ماوتسي تونغ
Mao Zedong / Mao Tsetung - Mao Zedong / Mao Tsé-toung
ماوتسي تونغ
(1893ـ 1976)
ماوتسي تونغ Mao Tse-Tung قائد ثوري وزعيم شيوعي بارز، قائد حرب التحرير في الصين ومؤسس جمهورية الصين الشعبية.
ولد ماو في 26/12/1893 لأسرة فلاحية فقيرة في قرية شاو شان Chao-Shan في مقاطعة هونان Hunan. درس في كتّاب القرية، ثم التحق بمدرسة ابتدائية في مقاطعة شيانغ، ومنها انتقل إلى مدرسة متوسطة في عاصمة المقاطعة. بعد ثورة 1911-1912؛ التي قادها الزعيم الوطني صن يات سن Sun Yat Sen لإطاحة حكم أسرة مانشو Manchu الإقطاعية، خدم ماو في جيش الثورة فترة قصيرة. وفي عام 1913 انتسب إلى مدرسة المعلّمين الرابعة في هونان، وتخرج فيها في عام 1918. وفي هذه الفترة اطلع ماو على تاريخ الصين القديم وتراثها الثقافي، كما اطلع على الأفكار الغربية الحديثة، وتأثر بكتابات كونفوشيوس وصن يات سن، وتولستوي Tolstoi وفلسفة «كانت» Kant وجدلية هيغل Hegel. واهتم كثيرا بانتصار الثورة الاشتراكية في روسيا (1917) وبالأفكار التي جاءت فيها.
في نيسان 1918 أسس «المنظمة الشعبية الجديدة» في مقاطعة تشانغ شا Chang-Sha بهدف إيجاد السبل الحديثة لإحداث التغيير الجذري في الصين. وفي عام 1919 التحق بجامعة بكين حيث عمل أميناً للمكتبة إلى جانب دراسته فيها. وتزوج في أثناء دراسته الجامعية من كاي- هوي Kai-Hoy ابنة أحد أساتذته. وفي الجامعة تأثر كثيراً بأفكار أستاذه في الاقتصاد تشين Tchen الذي كان ماركسياً.
وفي العام نفسه أسهم في تنظيم انتفاضة 4 أيار/مايو الشبابية ضد معاهدة فرساي حول تسليم الأراضي الصينية التي كانت تحتلها ألمانيا إلى اليابان.
وفي عام 1920 التقى ماو في بكين مبعوث الثورة السوڤييتية أدولف جوف، عن طريق أستاذه تشين، ولمس منه رغبة السلطة السوڤييتية بإقامة علاقة متكافئة مع بلاده. وأدى نزول الحكومة السوڤييتية للصين عن شمالي منشوريا- التي كانت تحتلها الحكومة القيصرية - دوراً في إقناع ماو باختفاء النزعة الاستعمارية من روسيا الجديدة؛ مما زاده قرباً من الأفكار «البلشفية»، وسرّع انتقاله إلى مواقع الماركسية.
بدأ ماو منذ عام 1920 بتشكيل الخلايا الشيوعية. وفي تموز/يوليو 1921 شارك في الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني، وأصبح أمينا للجنة الحزب في مقاطعة هونان. وفي المؤتمر الثالث للحزب انتخب ماو عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وعُيِّن رئيساً لتحرير مجلة الحزب السياسية الأسبوعية. وقد أقر الحزب في هذا المؤتمر سياسة التحالف مع الحزب الوطني (الكومنتانغ Kuomintang) بقيادة صن يات سن لتشكيل جبهة موحدة ضد الإمبريالية والإقطاعية من أجل تحرير الصين وتوحيدها.
في عام 1926 عُيّن أميناً للجنة الفلاحية التابعة للجنة المركزية للحزب، وفي عام 1927 نشر كتابين: «تحليل لطبقات المجتمع الصيني» و«تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاحين في هونان» أوضح فيهما أفكاره حول الثورة الديمقراطية الجديدة في الصين، وحول المكانة المهمة للمشكلة الفلاحية، والأهمية الحيوية لانضواء الحركة الفلاحية تحت قيادة الطبقة العاملة. وفي العام نفسه انتخب عضواً احتياطيا في المكتب السياسي للحزب.
في عام 1925 تُوفِّي الزعيم الوطني صن يات سن، وخلفه في زعامة الكومنتانغ تشانغ كاي - شيك Kai- Shek Chahng الذي لم يكن يؤمن بالتعاون مع الحزب الشيوعي، ولذلك جرّد في عام 1930 حملة عسكرية إلى منطقة كيانغسي Kiang-Si معقل الحزب الشيوعي، وارتكب جنوده مجازر كبيرة ضد أعضاء الحزب والفلاحين المناصرين له، وقبض على ماوتسي تونغ، ولكنه تمكن من الفرار بعد ساعات بمساعدة بعض الضباط من قيادة الكومنتانغ، فأعدم تشانغ كاي شيك زوجته كاي هوي انتقاماً. وتزوج ماو بعدها مرتين، وأنجب ابنتين وولدين.
ومن ملجئه في الجبال بدأ ماو - بمساعدة كل من تشوان لاي Tchuen-Lai وتشوته Tchu-Te - بتكوين جيش التحرير الشعبي الصيني، وأقام في تشرين الثاني/نوڤمبر 1931 في كيانغسي ما سماه الجمهورية السوڤييتية الصينية؛ وهي سلطة شعبية لتنظيم المنطقة وإدارتها. وفي عام 1934 كرر تشانغ كاي شيك الهجوم بجيش كبير حاصر مقر قيادة الحزب الشيوعي في كيانغسي. وأدرك ماو أن جيشه الذي لم يكن يتجاوز مئة ألف مقاتل مهدد بالإبادة، فقرر الانسحاب إلى إقليم تشانسي في شمالي الصين؛ فيما عرف بالمسيرة الكبرى التي قطع الجيش خلالها 9000كم سيراً على الأقدام، وفقد نصف عدده تقريباً.
اتخذ ماو من مدينة يينان Yenan عاصمة له. وفي هذه الفترة بدأت اليابان غزوها للصين (7/7/1937)، فرفع الحزب الشيوعي من جديد شعار الوحدة الوطنية والتحالف مع الكومنتانغ لمواجهة الغزو الياباني على أساس برنامج وطني عام، واضطر تشانغ كاي شيك إلى التعاون مجدداً مع الحزب الشيوعي تجنباً للتمرد في جيشه.
استمرت الحرب ضد اليابان حتى هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945. وكان الشيوعيون قد أسسوا في الجزء الذي حرروه من منشوريا وفي الأقاليم التي يسيطرون عليها حكومات شعبية محلية، وقاموا بتوزيع أراضي الإقطاعيين على الفلاحين. ووقّعوا مع تشانغ كاي شيك في 10/10/1945 اتفاقية للسلم والبناء. ولكن تشانغ ما لبث - بتشجيع من الولايات المتحدة - أن خرق الاتفاق، وأمر ولاته بتصفية الحكومات التي شكّلها الشيوعيون؛ الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية التي دامت أربع سنوات، تمكّن فيها جيش التحرير الشعبي الصيني - بقيادة ماوتسي تونغ- من دحر قوات تشانغ كاي شيك ودخول بكين في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1949 وإعلان ولادة ما عُرف بجمهورية الصين الشعبية The People’s Republic of China، واضطر تشانغ كاي شيك إلى مغادرة البر الصيني واللجوء إلى جزيرة فورموزا.
في السنوات الثلاث الأولى من قيام الصين الجديدة باشرت السلطة الثورية بوضع البرامج الخماسية لبناء البلاد على أسس اشتراكية. وفي كانون الأول/ديسمبر 1949 قام ماوتسي تونغ على رأس وفد حزبي وحكومي كبيربزيارة موسكو، ووقع «اتفاقية الصداقة والتحالف والتعاون المتبادل بين الصين والاتحاد السوڤييتي»، قدم السوڤييت بموجبها مساعدات ضخمة في مختلف الميادين، ولاسيما في ميدان التصنيع؛ غير أن ماو كان يتطلع إلى نتائج كبيرة وسريعة في ميدان الإنتاج، ولذلك طرح في عام 1958 شعار القفزة الكبرى إلى أمام؛ الذي يهدف إلى الحصول على إنتاج أكبر بوقت أقل من خلال تنظيم «الكومونات» الشعبية؛ وهي وحدات إدارية واسعة تشمل الريف والمدينة، وتؤدي ثلاث مهمات أساسية: الإنتاج والدفاع والتعليم.
ولكن التجربة أخفقت، وأدت إلى كارثة اقتصادية حقيقية، كما واجهت التجربة نقد بعض القيادات الحزبية، وخصوصاً من وزير الدفاع بنغ تي هواي Peng Te-Huai الذي أعفي من جميع مناصبه بسبب تلك الانتقادات.
وبدءاً من عام 1960، وبالاعتماد على وزير الدفاع الجديد لين بياو Lin Bao بدأ ماو بإجراء تغييرات تنظيمية داخل جيش التحرير الصيني. وفي الوقت نفسه بدأت حملة ضد ما سمي البيروقراطية الحزبية والعناصر المتبرجزة التي أخذت ترفع رؤوسها داخل الحزب والدولة. وشملت الحملة فئات المثقفين والفنانين الذين اتهموا بالتأثر بالثقافة الغربية. وسحب من التداول الشعار الذي اطلقه ماو في أوائل الخمسينات «دع مئة زهرة تتفتح، ودع مئة مدرسة فكرية تتنافس».
ونشرت قيادة الحزب في هذه الفترة «الكتاب الأحمر» الذي يضم بعض المقالات والخطب التي ألقاها ماوتسي تونغ، ليكون برنامجاً لتثقيف جميع «الكوادر» الحزبية، ولاسيما في صفوف الجيش والشباب.
في عام 1959 تخلّى ماو عن منصب رئيس الجمهورية، وانتخب رفيق دربه ليوتشاو شي Liu Chao-Shi خلفاً له.
في أوائل الستينيات وقع الخلاف بين الصين والاتحاد السوڤييتي، ويمكن تلخيص أسبابه في معارضة الصين للإدانة العلنية للمرحلة الستالينية، ومعارضة سياسة التعايش السلمي التي اتبعها خروشوف مع الغرب، وكذلك معارضة سياسة الانفتاح الداخلي، وأخيراً توقيع معاهدة حظر التجارب النووية بين السوڤييت وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1963. وقامت الصين بقطع علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء السوڤييت من الصين، واستمرت القطيعة حتى عام 1989، وأدت إلى انشقاق كبير داخل الحركة الشيوعية العالمية وحتى داخل العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم.
وفي أوائل السبعينيات بدأت العلاقات مع الغرب فيما عرف بدبلوماسية «كرة الطاولة» التي كان عرّابها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر. وبعد قطع العلاقات بين الصين والاتحاد السوڤييتي تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها المعارض لعضوية الصين في الأمم المتحدة، واعترفت بكل من بكين وتايوان. وتوّجت العلاقات مع الغرب بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون Nixon إلى الصين عام 1972، حيث وقّع معاهدة شانغهاي للتعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين.
أدى إخفاق «الكومونات» الشعبية وتوقف المساعدات السوڤييتية وحدوث عدد من الكوارث الطبيعية إلى تدهور كبير في الوضع الاقتصادي؛ مما اضطر الخبراء الاقتصاديين - بدعم من رئيس الجمهورية ليوتشاوشي - إلى التخلي عن «الكومونات» وإعادة بناء الاقتصاد على أساس تشجيع الحوافز الفردية ودعم الاقتصادات العائلية في الزراعة.
إلا أن ماو لم يكن متسامحاً مع الانتقادات التي وجهت «للكومونات»، فطرح مجدداً منذ عام 1966 حاجة البلاد إلى «ثورة ثقافية بروليتارية كبرى» تهدف الى إعادة الروح الطبقية الصحيحة إلى الحزب والدولة والتخلص من جميع الأدران البرجوازية، وذلك بالتوجه إلى الجماهير والتعلّم منها والاعتماد على الشباب الذين لم تلوثهم الأفكار البرجوازية؛ لذلك بدأت حملة تدعو الشباب إلى التمرد على السلطة وأخذ مقدرات البلاد بين أيديهم. وشكّلت فيالق الحرس الأحمر المسلّحة التي أعطيت صلاحيات واسعة لتصفية العناصر المعادية للحزب وللاشتراكية. وفي هذه الفترة - التي استمرت عشرة أعوام، أي حتى وفاة ماو في التاسع من أيلول عام 1976- تم إبعاد عشرات الآلاف من القيادات الحزبية والحكومية من مناصبها وإرسالها إلى الريف لإعادة تأهيلها. وأغلقت الجامعات، واضطهد أساتذتها، وأحرقت الكتب المتداولة بتهمة الترويج للأفكار البرجوازية، وشملت الفوضى مختلف ميادين الحياة. وكان الرئيس ليوتشاوشي في مقدمة ضحاياها إذ أعفي من منصبه بعد اتهامه بالانتهازية والانحراف. وحتى لين بياو - وزير الدفاع المقرب من ماو- والذي انتخبه المؤتمر التاسع للحزب خليفة له عام 1969، لم ينج من هذه الحملة إذ اتهم بتدبير محاولة لاغتيال ماو، وقتل في حادث طائرة غامض.
بعد وفاة ماو حاولت زوجته الثالثة جيانغ تشنغ تسلّم زمام الأمور ومتابعة سياسته مع ثلاثة آخرين من أعضاء المكتب السياسي للحزب، ولكن قيادة الحزب الجديدة تصدت لهم، واعتقلتهم، وحاكمتهم. ودخلت الصين بعدها مرحلة جديدة وهي مرحلة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. وشهدت هذه المرحلة تغييرات كبيرة وعميقة في أوضاع الصين، فتطور اقتصادها على نحو سريع ومذهل، وارتفع مستوى المعيشة ارتفاعاً ملموساً، وأصبحت الصين إحدى القوى العظمى في عالم اليوم، واقتصادها هو الاقتصاد الرابع في العالم.
كان ماوتسي تونغ قائداً تاريخياً فذاً من قادة حركة التحرر الوطني العالمية، وأدّى دوراً بالغ الأهمية في تاريخ الصين تحريراً وبناء. وقد ترك تراثا مهماً على الصعيدين الفكري والعملي لايمكن أن ينسى كما أنه كان شاعراً له كثير من القصائد التي ترجم بعضها إلى العربية. وبالرغم من بعض الأخطاء المرتكبة فإن عظمة ماو قائداً سياسياً وشعبياً كبيراً تبقى نقطة مضيئة في تاريخ الصين.
أحمد مكيّـس
Mao Zedong / Mao Tsetung - Mao Zedong / Mao Tsé-toung
ماوتسي تونغ
(1893ـ 1976)
ماوتسي تونغ Mao Tse-Tung قائد ثوري وزعيم شيوعي بارز، قائد حرب التحرير في الصين ومؤسس جمهورية الصين الشعبية.
ولد ماو في 26/12/1893 لأسرة فلاحية فقيرة في قرية شاو شان Chao-Shan في مقاطعة هونان Hunan. درس في كتّاب القرية، ثم التحق بمدرسة ابتدائية في مقاطعة شيانغ، ومنها انتقل إلى مدرسة متوسطة في عاصمة المقاطعة. بعد ثورة 1911-1912؛ التي قادها الزعيم الوطني صن يات سن Sun Yat Sen لإطاحة حكم أسرة مانشو Manchu الإقطاعية، خدم ماو في جيش الثورة فترة قصيرة. وفي عام 1913 انتسب إلى مدرسة المعلّمين الرابعة في هونان، وتخرج فيها في عام 1918. وفي هذه الفترة اطلع ماو على تاريخ الصين القديم وتراثها الثقافي، كما اطلع على الأفكار الغربية الحديثة، وتأثر بكتابات كونفوشيوس وصن يات سن، وتولستوي Tolstoi وفلسفة «كانت» Kant وجدلية هيغل Hegel. واهتم كثيرا بانتصار الثورة الاشتراكية في روسيا (1917) وبالأفكار التي جاءت فيها.
وفي العام نفسه أسهم في تنظيم انتفاضة 4 أيار/مايو الشبابية ضد معاهدة فرساي حول تسليم الأراضي الصينية التي كانت تحتلها ألمانيا إلى اليابان.
وفي عام 1920 التقى ماو في بكين مبعوث الثورة السوڤييتية أدولف جوف، عن طريق أستاذه تشين، ولمس منه رغبة السلطة السوڤييتية بإقامة علاقة متكافئة مع بلاده. وأدى نزول الحكومة السوڤييتية للصين عن شمالي منشوريا- التي كانت تحتلها الحكومة القيصرية - دوراً في إقناع ماو باختفاء النزعة الاستعمارية من روسيا الجديدة؛ مما زاده قرباً من الأفكار «البلشفية»، وسرّع انتقاله إلى مواقع الماركسية.
بدأ ماو منذ عام 1920 بتشكيل الخلايا الشيوعية. وفي تموز/يوليو 1921 شارك في الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني، وأصبح أمينا للجنة الحزب في مقاطعة هونان. وفي المؤتمر الثالث للحزب انتخب ماو عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وعُيِّن رئيساً لتحرير مجلة الحزب السياسية الأسبوعية. وقد أقر الحزب في هذا المؤتمر سياسة التحالف مع الحزب الوطني (الكومنتانغ Kuomintang) بقيادة صن يات سن لتشكيل جبهة موحدة ضد الإمبريالية والإقطاعية من أجل تحرير الصين وتوحيدها.
في عام 1926 عُيّن أميناً للجنة الفلاحية التابعة للجنة المركزية للحزب، وفي عام 1927 نشر كتابين: «تحليل لطبقات المجتمع الصيني» و«تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاحين في هونان» أوضح فيهما أفكاره حول الثورة الديمقراطية الجديدة في الصين، وحول المكانة المهمة للمشكلة الفلاحية، والأهمية الحيوية لانضواء الحركة الفلاحية تحت قيادة الطبقة العاملة. وفي العام نفسه انتخب عضواً احتياطيا في المكتب السياسي للحزب.
في عام 1925 تُوفِّي الزعيم الوطني صن يات سن، وخلفه في زعامة الكومنتانغ تشانغ كاي - شيك Kai- Shek Chahng الذي لم يكن يؤمن بالتعاون مع الحزب الشيوعي، ولذلك جرّد في عام 1930 حملة عسكرية إلى منطقة كيانغسي Kiang-Si معقل الحزب الشيوعي، وارتكب جنوده مجازر كبيرة ضد أعضاء الحزب والفلاحين المناصرين له، وقبض على ماوتسي تونغ، ولكنه تمكن من الفرار بعد ساعات بمساعدة بعض الضباط من قيادة الكومنتانغ، فأعدم تشانغ كاي شيك زوجته كاي هوي انتقاماً. وتزوج ماو بعدها مرتين، وأنجب ابنتين وولدين.
ومن ملجئه في الجبال بدأ ماو - بمساعدة كل من تشوان لاي Tchuen-Lai وتشوته Tchu-Te - بتكوين جيش التحرير الشعبي الصيني، وأقام في تشرين الثاني/نوڤمبر 1931 في كيانغسي ما سماه الجمهورية السوڤييتية الصينية؛ وهي سلطة شعبية لتنظيم المنطقة وإدارتها. وفي عام 1934 كرر تشانغ كاي شيك الهجوم بجيش كبير حاصر مقر قيادة الحزب الشيوعي في كيانغسي. وأدرك ماو أن جيشه الذي لم يكن يتجاوز مئة ألف مقاتل مهدد بالإبادة، فقرر الانسحاب إلى إقليم تشانسي في شمالي الصين؛ فيما عرف بالمسيرة الكبرى التي قطع الجيش خلالها 9000كم سيراً على الأقدام، وفقد نصف عدده تقريباً.
اتخذ ماو من مدينة يينان Yenan عاصمة له. وفي هذه الفترة بدأت اليابان غزوها للصين (7/7/1937)، فرفع الحزب الشيوعي من جديد شعار الوحدة الوطنية والتحالف مع الكومنتانغ لمواجهة الغزو الياباني على أساس برنامج وطني عام، واضطر تشانغ كاي شيك إلى التعاون مجدداً مع الحزب الشيوعي تجنباً للتمرد في جيشه.
استمرت الحرب ضد اليابان حتى هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945. وكان الشيوعيون قد أسسوا في الجزء الذي حرروه من منشوريا وفي الأقاليم التي يسيطرون عليها حكومات شعبية محلية، وقاموا بتوزيع أراضي الإقطاعيين على الفلاحين. ووقّعوا مع تشانغ كاي شيك في 10/10/1945 اتفاقية للسلم والبناء. ولكن تشانغ ما لبث - بتشجيع من الولايات المتحدة - أن خرق الاتفاق، وأمر ولاته بتصفية الحكومات التي شكّلها الشيوعيون؛ الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية التي دامت أربع سنوات، تمكّن فيها جيش التحرير الشعبي الصيني - بقيادة ماوتسي تونغ- من دحر قوات تشانغ كاي شيك ودخول بكين في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1949 وإعلان ولادة ما عُرف بجمهورية الصين الشعبية The People’s Republic of China، واضطر تشانغ كاي شيك إلى مغادرة البر الصيني واللجوء إلى جزيرة فورموزا.
في السنوات الثلاث الأولى من قيام الصين الجديدة باشرت السلطة الثورية بوضع البرامج الخماسية لبناء البلاد على أسس اشتراكية. وفي كانون الأول/ديسمبر 1949 قام ماوتسي تونغ على رأس وفد حزبي وحكومي كبيربزيارة موسكو، ووقع «اتفاقية الصداقة والتحالف والتعاون المتبادل بين الصين والاتحاد السوڤييتي»، قدم السوڤييت بموجبها مساعدات ضخمة في مختلف الميادين، ولاسيما في ميدان التصنيع؛ غير أن ماو كان يتطلع إلى نتائج كبيرة وسريعة في ميدان الإنتاج، ولذلك طرح في عام 1958 شعار القفزة الكبرى إلى أمام؛ الذي يهدف إلى الحصول على إنتاج أكبر بوقت أقل من خلال تنظيم «الكومونات» الشعبية؛ وهي وحدات إدارية واسعة تشمل الريف والمدينة، وتؤدي ثلاث مهمات أساسية: الإنتاج والدفاع والتعليم.
ولكن التجربة أخفقت، وأدت إلى كارثة اقتصادية حقيقية، كما واجهت التجربة نقد بعض القيادات الحزبية، وخصوصاً من وزير الدفاع بنغ تي هواي Peng Te-Huai الذي أعفي من جميع مناصبه بسبب تلك الانتقادات.
وبدءاً من عام 1960، وبالاعتماد على وزير الدفاع الجديد لين بياو Lin Bao بدأ ماو بإجراء تغييرات تنظيمية داخل جيش التحرير الصيني. وفي الوقت نفسه بدأت حملة ضد ما سمي البيروقراطية الحزبية والعناصر المتبرجزة التي أخذت ترفع رؤوسها داخل الحزب والدولة. وشملت الحملة فئات المثقفين والفنانين الذين اتهموا بالتأثر بالثقافة الغربية. وسحب من التداول الشعار الذي اطلقه ماو في أوائل الخمسينات «دع مئة زهرة تتفتح، ودع مئة مدرسة فكرية تتنافس».
ونشرت قيادة الحزب في هذه الفترة «الكتاب الأحمر» الذي يضم بعض المقالات والخطب التي ألقاها ماوتسي تونغ، ليكون برنامجاً لتثقيف جميع «الكوادر» الحزبية، ولاسيما في صفوف الجيش والشباب.
في عام 1959 تخلّى ماو عن منصب رئيس الجمهورية، وانتخب رفيق دربه ليوتشاو شي Liu Chao-Shi خلفاً له.
في أوائل الستينيات وقع الخلاف بين الصين والاتحاد السوڤييتي، ويمكن تلخيص أسبابه في معارضة الصين للإدانة العلنية للمرحلة الستالينية، ومعارضة سياسة التعايش السلمي التي اتبعها خروشوف مع الغرب، وكذلك معارضة سياسة الانفتاح الداخلي، وأخيراً توقيع معاهدة حظر التجارب النووية بين السوڤييت وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1963. وقامت الصين بقطع علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء السوڤييت من الصين، واستمرت القطيعة حتى عام 1989، وأدت إلى انشقاق كبير داخل الحركة الشيوعية العالمية وحتى داخل العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم.
وفي أوائل السبعينيات بدأت العلاقات مع الغرب فيما عرف بدبلوماسية «كرة الطاولة» التي كان عرّابها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر. وبعد قطع العلاقات بين الصين والاتحاد السوڤييتي تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها المعارض لعضوية الصين في الأمم المتحدة، واعترفت بكل من بكين وتايوان. وتوّجت العلاقات مع الغرب بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون Nixon إلى الصين عام 1972، حيث وقّع معاهدة شانغهاي للتعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين.
أدى إخفاق «الكومونات» الشعبية وتوقف المساعدات السوڤييتية وحدوث عدد من الكوارث الطبيعية إلى تدهور كبير في الوضع الاقتصادي؛ مما اضطر الخبراء الاقتصاديين - بدعم من رئيس الجمهورية ليوتشاوشي - إلى التخلي عن «الكومونات» وإعادة بناء الاقتصاد على أساس تشجيع الحوافز الفردية ودعم الاقتصادات العائلية في الزراعة.
إلا أن ماو لم يكن متسامحاً مع الانتقادات التي وجهت «للكومونات»، فطرح مجدداً منذ عام 1966 حاجة البلاد إلى «ثورة ثقافية بروليتارية كبرى» تهدف الى إعادة الروح الطبقية الصحيحة إلى الحزب والدولة والتخلص من جميع الأدران البرجوازية، وذلك بالتوجه إلى الجماهير والتعلّم منها والاعتماد على الشباب الذين لم تلوثهم الأفكار البرجوازية؛ لذلك بدأت حملة تدعو الشباب إلى التمرد على السلطة وأخذ مقدرات البلاد بين أيديهم. وشكّلت فيالق الحرس الأحمر المسلّحة التي أعطيت صلاحيات واسعة لتصفية العناصر المعادية للحزب وللاشتراكية. وفي هذه الفترة - التي استمرت عشرة أعوام، أي حتى وفاة ماو في التاسع من أيلول عام 1976- تم إبعاد عشرات الآلاف من القيادات الحزبية والحكومية من مناصبها وإرسالها إلى الريف لإعادة تأهيلها. وأغلقت الجامعات، واضطهد أساتذتها، وأحرقت الكتب المتداولة بتهمة الترويج للأفكار البرجوازية، وشملت الفوضى مختلف ميادين الحياة. وكان الرئيس ليوتشاوشي في مقدمة ضحاياها إذ أعفي من منصبه بعد اتهامه بالانتهازية والانحراف. وحتى لين بياو - وزير الدفاع المقرب من ماو- والذي انتخبه المؤتمر التاسع للحزب خليفة له عام 1969، لم ينج من هذه الحملة إذ اتهم بتدبير محاولة لاغتيال ماو، وقتل في حادث طائرة غامض.
بعد وفاة ماو حاولت زوجته الثالثة جيانغ تشنغ تسلّم زمام الأمور ومتابعة سياسته مع ثلاثة آخرين من أعضاء المكتب السياسي للحزب، ولكن قيادة الحزب الجديدة تصدت لهم، واعتقلتهم، وحاكمتهم. ودخلت الصين بعدها مرحلة جديدة وهي مرحلة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. وشهدت هذه المرحلة تغييرات كبيرة وعميقة في أوضاع الصين، فتطور اقتصادها على نحو سريع ومذهل، وارتفع مستوى المعيشة ارتفاعاً ملموساً، وأصبحت الصين إحدى القوى العظمى في عالم اليوم، واقتصادها هو الاقتصاد الرابع في العالم.
كان ماوتسي تونغ قائداً تاريخياً فذاً من قادة حركة التحرر الوطني العالمية، وأدّى دوراً بالغ الأهمية في تاريخ الصين تحريراً وبناء. وقد ترك تراثا مهماً على الصعيدين الفكري والعملي لايمكن أن ينسى كما أنه كان شاعراً له كثير من القصائد التي ترجم بعضها إلى العربية. وبالرغم من بعض الأخطاء المرتكبة فإن عظمة ماو قائداً سياسياً وشعبياً كبيراً تبقى نقطة مضيئة في تاريخ الصين.
أحمد مكيّـس