ماردين
Mardin - Mardin
ماردين
ماردين مدينة تقع إلى الشمال من سورية وإلى الجنوب من تركيا، ورد اسمها في عدد من المعاجم، وهي على لفظ جمع مارد، ومارد هو كل شيء استعصى وامتنع، ويفيد في اللغة السريانية معنى الحصن. وقد استخدم بعض ملوك المنطقة هذا التعبير فأطلقوا اسم ماردين على عدد من حصونهم، وعرب العرب كلمة الحصون تلك بقولهم هذه ماردون، ورأيت ماردين. وعرفت ماردين في العصور السابقة للإسلام بألفاظ وتسميات متعددة متشابهة إلى حد ما (ميريدة، ماريد، مارده).
تقع ماردين في إقليم الجزيرة الفراتية، وتتأرجح بين ديار ربيعة تارة وديار بكر تارة أخرى. على خط طول 40 ْ شرقاً وعرض 38 ْ شمالاً، فوق منحدر صخري يرتفع إلى 1100م بين رأس العين ونصيبين. وهي في غاية المناعة، لدرجة أن الغزاة ملوا حصارها وتعذر عليهم نوالها. هناك قلعتها الموصوفة بالباز الأشهب وتحتها وإلى الجنوب صحراء شاسعة، وفي شمالها يوجد وادٍ خصب من أخصب مناطق ماردين، وشرقها تقع أراضٍ متفجرة العيون وفيرة المياه.
بنيانها قديم جداً تعرض للزوال مراراً إثر الحروب التي قامت للسيطرة والنفوذ على المنطقة، وكان يعاد بناؤها في كل مرة، مع اتخاذه الطابع الحضاري المميز لكل أمة سادت من آرامية ـ آشورية ـ فارسية ـ رومانية وعربية مسيحية إسلامية.
كانت ماردين في العصور التي سبقت الإسلام من المواطن العامرة، حيث كانت مشيخة من المشيخات التي أقامها الآراميون في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كما عدّت من المدن المهمة أيام الآشوريون والبابليين، وأصبحت مملكة صغيرة عام 250 ق.م، وقاعدة عسكرية أيام الفرس. وفي القرن الميلادي الثاني أصبحت مستعمرة رومانية ودخلت حلبة الصراع الفارسي - الروماني، ودخل أهلوها الديانة المسيحية، في نهاية القرن السادس الميلادي خضعت ماردين للخلافة الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، على يد القائد عياض بن غنم الفهري، واستمرت السيطرة عليها زمن الأمويين، وكانت مثار صراع بين قبيلتي تغلب وقيس في خلافة عبد الملك بن مروان، ووقع على سكانها عبء الصراع بين الخوارج وبني أمية. وصارت ماردين ربطاً للجهاد وقاعدة أمامية للانطلاق وسياجاً لحفظ الممتلكات.
وفي العصر العباسي تبعت ماردين سياسياً وإدارياً، حكامَ الجزيرة في الموصل أحياناً وإلى نصيبين أحياناً أخرى. إلا أنها استقلت باسم مملكة ماردين في القرن التاسع ميلادي، ومرت في ظروف مختلفة ساعد بعضها على عمرانها وبعضها الآخر على خرابها، وخاصة حروب القبائل العربية فيما بينها داخل حدود الجزيرة، وكذلك حركات الخوارج وتصرفاتهم حيال السلطة المركزية، وهجمات القرامطة والشيبانيين وحروبهم مع السلطة المركزية، إضافة إلى الفتن الطائفية والصراع بين عمال الجزيرة.
كانت علاقة ماردين مع الحمدانيين في بداية حكمهم جيدة، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتاريخهم وسموها «الباز الأشهب»، وكانت موقعاً عسكرياً مهماً لهم مما دفعهم إلى وضعها تحت نفوذهم المباشر، فعانت تعسف بعض ولاة بني حمدان في جمع الأموال، وكذلك حروب أمراء الدولة فيما بينهم ومع الروم، وغدت بمرور الزمن ملجأ للفارين من وجه الروم وعانت آثار الصراع بين أبناء البيت العقيلي والبيت المرواني من جهة، وبين هؤلاء والأكراد من جهة أخرى.
انفرد بنو أرتق بمملكة ماردين مدة تزيد على ثلاثمئة سنة (498-811هـ/1105-1410م)، حيث توارثوا حكمها وكانوا أصحاب مراس وشوكة، نهضوا بالبلاد وأحسنوا إلى العباد وأكثروا من المدارس والمساجد، وقرّبوا العلماء وأصحاب المنابر واستبسلوا في الدفاع عنها ضد الفرنجة وخاضوا ضدهم معارك عدة .
إلا أنها ما لبثت أن خضعت إلى النفوذ الأيوبي، ومن ثم إلى سيطرة المغول وبعدها هيمن النفوذ المملوكي وعلى إثره التركماني والصفوي والعثماني حين أرسل السلطان سليم الأول إثر معركة جالديران عام 920هـ/1514م أحد قواده، فبسط سلطانه على ماردين، وواصلت ماردين حياتها تحت السيطرة العثمانية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأمست بعدها جزءاً من الجمهورية التركية بعد أن رسّمت الحدود بين تركية وسلطة الانتداب الفرنسي على سورية.
كانت ماردين غنية بمواردها من زراعة وتربية الحيوان وصناعة وتجارة وعقدة مواصلات وطريق بريد، وسُكنت من قبل العرب والتركمان والأكراد والسريان، وكان فيها المسلمون والنصارى من نساطرة ويعاقبة إضافة إلى اليزيديين.
وتطورت الحركة الفكرية في ماردين بدءاً من خلايا دور العلم الأولى في الأديرة والكنائس، والتي اقتصرت على تعليم اللغة الآرامية، ومن ثم توسعت آفاق الفكر فيها في ظل الدولة الإسلامية، وخاصة في العصر العباسي حين تطورت فيها دراسات اللغة العربية واليونانية والفلسفة والتاريخ والعلوم الرياضية والطب، ونبغ في هذه المجالات أعلام كبار تخرجوا في جامع ماردين، كما قصدها أعلام بقصد العمل والرحلة.
كان التعليم في ماردين بداية الفترة الإسلامية يقوم على الكتاتيب وحلقات المساجد وفي دور العلماء والفقهاء إلى أن أنشأ نظام الملك السلجوقي ما عرف بالمدرسة، ومن أشهر مدارسها، الخاتونية والنظامية، إضافة إلى الزوايا والربط والخانقاوات.
من أهم آثارها الرومانية: قلعة ماردين، أسوار مدينة ماردين وأبوابها وأبراجها.
ومن أهم آثارها الإسلامية: المسجد المئذنة والجامع الكبير وجامع باب السور وجامع عبد اللطيف، إضافة إلى الخانات ودار لضرب النقود.
محمد زهير مارديني
Mardin - Mardin
ماردين
ماردين مدينة تقع إلى الشمال من سورية وإلى الجنوب من تركيا، ورد اسمها في عدد من المعاجم، وهي على لفظ جمع مارد، ومارد هو كل شيء استعصى وامتنع، ويفيد في اللغة السريانية معنى الحصن. وقد استخدم بعض ملوك المنطقة هذا التعبير فأطلقوا اسم ماردين على عدد من حصونهم، وعرب العرب كلمة الحصون تلك بقولهم هذه ماردون، ورأيت ماردين. وعرفت ماردين في العصور السابقة للإسلام بألفاظ وتسميات متعددة متشابهة إلى حد ما (ميريدة، ماريد، مارده).
بنيانها قديم جداً تعرض للزوال مراراً إثر الحروب التي قامت للسيطرة والنفوذ على المنطقة، وكان يعاد بناؤها في كل مرة، مع اتخاذه الطابع الحضاري المميز لكل أمة سادت من آرامية ـ آشورية ـ فارسية ـ رومانية وعربية مسيحية إسلامية.
كانت ماردين في العصور التي سبقت الإسلام من المواطن العامرة، حيث كانت مشيخة من المشيخات التي أقامها الآراميون في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كما عدّت من المدن المهمة أيام الآشوريون والبابليين، وأصبحت مملكة صغيرة عام 250 ق.م، وقاعدة عسكرية أيام الفرس. وفي القرن الميلادي الثاني أصبحت مستعمرة رومانية ودخلت حلبة الصراع الفارسي - الروماني، ودخل أهلوها الديانة المسيحية، في نهاية القرن السادس الميلادي خضعت ماردين للخلافة الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، على يد القائد عياض بن غنم الفهري، واستمرت السيطرة عليها زمن الأمويين، وكانت مثار صراع بين قبيلتي تغلب وقيس في خلافة عبد الملك بن مروان، ووقع على سكانها عبء الصراع بين الخوارج وبني أمية. وصارت ماردين ربطاً للجهاد وقاعدة أمامية للانطلاق وسياجاً لحفظ الممتلكات.
ماردين: البلدة القديمة |
كانت علاقة ماردين مع الحمدانيين في بداية حكمهم جيدة، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتاريخهم وسموها «الباز الأشهب»، وكانت موقعاً عسكرياً مهماً لهم مما دفعهم إلى وضعها تحت نفوذهم المباشر، فعانت تعسف بعض ولاة بني حمدان في جمع الأموال، وكذلك حروب أمراء الدولة فيما بينهم ومع الروم، وغدت بمرور الزمن ملجأ للفارين من وجه الروم وعانت آثار الصراع بين أبناء البيت العقيلي والبيت المرواني من جهة، وبين هؤلاء والأكراد من جهة أخرى.
انفرد بنو أرتق بمملكة ماردين مدة تزيد على ثلاثمئة سنة (498-811هـ/1105-1410م)، حيث توارثوا حكمها وكانوا أصحاب مراس وشوكة، نهضوا بالبلاد وأحسنوا إلى العباد وأكثروا من المدارس والمساجد، وقرّبوا العلماء وأصحاب المنابر واستبسلوا في الدفاع عنها ضد الفرنجة وخاضوا ضدهم معارك عدة .
إلا أنها ما لبثت أن خضعت إلى النفوذ الأيوبي، ومن ثم إلى سيطرة المغول وبعدها هيمن النفوذ المملوكي وعلى إثره التركماني والصفوي والعثماني حين أرسل السلطان سليم الأول إثر معركة جالديران عام 920هـ/1514م أحد قواده، فبسط سلطانه على ماردين، وواصلت ماردين حياتها تحت السيطرة العثمانية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأمست بعدها جزءاً من الجمهورية التركية بعد أن رسّمت الحدود بين تركية وسلطة الانتداب الفرنسي على سورية.
كانت ماردين غنية بمواردها من زراعة وتربية الحيوان وصناعة وتجارة وعقدة مواصلات وطريق بريد، وسُكنت من قبل العرب والتركمان والأكراد والسريان، وكان فيها المسلمون والنصارى من نساطرة ويعاقبة إضافة إلى اليزيديين.
وتطورت الحركة الفكرية في ماردين بدءاً من خلايا دور العلم الأولى في الأديرة والكنائس، والتي اقتصرت على تعليم اللغة الآرامية، ومن ثم توسعت آفاق الفكر فيها في ظل الدولة الإسلامية، وخاصة في العصر العباسي حين تطورت فيها دراسات اللغة العربية واليونانية والفلسفة والتاريخ والعلوم الرياضية والطب، ونبغ في هذه المجالات أعلام كبار تخرجوا في جامع ماردين، كما قصدها أعلام بقصد العمل والرحلة.
كان التعليم في ماردين بداية الفترة الإسلامية يقوم على الكتاتيب وحلقات المساجد وفي دور العلماء والفقهاء إلى أن أنشأ نظام الملك السلجوقي ما عرف بالمدرسة، ومن أشهر مدارسها، الخاتونية والنظامية، إضافة إلى الزوايا والربط والخانقاوات.
من أهم آثارها الرومانية: قلعة ماردين، أسوار مدينة ماردين وأبوابها وأبراجها.
ومن أهم آثارها الإسلامية: المسجد المئذنة والجامع الكبير وجامع باب السور وجامع عبد اللطيف، إضافة إلى الخانات ودار لضرب النقود.
محمد زهير مارديني