"بيوت عسير الملونة" تعود إلى الواجهة بعد عقود من رحلة موجيه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "بيوت عسير الملونة" تعود إلى الواجهة بعد عقود من رحلة موجيه

    "بيوت عسير الملونة" تعود إلى الواجهة بعد عقود من رحلة موجيه


    تراث عريق تجسده بيوت ملونة على طريقة المدرسة الواقعية الفنية.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    تلوين يخفي تصورات ثقافية

    تزخر السعودية بالعديد من الفنون التراثية التي لها عمقها الثقافي والحضاري، وتسعى البلاد إلى استعادة هذه الفنون بشكل مغاير لضمان تناقلها بين الأجيال واستمرارها في المستقبل، ومن بين هذه الفنون تلوين البيوت الذي تميزت به منطقة عسير، والذي يستعيده السعوديون عبر مشروع جديد.

    حسن آل عامر

    أبها (السعودية) - قبل أكر من أربعة عقود، عبّر الباحث الفرنسي تيري موجيه عن دهشته من جمال الفن المعماري في منطقة عسير، فعمل على توثيقه من خلال جولات شملت معظم المواقع والقرى التي لا زالت وقتها تحتفظ بملامح فنية مستمدة من التراث العريق للمنطقة.

    وكانت بيوت محافظة الحرجة الملونة من أبرز ما لفت نظر الرحالة والباحث الفرنسي المعروف، حيث وثقها بالصور في زيارتين متباينتين، الأولى في عام 1980عندما قَدِم إلى منطقة عسير بصفته مهندسا يعمل في مجال الحاسب الآلي في أحد القطاعات الحكومية إلى جانب اهتمامه بالفنون والتراث، ثم عاد في زيارة ثانية بصفته باحثاً في عام 1994.

    وفي مطلع العام الجاري 2022 قررت وزارة الثقافة السعودية ممثلة في هيئة التراث، إطلاق مشروع يحتفي بهذا الفن التراثي العريق تحت عنوان “تلوين البيوت التراثية من الخارج”، وتتمثل المرحلة الأولى في إطلاق مسابقة لتلوين سبعة بيوت تراثية بمحافظة الحرجة جنوب مدينة أبها بحوالي 140 كيلومترا، وذلك لتعزيز الهوية السعودية والتراث الفني الذي ينبثق منها، إضافة إلى الحفاظ على الإرث الثقافي والقيم الاجتماعية العريقة ورعاية الإبداع والمبدعين.


    هيئة التراث السعودية أطلقت مؤخرا مشروعا يحتفي بفن التلوين التراثي تحت عنوان "تلوين البيوت التراثية من الخارج"

    فن عريق


    بدأ الاهتمام بمشروع “بيوت عسير الملونة” بعد أن نشر وزير الثقافة تغريدة يؤكد خلالها على ضرورة إحياء هذا الفن الأصيل بمنطقه عسير، فوجه الهيئة العامة للتراث لإطلاق هذه المبادرة في تلك المواقع المستهدفة والبدء في أعمال ترميم المنازل المستهدفة وتهيئتها لتكون أنموذجاً لهذا الإرث الثقافي العريق، وتحفيز أصحاب القصور التراثية القديمة للعناية بآثارهم والمحافظة عليها، فبدأت المسابقة في أعمال الترميم على سبعة منازل تميزت بالتلوين في الماضي، وقد أنهيت أعمال ترميمها في أغسطس 2022 لتبدأ تلك القصور فصلا جديدا من الألوان الزاهية من الطبيعة وعناصر البناء.

    وخلال الأسبوع الجاري أقيمت المسابقة بمشاركة عدد من الفنانين والفنانات التشكيليين الذين أسمهوا مع الأهالي في إعادة تلوين واجهات المنازل التراثية بالطريقة التقليدية نفسها التي كانت عليها قبل أكثر من أربعين عاما.

    وفي حديث له أعرب المواطن عوض بن محمد بن زرعه، صاحب “بيت بن زرعه التراثي” عن شكره وتقديره لاهتمام الدولة بهذا الفن التراثي العريق، الذي أعاد الحياة إلى تلك البيوت القديمة وأصبحت بهذه العناية والمبادرة وجهة للسياحة والمهتمين في الفنون والتراث.

    وفي دراسته لفن تلوين البيوت في منطقة عسير وخاصة محافظة الحرجة يرى موجيه أن تأثير مدرسة الواقعية الفنية يظهر جلياً في تصوير النباتات والأغراض اليومية والطيور في التصميم الفني الخارجي للبيوت، ويحتمل أن يدخل على العناصر التصويرية تصويرا حيوانيا أو حتى بشريا.

    ويضيف “يعيد الإطار المزخرف الذي يزين الباب إلى الأذهان بشكل رمزي وظيفة الباب باعتباره نقطة انتقال بين الخارج والداخل، وتشترك إطارات الباب في التصميم ذاته مع الواجهة الأمامية للملابس التي ترتديها النساء”.
    فنون جديدة




    يؤكد موجيه في دراسته أن النساء يستفدن استفادة تامة من التشكيلة الجديدة المتاحة لهن من الألوان الصناعية بعد تحررهن من القيود التي تفرضها مساحيق الألوان الطبيعية، ويعلق على الأمر قائلاً “كان من الأحرى أن تكشف زخارف الجدران تفضيلات الألوان والترابط المفضل بينها بناء على توزيعاتها، لكنها في الحقيقة لا تكشف اختيارات الألوان في الإدراك اللوني بقدر ما تكشف التدرج، فالدرجات المستخدمة في الأغلب صارخة وقاطعة، ونادراً ما تكون مدرجة أو مركبة، ولا ترى أبداً في الزخارف نفسها أكثر من نوعين”.

    يورد الباحث الفرنسي تفسيرا خاصا لاستخدام اللون الأزرق في الواجهات الخارجية لبعض البيوت التراثية، حيث يعتقد أن “تلوين الأبواب والنوافذ، وهي جفون المنزل، باللون الأزرق، وتظلل حدودها باللون الأحمر، وعلى الرغم من كون اللون الأزرق غير محايد، فإنه ينتمي إلى منطق يمكنه أن يشمل طابعاً عملياً وهو طرد الذباب”.

    ويصل موجيه إلى نتيجة مفادها أن “بلاد قحطان – ومنها الحرجة – تتميز بعلامة ثابتة تحدد النوافذ باللون الأزرق وتحاط باللون الأحمر في ثلاثة جوانب ، فتعكـس ألـوان المنازل والصخور المطلية حولها الإحساس بالتعايش بين الطبيعة ومواد البناء، وتنبع الرغبة المستمرة في زخرفة الباب وطلاء الدرج من الحاجة إلى زيادة قيمتها الرمزية باعتبارهما محطة عبور إلى الداخل”.

    الفن يعزز الهوية السعودية والتراث الفني الذي ينبثق منها كما يحافظ على الإرث الثقافي والقيم الاجتماعية العريقة

    واشتملت المسابقة التي نظمتها هيئة التراث في قريتي آل مسلم، ووادي جناب بمحافظة الحرجة بمنطقة عسير على فعاليات “تلوين” مصاحبة مثل الرسم على الخوص وتلوين قبعة الرأس “الطفشة” من خلال جناح للتشكيلية حنان عيسى القحطاني، التي تحدثت عن مشاركتها مشيرة إلى أنها تمارس الرسم منذ كانت على مقاعد الدراسة حيث تجيد فنون الكولاج والرسم والحرق على الخشب والرسم على الخوص، وكانت مشاركتها في هذه الفعالية من خلال الرسم على الخوص “الطفشة” باستخدام فن القط العسيري إضافة إلى الألوان الأساسية المستخدمة في النقش الجنوبي بشكل عام.

    كذلك شاركت التشكيلية فاطمة يعقوب من خلال جناح للرسم على الفخار بمفردات القط العسيري، حيث يعتبر تلوين الفخار جزءا من فعالية التلوين التراثي.

    وفتحت المسابقة المجال لمشاركة الأطفال من خلال عدة أجنحة منها جناح “الراوي” الذي تشرف عليه وتقدم فعالياته كاتبة قصص الأطفال غلا القحطاني التي أشارت في حديثها إلى أن مشاركتها تتمثل في سرد قصص للأطفال باستخدام دمى المسرح حيث تركز جميع القصص على التراث العريق للمكان إضافة إلى سرد قصص اجتماعية مثرية معرفياً للأطفال المشاركين الذين تفاعلوا معها بشكل كبير.

    وإلى جانب جناح الراوي يبرز جناح الرسم الذي تشرف عليه سارة القحطاني وعائشة القحطاني، اللتان أشارتا في حديثهما إلى أن الفعالية تتيح للأطفال إبراز مواهبهم من خلال الرسم على مجسمات صغيرة تمثل البيوت التراثية، إضافة إلى استخدام الصلصال في تشكيل نماذج فنية مختلفة معظمها من التراث المحلي.
يعمل...
X