إلى أي مدى يُمكن أن تتطابق أو تتلاقى الروايات المُصنّفة كـ "أدب خيال علميّ"، مع تلك المُدرجة تحت تصنيفات أدب الخيال أو الفانتازيا؟ كيف يُمكن الفصل أساسًا بين هذين الأدبين والتمييز بينهما؟
اعتُبرت "فرانكشتاين" أولى الروايات الخيالية العلمية. رغم ذلك، ثمّة من يُشدّد على هويتها القوطية كمرجعية وحيدة لها
يبدو الجواب على هذا السؤال كامنًا في تعريفات "أدب الخيال العلميّ" بصفته مُصطلحًا جديدًا نوعًا ما، ظهر بعد أن ظهرت أعمال روائية بدت بحاجة إلى تصنيفٍ يُميّزها عن سواها من الأعمال الأدبية الأخرى المُشابهة، لا سيما الفانتازية منها.
يُعيد فرانسيس برتلو جذور أدب "الخيال العلميّ" إلى الرواية "القوطية" أو "الرواية السوداء" التي ظهرت نهاية القرن الثامن عشر كاتّجاهٍ أدبيٍّ جديد ترتكز أساساته على عوالم غرائبيّة وفانتازيّة مُتخيّلة، تأسّست على يدّ الأديب البريطانيّ هوراس والبول، ثمّ اتّسعت على يد أسماء أدبية عديدة، منها وليم بيكفورد، وآن رادكليف، وماثيو غريغوري لويس، وشارل روبير ماروتان، وبرام ستوكر الذي قدّم "دراكولا". ولكنّه لم يصل إلى ذروة شهرته وانتشاره إلّا في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، على يد الأديب الأمريكيّ إدغار آلان بو (1).
قدّمت هذه الأسماء أعمالًا تختلفُ لجهة البنية والأسلوب والحكاية، ولكنّها نهلت جميعها من اتّجاه أو مدرسةٍ أدبية واحدة، اتّكأت عليها البريطانية ماري شيلي حينما كتبت روايتها "فرانكشتاين" (1817) التي أحدثت بدايةً نقلة نوعية داخل هذا الاتّجاه الأدبيّ، ثمّ أسّست لاتّجاهٍ جديد انطلق من "القوطية" وافترق عنها عندما قدّم روبرت لويس ستيفنسون روايته "الدكتور جيكل ومستر هايد" (1886).
اعتُبرت "فرانكشتاين" أولى الروايات الخيالية العلمية. رغم ذلك، ثمّة من يُشدّد على هويتها القوطية كمرجعية وحيدة لها. مُتجاهلًا انتمائها إلى الاتّجاه الأدبيّ الذي أسّسته، ووضعت ركائزه الأولى التي ستكون مُلهمة لأعمال كثيرة صدرت بعدها وصُنِّفت كـ "خيال علميّ". وينطلق هذا التجاهل أو الإسقاط من فكرة قاصرة أُحادية الجانب، ترى في الرواية "قوطية" لأنّها كُتبت بناءً على رغبة كاتبتها بأن تكون كذلك، عدا عن أنّ أجوائها قائمة على الرعب، وكذا شخصيتها التي هي مسخ بشريّ مكوّن من مجموعة أشلاء بشرية أُلصقت ببعضها.
الدراسات النقدية المُختلفة التي تناولت "فرانكشتاين"، وصنَّفتها كأدب خيال علميّ، أخذت بعين الاعتبار المرجعية القوطية المبنية عليها، ولكنّها تعاملت معها كمرجعية مرافقة لمرجعية أو هوية جديدة يُجسِّدها سؤال تطرحهُ الحكاية على القارئ والناقد في آنٍ معًا: بعد أن جُمعت الأجزاء البشرية وشكّلت معًا شخصية "فرانكشتاين"، كيف بُعثت الحياة داخلهُ؟ كيف بات مسخًا لهُ ما لبقية البشر؟ بقوّة العلم وتجاربه الخرافية. فـ "فرانكشتاين" حصيلة تجربة علمية أساسها أداة علمية – الكهرباء – قدّمها طبيب يحضر في الحكاية بوصفه عالمًا.
إذا كانت العناصر والتجارب العلمية هي ما جعلت من "فرانكشتاين" رواية خيالية علمية، فلم لا تكون رواية "الدكتور جيكل ومستر هايد" تحت هذا التصنيف أيضًا؟
هذه الإضافة الجديدة المُتمثّلة في الأدوات العلمية البحتة، قدّمت اتّجاهًا أدبيًا جديدًا مصدره التجارب العلمية التي حلّت برفقة منفّذيها ومبتكريها محلّ السحرة والكهنة الذين كانوا ذا وجودٍ ثابت تقريبًا داخل الرواية القوطية. بجملةٍ أخرى، إنّ هذا الاتّجاه الأدبيّ الجديد "أدب الخيال العلميّ" جاء في صورته الأولى نتيجة طبيعية للقاء "الرعب" بـ "النظريات العلمية".
التحوّل من مجموعة أشلاء بشرية تالفة إلى مسخٍ على شاكلة إنسان في رواية ماري شيلي، تبعهُ بعد سنواتٍ تحوّل آخر حدث داخل حكاية روبرت ستيفنسون "الدكتور جيكل ومستر هايد" (1886) التي تحوّل فيها، ضمن قالب يلتقي فيه الرعب بالنظريات العلمية مُجدَّدًا، بمستوىً أقلّ ممّا جاء في "فرانكشتاين"؛ الدكتور جيكل من شخصية مثالية إلى أخرى شريرة يتعرّف إليها القارئ باسمها الجديد "مستر هايد".
إنّ أوّل ما يُصادف الباحث عن رواية الكاتب الإسكتلنديّ هو عدم اعتراف غالبية النقّاد بها كرواية خيالية علمية لأسباب مُختلفة، وتصنيفها بشيءٍ من التعصّب كـ"رواية بوليسية" أو "فانتازيّة". ويرتبط هذا الطرد بالإشكالية المتعلّقة بغياب تعريفٍ دقيقٍ لأدب الخيال العلميّ، يُراعي كافّة اتّجاهاته وأشكاله، ويكون شاملًا فيه من الدقّة ما يكفي لإنهاء حالة الإقصاء التي تطال غالبية روايات هذا الاتّجاه الأدبيّ، منها هذه الرواية التي، وعبر مقارنة بسيطة بينها وبين رواية ماري شيلي، يُمكن التوصّل إلى حقيقة أنّها وإن في جانبٍ منها فقط، رواية خيالية علمية.
فإذا كانت العناصر والتجارب العلمية هي ما جعلت من "فرانكشتاين" رواية خيالية علمية، فلم لا تكون رواية "الدكتور جيكل ومستر هايد" تحت هذا التصنيف أيضًا بما أنّها خالية: التحوّل من شخصية إلى أخرى مختلفة. وعلمية أيضًا: حدث هذا التحوّل أساسًا نتيجة تناول الدكتور جيكل لعقارٍ كيميائيٍّ أنتجه بنفسه داخل مختبره؟ أضف إلى ذلك أنّ هذا العقار في تعريفه الأدقّ داخل الحكاية هو "أداة علمية" كافية لإدراج الرواية تحت تصنيف أدب الخيال العلميّ.
يُعيد تحوّل "فرانكشتاين"، و"الدكتور جيكل" إلى الذاكرة تحوّل آخر لا يُمكن صرف النظر عنه، وهو تحوّل شخصية غريغور سامسا بطل رواية فرانز كافكا "التحوّل" (1915) من إنسان طبيعي إلى حشرة ضخمة. ذلك أنّ ما قدّمه الكاتب التشيكيّ يبدو قابلًا لمقارنته بما قدّمته ماري شيلي ومن بعدها ستيفنسون أيضًا. وبإمكان هذه المقارنة أن توضّح وإن بشكلٍ بسيط جوهر الاختلاف بين الخيال الغرائبيّ/ الفانتازيّ/ السحريّ، وبين الخيال العلميّ.
انطلقت روايتا روبرت ستيفنسون وماري شيلي في رحلتهما نحو "الخيال" من أدوات علمية، على العكس من "التحوّل" التي بدأت أساسًا بـ "الخيال"
انطلقت روايتا روبرت ستيفنسون وماري شيلي في رحلتهما نحو "الخيال" من أدوات علمية فسّرت التحوّلات التي حدثت داخلهما، على العكس من "التحوّل" التي بدأت أساسًا بـ "الخيال" حينما استيقظ سامسا ليجد نفسهُ فجأة حشرة ضخمة، دون أي تفسيرات لهذه العملية التي لا وجود لأيّ أداة علمية تُفسِّرها، وبغياب الأداة العلمية تكون الرواية "خيالية"، ويكون مصدر الخيال هنا المُخيّلة بما تنسجهُ من فانتازيا، وليس التجارب العلمية أو العلماء كما هو الحال في الرواية الخيالية العلمية.
أين يكمن جوهر الاختلاف إذًا؟ وهل وجود الأداة العلمية أو غيابها هو ما يُحدِّد هوية الرواية؟ تبدو الآراء النقدية مُنقسمة حيال هذه المسألة. ففي ظلّ حالة الاجماع على فانتازيّة رواية كافكا وسوداويتها، ثمّة آراء نقدية مُختلفة تقلّص المسافة بين ما قدّمه الكاتب التشيكيّ والخيال العلميّ، منها آراء آدم روبرتس الذي رأى أن رواية التحوّل قدّمت نموذجًا لأدب يتوقّف عند حدود "غيتو الخيال العلميّ" دون أن يدخله (2).
يُحيلنا هذا النموذج الأدبيّ إلى رواية يُمكن إدراجها في خانته، وهي "فرانكشتاين في بغداد" (2013) للكاتب العراقيّ أحمد سعداوي الذي شيَّدها بالاتّكاء على ما قدّمتهُ شيلي، إذ قدّم بدوره مسخًا بشريُا جُمعت أجزائه على فتراتٍ زمنية متفرّقة ممّا تبقّى من أجسادٍ بشرية، قضت في انفجاراتٍ مُختلفة في العاصمة العراقية بغداد، على يدِ صعلوكٍ اعتاد جمعها ووصلها ببضعها لتشكّل كائنًا حيًّا مُشابهًا لـ"فرانكشتاين" الذي يختلف عنه بأنّه وليد تجربة علمية، على عكس "فرانكشتاين" العراقيّ الذي لم ترد في الرواية أيّ تفسيراتٍ لعملية تحوّله هذه من أشلاءٍ بشرية إلى كائنٍ حيّ.
عملية التحوّل في "فرانكشتاين في بغداد" مُشابهة لتلك الموجودة في "التحوّل" لجهة غياب أيّ تفسيراتٍ علمية، على العكس تمامًا من "فرانكشتاين" و"الدكتور جيكل ومستر هايد"، الأمر الذي يجعل من الرواية قابلة لأن تُصنّف ضمن خانة الأدب الذي يقف عند حدود "غيتو الخيال العلميّ" دون أن يدخلهُ، فيحافظ بذلك على هويته الأولى كأدب خياليّ.
اعتُبرت "فرانكشتاين" أولى الروايات الخيالية العلمية. رغم ذلك، ثمّة من يُشدّد على هويتها القوطية كمرجعية وحيدة لها
يبدو الجواب على هذا السؤال كامنًا في تعريفات "أدب الخيال العلميّ" بصفته مُصطلحًا جديدًا نوعًا ما، ظهر بعد أن ظهرت أعمال روائية بدت بحاجة إلى تصنيفٍ يُميّزها عن سواها من الأعمال الأدبية الأخرى المُشابهة، لا سيما الفانتازية منها.
يُعيد فرانسيس برتلو جذور أدب "الخيال العلميّ" إلى الرواية "القوطية" أو "الرواية السوداء" التي ظهرت نهاية القرن الثامن عشر كاتّجاهٍ أدبيٍّ جديد ترتكز أساساته على عوالم غرائبيّة وفانتازيّة مُتخيّلة، تأسّست على يدّ الأديب البريطانيّ هوراس والبول، ثمّ اتّسعت على يد أسماء أدبية عديدة، منها وليم بيكفورد، وآن رادكليف، وماثيو غريغوري لويس، وشارل روبير ماروتان، وبرام ستوكر الذي قدّم "دراكولا". ولكنّه لم يصل إلى ذروة شهرته وانتشاره إلّا في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، على يد الأديب الأمريكيّ إدغار آلان بو (1).
قدّمت هذه الأسماء أعمالًا تختلفُ لجهة البنية والأسلوب والحكاية، ولكنّها نهلت جميعها من اتّجاه أو مدرسةٍ أدبية واحدة، اتّكأت عليها البريطانية ماري شيلي حينما كتبت روايتها "فرانكشتاين" (1817) التي أحدثت بدايةً نقلة نوعية داخل هذا الاتّجاه الأدبيّ، ثمّ أسّست لاتّجاهٍ جديد انطلق من "القوطية" وافترق عنها عندما قدّم روبرت لويس ستيفنسون روايته "الدكتور جيكل ومستر هايد" (1886).
اعتُبرت "فرانكشتاين" أولى الروايات الخيالية العلمية. رغم ذلك، ثمّة من يُشدّد على هويتها القوطية كمرجعية وحيدة لها. مُتجاهلًا انتمائها إلى الاتّجاه الأدبيّ الذي أسّسته، ووضعت ركائزه الأولى التي ستكون مُلهمة لأعمال كثيرة صدرت بعدها وصُنِّفت كـ "خيال علميّ". وينطلق هذا التجاهل أو الإسقاط من فكرة قاصرة أُحادية الجانب، ترى في الرواية "قوطية" لأنّها كُتبت بناءً على رغبة كاتبتها بأن تكون كذلك، عدا عن أنّ أجوائها قائمة على الرعب، وكذا شخصيتها التي هي مسخ بشريّ مكوّن من مجموعة أشلاء بشرية أُلصقت ببعضها.
الدراسات النقدية المُختلفة التي تناولت "فرانكشتاين"، وصنَّفتها كأدب خيال علميّ، أخذت بعين الاعتبار المرجعية القوطية المبنية عليها، ولكنّها تعاملت معها كمرجعية مرافقة لمرجعية أو هوية جديدة يُجسِّدها سؤال تطرحهُ الحكاية على القارئ والناقد في آنٍ معًا: بعد أن جُمعت الأجزاء البشرية وشكّلت معًا شخصية "فرانكشتاين"، كيف بُعثت الحياة داخلهُ؟ كيف بات مسخًا لهُ ما لبقية البشر؟ بقوّة العلم وتجاربه الخرافية. فـ "فرانكشتاين" حصيلة تجربة علمية أساسها أداة علمية – الكهرباء – قدّمها طبيب يحضر في الحكاية بوصفه عالمًا.
إذا كانت العناصر والتجارب العلمية هي ما جعلت من "فرانكشتاين" رواية خيالية علمية، فلم لا تكون رواية "الدكتور جيكل ومستر هايد" تحت هذا التصنيف أيضًا؟
هذه الإضافة الجديدة المُتمثّلة في الأدوات العلمية البحتة، قدّمت اتّجاهًا أدبيًا جديدًا مصدره التجارب العلمية التي حلّت برفقة منفّذيها ومبتكريها محلّ السحرة والكهنة الذين كانوا ذا وجودٍ ثابت تقريبًا داخل الرواية القوطية. بجملةٍ أخرى، إنّ هذا الاتّجاه الأدبيّ الجديد "أدب الخيال العلميّ" جاء في صورته الأولى نتيجة طبيعية للقاء "الرعب" بـ "النظريات العلمية".
التحوّل من مجموعة أشلاء بشرية تالفة إلى مسخٍ على شاكلة إنسان في رواية ماري شيلي، تبعهُ بعد سنواتٍ تحوّل آخر حدث داخل حكاية روبرت ستيفنسون "الدكتور جيكل ومستر هايد" (1886) التي تحوّل فيها، ضمن قالب يلتقي فيه الرعب بالنظريات العلمية مُجدَّدًا، بمستوىً أقلّ ممّا جاء في "فرانكشتاين"؛ الدكتور جيكل من شخصية مثالية إلى أخرى شريرة يتعرّف إليها القارئ باسمها الجديد "مستر هايد".
إنّ أوّل ما يُصادف الباحث عن رواية الكاتب الإسكتلنديّ هو عدم اعتراف غالبية النقّاد بها كرواية خيالية علمية لأسباب مُختلفة، وتصنيفها بشيءٍ من التعصّب كـ"رواية بوليسية" أو "فانتازيّة". ويرتبط هذا الطرد بالإشكالية المتعلّقة بغياب تعريفٍ دقيقٍ لأدب الخيال العلميّ، يُراعي كافّة اتّجاهاته وأشكاله، ويكون شاملًا فيه من الدقّة ما يكفي لإنهاء حالة الإقصاء التي تطال غالبية روايات هذا الاتّجاه الأدبيّ، منها هذه الرواية التي، وعبر مقارنة بسيطة بينها وبين رواية ماري شيلي، يُمكن التوصّل إلى حقيقة أنّها وإن في جانبٍ منها فقط، رواية خيالية علمية.
فإذا كانت العناصر والتجارب العلمية هي ما جعلت من "فرانكشتاين" رواية خيالية علمية، فلم لا تكون رواية "الدكتور جيكل ومستر هايد" تحت هذا التصنيف أيضًا بما أنّها خالية: التحوّل من شخصية إلى أخرى مختلفة. وعلمية أيضًا: حدث هذا التحوّل أساسًا نتيجة تناول الدكتور جيكل لعقارٍ كيميائيٍّ أنتجه بنفسه داخل مختبره؟ أضف إلى ذلك أنّ هذا العقار في تعريفه الأدقّ داخل الحكاية هو "أداة علمية" كافية لإدراج الرواية تحت تصنيف أدب الخيال العلميّ.
يُعيد تحوّل "فرانكشتاين"، و"الدكتور جيكل" إلى الذاكرة تحوّل آخر لا يُمكن صرف النظر عنه، وهو تحوّل شخصية غريغور سامسا بطل رواية فرانز كافكا "التحوّل" (1915) من إنسان طبيعي إلى حشرة ضخمة. ذلك أنّ ما قدّمه الكاتب التشيكيّ يبدو قابلًا لمقارنته بما قدّمته ماري شيلي ومن بعدها ستيفنسون أيضًا. وبإمكان هذه المقارنة أن توضّح وإن بشكلٍ بسيط جوهر الاختلاف بين الخيال الغرائبيّ/ الفانتازيّ/ السحريّ، وبين الخيال العلميّ.
انطلقت روايتا روبرت ستيفنسون وماري شيلي في رحلتهما نحو "الخيال" من أدوات علمية، على العكس من "التحوّل" التي بدأت أساسًا بـ "الخيال"
انطلقت روايتا روبرت ستيفنسون وماري شيلي في رحلتهما نحو "الخيال" من أدوات علمية فسّرت التحوّلات التي حدثت داخلهما، على العكس من "التحوّل" التي بدأت أساسًا بـ "الخيال" حينما استيقظ سامسا ليجد نفسهُ فجأة حشرة ضخمة، دون أي تفسيرات لهذه العملية التي لا وجود لأيّ أداة علمية تُفسِّرها، وبغياب الأداة العلمية تكون الرواية "خيالية"، ويكون مصدر الخيال هنا المُخيّلة بما تنسجهُ من فانتازيا، وليس التجارب العلمية أو العلماء كما هو الحال في الرواية الخيالية العلمية.
أين يكمن جوهر الاختلاف إذًا؟ وهل وجود الأداة العلمية أو غيابها هو ما يُحدِّد هوية الرواية؟ تبدو الآراء النقدية مُنقسمة حيال هذه المسألة. ففي ظلّ حالة الاجماع على فانتازيّة رواية كافكا وسوداويتها، ثمّة آراء نقدية مُختلفة تقلّص المسافة بين ما قدّمه الكاتب التشيكيّ والخيال العلميّ، منها آراء آدم روبرتس الذي رأى أن رواية التحوّل قدّمت نموذجًا لأدب يتوقّف عند حدود "غيتو الخيال العلميّ" دون أن يدخله (2).
يُحيلنا هذا النموذج الأدبيّ إلى رواية يُمكن إدراجها في خانته، وهي "فرانكشتاين في بغداد" (2013) للكاتب العراقيّ أحمد سعداوي الذي شيَّدها بالاتّكاء على ما قدّمتهُ شيلي، إذ قدّم بدوره مسخًا بشريُا جُمعت أجزائه على فتراتٍ زمنية متفرّقة ممّا تبقّى من أجسادٍ بشرية، قضت في انفجاراتٍ مُختلفة في العاصمة العراقية بغداد، على يدِ صعلوكٍ اعتاد جمعها ووصلها ببضعها لتشكّل كائنًا حيًّا مُشابهًا لـ"فرانكشتاين" الذي يختلف عنه بأنّه وليد تجربة علمية، على عكس "فرانكشتاين" العراقيّ الذي لم ترد في الرواية أيّ تفسيراتٍ لعملية تحوّله هذه من أشلاءٍ بشرية إلى كائنٍ حيّ.
عملية التحوّل في "فرانكشتاين في بغداد" مُشابهة لتلك الموجودة في "التحوّل" لجهة غياب أيّ تفسيراتٍ علمية، على العكس تمامًا من "فرانكشتاين" و"الدكتور جيكل ومستر هايد"، الأمر الذي يجعل من الرواية قابلة لأن تُصنّف ضمن خانة الأدب الذي يقف عند حدود "غيتو الخيال العلميّ" دون أن يدخلهُ، فيحافظ بذلك على هويته الأولى كأدب خياليّ.