رامبو (ارتور)
Rimbaud (Arthur-) - Rimbaud (Arthur-)
رامبو (آرتور -)
(1854-1891)
ولد الشاعر الفرنسي آرتور رامبو Arthur Rimbaudفي شارلوفيل Charleville في عائلة متوسطة. كانت أمه متشدّدة في تدينها وسلطوية في تعاملها مع أفراد عائلتها، أحاطت رامبو الصغير بجو ديني خانق بقي أثره واضحاً في كتاباته مع كل محاولاته للتحرر منه. كان في دراسته طالباً لامعاً، تميّز بثقافة كلاسيكية متينة وبقلم ساحر مطواع، أثار إعجاب مدرّسيه ودعمهم له. قرر في سن السادسة عشرة التخلي عن بيئته وعن تقاليدها، فرفض التقدم لامتحان الثانوية العامة، وترك بيت أهله ليبدأ تشرده الذي دام ما يقارب خمسة أعوام، عرف فيها الكحول والمخدّرات والتجارب الغرامية المتعددة وأضاع فيها صحته العقلية والجسدية، كما عاش خلالها علاقة حميمة مع الشاعر الفرنسي بول فيرلين[ر] Paul Verlaine، وكتب خلال تلك الفترة أشهر أعماله. قرر عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره التوقف نهائياً عن الكتابة، وغادر فرنسا بحثاً عن المغامرة، فقادته خطاه إلى الحبشة حيث عمل في قيادة القوافل أملاً في التجارة والربح، لكن المرض وضع حداً لجميع طموحاته فعاد إلى بلاده ليموت في مرسيليا وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من العمر. قيل فيه الكثير، وبقي لغزاً محيّراً في تاريخ الأدب الفرنسي. كان ملهماً لأهم الشعراء والحركات الأدبية في القرن العشرين. لقب بالصبي الرجيم وبالمراهق المعجزة وبالمتمرد الأزلي الذي بقي رمزاً للشبيبة المتحمسة والمتمردة واللاهثة أبداً نحو المطلق.
نشر رامبو «أشعار» Poésies، وهو ديوان ضم قصائده التي كتبها بين عامي 1870 و1871. تميزت قصائد تلك المرحلة بالغنائية والبراءة ونضارة الشباب من جهة، والتمرد والسخرية من جهة أخرى. وعبّر في هذا الديوان عن كرهه لأمه، هذا الكره الذي أسقطه على جميع النساء، وفجَّر تمردّه على القيم البرجوازية والدينية. ثم كتب وهو في السابعة عشرة من عمره «رسائل البصير» Lettres du Voyant عام (1871)، وهي رسائل شرح فيها مفهومه عن الشعر ورغبته في أن يصبح مستبصراً، وقد قال عنها: إنها «نثر حول مستقبل الشعر». أما ديوانه «الأبيات الأخيرة»Derniers vers عام (1862) فقد كتبه في الفترة التي كان يعيش فيها تجربته مع الشاعر فيرلين، وتميزت تلك الفترة بالترحال والسفر داخل فرنسا وفي بلجيكا وإنكلترا. وظهر في أشعار تلك المرحلة تأثير فيرلين الواضح على شعر رامبو ورغبة هذا الأخير التخلص من العقلانية ومن الشعر التقليدي. وكان «فصل في الجحيم»Une saison en enfer عام (1873) الكتاب الوحيد الذي عمل على نشره بنفسه، قدّم فيه الشاعر محصلة حياته وتجاربه وخيبات أمله ويأسه، ودعا فيه إلى التخلي عن الأحلام والرؤيا والعودة إلى الواقع. وكتب بين عامي 1873 و1875 ديوان «إشراقات» Illuminations، وهو الديوان الأكثر غموضاً، وقد تركه غير منته، وجُمع فيما بعد ونُشر عام 1886 واختار ناشروه عنوان «إشراقات» استناداً إلى ملاحظات الشاعر فيرلين. تميز هذا الديوان بجدّته وطرافته وتنوع موضوعاته، وقد استخدم فيه الشاعر القصيدة النثرية وابتدع الشعر الحر.
ارتكزت رؤية رامبو الشعرية على ثوابت ثلاثة : الحركة والموسيقى والألوان. واستطاع من خلالها بناء عالم جديد متحرر من الرؤية ومن المنطق التقليديين، فأعطى الجوامدَ روحاً وعاطفة، وجعل الأزهار ترى وتتكلم. كما تميّزت أشعاره بتوظيف مثمر للمفردات التي اختارها غنية وموحية ومتنوعة، تراوحت بين المفردات العلمية المنتقاة والمفردات الشعبية الخاصة وصولا إلى الكلمات السوقية والشتائم.
شكل رامبو مع الشاعرين لوتريامون[ر] Lautréamont ومالارميه[ر] Mallarmé مسيرة شعرية خاصة سارت على خطا الشاعر بودلير[ر] Baudelaire وتميزت بنصوصها القصيرة الصعبة المحيّرة، ورفضت في شكلها مبادىء الشعر التقليدي وجمالياته. وتبنت هذه المسيرة الرفض عنواناً لها والسعي إلى الأمثل والمطلق منهجاً، وعدّت اللغة طريقاً للوصول إلى المعرفة، وفتحت الطريق أمام ولادة الشعر الحديث وأثرت تأثيراً خاصاً في نشوء الحركة السريالية[ر].
ميساء السيوفي
Rimbaud (Arthur-) - Rimbaud (Arthur-)
رامبو (آرتور -)
(1854-1891)
ولد الشاعر الفرنسي آرتور رامبو Arthur Rimbaudفي شارلوفيل Charleville في عائلة متوسطة. كانت أمه متشدّدة في تدينها وسلطوية في تعاملها مع أفراد عائلتها، أحاطت رامبو الصغير بجو ديني خانق بقي أثره واضحاً في كتاباته مع كل محاولاته للتحرر منه. كان في دراسته طالباً لامعاً، تميّز بثقافة كلاسيكية متينة وبقلم ساحر مطواع، أثار إعجاب مدرّسيه ودعمهم له. قرر في سن السادسة عشرة التخلي عن بيئته وعن تقاليدها، فرفض التقدم لامتحان الثانوية العامة، وترك بيت أهله ليبدأ تشرده الذي دام ما يقارب خمسة أعوام، عرف فيها الكحول والمخدّرات والتجارب الغرامية المتعددة وأضاع فيها صحته العقلية والجسدية، كما عاش خلالها علاقة حميمة مع الشاعر الفرنسي بول فيرلين[ر] Paul Verlaine، وكتب خلال تلك الفترة أشهر أعماله. قرر عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره التوقف نهائياً عن الكتابة، وغادر فرنسا بحثاً عن المغامرة، فقادته خطاه إلى الحبشة حيث عمل في قيادة القوافل أملاً في التجارة والربح، لكن المرض وضع حداً لجميع طموحاته فعاد إلى بلاده ليموت في مرسيليا وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من العمر. قيل فيه الكثير، وبقي لغزاً محيّراً في تاريخ الأدب الفرنسي. كان ملهماً لأهم الشعراء والحركات الأدبية في القرن العشرين. لقب بالصبي الرجيم وبالمراهق المعجزة وبالمتمرد الأزلي الذي بقي رمزاً للشبيبة المتحمسة والمتمردة واللاهثة أبداً نحو المطلق.
نشر رامبو «أشعار» Poésies، وهو ديوان ضم قصائده التي كتبها بين عامي 1870 و1871. تميزت قصائد تلك المرحلة بالغنائية والبراءة ونضارة الشباب من جهة، والتمرد والسخرية من جهة أخرى. وعبّر في هذا الديوان عن كرهه لأمه، هذا الكره الذي أسقطه على جميع النساء، وفجَّر تمردّه على القيم البرجوازية والدينية. ثم كتب وهو في السابعة عشرة من عمره «رسائل البصير» Lettres du Voyant عام (1871)، وهي رسائل شرح فيها مفهومه عن الشعر ورغبته في أن يصبح مستبصراً، وقد قال عنها: إنها «نثر حول مستقبل الشعر». أما ديوانه «الأبيات الأخيرة»Derniers vers عام (1862) فقد كتبه في الفترة التي كان يعيش فيها تجربته مع الشاعر فيرلين، وتميزت تلك الفترة بالترحال والسفر داخل فرنسا وفي بلجيكا وإنكلترا. وظهر في أشعار تلك المرحلة تأثير فيرلين الواضح على شعر رامبو ورغبة هذا الأخير التخلص من العقلانية ومن الشعر التقليدي. وكان «فصل في الجحيم»Une saison en enfer عام (1873) الكتاب الوحيد الذي عمل على نشره بنفسه، قدّم فيه الشاعر محصلة حياته وتجاربه وخيبات أمله ويأسه، ودعا فيه إلى التخلي عن الأحلام والرؤيا والعودة إلى الواقع. وكتب بين عامي 1873 و1875 ديوان «إشراقات» Illuminations، وهو الديوان الأكثر غموضاً، وقد تركه غير منته، وجُمع فيما بعد ونُشر عام 1886 واختار ناشروه عنوان «إشراقات» استناداً إلى ملاحظات الشاعر فيرلين. تميز هذا الديوان بجدّته وطرافته وتنوع موضوعاته، وقد استخدم فيه الشاعر القصيدة النثرية وابتدع الشعر الحر.
ارتكزت رؤية رامبو الشعرية على ثوابت ثلاثة : الحركة والموسيقى والألوان. واستطاع من خلالها بناء عالم جديد متحرر من الرؤية ومن المنطق التقليديين، فأعطى الجوامدَ روحاً وعاطفة، وجعل الأزهار ترى وتتكلم. كما تميّزت أشعاره بتوظيف مثمر للمفردات التي اختارها غنية وموحية ومتنوعة، تراوحت بين المفردات العلمية المنتقاة والمفردات الشعبية الخاصة وصولا إلى الكلمات السوقية والشتائم.
شكل رامبو مع الشاعرين لوتريامون[ر] Lautréamont ومالارميه[ر] Mallarmé مسيرة شعرية خاصة سارت على خطا الشاعر بودلير[ر] Baudelaire وتميزت بنصوصها القصيرة الصعبة المحيّرة، ورفضت في شكلها مبادىء الشعر التقليدي وجمالياته. وتبنت هذه المسيرة الرفض عنواناً لها والسعي إلى الأمثل والمطلق منهجاً، وعدّت اللغة طريقاً للوصول إلى المعرفة، وفتحت الطريق أمام ولادة الشعر الحديث وأثرت تأثيراً خاصاً في نشوء الحركة السريالية[ر].
ميساء السيوفي