رسل (برتراند)
Russell (Bertrand-) - Russell (Bertrand-)
رسل (برتراند -)
(1872-1970)
برتراند آرثر وليام رسل Bertrand Russell، فيلسوف بريطاني من أسرة عريقة، كان جده رئيس وزراء الملكة فيكتوريا، وأبوه في العماد الفيلسوف جون ستيوارت مل[ر] John Stuart Mill. دخل جامعة كمبردج في الثامنة عشرة، وتفوق في الرياضيات. وعُين مدة ست سنوات أستاذاً للفلسفة فيها. ثم انغمس في السياسة وهو لم يزل حدثاً، وكان عضواً بالجمعية الفابية. وقد انكب على كتابة المقالات الصحفية المعارضة للحرب وتنظيم المظاهرات، وفصل من الجامعة لنشاطه السياسي المعارض، وجرّ على نفسه السجن مرتين بمعارضته الحروب، الأولى عام 1918 إذ سجن مدة ستة أشهر، لأنه هاجم وجود الجيش الأمريكي في إنكلترا وفرنسا بمقال في التريبيونال Tribunal ووصفه بأنه جيش لكبت الحريات وتخويف المعارضين، وكانت المرة الثانية عام 1961، إذ سجن مدة أسبوع لإثارته الرأي العام والتظاهر ضد التسلح النووي. وقد حصل عام 1950 على جائزة نوبل في الآداب لشجاعته في حرية القول والفكر، ووصفه جورج سنتيانا بأنه فرنسيس بيكون Francis Bacon القرن العشرين لشجاعته العلمية التي جعلته أكبر دعاة الفلسفة العلمية وإمام التحليل المنطقي.
يعد رسـل من أغزر المفكرين إنتاجاً، وفي مرحلته الأخيـرة كان ينشر كتاباً كل عـام، حتى أربت كتبه على خمسة وثلاثين، كان أهمها: «مبادئ الرياضيات» (1903)، و«الأصـول الرياضية» (1910-1913)، و«مشكلات الفلسفة» (1912 )، و«معرفتنا بالعالم الخارجي» ( 1914 )، و«التصوف والمنطق» (1918)، و«مدخل إلى الفلسفة الرياضية» (1919)، و«تحليل العقل» (1921)، و«تحليل المادة» (1927)، و«الدين والعلم» (1931)، و«بحث في المعنى والصدق» (1940)، و«تاريخ الفلسفة الغربية» (1946)، و«المنطق والمعرفة» (1956)، و«لماذا أنا لست مسيحياً» (1957)، و«حكمة الغرب» (1959).
وله كتب أخرى في التاريخ والحرب والسياسة والسلطة والحرية والآداب والقصص، وله أيضا بعض الروايات البوليسية.
فلسفته الرياضية
كان تطور رسل الروحي من خلال ميوله الرياضية، فقرأ إقليدس في الحادية عشرة من عمره وعشق الرياضيات، ولم يرض الاستناد إلى البديهيات دون برهان، فأخذ عن مِل منهجه في العلوم التجريبية، وتحول إلى الفلسفة ليجد بها ما يبرر اعتقاده بصدق الرياضيات، ثم اطلع على منطق هيغل Hegel وانصرف عنه إلى واقعية جورج مور[ر] George Moore. وقد سعى رسل بمساعدة ألفريد نورث هوايتهد[ر] إلى رد الرياضيات إلى المنطق ليجعل من الفلسفة أداة لفهم العالم وحل مشكلاته. فليست مهمة الفلسفة بناء نسق فلسفي على طريقة الفلاسفة القدامى، بل دراسة الكون والتعرف عليه بمنهج علمي، وفهمه باصطناع اللغة المناسبة. وقد وجد رسل هذه اللغة بتطبيق المنطق الرياضي أو الرمزي على اللغات الطبيعية، وباصطناع نظرية «الصورة المنطقية logical form»، وبذلك قضى على العبارة المنطقية التقليدية، التي تنقسم إلى موضوع ومحمول والتي كانت السبب في إخفاء البناء المنطقي للعبارة، وفي تخبط الفلاسفة في متاهات الميتافيزيقة، فمهمة المنطق الرياضي هي تحويل العبارات من لغتها الطبيعية إلى صورة منطقية تجعلها واضحة ومفهومة لا تحتمل اللبس، فالمنطق هو صميم الفلسفة، والمشكلة إن لم تكن منطقية فهي ليست فلسفية، ومهمة المنطق خلق اللغة المثالية التي تحل المشكلات.
وكانت أكبر إسهامات رسل أصالة في مجال المنطق الرمزي نظريته في الأنماط Theory of Types، وتتلخص في القول إن فئة الأشياء ليست أعضاء ضمن هذه الأشياء، فلفظة إنسان مثلاً اسم لفئة مجموع البشر، لكن لفظة إنسان ليست واحداً من البشر، ومن ثم فلفظة فرد تشير إلى نمط يختلف عن النمط الذي تشير إليه لفظة فئة. وعلى أساس التفريق بين اللغة التي تشير إلى واقعة معينة بوصفها اللغة الأساسية basic language، واللغة التي تتحدث عن اللغة (مثل عبارة «إن عبارة السماء تمطر عبارة عربية») بوصفها لغة وراء اللغة metalanguage، واللغة التي تتحدث عن اللغة التي وراء اللغة metametalanguage، يضع رسل معياراً دقيقاً للتمييز بين العبارات الدالة على معان، والعبارات الفارغة من أي معنى.
وكان رسل حتى عام 1920 من القائلين بالثنائية dualism أي بوجود العقل والمادة، لكنه فيما بعد، اقتفى خطى وليام جيمس [ر] ونادى بمذهب الأحادية المحايدة. وذهب إلى أن العقل والمادة بمنزلة تركيبات (بنايات) منطقية استمدت من معطيات لا هي بالعقلية ولا هي بالمادية، ولكنها محايدة، هي مادة التجربة تتجمع في تركيب معين وتترابط تبعاً لقوانين السيكولوجية وتساعد على تكوين العقول، ولكنها عندما تترابط تبعاً لقوانين الفيزياء تكون الأشياء. ويبسط رسل الناحية الميتافيزيقية للنظرية فيما يسميه الفلسفة الذرية المنطقية logical atomism، إذ يبين أن هناك تماثلاً بين بنية الواقع وبنية اللغة المثالية التي تعبر عنه، وهذا بدوره يفترض الأخذ بمبدأ الاطلاع principle of acquaintance الذي يقضي بأن تكون كل قضية مطلوب فهمها مؤلفة من عناصر يلّم بها صاحبها، ومن ثم فإن أي تعبير لغوي يكون مفهوماً لو أنه يشير إلى أشياء الخبرة، أو يمكن أن تفسره تعبيرات لغوية أخرى تشير إلى أشياء الخبرة. هذا يعني أن الجملة الذرية تعبر عن الواقع بأقل عدد من الجمل، فالذرية المنطقية هي النظرية التي تقول إن كل معرفة يمكن التعبير عنها بجمل ذرية، وبمركباتها الدالة على صدقها.
وما من شك أن منهج رسل في التركيبية المنطقية logical constructionism (البنايات المنطقية) ونظريته في الأوصاف descriptions theory، التي تقوم على التمييز بين التسمية باسم العلم (مثل: أحمد، نهر بردى) والتسمية بعبارة وصفية (مثل :الجبل الذهبي الموجود في الصومال)، هما محاولتان لتطبيق التحليل المنطقي على بعض مسائل الفلسفة.
فلسفته في الأخلاق والدين
اهتم رسل، على صعيد الأخلاق، بقضايا وراء الخُلُقية metamoral, metaethical issues، كوضع المبادئ الأخلاقية، ومعناها، والخلافات حولها. وبهذا استبعد الأخلاق من دائرة البحث الفلسفي الصرف، لأن عباراتها لا تنطوي على قضايا تقريرية تنصب على الواقع، وليس لها صدق موضوعي، بل هي مجرد تعبيرات عن انفعالات وحالات وجدانية ذاتية، أو هي توجيهات تقدم للآخر حتى يستشعر بعض الأحاسيس الأخلاقية. ويكون الخلاف حول مسائل الأخلاق مسألة تذوق، فالأخلاق مسألة نفسية اجتماعية تدور حول ما يرغب الناس فيه، وكيف يصلون إليه. فالتذوق اتجاه أو وضع سيكولوجي أو رغبة desire، وما ينبغي فعله هو في الحقيقة ما يريدنا الآخرون فعله، وأطلق على نظريته هذه مبدأ ذاتية القيم subjectivity of Values. والحكم الأخلاقي تعبير عن الرغبة، وهو بذاته ذو قيمة لهذا يميز رسل بين الرغبة الشخصية التي تعبر عما يفيد صاحبها، والرغبة غير الشخصية التي تعبر عما لا يفيد صاحبها، كالرغبة في إلغاء الرق، ويخلص إلى أن الأحكام الأخلاقية هي تعبير عن رغبات لا شخصية، وأن الإنسان قادر على تكوين مثل أعلى «للحياة الطيبة»، حياة يقودها الحب الوجداني والمعرفة وهذا الأساس يكفي لقيام الأخلاق.
وعلى صعيد الدين، يعد رسل نفسه لا أدرياً أحياناً، وملحداً أحياناً أخرى. وهو حائر بين الموقفين، لكنه على يقين من أن الدين مآله للانقراض، وأنه يعود إلى مرحلة الطفولة من تاريخ تطور الفكر البشري، وأن المرحلة الحالية قد تجاوزته، لكن بما أن البشرية تحيا في عوز وصراع وحروب واضطهادات، وتعيش في شقاء، فهي بلا شك تحتاج، باستمرار، إلى الدين، لكن حالما تحلّ مشكلاتها سيفنى الدين مع تلك المشكلات.
ويبدو أن فلسفة رسل غير المؤمنة كئيبة، فزعمه بعدم وجود إله يجعل الإنسان وحيداً في العالم، وعندما يدرك الإنسان هذا، ويشعر بفظاعة العالم في قلبه، ويتحدى ذلك بشجاعة ويكف عن الشكوى والرثاء لنفسه، سيعرف الإنسان معنى السعادة. فالسعادة هي غاية الحياة ،لا يصل إليها المرء إلا بمواجهة الخوف والقضاء عليه بشجاعة، والتفكير الحر والرأي المستقل، وجعل الطبيعة كلها بما فيها طبيعة الإنسان، موضوعاً للدراسة العلمية،فلا يمكن للإنسانية أن تتقدم إلا بالتزود بالشجاعة التي لا تلين لمواصلة الطريق سعياً وراء الحقيقة.
فاطمة درويش
Russell (Bertrand-) - Russell (Bertrand-)
رسل (برتراند -)
(1872-1970)
برتراند آرثر وليام رسل Bertrand Russell، فيلسوف بريطاني من أسرة عريقة، كان جده رئيس وزراء الملكة فيكتوريا، وأبوه في العماد الفيلسوف جون ستيوارت مل[ر] John Stuart Mill. دخل جامعة كمبردج في الثامنة عشرة، وتفوق في الرياضيات. وعُين مدة ست سنوات أستاذاً للفلسفة فيها. ثم انغمس في السياسة وهو لم يزل حدثاً، وكان عضواً بالجمعية الفابية. وقد انكب على كتابة المقالات الصحفية المعارضة للحرب وتنظيم المظاهرات، وفصل من الجامعة لنشاطه السياسي المعارض، وجرّ على نفسه السجن مرتين بمعارضته الحروب، الأولى عام 1918 إذ سجن مدة ستة أشهر، لأنه هاجم وجود الجيش الأمريكي في إنكلترا وفرنسا بمقال في التريبيونال Tribunal ووصفه بأنه جيش لكبت الحريات وتخويف المعارضين، وكانت المرة الثانية عام 1961، إذ سجن مدة أسبوع لإثارته الرأي العام والتظاهر ضد التسلح النووي. وقد حصل عام 1950 على جائزة نوبل في الآداب لشجاعته في حرية القول والفكر، ووصفه جورج سنتيانا بأنه فرنسيس بيكون Francis Bacon القرن العشرين لشجاعته العلمية التي جعلته أكبر دعاة الفلسفة العلمية وإمام التحليل المنطقي.
يعد رسـل من أغزر المفكرين إنتاجاً، وفي مرحلته الأخيـرة كان ينشر كتاباً كل عـام، حتى أربت كتبه على خمسة وثلاثين، كان أهمها: «مبادئ الرياضيات» (1903)، و«الأصـول الرياضية» (1910-1913)، و«مشكلات الفلسفة» (1912 )، و«معرفتنا بالعالم الخارجي» ( 1914 )، و«التصوف والمنطق» (1918)، و«مدخل إلى الفلسفة الرياضية» (1919)، و«تحليل العقل» (1921)، و«تحليل المادة» (1927)، و«الدين والعلم» (1931)، و«بحث في المعنى والصدق» (1940)، و«تاريخ الفلسفة الغربية» (1946)، و«المنطق والمعرفة» (1956)، و«لماذا أنا لست مسيحياً» (1957)، و«حكمة الغرب» (1959).
وله كتب أخرى في التاريخ والحرب والسياسة والسلطة والحرية والآداب والقصص، وله أيضا بعض الروايات البوليسية.
فلسفته الرياضية
كان تطور رسل الروحي من خلال ميوله الرياضية، فقرأ إقليدس في الحادية عشرة من عمره وعشق الرياضيات، ولم يرض الاستناد إلى البديهيات دون برهان، فأخذ عن مِل منهجه في العلوم التجريبية، وتحول إلى الفلسفة ليجد بها ما يبرر اعتقاده بصدق الرياضيات، ثم اطلع على منطق هيغل Hegel وانصرف عنه إلى واقعية جورج مور[ر] George Moore. وقد سعى رسل بمساعدة ألفريد نورث هوايتهد[ر] إلى رد الرياضيات إلى المنطق ليجعل من الفلسفة أداة لفهم العالم وحل مشكلاته. فليست مهمة الفلسفة بناء نسق فلسفي على طريقة الفلاسفة القدامى، بل دراسة الكون والتعرف عليه بمنهج علمي، وفهمه باصطناع اللغة المناسبة. وقد وجد رسل هذه اللغة بتطبيق المنطق الرياضي أو الرمزي على اللغات الطبيعية، وباصطناع نظرية «الصورة المنطقية logical form»، وبذلك قضى على العبارة المنطقية التقليدية، التي تنقسم إلى موضوع ومحمول والتي كانت السبب في إخفاء البناء المنطقي للعبارة، وفي تخبط الفلاسفة في متاهات الميتافيزيقة، فمهمة المنطق الرياضي هي تحويل العبارات من لغتها الطبيعية إلى صورة منطقية تجعلها واضحة ومفهومة لا تحتمل اللبس، فالمنطق هو صميم الفلسفة، والمشكلة إن لم تكن منطقية فهي ليست فلسفية، ومهمة المنطق خلق اللغة المثالية التي تحل المشكلات.
وكانت أكبر إسهامات رسل أصالة في مجال المنطق الرمزي نظريته في الأنماط Theory of Types، وتتلخص في القول إن فئة الأشياء ليست أعضاء ضمن هذه الأشياء، فلفظة إنسان مثلاً اسم لفئة مجموع البشر، لكن لفظة إنسان ليست واحداً من البشر، ومن ثم فلفظة فرد تشير إلى نمط يختلف عن النمط الذي تشير إليه لفظة فئة. وعلى أساس التفريق بين اللغة التي تشير إلى واقعة معينة بوصفها اللغة الأساسية basic language، واللغة التي تتحدث عن اللغة (مثل عبارة «إن عبارة السماء تمطر عبارة عربية») بوصفها لغة وراء اللغة metalanguage، واللغة التي تتحدث عن اللغة التي وراء اللغة metametalanguage، يضع رسل معياراً دقيقاً للتمييز بين العبارات الدالة على معان، والعبارات الفارغة من أي معنى.
وكان رسل حتى عام 1920 من القائلين بالثنائية dualism أي بوجود العقل والمادة، لكنه فيما بعد، اقتفى خطى وليام جيمس [ر] ونادى بمذهب الأحادية المحايدة. وذهب إلى أن العقل والمادة بمنزلة تركيبات (بنايات) منطقية استمدت من معطيات لا هي بالعقلية ولا هي بالمادية، ولكنها محايدة، هي مادة التجربة تتجمع في تركيب معين وتترابط تبعاً لقوانين السيكولوجية وتساعد على تكوين العقول، ولكنها عندما تترابط تبعاً لقوانين الفيزياء تكون الأشياء. ويبسط رسل الناحية الميتافيزيقية للنظرية فيما يسميه الفلسفة الذرية المنطقية logical atomism، إذ يبين أن هناك تماثلاً بين بنية الواقع وبنية اللغة المثالية التي تعبر عنه، وهذا بدوره يفترض الأخذ بمبدأ الاطلاع principle of acquaintance الذي يقضي بأن تكون كل قضية مطلوب فهمها مؤلفة من عناصر يلّم بها صاحبها، ومن ثم فإن أي تعبير لغوي يكون مفهوماً لو أنه يشير إلى أشياء الخبرة، أو يمكن أن تفسره تعبيرات لغوية أخرى تشير إلى أشياء الخبرة. هذا يعني أن الجملة الذرية تعبر عن الواقع بأقل عدد من الجمل، فالذرية المنطقية هي النظرية التي تقول إن كل معرفة يمكن التعبير عنها بجمل ذرية، وبمركباتها الدالة على صدقها.
وما من شك أن منهج رسل في التركيبية المنطقية logical constructionism (البنايات المنطقية) ونظريته في الأوصاف descriptions theory، التي تقوم على التمييز بين التسمية باسم العلم (مثل: أحمد، نهر بردى) والتسمية بعبارة وصفية (مثل :الجبل الذهبي الموجود في الصومال)، هما محاولتان لتطبيق التحليل المنطقي على بعض مسائل الفلسفة.
فلسفته في الأخلاق والدين
اهتم رسل، على صعيد الأخلاق، بقضايا وراء الخُلُقية metamoral, metaethical issues، كوضع المبادئ الأخلاقية، ومعناها، والخلافات حولها. وبهذا استبعد الأخلاق من دائرة البحث الفلسفي الصرف، لأن عباراتها لا تنطوي على قضايا تقريرية تنصب على الواقع، وليس لها صدق موضوعي، بل هي مجرد تعبيرات عن انفعالات وحالات وجدانية ذاتية، أو هي توجيهات تقدم للآخر حتى يستشعر بعض الأحاسيس الأخلاقية. ويكون الخلاف حول مسائل الأخلاق مسألة تذوق، فالأخلاق مسألة نفسية اجتماعية تدور حول ما يرغب الناس فيه، وكيف يصلون إليه. فالتذوق اتجاه أو وضع سيكولوجي أو رغبة desire، وما ينبغي فعله هو في الحقيقة ما يريدنا الآخرون فعله، وأطلق على نظريته هذه مبدأ ذاتية القيم subjectivity of Values. والحكم الأخلاقي تعبير عن الرغبة، وهو بذاته ذو قيمة لهذا يميز رسل بين الرغبة الشخصية التي تعبر عما يفيد صاحبها، والرغبة غير الشخصية التي تعبر عما لا يفيد صاحبها، كالرغبة في إلغاء الرق، ويخلص إلى أن الأحكام الأخلاقية هي تعبير عن رغبات لا شخصية، وأن الإنسان قادر على تكوين مثل أعلى «للحياة الطيبة»، حياة يقودها الحب الوجداني والمعرفة وهذا الأساس يكفي لقيام الأخلاق.
وعلى صعيد الدين، يعد رسل نفسه لا أدرياً أحياناً، وملحداً أحياناً أخرى. وهو حائر بين الموقفين، لكنه على يقين من أن الدين مآله للانقراض، وأنه يعود إلى مرحلة الطفولة من تاريخ تطور الفكر البشري، وأن المرحلة الحالية قد تجاوزته، لكن بما أن البشرية تحيا في عوز وصراع وحروب واضطهادات، وتعيش في شقاء، فهي بلا شك تحتاج، باستمرار، إلى الدين، لكن حالما تحلّ مشكلاتها سيفنى الدين مع تلك المشكلات.
ويبدو أن فلسفة رسل غير المؤمنة كئيبة، فزعمه بعدم وجود إله يجعل الإنسان وحيداً في العالم، وعندما يدرك الإنسان هذا، ويشعر بفظاعة العالم في قلبه، ويتحدى ذلك بشجاعة ويكف عن الشكوى والرثاء لنفسه، سيعرف الإنسان معنى السعادة. فالسعادة هي غاية الحياة ،لا يصل إليها المرء إلا بمواجهة الخوف والقضاء عليه بشجاعة، والتفكير الحر والرأي المستقل، وجعل الطبيعة كلها بما فيها طبيعة الإنسان، موضوعاً للدراسة العلمية،فلا يمكن للإنسانية أن تتقدم إلا بالتزود بالشجاعة التي لا تلين لمواصلة الطريق سعياً وراء الحقيقة.
فاطمة درويش