الأختام في الحضارة العربية الإسلامية
أخذ العرب الختم بشكله التقليدي، ونفروا من التصوير عليه. واتخذ الرسول العربي الكريم خاتماً من وِرق (فضة)، وكان نقشه «محمد رسول الله»، وتناقله كل من أبي بكر وعمر وعثمان الذي وقع منه في بئر «أريس»، وكان نقش خاتم خليفة رسول الله أبي بكر الصديق «نِعْمَ القادر الله»، ونقش أمير المؤمنين عمر بن الخَطاب «كفى بالموت واعظاً»، ونقش الخليفة عثمان بن عفان «آمنت بالذي خلق فسوى»، ونقش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عبارة «الله الملك الحق»، وفي العهد الأموي أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بتتريب الرسائل، وتطيينها على سطحها، وختمها، وصنعت الأختام الزجاجية ذات الوجه الواحد للمكاييل والأوزان. وأنشأ العباسيون «ديوان الخاتم»، الذي يتبع ديوان الرسائل، وأصبحت الأختام مزينة بالأحجار الكريمة المنقوشة حليةً للملوك والأمراء، وكانت تختم بها أوامر العفو والأمان.
وقد كانت الخواتم تنقش بأنواع الخطوط الجميلة، وتحمل آيات من القرآن الكريم (الشكل6) أو عبارات الحكم، والألغاز، والمعميات.
واستخدم الختم على المعاملات، والمعاهدات، والمراسيم، والكتب (الشكل7)، والوقفيات، وحجج العقارات والأملاك، والمراسلات، والإجازات بأنواعها، ولفائف الحسب والنسب، واستخدمت الأختام الزجاجية لمراقبة صحة المكاييل والأوزان وغيرها. واهتم العلماء بدراسة أحكام الأختام وقانونيتها، ولغتها، وشأنها في الحكم الشرعي ومنها تصانيف ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) في كتابه «أحكام الخواتيم» الذي اعتمد في مصادره على كتابي «الخواتيم» لحمزة السهمي (ت428هـ)، و «الخواتيم» لابن منجويه. ومن التصانيف الأخرى كتاب «الخواتيم» لابن أبي الدنيا، وكتاب «التختيم من اليمين أو اليسار» للبيهقي، وكتاب «الخواتيم» لابن أبي حية، وكتاب «الخواتيم» لعبد الله الدبيلي. وصنف ابن بابويه القمي كتاب «الخواتيم». ولمحمد رضا الطبسي النجفي كتاب «الدر الثمين في التختم باليمين». وقد ضمّن القلقشندي كتابه «صبح الأعشى» بحثاً عن الخواتيم وأنواعها واستعمالاتها، وكذلك فعل الخزاعي في كتابه «تخريج الدلالات»، واقتبس منه الكتاني في كتابه «التراتيب الإدارية». ولقد تأثر الغرب بالحضارة العربية الإسلامية إبان الحروب الصليبية، ومن اتصاله بحضارة الأندلس، حتى إن الملك النرمندي «روجر الثاني» ملك صقلية، اتخذ خاتماً عربياً عليه نقش حكمة عربية.
وقد حافظت الأختام على أهميتها في الدولتين «الزنكية» و «الأيوبية». وفي العصر المملوكي اخترعت طرق لختم الرسائل بالشمع الأحمر. وظهرت «الطرة»، و «الطغرة» أي الطغراء على المراسيم (الفرمانات). فالطرة تحمل ألقاب السلطان، وأوامره، ومرسومه. أما الطغرة فتحمل اسم السلطان، وأسماء آبائه، ولقبه. وللطرة، والطغرة كاتب خاص.
وأصبح ختم الطغرة منقوشاً على النقود العثمانية، والأختام العثمانية، شعاراً للدولة.
وقلدتها في ذلك الدول الفارسية والمغولية، والأفغانية. وكلمة الطغرة تركية دالة على توقيع السلطان، وتأشيره، وقد نقلت من المراسيم المملوكية، ويختلف تركيبها الشكلي بكثرة منتصباتها «الألف واللام» أو قلتها.
وكانت مهارة الخطاطين وبراعتهم في النقش تقاسان بنوع الأختام التي يصنعونها (الشكل8).
صناعة الأختام
يصنع الختم أو الروسم من مادة قاسية. كالصلصال والحجر، والمعدن، والزجاج، والأحجار الكريمة وغيرها. لقد صنعت أختام بلاد الشام القديمة أسطوانية الشكل، واستخدم في صنعها الطين والحجر الكلسي والصدف والزجاج والرخام والكوارتز الأبيض. أما أختام بلاد الرافدين، وإيران، فكانت مسطحة دائرية، وكذلك أختام بلاد مصر القديمة، والعرب.
وكان نقش الأختام وكتابتها في الحضارة العربية الإسلامية من يسار الختم إلى يمينه لتظهر طباعته صحيحة على المادة المستعملة، واستخدم الإزميل، والقلم الحاد المعدني، والمبرد، والمثقب اليدوي أدوات في صنعه (الشكل9). وربما كان النقش على سطح واحد من الختم الذي يشبه شكل قطعة الشطرنج.
وقد يكون للختم حامل أو ممسك يدور الختم على محوره، وقد يكون الختم هرمياً ثلاثي الوجوه، أو ثنائي الوجه. وربما كان مربعاً، أو مستطيلاً، أو دائرياً أو بيضياً أو بأشكال مختلفة.
واستخدمت الصور، والكتابات والزخارف الهندسية في نقش الأختام القديمة.
وتميزت الأختام العربية من غيرها باستخدام الكتابة والنقوش الزخرفية والنباتية، وبعدها عن التصوير والتجسيم. وتنوعت الأقلام في كتابتها؛ فاستخدم الخط الكوفي القديم، والخط الفارسي الانسيابي لسهولة حفره. ونقشت الأختام الدقيقة بالخط الغباري، في حين نقشت الأختام الكبيرة كأختام المحاكم والإجازات الصوفية والعلمية والمراسيم (الفرمانات) بخط الطغراء والخط الديواني الجلي، والثلث وغيرها (الشكل 10).
وكان الخطاط هو صانع الختم، وكاتبه، ومن ينقشه.
وفي أواخر العهد العثماني بدأ استخدام الأكاسيد، والأحماض الكيمياوية في صناعة الأختام، فكان سطح الختم يغطى باللك، والشمع، وينقش عليه النقش المطلوب، ثم يغطس في الحمض عدة مرات لتعميق الحفر.
وفي العصر الحديث بدأت الأختام المعدنية، والحجرية تختفي، وحلت محلها الأختام المطاطية، وانتشرت المكننة الآلية في صناعتها. وانفصلت صناعة الأختام عن مهنة الخطاط الذي اكتفى بكتابة النص وزخرفته. وظهر الختم المعدني النافر المستعمل في ختم الوثائق المهمة كجوازات السفر والشهادات العلمية وغيرها.
ومن الدول من استغنى عن الأختام تماماً ليحل محلها الرموز والأرقام
أخذ العرب الختم بشكله التقليدي، ونفروا من التصوير عليه. واتخذ الرسول العربي الكريم خاتماً من وِرق (فضة)، وكان نقشه «محمد رسول الله»، وتناقله كل من أبي بكر وعمر وعثمان الذي وقع منه في بئر «أريس»، وكان نقش خاتم خليفة رسول الله أبي بكر الصديق «نِعْمَ القادر الله»، ونقش أمير المؤمنين عمر بن الخَطاب «كفى بالموت واعظاً»، ونقش الخليفة عثمان بن عفان «آمنت بالذي خلق فسوى»، ونقش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عبارة «الله الملك الحق»، وفي العهد الأموي أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بتتريب الرسائل، وتطيينها على سطحها، وختمها، وصنعت الأختام الزجاجية ذات الوجه الواحد للمكاييل والأوزان. وأنشأ العباسيون «ديوان الخاتم»، الذي يتبع ديوان الرسائل، وأصبحت الأختام مزينة بالأحجار الكريمة المنقوشة حليةً للملوك والأمراء، وكانت تختم بها أوامر العفو والأمان.
(الشكل -6) طبعة ختم محفور على حجر غرانيت من العصر الأموي يحمل عبارة «العزة لله» |
واستخدم الختم على المعاملات، والمعاهدات، والمراسيم، والكتب (الشكل7)، والوقفيات، وحجج العقارات والأملاك، والمراسلات، والإجازات بأنواعها، ولفائف الحسب والنسب، واستخدمت الأختام الزجاجية لمراقبة صحة المكاييل والأوزان وغيرها. واهتم العلماء بدراسة أحكام الأختام وقانونيتها، ولغتها، وشأنها في الحكم الشرعي ومنها تصانيف ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) في كتابه «أحكام الخواتيم» الذي اعتمد في مصادره على كتابي «الخواتيم» لحمزة السهمي (ت428هـ)، و «الخواتيم» لابن منجويه. ومن التصانيف الأخرى كتاب «الخواتيم» لابن أبي الدنيا، وكتاب «التختيم من اليمين أو اليسار» للبيهقي، وكتاب «الخواتيم» لابن أبي حية، وكتاب «الخواتيم» لعبد الله الدبيلي. وصنف ابن بابويه القمي كتاب «الخواتيم». ولمحمد رضا الطبسي النجفي كتاب «الدر الثمين في التختم باليمين». وقد ضمّن القلقشندي كتابه «صبح الأعشى» بحثاً عن الخواتيم وأنواعها واستعمالاتها، وكذلك فعل الخزاعي في كتابه «تخريج الدلالات»، واقتبس منه الكتاني في كتابه «التراتيب الإدارية». ولقد تأثر الغرب بالحضارة العربية الإسلامية إبان الحروب الصليبية، ومن اتصاله بحضارة الأندلس، حتى إن الملك النرمندي «روجر الثاني» ملك صقلية، اتخذ خاتماً عربياً عليه نقش حكمة عربية.
(الشكل -7) أختام منوعة من العصور الإسلامية المختلفة تحمل كتابات من القرآن الكريم أو أقوالاً مأثورة |
(الشكل -8) | |
طغراء السلطان سليمان القانوني (1495-1566) | طغراء السلطان عبد العزيز (1830-1876) |
وقلدتها في ذلك الدول الفارسية والمغولية، والأفغانية. وكلمة الطغرة تركية دالة على توقيع السلطان، وتأشيره، وقد نقلت من المراسيم المملوكية، ويختلف تركيبها الشكلي بكثرة منتصباتها «الألف واللام» أو قلتها.
وكانت مهارة الخطاطين وبراعتهم في النقش تقاسان بنوع الأختام التي يصنعونها (الشكل8).
صناعة الأختام
يصنع الختم أو الروسم من مادة قاسية. كالصلصال والحجر، والمعدن، والزجاج، والأحجار الكريمة وغيرها. لقد صنعت أختام بلاد الشام القديمة أسطوانية الشكل، واستخدم في صنعها الطين والحجر الكلسي والصدف والزجاج والرخام والكوارتز الأبيض. أما أختام بلاد الرافدين، وإيران، فكانت مسطحة دائرية، وكذلك أختام بلاد مصر القديمة، والعرب.
(الشكل -9) رسم يمثل صناعة الأختام من عصر السلالة السادسة في مصر القديمة (2290-2135) |
وقد يكون للختم حامل أو ممسك يدور الختم على محوره، وقد يكون الختم هرمياً ثلاثي الوجوه، أو ثنائي الوجه. وربما كان مربعاً، أو مستطيلاً، أو دائرياً أو بيضياً أو بأشكال مختلفة.
واستخدمت الصور، والكتابات والزخارف الهندسية في نقش الأختام القديمة.
وتميزت الأختام العربية من غيرها باستخدام الكتابة والنقوش الزخرفية والنباتية، وبعدها عن التصوير والتجسيم. وتنوعت الأقلام في كتابتها؛ فاستخدم الخط الكوفي القديم، والخط الفارسي الانسيابي لسهولة حفره. ونقشت الأختام الدقيقة بالخط الغباري، في حين نقشت الأختام الكبيرة كأختام المحاكم والإجازات الصوفية والعلمية والمراسيم (الفرمانات) بخط الطغراء والخط الديواني الجلي، والثلث وغيرها (الشكل 10).
(الشكل -10) نماذج أختام عربية منوعة الخطوط |
وفي أواخر العهد العثماني بدأ استخدام الأكاسيد، والأحماض الكيمياوية في صناعة الأختام، فكان سطح الختم يغطى باللك، والشمع، وينقش عليه النقش المطلوب، ثم يغطس في الحمض عدة مرات لتعميق الحفر.
وفي العصر الحديث بدأت الأختام المعدنية، والحجرية تختفي، وحلت محلها الأختام المطاطية، وانتشرت المكننة الآلية في صناعتها. وانفصلت صناعة الأختام عن مهنة الخطاط الذي اكتفى بكتابة النص وزخرفته. وظهر الختم المعدني النافر المستعمل في ختم الوثائق المهمة كجوازات السفر والشهادات العلمية وغيرها.
ومن الدول من استغنى عن الأختام تماماً ليحل محلها الرموز والأرقام