ما هي الغيرة؟
لماذا يشعر الرجل بأن عليه حماية شريكته من بقية الذكور و لماذا تشعر الأنثى أن عواطف زوجها يجب أن تكون حصريةً لها؟ كيف تؤثر هذه الغريزة في صياغة العادات و التقاليد السائدة في المجتمع؟
هذا ما سأجيب عليه في هذا المقال…
طبعاً جميعنا يعلم ماهي الغيرة و لكن الأغلبية لا تعلم ما هي مسبباتها و ما هي الفائدة منها. الغيرة هي أحد الغرائز التي تطورت لدى الكائنات الحية عبر ملايين السنين حيث أن لها فائدة بقائية ساهمت في تطور و بقاء الكائنات حتى يومنا هذا. قبل الدخول في صلب موضوع الغيرة أحتاج أن أفسر بعض المفاهيم أولاً…
من الناحية العلمية، جميع الكائنات الحية تعيش في سبيل التكاثر و الاستمرار عبر الأجيال. هذا الهدف الرئيسي في الحياة هو المحرك الرئيسي الذي يحدد غرائزنا و عادتنا و تصرفاتنا. كلنا يعرف أن أغلب الكائنات لديها زوجين (أنثى أو ذكر) لكن ماذا تعني هذه الكلمة من الناحية العلمية؟
تعريف الأنثى و الذكر:
لدى كلا الجنسين خلايا جنسية (بيوضة أو حيوانات منوية). هذه الخلايا هي ما يحدد جنس الكائن. الكائن ذو الخلايا الجنسية الأغلى يعتبر أنثى و الكائن ذو الخلايا الجنسية الأرخض يعتبر ذكر. ما أعنيه بكلمة أغلى و أرخص هو من الناحية البيولوجية طبعاً. البيوضة كميتها محدودة جداً مقارنة مع الحيوانات المنوية و تستهلك عدد كبير جداً من الموارد الغذاية لكي تنتج. إذاً من الناحية الجينية لا يهم نوع الأعضاء التناسلية لتحديد الجنس و إنما القيمة البيولوجية للخلايا الجنسية.
بويضة = انثى
حيوان منوي = ذكر
الإستثمار الجيني:
الاستثمار الجيني هي فكرة أساسية جداً في تفسير غريزة الغيرة لذلك أرجو التركيز عليها جيداً…
عملية التكاثر تتم عبر تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي. ما يحدث بعد هذا التلقيح مهم جداً لأن الموارد التي يحتاجها جسم الانثى هي أكبر بكثير من الموارد التي يحتجها الذكر. في الحقيقة الذكر لا يحتاج أي موارد بعد عملية التلقيح و يستطيع تكرار العملية عدة مرات كل يوم مع إناث مختلفين لأن حيوانته المنوية رخيصة و متوفرة و ليس عليه أي أعباء بيولوجية بعد التلقيح. أما الانثى فبعد تلقيح بويضتها فعليها استثمار كم هائل من الموارد الغذائية لكي ينمو جنينها وعليها اسثتمار وقت طويل لا تستطيع خلاله من التكاثر. هذا يعني أن الأنثى لديها استثمار أكبر من الناحية البيولوجية (بويضة) و من الناحية الإقتصادية (موارد و وقت) و من حيث الفرصة البديلة للتكاثر. أي وقت تصرفه الأنثى أثناء الحمل هو وقت لا تستطيع خلاله الحمل من جديد على عكس الذكر الذي يستطيع الإستثمار بشكل يومي دون أعباء اضافية.
العلاقات بين الاحياء منظومة و محكومة بمدى الإستثمار الجيني الذي يحتاجه الكائن لانجاح عملية التكاثر. استراتجية الذكر هي أن يلقح أكبر عدد ممكن من الإناث لأن هذا يعني فرص أكبر في نشر جيناته للأجيال القادمة. كما ذكرت سابقاً، بالنسبة للذكر العملية جداً مربحة فإن العملية الجنسية عملية ممتعة و نتائجها رخيصة من حيث الموارد و تؤمن استمرار الجينات عبر الأجيال. بالنسبة للأنثى فإن العملية الجنسية عملية ممتعة لكنها مكلفة و ثمينة من حيث الموارد و الوقت. كل عملية جنسية تعني استثمار هائل من الموارد و الوقت. لذلك على الأنثى اختيار شريكها بحذر و انتقاء الذكر المستعد على البقاء ضمن عش الزوجية لمساعدتها في تأمين الموارد و العناية بالصغار.
تفاعل الاستراتجية الذكرية (لقح و أمشي) و الاستراتجية الأنثوية (انتقي شريكك بعناية) ينتج عنها استراتجية جديدة. هذه الاستراتجية تقول ان على الذكر صرف موارد اقتصادية كبيرة من طاقة و تأمين غذاء بحيث يكون استثمار الذكر متوازي مع استثمار الأنثى. هذه الاستراتجية مرهونة بعدم قبول الإناث ممارسة الجنس مع الذكور إلا إذا قدموا استثمارات اقتصادي (موارد و رعاية للأطفال) مما يجعل استراتجية الذكر (لقح و أمشي) استراتجية غير ناجحة من ناحية استقطاب الإناث.
أمثلة سريعة:
– إناث بعض الطيور لا تسمح للذكر يالتلقيح إلا بعد بناء العش من قبل الذكر
– إناث بعض الحشرات تأكل الذكر مقابل التلقيح
إذاً أصبح لدى الذكر و الانثى مشروع مشترك. هذا المشروع المشترك هو الأطفال (50% من الأم و 50% من الأب).
الذكر مستعد لصرف الموارد و الرعاية مقابل الاستثمار البيولوجي الذي تقدمه الانثى. من هنا ننطلق لموضعنا و هو الغيرة….
عملية الحمل بالنسبة للأنثى هي علامة واضحة و صريحة أنها سوف تنجب أطفال للعالم و هي تستطيع تحديد أن الجنين لها 100% لأن الحمل يحدث داخل جسمها. أما الذكر فمهما كان متأكداً فهو لن يكون متأكداً 100% أن الجنين هو نتيجة تلقيح حيواناته المنوية و ليس نتيجة نطاف ذكور آخرين.
لهذا من ناحية الاستثمار الأبوي نجد أن أسوأ سيناريو بالنسبة للذكر هو أن يصرف موارده على أطفال ذكور آخرين أما بالنسبة للأنثى فإن أسواء سيناريو بالنسبة لها هوا لقاحها من ذكر لا يبقى معها و يساعدها في تأمين الموارد و رعاية الصغار.
الغيرة عند الإنسان:
نجد أن غيرة الرجل تتعلق بالحالة الفيزيائية للأنثى. ابقاء جميع الذكور الآخرين بعيدين عن شريكته بحيث يضمن أن اي حالة حمل هي تخصه هو و أن الصغار القادمين هم أطفاله (لأنه لا يستطيع التأكد 100% أنه هو المسؤول عن الحمل).
بالنسبة للأنثى نجد ان غيرتها تتعلق باهتمام الذكر. الانثى تعلم أن اهتمام الذكر محدود و أي عنصر يقارعها على هذا الإهتمام هو عنصر يشكل خطراً على مواردها و موارد أطفالها و لهذا نجد ان غيرة الأنثى تتركز على الناحية العاطفية للذكر. عاطفة الذكر يجب أن تتركز على الأسثمار الأبوي مع الأنثى و أن لا يشاركها احد بهذا الاستثمار.
إذاً الذكر يغار بشكل فيزيائي لا يسمح لأحد من الإقتراب من شريكته. بينما تغار الأنثى بشكل عاطفي عن طريق ابعاد أي عنصر ممكن ان يأخذ من اهتمام شريكها و بالتالي مواردها.
بعض الأمثلة من الطبيعة:
يوجد العديد من الامثلة في الطبيعة التي تؤكد على تطوير استراتجيات مختلفة بين الذكور و الإناث بشكل ينسجم مع فكرة الإستثمار الجيني. سأسرد لكم مثالين لكن يجب التنويه أن هذا الموضوع مركب و معقد أكثر بكثير من ما قدمته ضمن هذا المقال و لمزيد من التعمق على القارئ البحث ضمن الإنتقاء الجنسي و الاستثمار الأبوي عند الأحياء….
تأثير بروس:
تأثير بروس عند الفئران هو عندما يفرز ذكر الفأر مادة كيماوية تعمل على اجهاض الحمل عند جميع الإناث المحيطة به. الذكر يقوم بهذه الخطوة قبل عملية التكاثر ليتأكد أن الحمل سيكون لنطافه فحسب. علماً أن هذه المادة الكيميائية لا تؤثر على الحمل إذا كان الحمل من قبل الذكر نفسه.
السدادة الجنسية:
بعد اتمام العملية الجنسية و افراز الحيوانات المنوية داخل انثى النحل يقوم الذكر بالتخلي عن عضوه التناسلي وابقائه داخل الأنثى لاغلاق المهبل و منع ذكور آخرين من تلقيح الانثى. الأنثى تصبح ملكة و تقوم باستخدام نفس الحيوانات المنوية طوال حياتها لهذا يعتبر النحل متطابق جينياً و كل فرد مستعد أن يضحي بنفسه لأجل الخلية و بقاء الملكة التي تعتبر مصدر الإنجاب في الخلية.
يوجد العديد من الأمثلة الآخرى لكني اخترت عدم ذكرها لكي نبقى ضمن موضوعنا الأساسي و هو “الغيرة”
لنعود إلى الإنسان و الغيرة….
تجسيد هذه الغرائز و الاستراتجيات و اساقاطها على عادتنا و تقالدينا سيقدم تفسير منطقي لجميع ما نراه من حولنا من قوانين اجتماعية. كما أن لذكور الفئران و النحل استراتجيات لضمان أن الأطفال هم اطفالهم يوجد لدى ذكور الإنسان استراتجيات شبيهة من حيث المبدأ لكنها أكثر تعقيداً من حيث الآليات، و أصعب رصداً لأننا أنسان
لنحلل بعض هذه الآليات…
الزواج:
من الواضح لدينا الآن أن الزواج هي عملية هدفها مأسسة المشروع الجيني بين الذكر و الانثى. هذه المؤسسة محورها تحمّل الذكر مسؤوليته المتعلقه بالموارد و رعاية الاطفال بينما تتقبل الأنثى الأستثمار الجيني مع الذكر لانجاب أطفالهما. لهذا نجد ان أهل العروس غالباً يهتمون بشكل أساسي بموارد العريس و مستقبل ابنتهم من الناحية الإقتصادية بينما يركز أهل العريس على جينات العروس (جمالها) و أخلاقها.
منطق الأخلاق:
بالنسبة للذكر:
كما ذكرت سابقاً لديه استراتجية تقول استثمر نطافك مع أكبر عدد ممكن من الإناث و ذلك لرخص هذا الإستثمار الجيني. لما لا؟ خمس دقائق قد تساهم في نشر جيناته عبر الجيل القادم دون أي استثمار يذكر.
عندما يجد الذكر انثى مستعدة للمارسة الجنسية تصبح استراتجيته كالأتي:
اسثمر جينياً لكن بسبب سهولة الاستثمار الجيني (سهولة الممارسة لجنسية) لا تستثمر مواردك لأن هذه الأنثى تعتبر غير مضمونة من ناحية الحصرية في الاستثمار. في حال الحمل لا يعرف الذكر أن الجنين جنينه لأنها مستعدة للمارسة الجنسية بشكل سهل هذا يعني عدم ضمان الذكر الحصرية في الاستثمار الجيني معها. لهذا نجد الذكور مستعدين للممارسة الجنسية في أي وقت لكنهم غير مستعدين للاستثمار الأبوي إلا في حال كانت الأنثى لا تبدي سهولة في قبول العملية الجنسية.
بالنسبة للأنثى:
بسبب القيمة الغالية للانجاب فيجب على الأنثى أن لا تسثمر بيوضاتها مع الذكور الذين يبدون استعدادهم في صرف مواردهم مع أي انثى مستعدة للمارسة الجنسية. عليها اختيار الشريك الذي سيستثمر موارده و يعمل على رعاية أطفالها لسنين طويلة. على الأنثى أن توازن بين جذب الذكر و انتقائه دون الوصول للمارسة الجنسية إلا بعد استثمار الذكر كمية جيدة من الموارد تجعل عملية انسحابه بعد الممارسة الجنسية عملية خاسرة اقتصادياً. (تذكر مثال الطيور و بناء العش)
لهذا نجد في أغلب المجتمعات اليوم تقييم فحولة الرجل هو على أساس عدد الإناث التي يستطيع الذكر اقامة علاقة معهن و اعتبار رقي الأنثى متعلق بحشمتها و مدى رساخة استثمارها الأبوي اتجاه أطفالها. (طبعاً أنا لا أوافق على هذه التقييم لكن هذا تفسيره)
تشريع و ترسيخ الغرائز الذكرية ضمن قوانين يتقبلها المجتمع (قوانين دينية):
– السماح بتعدد الزوجات للذكور
– فرض لباس معين على الإناث
– فصل الإناث عن الذكور و منع الاختلاط بينهما.
– لا يجوز للمرأة فعل أي شيء في الحياة العامة دون محرم
– المهر قبل الزواج لضمان استثمار الذكر قبل الممارسة الجنسية.
المؤخر: نجد أن المؤخر مرتبط مباشرة بالممارسة الجنسية في حال تم الطلاق
الغيرة:
غيرة المرأة هي حالة غريزية تدفعها أن تعمل كل ما باستطاعتها على منع زوجها من أن يحب امرأة آخرى أو أن يبدي اهتماماً زائداً بأي موضوع قد يساهم في تبديد موارده. الأنثى تغار من أي شيئ يشكل تهديداً على موارد زوجها التي يتوجب صرفها عليها و على أطفالها.
غيرة الرجل تتجسد في أن تكون زوجته بعيدة عن أي علاقة فيزيائية مع ذكور آخرين لأن ذلك يشكل أفضل ضمان له أن جميع حالات الحمل هي له و لذلك نجد أن عذرية المرأة هي عامل مهم و مؤثر جداً في موضوع الزواج عند المجتمعات التي لا تحترم حقوق المرأة.
يجب الذكر أن هذه الغريزة (الغيرة) تنسجم بشكل مباشر مع مدة الإستثمار الجيني و تكلفته. كلما قلت التكلفة كلما قلت الغيرة لذلك نجد بعض الحيوانات تستخدم استراتجية مختلفة عبر انجاب كميات كبيرة من الصغار بحيث ينجو بعض الصغار و يموت البعض الآخر. (مثال: الأسماك، الحشرات، القطط، بعض الطيور)
كلما زادت قيمة الاستثمار الجيني كلما زادت غريزة الغيرة:
قيمة الغيرة = قيمة الاستثمار الجيني (بويضة، وقت حمل، موارد غذائية، فترة عناية بالأطفال) + عدد الأطفال من كل دورة تكاثرية كاملة
تستطيعين اسقاط كل ماتريه من حولك من عادات و تقاليد ضمن هذه النظرية و ستجدين أنها تنسجم تماماً مع نظرية الاستثمار الجيني و غريزة الغيرة.
لماذا يشعر الرجل بأن عليه حماية شريكته من بقية الذكور و لماذا تشعر الأنثى أن عواطف زوجها يجب أن تكون حصريةً لها؟ كيف تؤثر هذه الغريزة في صياغة العادات و التقاليد السائدة في المجتمع؟
هذا ما سأجيب عليه في هذا المقال…
طبعاً جميعنا يعلم ماهي الغيرة و لكن الأغلبية لا تعلم ما هي مسبباتها و ما هي الفائدة منها. الغيرة هي أحد الغرائز التي تطورت لدى الكائنات الحية عبر ملايين السنين حيث أن لها فائدة بقائية ساهمت في تطور و بقاء الكائنات حتى يومنا هذا. قبل الدخول في صلب موضوع الغيرة أحتاج أن أفسر بعض المفاهيم أولاً…
من الناحية العلمية، جميع الكائنات الحية تعيش في سبيل التكاثر و الاستمرار عبر الأجيال. هذا الهدف الرئيسي في الحياة هو المحرك الرئيسي الذي يحدد غرائزنا و عادتنا و تصرفاتنا. كلنا يعرف أن أغلب الكائنات لديها زوجين (أنثى أو ذكر) لكن ماذا تعني هذه الكلمة من الناحية العلمية؟
تعريف الأنثى و الذكر:
لدى كلا الجنسين خلايا جنسية (بيوضة أو حيوانات منوية). هذه الخلايا هي ما يحدد جنس الكائن. الكائن ذو الخلايا الجنسية الأغلى يعتبر أنثى و الكائن ذو الخلايا الجنسية الأرخض يعتبر ذكر. ما أعنيه بكلمة أغلى و أرخص هو من الناحية البيولوجية طبعاً. البيوضة كميتها محدودة جداً مقارنة مع الحيوانات المنوية و تستهلك عدد كبير جداً من الموارد الغذاية لكي تنتج. إذاً من الناحية الجينية لا يهم نوع الأعضاء التناسلية لتحديد الجنس و إنما القيمة البيولوجية للخلايا الجنسية.
بويضة = انثى
حيوان منوي = ذكر
الإستثمار الجيني:
الاستثمار الجيني هي فكرة أساسية جداً في تفسير غريزة الغيرة لذلك أرجو التركيز عليها جيداً…
عملية التكاثر تتم عبر تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي. ما يحدث بعد هذا التلقيح مهم جداً لأن الموارد التي يحتاجها جسم الانثى هي أكبر بكثير من الموارد التي يحتجها الذكر. في الحقيقة الذكر لا يحتاج أي موارد بعد عملية التلقيح و يستطيع تكرار العملية عدة مرات كل يوم مع إناث مختلفين لأن حيوانته المنوية رخيصة و متوفرة و ليس عليه أي أعباء بيولوجية بعد التلقيح. أما الانثى فبعد تلقيح بويضتها فعليها استثمار كم هائل من الموارد الغذائية لكي ينمو جنينها وعليها اسثتمار وقت طويل لا تستطيع خلاله من التكاثر. هذا يعني أن الأنثى لديها استثمار أكبر من الناحية البيولوجية (بويضة) و من الناحية الإقتصادية (موارد و وقت) و من حيث الفرصة البديلة للتكاثر. أي وقت تصرفه الأنثى أثناء الحمل هو وقت لا تستطيع خلاله الحمل من جديد على عكس الذكر الذي يستطيع الإستثمار بشكل يومي دون أعباء اضافية.
العلاقات بين الاحياء منظومة و محكومة بمدى الإستثمار الجيني الذي يحتاجه الكائن لانجاح عملية التكاثر. استراتجية الذكر هي أن يلقح أكبر عدد ممكن من الإناث لأن هذا يعني فرص أكبر في نشر جيناته للأجيال القادمة. كما ذكرت سابقاً، بالنسبة للذكر العملية جداً مربحة فإن العملية الجنسية عملية ممتعة و نتائجها رخيصة من حيث الموارد و تؤمن استمرار الجينات عبر الأجيال. بالنسبة للأنثى فإن العملية الجنسية عملية ممتعة لكنها مكلفة و ثمينة من حيث الموارد و الوقت. كل عملية جنسية تعني استثمار هائل من الموارد و الوقت. لذلك على الأنثى اختيار شريكها بحذر و انتقاء الذكر المستعد على البقاء ضمن عش الزوجية لمساعدتها في تأمين الموارد و العناية بالصغار.
تفاعل الاستراتجية الذكرية (لقح و أمشي) و الاستراتجية الأنثوية (انتقي شريكك بعناية) ينتج عنها استراتجية جديدة. هذه الاستراتجية تقول ان على الذكر صرف موارد اقتصادية كبيرة من طاقة و تأمين غذاء بحيث يكون استثمار الذكر متوازي مع استثمار الأنثى. هذه الاستراتجية مرهونة بعدم قبول الإناث ممارسة الجنس مع الذكور إلا إذا قدموا استثمارات اقتصادي (موارد و رعاية للأطفال) مما يجعل استراتجية الذكر (لقح و أمشي) استراتجية غير ناجحة من ناحية استقطاب الإناث.
أمثلة سريعة:
– إناث بعض الطيور لا تسمح للذكر يالتلقيح إلا بعد بناء العش من قبل الذكر
– إناث بعض الحشرات تأكل الذكر مقابل التلقيح
إذاً أصبح لدى الذكر و الانثى مشروع مشترك. هذا المشروع المشترك هو الأطفال (50% من الأم و 50% من الأب).
الذكر مستعد لصرف الموارد و الرعاية مقابل الاستثمار البيولوجي الذي تقدمه الانثى. من هنا ننطلق لموضعنا و هو الغيرة….
عملية الحمل بالنسبة للأنثى هي علامة واضحة و صريحة أنها سوف تنجب أطفال للعالم و هي تستطيع تحديد أن الجنين لها 100% لأن الحمل يحدث داخل جسمها. أما الذكر فمهما كان متأكداً فهو لن يكون متأكداً 100% أن الجنين هو نتيجة تلقيح حيواناته المنوية و ليس نتيجة نطاف ذكور آخرين.
لهذا من ناحية الاستثمار الأبوي نجد أن أسوأ سيناريو بالنسبة للذكر هو أن يصرف موارده على أطفال ذكور آخرين أما بالنسبة للأنثى فإن أسواء سيناريو بالنسبة لها هوا لقاحها من ذكر لا يبقى معها و يساعدها في تأمين الموارد و رعاية الصغار.
الغيرة عند الإنسان:
نجد أن غيرة الرجل تتعلق بالحالة الفيزيائية للأنثى. ابقاء جميع الذكور الآخرين بعيدين عن شريكته بحيث يضمن أن اي حالة حمل هي تخصه هو و أن الصغار القادمين هم أطفاله (لأنه لا يستطيع التأكد 100% أنه هو المسؤول عن الحمل).
بالنسبة للأنثى نجد ان غيرتها تتعلق باهتمام الذكر. الانثى تعلم أن اهتمام الذكر محدود و أي عنصر يقارعها على هذا الإهتمام هو عنصر يشكل خطراً على مواردها و موارد أطفالها و لهذا نجد ان غيرة الأنثى تتركز على الناحية العاطفية للذكر. عاطفة الذكر يجب أن تتركز على الأسثمار الأبوي مع الأنثى و أن لا يشاركها احد بهذا الاستثمار.
إذاً الذكر يغار بشكل فيزيائي لا يسمح لأحد من الإقتراب من شريكته. بينما تغار الأنثى بشكل عاطفي عن طريق ابعاد أي عنصر ممكن ان يأخذ من اهتمام شريكها و بالتالي مواردها.
بعض الأمثلة من الطبيعة:
يوجد العديد من الامثلة في الطبيعة التي تؤكد على تطوير استراتجيات مختلفة بين الذكور و الإناث بشكل ينسجم مع فكرة الإستثمار الجيني. سأسرد لكم مثالين لكن يجب التنويه أن هذا الموضوع مركب و معقد أكثر بكثير من ما قدمته ضمن هذا المقال و لمزيد من التعمق على القارئ البحث ضمن الإنتقاء الجنسي و الاستثمار الأبوي عند الأحياء….
تأثير بروس:
تأثير بروس عند الفئران هو عندما يفرز ذكر الفأر مادة كيماوية تعمل على اجهاض الحمل عند جميع الإناث المحيطة به. الذكر يقوم بهذه الخطوة قبل عملية التكاثر ليتأكد أن الحمل سيكون لنطافه فحسب. علماً أن هذه المادة الكيميائية لا تؤثر على الحمل إذا كان الحمل من قبل الذكر نفسه.
السدادة الجنسية:
بعد اتمام العملية الجنسية و افراز الحيوانات المنوية داخل انثى النحل يقوم الذكر بالتخلي عن عضوه التناسلي وابقائه داخل الأنثى لاغلاق المهبل و منع ذكور آخرين من تلقيح الانثى. الأنثى تصبح ملكة و تقوم باستخدام نفس الحيوانات المنوية طوال حياتها لهذا يعتبر النحل متطابق جينياً و كل فرد مستعد أن يضحي بنفسه لأجل الخلية و بقاء الملكة التي تعتبر مصدر الإنجاب في الخلية.
يوجد العديد من الأمثلة الآخرى لكني اخترت عدم ذكرها لكي نبقى ضمن موضوعنا الأساسي و هو “الغيرة”
لنعود إلى الإنسان و الغيرة….
تجسيد هذه الغرائز و الاستراتجيات و اساقاطها على عادتنا و تقالدينا سيقدم تفسير منطقي لجميع ما نراه من حولنا من قوانين اجتماعية. كما أن لذكور الفئران و النحل استراتجيات لضمان أن الأطفال هم اطفالهم يوجد لدى ذكور الإنسان استراتجيات شبيهة من حيث المبدأ لكنها أكثر تعقيداً من حيث الآليات، و أصعب رصداً لأننا أنسان
لنحلل بعض هذه الآليات…
الزواج:
من الواضح لدينا الآن أن الزواج هي عملية هدفها مأسسة المشروع الجيني بين الذكر و الانثى. هذه المؤسسة محورها تحمّل الذكر مسؤوليته المتعلقه بالموارد و رعاية الاطفال بينما تتقبل الأنثى الأستثمار الجيني مع الذكر لانجاب أطفالهما. لهذا نجد ان أهل العروس غالباً يهتمون بشكل أساسي بموارد العريس و مستقبل ابنتهم من الناحية الإقتصادية بينما يركز أهل العريس على جينات العروس (جمالها) و أخلاقها.
منطق الأخلاق:
بالنسبة للذكر:
كما ذكرت سابقاً لديه استراتجية تقول استثمر نطافك مع أكبر عدد ممكن من الإناث و ذلك لرخص هذا الإستثمار الجيني. لما لا؟ خمس دقائق قد تساهم في نشر جيناته عبر الجيل القادم دون أي استثمار يذكر.
عندما يجد الذكر انثى مستعدة للمارسة الجنسية تصبح استراتجيته كالأتي:
اسثمر جينياً لكن بسبب سهولة الاستثمار الجيني (سهولة الممارسة لجنسية) لا تستثمر مواردك لأن هذه الأنثى تعتبر غير مضمونة من ناحية الحصرية في الاستثمار. في حال الحمل لا يعرف الذكر أن الجنين جنينه لأنها مستعدة للمارسة الجنسية بشكل سهل هذا يعني عدم ضمان الذكر الحصرية في الاستثمار الجيني معها. لهذا نجد الذكور مستعدين للممارسة الجنسية في أي وقت لكنهم غير مستعدين للاستثمار الأبوي إلا في حال كانت الأنثى لا تبدي سهولة في قبول العملية الجنسية.
بالنسبة للأنثى:
بسبب القيمة الغالية للانجاب فيجب على الأنثى أن لا تسثمر بيوضاتها مع الذكور الذين يبدون استعدادهم في صرف مواردهم مع أي انثى مستعدة للمارسة الجنسية. عليها اختيار الشريك الذي سيستثمر موارده و يعمل على رعاية أطفالها لسنين طويلة. على الأنثى أن توازن بين جذب الذكر و انتقائه دون الوصول للمارسة الجنسية إلا بعد استثمار الذكر كمية جيدة من الموارد تجعل عملية انسحابه بعد الممارسة الجنسية عملية خاسرة اقتصادياً. (تذكر مثال الطيور و بناء العش)
لهذا نجد في أغلب المجتمعات اليوم تقييم فحولة الرجل هو على أساس عدد الإناث التي يستطيع الذكر اقامة علاقة معهن و اعتبار رقي الأنثى متعلق بحشمتها و مدى رساخة استثمارها الأبوي اتجاه أطفالها. (طبعاً أنا لا أوافق على هذه التقييم لكن هذا تفسيره)
تشريع و ترسيخ الغرائز الذكرية ضمن قوانين يتقبلها المجتمع (قوانين دينية):
– السماح بتعدد الزوجات للذكور
– فرض لباس معين على الإناث
– فصل الإناث عن الذكور و منع الاختلاط بينهما.
– لا يجوز للمرأة فعل أي شيء في الحياة العامة دون محرم
– المهر قبل الزواج لضمان استثمار الذكر قبل الممارسة الجنسية.
المؤخر: نجد أن المؤخر مرتبط مباشرة بالممارسة الجنسية في حال تم الطلاق
الغيرة:
غيرة المرأة هي حالة غريزية تدفعها أن تعمل كل ما باستطاعتها على منع زوجها من أن يحب امرأة آخرى أو أن يبدي اهتماماً زائداً بأي موضوع قد يساهم في تبديد موارده. الأنثى تغار من أي شيئ يشكل تهديداً على موارد زوجها التي يتوجب صرفها عليها و على أطفالها.
غيرة الرجل تتجسد في أن تكون زوجته بعيدة عن أي علاقة فيزيائية مع ذكور آخرين لأن ذلك يشكل أفضل ضمان له أن جميع حالات الحمل هي له و لذلك نجد أن عذرية المرأة هي عامل مهم و مؤثر جداً في موضوع الزواج عند المجتمعات التي لا تحترم حقوق المرأة.
يجب الذكر أن هذه الغريزة (الغيرة) تنسجم بشكل مباشر مع مدة الإستثمار الجيني و تكلفته. كلما قلت التكلفة كلما قلت الغيرة لذلك نجد بعض الحيوانات تستخدم استراتجية مختلفة عبر انجاب كميات كبيرة من الصغار بحيث ينجو بعض الصغار و يموت البعض الآخر. (مثال: الأسماك، الحشرات، القطط، بعض الطيور)
كلما زادت قيمة الاستثمار الجيني كلما زادت غريزة الغيرة:
قيمة الغيرة = قيمة الاستثمار الجيني (بويضة، وقت حمل، موارد غذائية، فترة عناية بالأطفال) + عدد الأطفال من كل دورة تكاثرية كاملة
تستطيعين اسقاط كل ماتريه من حولك من عادات و تقاليد ضمن هذه النظرية و ستجدين أنها تنسجم تماماً مع نظرية الاستثمار الجيني و غريزة الغيرة.