اللبادة تاج من التراث على رؤوس قرويين لبنانيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللبادة تاج من التراث على رؤوس قرويين لبنانيين

    اللبادة تاج من التراث على رؤوس قرويين لبنانيين


    موروث لبناني مصنوع يدوياً من صوف الأغنام يقي من البرد والأمطار.
    الأربعاء 2023/02/22
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    قبعة الشتاء

    لكل شعب عاداته في الملبس والمأكل تميزه عن بقية الشعوب، بل داخل البلد الواحد هناك ملابس ينفرد بها القرويون عن أهل المدينة، فاللبادة قبعة صوفية تقليدية يعتمرها القرويون اللبنانيون في الشتاء.

    بيروت – ينقذ يوسف عقيقي من الاندثار القبعة الصوفية التقليدية المعروفة باسم “اللبّادة” التي كان القرويون اللبنانيون يعتمرونها في الشتاء، وفي بلدته الجبلية المغمورة بالثلج يمنع ذوبان هذه الحرفة اليدوية، محاولاً أن يطورها إلى أشكال متنوعة.

    يقف الحرفيّ الستيني أمام مدخل منزله في قرية حراجل بمنطقة كسروان في سلسلة جبال لبنان الغربية، مستقبلاً زواره بحرارة على الثلج المتراكم، ومرتدياً “الشروال” التقليدي الأسود، وواضعاً على رأسه لبّادة ذات لون بنيّ فاتح يثبّتها على جبينه بلفّة قماشية بيضاء، فيبدو وكأنه طالع من كتاب التاريخ.

    واللبادة هي قبعة مصنوعة يدوياً من صوف الأغنام تقي من البرد والأمطار.

    ويشرح عقيقي أنها موروثة “من الفينيقيين”، لكنها في عصرهم “كانت أطول ومستطيلة”، في حين أن اللبّادة في اللباس اللبناني القروي التقليدي تبدو منفوخة وأكثر ميلاً إلى الشكل الدائري.

    وانتشرت صناعتها في المناطق الجبلية الباردة في دول البحر الأبيض المتوسط، حيث تشكّل قطعة مستخدَمة في العمل القروي اليومي.

    ويوضح أن “كبار السن في البلدة كانوا يصنعون بأنفسهم لبّاداتهم” للاستعمال الخاص، “أمّا المحترفون فكانوا يستخدمون صوف الأغنام لإنتاج اللبادات وكذلك البُسط والسترات”.

    وكانت بلدة حراجل، التي ترتفع 1255 متراً عن سطح البحر وتبعد نحو 41 كيلومتراً عن بيروت، مركزا تعليميا وتجاريا وسوقا حرفية لأهالي قرى أعالي قضاء كسروان، يقصدونها ليتبضعوا، بحسب عقيقي.



    وفي منزله المطل على سفوح جبال وبيوت غطى الثلج سطوحها، يجلس يوسف أمام الموقد يقلّب صفحات ألبوم صور، بطلُه جده بشاربه الأبيض وشرواله الأسود واللبادة التي تتوج رأسه.

    ويعتز الحفيد بأناقة “أبوكرم” قائلا “كان يضع اللبّادة في الشتاء أثناء عمله في الزراعة، أما يوم الأحد” الذي يتأنق فيه القرويون “فكان يستعيض عنها بالطربوش، وكان يرتدي الشروال والسترة المطرّزَين”.

    ويتذكر عقيقي ذلك اليوم من ثمانينات القرن المنقضي عندما طلب من جدّه، بمناسبة المهرجان الفولكلوري السنوي في بلدته، أن يعلّمه حرفة اللبادة. وراح يراقبه، و”بعدها صنعتُ واحدة لي”، ثم كرّت السبحة…

    وانتقل يوسف عقيقي من مهرجان حراجل إلى مهرجانات ومعارض خارج لبنان، وكان أوّلها في عام 2005، عندما حمل نتاجه التراثي إلى معرض في دبي.

    ويغسل المعلّم يوسف صوف الغنم ثم يضعه على السطح تحت أشعة الشمس لتجفيفه، وبعد ذلك يقلّب قطع الصوف مدى أسبوع.

    ثم يتوجه إلى مشغله في الطبقة السفلى من المبنى الذي يعيش فيه، حيث توجد صناديق تحتوي على كميات من اليقطين الذي يزرعه في أرضه إلى جانب الطاولة التي يعرض عليها لبّادات وقبعات ونعالاً ومنتجات أخرى من الصوف، كلها من صنع يديه.

    ويأخذ المعلم يوسف كمشة من الصوف ويمررها على آلة الندف التي تجعل الصوف “ينفش”، أي يفصل بعضه عن بعض، ويباشر صنع اللبّادة.

    وتحتاج كل لبادة إلى نحو 400 غرام من صوف الأغنام المنفوش، ثم يرغي يديه بالمياه والصابون على كامل كمية الصوف الموضوعة على الطاولة، و”هذا المزيج يسهّل انكماش الصوف ليصبح مطواعاً كالعجينة”.



    ويضيف “يمكن أن أسمّكها أو أن أجعلها أقل سماكة. أتحكم في تصميمها وحجمها”. وتستغرق صناعتها ساعة ونصف ساعة أو أكثر بقليل، “وبقدر ما أخصص لها وقتاً، تكون أجمل”. ويراوح لون اللبّادات بين الأبيض المكسور والرمادي وتموّجات الأسود وتدرجات البنيّ.

    ومع أن “كثرة استعمال الصابون والماء تُسبّب جفاف اليدين واحمرارهما وتشققاتٍ بارزة في راحتيهما وأصابعهما”، لا يستخدم الحرفيّ الشغوف قفازات خلال عمله، بل يجد متعة في صنع هذه القبعات التراثية لأن “فيها فناً وإحساسا”.

    ويقول “أشعر بالمادة التي أعمل بها، وبكل حبة تراب أو شوكة تكون ممزوجة بالصوف. والعمل اليدوي مختلف عن العمل على الآلة”، مشيراً إلى أنه يستطيع أن يصنع “ثلاث لبّادات على أقصى تقدير في يوم واحد”.

    وبعدما لمس ابن حراجل تراجعاً في الطلب على اللبادة، حاول أن يطورها بابتكار موديلات عصرية وقبعات بأشكال مختلفة تواكب متطلبات السوق.

    وزبائنه سياح أو أشخاص تذكّرهم اللبادة بطفولتهم، والبعض يضعها في منزله كقطعة من التراث اللبناني. ويشتريها الزائر من المحال التي تبيع المنتجات الحرفية ومن المعارض الموسمية، وسعرها 25 دولاراً.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X