيكات الكر والفر في معارك الاحتدام والاستبسال المُكللة بالنصر، فلم يكن من بين مشاهد الفيلم ما يُمكن فصله عن الحالة الإنسانية للصمود حتى في ما يتصل بالشهادات الشفوية والحكايات القديمة لبطولات الآباء والأجداد، ظلت حرارة الأحداث حاضرة كأنها واقعه لتوها من فرط صدقها وصدق رواتها، الذين ما إن بدؤوا في السرد واسترجاع تفاصيل الماضي حتى اختلطت دموعهم بابتساماتهم ما بين الشجن والحزن على من فقدوهم، وفرح الانتصار ونشوته والشعور المُتضمن الفخر لدى كل أم استُشهد ابنها وأب فقد ظله الماشي على الأرض.
لقد اتبعت امتياز المغربي أسلوب القص الأمثل للأحداث الجسام فروت سيرة الوطن والمواطن على ألسنة الأمهات والشقيقات والخالات والعمات والحبيبات والزوجات، في سياق مُنفصل مُتصل فربطت بين الماضي والحاضر والمُستقبل المنظور للمقاومة، التي لن تخبو جذوتها إلا بتحرير التراب وجلاء المُحتلين والمستوطنين وحارقي الشجر والحجر والبشر، في آتون حروبهم الدائرة ونيرانهم المُستعرة ضد أصحاب الحقوق الأصليين من الرجال والشباب والنساء والأطفال والشيوخ. وقد اعتنت المخرجة بتسجيل تواريخ الأحداث وأماكن وقوعها فجعلت من كل تاريخ مُسجل ومكان شهد مصرع بطل من الأبطال حالة مُتفردة في تأثيرها ووقعها وخلودها، إذ يستحيل النسيان في ظل بقاء الذاكرة الوطنية مضيئة على الشريط السينمائي، وهي ميزة لا يُستهان بها، حيث يصنع الإبداع تاريخاً موازياً للتاريخ الفعلي فتبقى السينما التسجيلية والوثائقية شاهدا على كل العصور والأزمنة، وربما دار ذلك في خلد صاحبة التجربة وهي تُفتش في التفاصيل وترصد كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بما استهدفته من فيلمها الحاوي للروايات والحكايات، على خلفية ما يتم التركيز علية من فصول المأساة المُتكررة للوداع الصامت، حسب التسمية التي ارتأت امتياز المغربي أنها الأنسب لتكون عنواناً لفيلمها.
وبغض النظر عن تحفظنا على العنوان باعتباره مغايراً للمعنى الدلالي لحالة الصمود والبطولة والاستشهاد، كون المعنى أكبر بكثير من فكرة الصمت الذي يُصاحب وداع الشهداء، على حد القصد من العنوان، لأن الاستشهاد في حد ذاته سطوع لشمس الشهيد وإعلان لبقائه حياً يُرزق ومن ثم فلا يصح أن يقترن وداعة بالصمت على أي نحو لأن عمره أطول من عمر قاتله وصوته أعلى من صوته وإن علت أصوات القنابل والمدافع فوق أصوات المودعين والمُشيعين في المواكب الجنائزية الشعبية والرسمية!
الفيلم وثيقة إدانة حقيقية للعدو الإسرائيلي لا تقبل الطعن، فالمدون به كثير ومرير، وما ينطبع بتأثير المشاهد والحالات المُسجلة بالصوت والصورة في وجدان المُتلقي وضميره، فوق كل شك ومدموغ باليقين لأنه الحقيقة العارية التي يخشاها القاتل ويسعى لطمسها ففي كشفها نحره ومقبرته وزواله من الجغرافيا والتاريخ.
عن صفحة سينما العالم
رغم تطور نشاطها الإبداعي واتساع منظور الرؤية لدى صُناعها والقائمين عليها، إلا أنها لم تتخل عن قضيتها الأساسية في إثبات حق الشعب الأبي في الاستقلال والحرية، وتحرير الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء عبر سنوات الكفاح والنضال والانتصار.
إنها السينما الفلسطينية بإيقاعها وثباتها عند نقطة الالتقاء بهموم الشعب وقضاياه العادلة، تضيف إلى رصيدها التاريخي فيلماً وثائقياً جديداً موقعا بإمضاء مخرجته امتياز المغربي، تحت عنوان «الوداع الصامت» حيث الإشارة إلى الموت الذي لم يُفارق منذ تاريخ النكبة مُدن وقرى فلسطين، القدس وغزة وبيت لحم وجنين وطولكرم والخليل ونابلس ورام الله وخان يونس وبير السبع ورفح والناصرة وغيرها.
رؤية إبداعية واقعية مُتكاملة تمتزج فيها الشهادات الحية للنساء الفلسطينيات والفتيات على وقائع الاعتداء اليومي وممارسات الاحتلال وانتهاكاته ضد كل ما ينبض بالحياة على الأرض الطيبة، ولعلها من المرات القليلة والاستثنائية التي اعتنى فيها مُصنف فني وثائقي بإثبات شهادة المرأة مُنفردة، دون الرجل لتُسجل بنفسها مراحل كفاحها في ميدان المواجهة في مُختلف صور التضحية والصمود، فتحرُكها لم يُرتهن يوماً بتحرك الرجل وإنما صارت هي في ذاتها شُعلة الحماس والفداء والمُحرك الرئيسي لنوازع القتال والإقدام، تثور فترفع لواء الحرية وتتقدم الصفوف وتُلقي الرُعب في قلوب الواقفين على الجانب الآخر في الجبهة المُضادة.
لقد بعثت المخرجة امتياز المغربي تلك الرسالة القوية نيابة عن المرأة الفلسطينية، بقصد أو بعفوية أو بفعل التأثير المُباشر وغير المُباشر للوقفات والاحتجاجات وما بينها، حيث الدماء والشهداء وتكتيكات الكر والفر في معارك الاحتدام والاستبسال المُكللة بالنصر، فلم يكن من بين مشاهد الفيلم ما يُمكن فصله عن الحالة الإنسانية للصمود حتى في ما يتصل بالشهادات الشفوية والحكايات القديمة لبطولات الآباء والأجداد، ظلت حرارة الأحداث حاضرة كأنها واقعه لتوها من فرط صدقها وصدق رواتها، الذين ما إن بدؤوا في السرد واسترجاع تفاصيل الماضي حتى اختلطت دموعهم بابتساماتهم ما بين الشجن والحزن على من فقدوهم، وفرح الانتصار ونشوته والشعور المُتضمن الفخر لدى كل أم استُشهد ابنها وأب فقد ظله الماشي على الأرض.
لقد اتبعت امتياز المغربي أسلوب القص الأمثل للأحداث الجسام فروت سيرة الوطن والمواطن على ألسنة الأمهات والشقيقات والخالات والعمات والحبيبات والزوجات، في سياق مُنفصل مُتصل فربطت بين الماضي والحاضر والمُستقبل المنظور للمقاومة، التي لن تخبو جذوتها إلا بتحرير التراب وجلاء المُحتلين والمستوطنين وحارقي الشجر والحجر والبشر، في آتون حروبهم الدائرة ونيرانهم المُستعرة ضد أصحاب الحقوق الأصليين من الرجال والشباب والنساء والأطفال والشيوخ. وقد اعتنت المخرجة بتسجيل تواريخ الأحداث وأماكن وقوعها فجعلت من كل تاريخ مُسجل ومكان شهد مصرع بطل من الأبطال حالة مُتفردة في تأثيرها ووقعها وخلودها، إذ يستحيل النسيان في ظل بقاء الذاكرة الوطنية مضيئة على الشريط السينمائي، وهي ميزة لا يُستهان بها، حيث يصنع الإبداع تاريخاً موازياً للتاريخ الفعلي فتبقى السينما التسجيلية والوثائقية شاهدا على كل العصور والأزمنة، وربما دار ذلك في خلد صاحبة التجربة وهي تُفتش في التفاصيل وترصد كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بما استهدفته من فيلمها الحاوي للروايات والحكايات، على خلفية ما يتم التركيز علية من فصول المأساة المُتكررة للوداع الصامت، حسب التسمية التي ارتأت امتياز المغربي أنها الأنسب لتكون عنواناً لفيلمها.
وبغض النظر عن تحفظنا على العنوان باعتباره مغايراً للمعنى الدلالي لحالة الصمود والبطولة والاستشهاد، كون المعنى أكبر بكثير من فكرة الصمت الذي يُصاحب وداع الشهداء، على حد القصد من العنوان، لأن الاستشهاد في حد ذاته سطوع لشمس الشهيد وإعلان لبقائه حياً يُرزق ومن ثم فلا يصح أن يقترن وداعة بالصمت على أي نحو لأن عمره أطول من عمر قاتله وصوته أعلى من صوته وإن علت أصوات القنابل والمدافع فوق أصوات المودعين والمُشيعين في المواكب الجنائزية الشعبية والرسمية!
الفيلم وثيقة إدانة حقيقية للعدو الإسرائيلي لا تقبل الطعن، فالمدون به كثير ومرير، وما ينطبع بتأثير المشاهد والحالات المُسجلة بالصوت والصورة في وجدان المُتلقي وضميره، فوق كل شك ومدموغ باليقين لأنه الحقيقة العارية التي يخشاها القاتل ويسعى لطمسها ففي كشفها نحره ومقبرته وزواله من الجغرافيا والتاريخ.
عن صفحة سينما العالم