دور فنّ التصوير المعماري في ارتقاء العمارة
مقتطف:
ما العلاقة بين التصميم المعماري و التصوير الفوتوغرافي؟ و كيف تطورت طرق عرض الصور الفوتوغرافية ؟ ما فوائد إلمام المصور بالتقنيات وما تأثيرها على جودة الصورة ؟ هل يخلق الاهتمام بالتفاصيل صور أجمل؟ كيف تعتمد العمارة على التصوير الفوتوغرافي و ما هو أسلوب (بالدوس) وكيف تعامل معه كل معماري؟ التفاصيل في المقال التالي..
فنُّ التصوير والعمارة:
كانت المباني أولى النماذجَ التي تمَّ تصويرها في تاريخ فنّ التصوير الفوتوغرافي، ويرجع هذا لنمط الطبيعة الصّامتة التي تتحلّى بها الصّروح والمباني الضخمة، فقد تمكَّن المصوِّرون من التقاط الصور دون وجود أيّ تشويشٍ ناتجٍ عن الحركة أو الاهتزاز. من كان يتوقع أن تعتمد العمارة في يومٍ ما على فنّ التصوير الفوتوغرافي لإظهار عناصرها، توسيع انتشارها و بنفس الوقت تحقيق انتمائها إلى ثقافةٍ مبدعة؟ في البداية، كانت الصور تُعرَض كملحقٍ للمقالاتِ المعمارية ويتم عرضها بشكلٍ مصغّرٍ إلى جانب الرسومات الهندسية. إظهار التفاصيل بدقةٍ مذهلةٍ والاقتراب بشكلٍ كبيرٍ من الواقع (كما نفترضه) جعل التصوير الفوتوغرافي يتفوّق على الرسومات الإعلامية الأخرى في معظم المجلات. ومع ذلك، كانت تُرفَق الصورُ مع النّصوص في أولى مجلّات القرن العشرين، وعند ازدهار تقنياتِ فنّ التصوير أصبح بالتدريج مصدرًا أساسيًا لعرض المشاريع المعمارية. كما علّقت (سوزان سونتاغ Susan Sontag ) على هذا السيناريو قائلةً: "إنَّ تحويل فنّ التصوير الفوتوغرافي إلى صناعةٍ سمح بأن يتم امتصاصه بسرعةٍ من قِبل وسائل الإعلام العقلانية والبيروقراطية بهدف توجيه المجتمع" (سونتاغ Sontag 1981:31) .
إلا أنَّ هذه المشاركة أعادت تعريف الهدف الأصلي للتصوير الفوتوغرافي. كما يصرّح كريستيان ديفيلز Christian Devilles : "يتمكّن التصوير من نقل فكرة المهندس المعماري، ويُظهر لنا في عدة حالاتٍ واقعًا بعيدًا لتمثيلٍ صادق". ويؤدّي هذا إلى إثارة التساؤل حول العلاقة بين فنّ التصوير الفوتوغرافي والواقع. في ظلٍّ هذه البانوراما الثقافية، تعدَّدت أدوار التصوير الفوتوغرافي، لا سيَما في كونه أداةً مثاليةً لمحاكاة الواقع خلال الأحداث المعمارية؛ تصبح المعلومات أقوى في إثبات حقيقةٍ ما عند إرفاقها بالصور اللازمة، ويسهل فَهْم المعلومات ومعالجتها عند وجود صورٍ مرفقةٍ بالنّص وليس النّص فحسب، ولهذا تعلّمنا أن نثق بالصور الفوتوغرافية بشكلٍ أعمى، والتي غالبًا تُغيّر في واقعية المشهد المُصوَّر. نَقَل هذا الوضع الاتجاه الحالي في التصوير المعماري إلى نواحٍ تتجاوز الجَدَل حول جودة ونوعية المنتجات المعمارية، ممّا يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الأسلوب الذي تتمُّ به مناقشة العمارة. باختصار، أثّرت النتائجُ الرائعة للمباني في الصور الفوتوغرافية على مجال التصوير الفوتوغرافي المعماري وعزَّزت الإيمان بقوة هذه العملية التصويرية. على سبيل المثال، في الحالة الدراسية، تجلّى هذا الأمر بوضوحٍ بالانخفاض التدريجي في كمية الصور عن المواضيع الإنشائية في معظم المنشورات المعمارية. ففي المجلات والمنشورات المعمارية القديمة، كان التركيز على توثيق الإنشاء كبيرًا، ولكن أصبح توثيق الإنشاء ثانويًا في الوقت الحالي، ممّا أدّى إلى ظهور مجلاتٍ ومنشوراتٍ متخصّصةٍ بالمواضيع الإنشائية، ويوضِّح ذلك أنَّ بعض الصور لم تكن مناسبةً لنوعٍ معيّنٍ من العرض المعماري.
إنَّ افتراض أنَّ مجلةً معماريةً مرموقةً تفضّل استخدام المساحات المتوفرة على صفحاتها المطبوعة (أو الرقمية) لإظهار نتيجة العمل النهائية فقط عِوضًا عن مراحل البناء، لا يمكن أن يكون قرارًا عشوائيًا من قسم التحرير. فتفوّق الصور في مهمة نشر وفَهم العمارة يعكس تغيّرًا كبيرًا في المهمّة المعمارية، ممّا يظهر الفَهم الجديد للعمارة، حيث أصبح الاهتمام باللقطات النهائية واجبًا، في حين أنَّ النواحي الإنشائيّة، الوظيفيّة، النظريّة، والماديّة أصبحت ثانويّة. وبإهمال العواقب التي تنطوي عن هذا الوضع، لا يمكن تجاهل كَون الصور المستخدمَة لنشر العمارة ليست "أدلةً موضوعيّةً" عن ما يتمّ تصويره فوتوغرافيًا، فإنَّ نشر أيّ صورةٍ فوتوغرافيةٍ يتطلّب بعد اختيار المحرر أن يتم اختيار مكان وزمن تحضير هذه الصور مسبقًا. الآن، وكما هو الحال في أيّ وسيلة تواصل، تحمل هذه القضيّة بصمة المؤلِّف دائمًا، فللمؤلِّف نيّةٌ مُضمنةٌ في الصور تدعم، تعزّز أو تُخفي بعض نواحي العنصر الذي يتمُّ تصويره. ورغم أنَّ هذه العملية تتمُّ وِفقَ طرقٍ تقنيةٍ إلا أنّها تُعتبر إيديولوجية.
********
إعداد: نادين نصر الله نادري
تنسيق: دانا ماجد غانم
نشر إلكتروني: دانا ايمن بني المرجه
نشر إلكتروني: رؤى محمد بشار العش
مقتطف:
ما العلاقة بين التصميم المعماري و التصوير الفوتوغرافي؟ و كيف تطورت طرق عرض الصور الفوتوغرافية ؟ ما فوائد إلمام المصور بالتقنيات وما تأثيرها على جودة الصورة ؟ هل يخلق الاهتمام بالتفاصيل صور أجمل؟ كيف تعتمد العمارة على التصوير الفوتوغرافي و ما هو أسلوب (بالدوس) وكيف تعامل معه كل معماري؟ التفاصيل في المقال التالي..
فنُّ التصوير والعمارة:
كانت المباني أولى النماذجَ التي تمَّ تصويرها في تاريخ فنّ التصوير الفوتوغرافي، ويرجع هذا لنمط الطبيعة الصّامتة التي تتحلّى بها الصّروح والمباني الضخمة، فقد تمكَّن المصوِّرون من التقاط الصور دون وجود أيّ تشويشٍ ناتجٍ عن الحركة أو الاهتزاز. من كان يتوقع أن تعتمد العمارة في يومٍ ما على فنّ التصوير الفوتوغرافي لإظهار عناصرها، توسيع انتشارها و بنفس الوقت تحقيق انتمائها إلى ثقافةٍ مبدعة؟ في البداية، كانت الصور تُعرَض كملحقٍ للمقالاتِ المعمارية ويتم عرضها بشكلٍ مصغّرٍ إلى جانب الرسومات الهندسية. إظهار التفاصيل بدقةٍ مذهلةٍ والاقتراب بشكلٍ كبيرٍ من الواقع (كما نفترضه) جعل التصوير الفوتوغرافي يتفوّق على الرسومات الإعلامية الأخرى في معظم المجلات. ومع ذلك، كانت تُرفَق الصورُ مع النّصوص في أولى مجلّات القرن العشرين، وعند ازدهار تقنياتِ فنّ التصوير أصبح بالتدريج مصدرًا أساسيًا لعرض المشاريع المعمارية. كما علّقت (سوزان سونتاغ Susan Sontag ) على هذا السيناريو قائلةً: "إنَّ تحويل فنّ التصوير الفوتوغرافي إلى صناعةٍ سمح بأن يتم امتصاصه بسرعةٍ من قِبل وسائل الإعلام العقلانية والبيروقراطية بهدف توجيه المجتمع" (سونتاغ Sontag 1981:31) .
إلا أنَّ هذه المشاركة أعادت تعريف الهدف الأصلي للتصوير الفوتوغرافي. كما يصرّح كريستيان ديفيلز Christian Devilles : "يتمكّن التصوير من نقل فكرة المهندس المعماري، ويُظهر لنا في عدة حالاتٍ واقعًا بعيدًا لتمثيلٍ صادق". ويؤدّي هذا إلى إثارة التساؤل حول العلاقة بين فنّ التصوير الفوتوغرافي والواقع. في ظلٍّ هذه البانوراما الثقافية، تعدَّدت أدوار التصوير الفوتوغرافي، لا سيَما في كونه أداةً مثاليةً لمحاكاة الواقع خلال الأحداث المعمارية؛ تصبح المعلومات أقوى في إثبات حقيقةٍ ما عند إرفاقها بالصور اللازمة، ويسهل فَهْم المعلومات ومعالجتها عند وجود صورٍ مرفقةٍ بالنّص وليس النّص فحسب، ولهذا تعلّمنا أن نثق بالصور الفوتوغرافية بشكلٍ أعمى، والتي غالبًا تُغيّر في واقعية المشهد المُصوَّر. نَقَل هذا الوضع الاتجاه الحالي في التصوير المعماري إلى نواحٍ تتجاوز الجَدَل حول جودة ونوعية المنتجات المعمارية، ممّا يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الأسلوب الذي تتمُّ به مناقشة العمارة. باختصار، أثّرت النتائجُ الرائعة للمباني في الصور الفوتوغرافية على مجال التصوير الفوتوغرافي المعماري وعزَّزت الإيمان بقوة هذه العملية التصويرية. على سبيل المثال، في الحالة الدراسية، تجلّى هذا الأمر بوضوحٍ بالانخفاض التدريجي في كمية الصور عن المواضيع الإنشائية في معظم المنشورات المعمارية. ففي المجلات والمنشورات المعمارية القديمة، كان التركيز على توثيق الإنشاء كبيرًا، ولكن أصبح توثيق الإنشاء ثانويًا في الوقت الحالي، ممّا أدّى إلى ظهور مجلاتٍ ومنشوراتٍ متخصّصةٍ بالمواضيع الإنشائية، ويوضِّح ذلك أنَّ بعض الصور لم تكن مناسبةً لنوعٍ معيّنٍ من العرض المعماري.
إنَّ افتراض أنَّ مجلةً معماريةً مرموقةً تفضّل استخدام المساحات المتوفرة على صفحاتها المطبوعة (أو الرقمية) لإظهار نتيجة العمل النهائية فقط عِوضًا عن مراحل البناء، لا يمكن أن يكون قرارًا عشوائيًا من قسم التحرير. فتفوّق الصور في مهمة نشر وفَهم العمارة يعكس تغيّرًا كبيرًا في المهمّة المعمارية، ممّا يظهر الفَهم الجديد للعمارة، حيث أصبح الاهتمام باللقطات النهائية واجبًا، في حين أنَّ النواحي الإنشائيّة، الوظيفيّة، النظريّة، والماديّة أصبحت ثانويّة. وبإهمال العواقب التي تنطوي عن هذا الوضع، لا يمكن تجاهل كَون الصور المستخدمَة لنشر العمارة ليست "أدلةً موضوعيّةً" عن ما يتمّ تصويره فوتوغرافيًا، فإنَّ نشر أيّ صورةٍ فوتوغرافيةٍ يتطلّب بعد اختيار المحرر أن يتم اختيار مكان وزمن تحضير هذه الصور مسبقًا. الآن، وكما هو الحال في أيّ وسيلة تواصل، تحمل هذه القضيّة بصمة المؤلِّف دائمًا، فللمؤلِّف نيّةٌ مُضمنةٌ في الصور تدعم، تعزّز أو تُخفي بعض نواحي العنصر الذي يتمُّ تصويره. ورغم أنَّ هذه العملية تتمُّ وِفقَ طرقٍ تقنيةٍ إلا أنّها تُعتبر إيديولوجية.
********
إعداد: نادين نصر الله نادري
تنسيق: دانا ماجد غانم
نشر إلكتروني: دانا ايمن بني المرجه
نشر إلكتروني: رؤى محمد بشار العش