الشيخوخة
تحدث في جسم معظم الناس مع تقدم السن ـ والغالب بدءاً من الخامسة والستين وفوق ذلك ـ تبدلات تتراجع فيها أعضاء الجسم تدريجياً وتشمل مظهر الإنسان الخارجي وبنية معظم أعضائه ووظائفها، وحالته النفسية والعقلية، يسمى مجموع هذه التبدلات التشيخ senescence الذي ينتهي بحالة الشيخوخة senility.
وليس من الضروري أن يرافق التشيخ كل من تتقدم به السن، لأن تقدم السن شيء والتشيخ شيء آخر.
وقد ارتفع وسطي عمر الإنسان وازداد بالتالي عدد الشيوخ وحوادث التشيخ، نتيجة القضاء على كثير من الأوبئة التي كانت تفتك بالبشر كالطاعون والملاريا، ونتيجة تحسن طرائق كشف بعض الأمراض المزمنة وعلاجها كالسل والإفرنجي، كما ازدادت بسبب انتشار الوقاية من كثير من العلل باللقاحات والمصول كشلل الأطفال والشاهوق، ولتقدم طرائق العلاج الطبي والجراحي لكثير من الإصابات المرضية كالأخماج وأمراض القلب، وزيادة الوعي الصحي مع تقدم العلم. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الذين تفوق أعمارهم الستين في عام 2000 بنحو 600 مليون إنسان. ويعتقد أن هذا العدد سيبلغ 1.2 بليون في عام 2025 و2 بليون في عام 2050.
وكان من نتائج الاهتمام بالمسنين وحياتهم أن انبثقت شعبتان علميتان تتعلقان بهما، أطلق على الأولى طب الشيخوخة أو طب الشيوخgeriatricsوتعنى بشؤونهم الطبية المحضة أي بأمراضهم. والثانية علم الشيخوخة أو درس معضلات التشيخgerontologyوتهتم بشروط حياتهم السريرية والبيولوجية والتاريخية والاجتماعية السوية والمرضية.
وساعد على زيادة حوادث التشيخ كذلك تغير نمط الحياة ولاسيما في بلادنا، فزوال الدور الكبيرة الواسعة التي كان يعيش فيها الإنسان مع أبنائه وأحفاده، وتضم عشرات الأشخاص أحياناً، كان فيها الجد والجدة محاطين بالتكريم والعناية العضوية والنفسية ويمارسان بعض الأعمال البسيطة السهلة، أدى إلى انفصال الأبناء عن آبائهم، وأصبح كبار السن يعيشون منعزلين، حتى إنه يشاهد أحياناً فرد واحد فقط يعيش في منزله. ويعد هذا النمط الجديد من الحياة من أهم أسباب حدوث التشيخ ولاسيما مظاهره النفسية.
تعرف الشيخوخة بمنظر الإنسان الخارجي الذي تبدو على وجهه تجعدات الجلد الواسعة أو رقته، كما تبدو التصبغات مختلفة الحجوم على وجهه ورأسه.
يحدث التشيخ نتيجة تأثر خلايا الجسم بتقدم العمر، فيبطؤ تجدد هيولى الخلايا بشدة، وينقص ماؤها، مما يغير العلاقة بين الماء داخل الخلية وخارجها، وقد ثبت أن الخلايا والوسط خارجها تُراكم في الأشخاص المسنين بعض المواد الضارة كالكلسيوم والأصبغة والبروتينات غير الفعالة والشحوم، في حين تتناقص بعض الأنزيمات كالهكسوكيناز hexokinase والألدولاز aldolase، والأجسام الغنية بالقدرة كحمض الأدينوزين الثلاثي الفسفور adenosine triphosphoric acid (ATP) وهو مادة تدخل في الاستقلاب الخلوي والانقباض العضلي وتركيب الهرمونات القشرية الكظرية وتؤلف المنبع الأساسي لقدرة العضوية.
وتختلف هذه التبدلات باختلاف أنسجة الجسم، وأكثرها خطورة في الإنسان تبدلات الخلايا العصبية، وينجم عن كل هذا هبوط قدرة العضوية على التكيف لدعم ثبات الوسط الداخلي والدفاع ضد الشدات (أو الكرب) stress الخارجية كتبدلات الحرارة وغيرها.
وللوراثة علاقة بزمن ظهور التشيخ، كما لوحظ أن طرائق إنقاص الاستقلاب تؤخر ظهوره كإنقاص الحرارة والحمية، فالحمية المتوازنة كيفياً والناقصة كمياً تطيل العمر في الحيوانات تجريبياً، وقد لوحظ ذلك أيضاً في الإنسان، فالوفيات تزيد بنسبة 20% من مجموع السكان في الأشخاص الذين يزيد وزنهم 10% عن الوزن المثالي.
ولعل إصابة الشيوخ بالتجفافdehydration من أكثر الإصابات مصادفة، إذ تظهر حالة تجفاف خطرة بعد انخفاض كمية الماء بمدة قصيرة، وإن الوقاية من حدوث مثل هذه الحالة، بالقدر الذي تسمح به حالة المريض، ضرورية؛ وكشفها ومعالجتها بسرعة واجب أيضاً. لأن إنذارها خطر في مثل هذا العمر؛ فقد تسبب عند المسن طوارئ وعائية شريانية وخثارات thrombosis وريدية وأخماجاً تنفسية وخشكريشات eschar.
يطلق على اللوحة السريرية للتجفاف عادة اسم التقلص المفرط التوتر hypertonic contraction، إذ يؤدي النقصان النسبي أو المطلق للوارد من الماء بالنسبة إلى الكمية المفقودة منه من الجسم إلى نقصه في الوسط خارج الخلايا، وظهور فرط توترhypertonie داخلها، سواء كانت هذه الكمية طبيعية أو زائدة، لأن الكتلة التناضحية لا تنخفض، وتؤدي إعادة توازن التوتر من طرفي الغشاء الخلوي إلى نقص التوتر داخل الخلايا، وليست العلامات السريرية المألوفة لهذا الاضطراب واضحة عند المتقدمين في السن.
ـ يؤلف انخفاض الضغط الشرياني، إذا لم يرافقه توسع في الأوعية، علامة واضحة لنقص الوسط خارج الخلايا، ولابد من معرفة مقدار ضغط المريض قبل وقوع الحادث. فانخفاض ضغط المسن من 190 إلى 140 يعني إصابته بوهط collaps، كما أن إصابته بعدم ثبات الضغط تزيد المشكلة تعقيداً.
لا قيمة في هذا المضمار لتسرع ضربات القلب إذا كان الشيخ مصاباً بحمى، فالحرارة ترتفع في معظم حالات التجفاف، كما أن تقدير العلامات البيولوجية لتركيز الدمhemoconcentration عسير أيضاً، فحينما يرافق التجفاف فقر الدم تكون كمية الهيماتوكريت hematocrit سوية، وكذلك أرقام البروتينات الكلية حينما يشارك التجفاف عوز البروتينات. ويمكن الاعتماد على علاقة بيولوجية، هي ارتفاع مقدار البولة الدموية (اليوريمية) المقترن ببقاء كرياتنين الدم ضمن الحدود الطبيعية. وتشاهد مثل هذه الحالة، على أقل تقدير، حينما لا يكون التجفاف شديداً. ولابد من التذكرة هنا أن كرياتنين البلازما لا يزداد بازدياد العمر.
إن العلامة الأساسية لحدوث تقلص داخل الخلايا هي العطش، لكنها غالباً لا تظهر، ويرجع عدم ظهورها إلى إصابة المريض باضطراب في الوعي يمنعه من التعبير عنها، أو إصابته بسبات coma، أو أنه، على الرغم من وعيه، لا يبدي رغبة في شرب الماء، أو لا يشعر بحاجته إليه، وهذه الحالة الأخيرة كثيرة المصادفة. ولا يعتمد تقدير جفاف المخاطيات على منظر اللسان بل على التلمة اللثوية الخدية gingivojugal.
أما بالنسبة إلى اضطرابات الوعي المصحوبة بارتفاع درجة الحرارة، فيمكن أن يكون سببها غير التجفاف.
وأخيراً تكون العلامة الرئيسة، هي وجود فرط توتر في البلازما يمكن تقديرها بسهولة بارتفاع مقدار صوديوم الدم. ويمكن القول أنه إذا زاد مقدار صوديوم الدم على 145 مليمول في الليتر فهذا يعني نقصاناً في الماء؛ وليس من النادر أن يزيد في التجفاف صوديوم الدم على 160 مليمول، وهذا يدل على نقصان كبير في كمية ماء البدن.
ينجم التجفاف بلوحته السريرية عن نقص في كمية الماء المتناولة وطرح لمقادير طبيعية منه. وتشاهد هذه الحالة عند الشيوخ المسبوتين، والعجزة الذين لا يستطيعون الحصول على الماء وحدهم، وليس لهم من يعينهم، فيفقدون حس العطش، وفي المصابين بإقياء أو باضطراب في البلع الخ..
كما ينجم عن عدم ملاءمة الكميات الواردة لتعويض الكميات المفقودة المتزايدة؛ كإصابة المريض ببوال polyuria أو بتعرق غزير ناجم عن ارتفاع شديد في الحرارة، أو بلهث، أو بضياع السوائل عن طريق جهاز الهضم، ومع هذا فإن السبب الغالب هو نقص في كميات السوائل الواردة وزيادة في كمية فقدانها.
وتظهر في التجفاف لوحة سريرية خطرة بعد زمن يراوح بين عدة ساعات وثلاثة أيام. ويتطلب ظهور خلل الصوديوم زمناً أطول من ذلك بكثير، إلا إذا كان هناك ضياع للسوائل شديد جداً عن طريق جهاز الهضم، أو جهاز البول.
ويجدر القول إن إعطاء كميات زائدة من السوائل أفضل من إعطاء كميات ناقصة على أن يكون الإفراغ الكلوي جيداً، ووظيفة القلب مقبولة.
يعد التجفاف حالة إسعاف يجب البدء بمعالجتها قبل ظهور نتائج الفحوص البيولوجية، وتطرح المداواة عدة أمور في مقدمتها، تحديد الخسارة من السوائل، ويؤلف حجم الماء الكلي قرابة 60% من مجموع وزن الجسم، فتقدير كمية الماء الواجب إعطاؤها لتصحيح الاضطراب هو حاصل مجموع كمية الماء الناقصة مضافاً إليها الكمية اللازمة خلال 24 ساعة قادمة. ويقدر ما يحتاج إليه المسن منها في اليوم، إن لم يكن مصاباً بضياع شديد بالسوائل، بمقدار 1.5 إلى 2ليتر. أما إذا كان هناك فقدان كبير بالسوائل فيجب إضافة مقدار 0.3ل لكل درجة حرارة تزيد على 37 ْ، والخطأ الذي يرتكب عادة هو إعطاء المريض كمية الماء الناقصة دون الالتفات إلى حاجته منها خلال 24 ساعة قادمة. وطريق الفم هو الطريق الطبيعي والسهل لإعطاء السوائل الناقصة بتناول المريض الماء العادي، ويسمح هذا الطريق بأخذ الأطعمة ولاسيما البروتينية منها، ولا يتطلب إلا أن يكون المسن قادراً على الشرب بسهولة ومن يرعاه قريباً منه ونشيطاً.
ويبقى الطريق الوريدي أوثق الطرق في معظم الحالات، واللجوء إليه ضروري حينما يكون المريض مصاباً بالوهط. لذا يلجأ إلى محلول غلوكوزي متساوي التوتر (إسوي التوتر) isotonic إذا كانت الكميات المراد إعطاؤها قليلة، وكان المريض غير مصاب بالداء السكري. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن ارتفاع كمية سكر الدم إلى 1.5غ كثير المشاهدة في التجفاف ولا يدل على إصابة بالسكري.
قد تكون الصفة المميزة للتشيخ ضعفوظيفة الإنجاب ثم توقفها، ويحدث ذلك في المرأة بانقطاع الطمث نتيجة توقف المبيضين عن إفراز هرموناتهما الخاصة، أما في الرجل فتضعف الوظيفة الجنسية ببطء تدريجياً وفي سن أكثر تقدماً، وينجم الضعف كذلك عن نقص هرموني يشمل في الجنسين، عدا الهرمونات الجنسية، هرمونات أخرى كالأنسولين وهرمونات قشر الكظر.
تتدنى الوظيفة الجنسية عند الذكور بسبب الاعتلالات الوعائية والداء السكري أو الاعتلال البدئي في وظيفة الجسمين الكهفيين إضافة لتراجع في مقدار الهرمونات المذكرة في هذه السن، كما يتدنى أثر استعمال بعض الأدوية كخافضات الضغط الشرياني أو أدوية القرحة المعدية أو الأدوية النفسية.
كما يشكو معظم النساء من تدني الوظيفة الجنسية بسبب القصور الاستروجيني في هذه السن، وما ينتج عنه من ضمور في القناة التناسلية، ونقص في الرغبة الجنسية.
والأخماج البولية كثيرة الحدوث عند المسنين وتؤلف 10% من مجموع الأخماج التي تصيب الإنسان بعد الستين من عمره، وتختلف اللوحات السريرية التي تسببها اختلافاً كبيراً فيما بينها؛ أما المشكلات الأساسية التي تطرحها فهي البحث عن الأسباب، والخطر الناجم عن تأثير الأدوية في عضوية أصبحت ضعيفة في قيامها بوظائفها، والوقاية من حدوث النكس.
تشاهد الأخماج البولية بصورة أساسية عند المرأة، ويزداد تواترها بازدياد سن المريضة، إذ تصيب 10% إلى 15% من النسوة اللواتي تجاوزن الخامسة والستين من عمرهن. ومما يساعد على الإصابة بها التركيب التشريحي للجهاز التناسلي للمرأة، فجراثيم الفرج vulva تلوث البول كما تلوث الإحليل urethra، ويظهر الخمج البولي عند الرجل في حوالي الخمسين من عمره مرافقاً لبدء اضطرابات الموثة prostate، ويصيب 1% من الأفراد بعد الستين من عمرهم.
ينشط الخمج البولي بوجود عائق يسد الطرق البولية، كالإصابة بحصيات بوليةlithiasis، أو ورم غدي adenoma، أو ورم تناسلي سليم أو خبيث، أو ورم في الكلوة أو الطرق المفرغة، وتزيد الآفات الكلوية من خطورة الإصابة الخمجية ولاسيما إذا تطلبت إجراء استقصاءات. وغالباً ما يكون عدم الحركة سبباً في ظهور الخمج، ولاسيما إذا كان الشيخ يتناول كميات قليلة من السوائل.
يعد الداء السكري وكبت المناعةimmunosuppression المرضي أو الدوائي مع تقدم السن عوامل تزيد من خطورة الأخماج.
تأتي الاشريكية القولونية Escherichia coli في مقدمة الجراثيم المسببة للخمج البولي عند الشيوخ وترى في 75% من الحالات، والمتقلبات proteus، وترى في 10% من الحالات ولاسيما المتقلبات الرائعة المحصية P.mirabilis lithogène منها. أما الكلبسيلا والزوائف pseudomonas فغالباً ما تظهر بعد استعمال دواء ما. أو وضع أجسام غريبة كالقثاطر لفترة طويلة، وتوجّه الإصابة بالجراثيم العقدية streptococcus الأنظار نحو آفة إحليلية urethra أو تناسلية.
يمكن أن تقتصر العلامات السريرية عند المتقدمين بالسن على احساس بحرقة في البول، أو ارتفاع حرارة مديدة ومنفردة، وقد تتظاهر الأعراض ببيلة دموية فحسب. ولا تسمح الأعراض عند ظهورها بتحديد موضع الآفة دوماً، فعند الشيوخ لا تتناسب شدة الأعراض مع خطورة الآفة.
لا يقرر العلاج إلا بعد دراسة هشاشة المريض المسن للتأثيرات العلاجية المنشأ وأخذها في الحسبان، وذلك لانخفاض القدرة الوظيفية لكليتيه لإمكان حدوث تأثيرات متداخلة مع أدوية أخرى.
لا تعطى الصادات إلا بشكل يناسب خطورة الخمج ووظيفة الكلوة والآفات المرافقة. ويجب الابتعاد قدر المستطاع عن المشاركات بين الصادات خشية تزايد السمية.
وإصابة الجهاز البولي التناسلي بنصيب وافر من الاعتلالات في سن الشيخوخة يمكن فهمها إذا قسمت إلى الزمر التالية:
التدني في الوظيفة الكلوية، أي الإصابة بدرجة متفاوتة من القصور الكلوي، وهذا ناتج عن: التدني المتدرج في وظيفة الكليتين الذي يزداد مع تقدم العمر، وهو أمر طبيعي يتبع قانون الاهتراء wear & tearوينصح، لتجنب ظهوره أو تطوره السريع، بـ:
ـ الإقلال من تناول البروتينات والإكثار من تناول السوائل في الغذاء.
ـ تجنب أخذ الأدوية جزافاً إلا بمعرفة الطبيب، إذ أن بعض الأدوية تؤثر تأثيراً سيئاً في الوظيفة الكلوية (مثل بعض أنواع الصادات).
ـ ضرورة معالجة بعض الأمراض الجهازية المؤثرة سلباً على الوظيفة الكلوية كالداء السكري وفرط الضغط الشرياني.
ـ ضرورة مراجعة الطبيب المتخصص في حال ظهور أعراض بولية مثل تعدد البيلات، وعسرة التبول التي قد تنجم عن إصابات الموثة الورمية أو آفة مثانية، كما أن ظهور البيلة الدموية هو عرض هام جداً يجب مراجعة الطبيب فور ملاحظته لأنه قد يدل على إصابة ورمية في المثانة. ومن المعلوم أن الآفات الورمية المثانية والموثية كثيرة الحدوث في هذه السن.
أما أكثر اضطرابات التبول مشاهدة في سن الشيخوخة فهي:
ـ عند الذكور: يشاهد السلس البولي، وهو نقص التحكم بالبول، وأسبابه عديدة: بولية أو عصبية، وتتطلب هذه الشكوى مراجعة الطبيب لتشخيص السبب والمعالجة، كما يشاهد أيضاً الأسر البولي وصعوبة التبول بسبب إصابات الموثة الورمية السليمة والخبيثة.
ـ عند النساء: كثيرات هنَّ اللواتي يشتكين في هذه السن من أعراض مثانية مزمنة وصعوبة في التبول، ترجع في الغالب للإصابة بالالتهابات البولية السفلية المزمنة التالية لضمور الإحليل وتضيقه، كما تصاب نسبة كبيرة من النسوة بضرب مزعج من السلس البولي، وتستدعي هذه الحالات مراجعة الطبيب المتخصص لأنها في معظمها قابلة للمعالجة والشفاء بإجراءات دوائية أو جراحية حسب الحالة.
يجب أن يعد كل فقر دم حالة مرضية، على الرغم من أن تعدد أسباب هذا الداء (كسوء التغذية والأخماج وتأثير الأدوية) تتداخل عند المسنين، فتزيد من صعوبة سير التشخيص والمعالجة.
يسبب فقر الدم بعد سن الستين نسبة وفيات لا يمكن إهمالها. وعلى هذا، يجب أن يكون كشف فقر الدم موضع الاهتمام حتى ولو كان «فقر دم شيخياً بسيطاً»، إذ يجب وضع تشخيص صحيح، كلما أمكن ذلك، لإعطاء العلاج الملائم.
يرتكز تشخيص فقر الدم على مقدار الهيموغلوبين (الخضاب) (أقل من 13غ/100سم3 عند الرجل، وأقل من 12غ/100سم3 عند المرأة)، وعلى نتائج الهيماتوكريت (أقل من 42% عند الرجل)، مهما تكن الظروف التي تدعو إلى إجراء صيغة الدم hemogram هذه.
لا يشكل عدد الكريات الحمر محكاً كافياً للتحدث بشكل أكيد عن الإصابة بفقر الدم، فقد يبلغ عدد الكريات الحمر خمسة ملايين، ويكون هناك فقر دم أكيد إذا كانت هذه الكريات الحمر من النوع الصغيرmicrocytaire. وهنالك سبب آخر للوقوع في الخطأ هو التخفيف الدموي hemodilution (أي زيادة المصورة) الذي يسبب انخفاضاً في مقدار الهيموغلوبين والهيماتوكريت وعدد الكريات الحمر، ويجب التفكير بفقر دم كاذب ناجم عن التخفيف الدموي عند كل مريض مستعد للإصابة بفرط حجم المصورة. وهذه الحالة كثيرة المشاهدة بين الأفراد المسنين.
تقدم معرفة آلية فقر الدم مفتاحاً للتشخيص في معظم الحالات. إن إجراء فحوص بسيطة وعملية يسمح بتصنيف فقر الدم ضمن إحدى الفئات الفيزيولوجية المرضية الثلاث الآتية: نقص في تركيب الهيموغلوبين، ونقص في توليد النقي لأرومة الحمر erythroblast، وفقدان كمية من الدم نتيجة لنزيف أو انحلال دموي شديد.
وهناك وسيلة ملائمة توجه التقصي الذي يهدف إلى معرفة أسباب المرض، وذلك بالبدء بتصنيف فقر دم المصاب، حسب حجم الكرية الوسطي، ضمن أحدى المجموعات الثلاث التالية:
ـ المجموعة الأولى: فقر دم كبير الكريات macrocytic، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه أكبر من 100 مكرون مكعب.
ـ المجموعة الثانية: فقر دم صغير الكريات microcytic، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه أقل من 80 مكرون مكعب.
ـ المجموعة الثالثة: فقر دم سوي الكريات، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه بين 80 و100 مكرون مكعب.
وعوز الحديد هو أكثر الأسباب حدوثاً، ويدل هذا العوز في معظم الأحيان على نزف هضمي، رغم كثرة وجود اللاكلوريدية، ونقصان امتصاص جهاز الهضم للحديد.
إن دراسة المري والمعدة والعفجduodenum، من الأمور التي لابد منها للبحث عن قرحة معدية عفجية، أو فتق في الحجاب الحاجز، أو سرطان معدة أو قولون. وقد يظهر أحياناً أن سبب النزف المعدي كامن في تناول حمض الصفصاف salicylic acid، أو مضادات الالتهاب لمدة طويلة. أما معرفة أسباب النزوف المتكررة والناجمة عن البواسير فهي أكثر سهولة.
وترمي المعالجة، إضافة إلى مداواة السبب، إلى تصحيح عوز الحديد، وذلك بإعطاء أملاحه. ولا فائدة من مشاركة الدواء مع الفيتامينات C، لأن عوز الحديد يترافق بعوز في هذا الفيتامين عند المسنين في معظم الأحيان. ويعود مقدار الهيموغلوبين إلى حالته الطبيعية خلال ثمانية أسابيع تقريباً.
ويتأثر الجهاز الحركي بوهن العضلات الناجم عن نقص التغذية، وبهشاشة العظام الناجمة عن نقص الكلس، وتعرضها بذلك للكسور لأقل رض، وأكثر ما يحدث ذلك في عنق الفخذ وفي الفقرات، التي ينجم عن نقص الكلس فيها، عدا ذلك، تكدسها الذي يؤدي إلى قصر العمود الفقري وانحنائه وقصر القامة، وتحدث هذه التبدلات في النساء أكثر مما تحدث في الرجال، نتيجة توقف إفراز الاستروجين الذي من وظائفه تثبيت الكلس على العظام. وتزداد هذه التبدلات حدوثاً وخطورة في المدخنين والكحوليين والمصابين بعوز الكلسيوم وفيتامين د، وساكني الأحياء التي لا تتعرض دورهم فيها للشمس، وفي النساء اللواتي ينقطع طمثهن باكراً.
ينقص صبيب القلب تدريجياً مع تقدم العمر، ويتعلق ذلك بارتفاع الضغط الشرياني وزيادة المقاومة المحيطية الناتجة عن تصلب الأوعية، ويزداد عدد الوفيات بأمراض القلب بعد سن الخامسة والستين وهي عند الرجال أكثر منها عند النساء، ويزيد من حدوثها طريقة التغذية، والتدخين، وتناول الكحول، والبدانة.
ويتأثر جهاز الهضم بنقص إفراز الأنزيمات فتنقص التغذية بسبب ذلك، ولأسباب أخرى منها نقص المضغ إذا كان الشيخ يعاني من مشكلات في أسنانه، ومنها تأثير بعض الأدوية التي يتناولها المريض لإصابته بأمراض أخرى في إنقاص بعض المواد الضرورية لعملية الهضم، وينجم عن ذلك نقص الحديد وفاقة الدم، وما يتلو ذلك من وهن عضلي وتعب عام.
ويتأثر جهاز التنفس خاصة عند سكان المدن بسبب تلوث الهواء بالغازات المنبعثة من عوادم السيارات والمعامل، إضافة إلى تعرض هذا الجهاز إلى كثير من المواد المحسسة الزراعية أو الصناعية أو البترولية المنشأ،مما يعرض المسنين إلى مظاهر الربو والقصور التنفسي الانسدادي المزمن.
وتتأثر الحواس ولاسيما السمع والبصر، فالسمع ينقص بدرجات مختلفة في 50% ممن تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين، وذلك لآفة في الأذن الداخلية، أو لإصابة العصب السمعي، وتزيد حوادثه في المصابين بالداء السكري، وبارتفاع الضغط الشرياني، وبالتعرض المديد للضجيج. ويؤدي نقص السمع إلى تعرض المصاب لحوادث السير، وإلى عدم قدرته على التفاهم مع من يحيط به، مما يشعره بالنقص، وينتهي به الأمر أحياناً إلى الميل للعزلة وما يجره ذلك من مشكلات.
أما البصر فينقص أيضاً مع تقدم السن لإصابة الشيوخ بالساد أو بالزرق، ويزداد خطر الإصابة في السكريين لإصابتهم باعتلال الشبكية السكري، ومن أهم أسباب نقص البصر كذلك استحالة اللطخة الصفراء التي تنتهي بفقد البصر.
ومن أكثر مظاهر التشيخ والشيخوخة شأناً المظاهر النفسانية، فالفكر لا يشذ عن القانون الحياتي العام، وهو خاضع لوظائف عصبية شديدة الحساسية لمسيرة تقدم السن، ويميز لتقدم السن من وجهة النظر العصبية النفسانية مظهران مختلفان: الأول هو التشيخ، وهو مسيرة طبيعية ترتبط بالحياة لا يمكن تجنبها أبداً، ولكن زمن ظهورها يختلف من شخص لآخر. والثاني: هو الشيخوخة التي تحدث فيها اضطرابات عصبية ونفسانية مرضية. ويتحول التشيخ في بعض الظروف المرضية من حالة طبيعية إلى شيخوخة مبكرة بدرجات مختلفة، وقد يكون من الصعب تمييز الحدود بين هذين المظهرين، ففي مرحلة التشيخ يطبع تقدم السن الذكاء والنشاط بطابع خاص، إذ يلاحظ المسن ضعفاً تدريجياً في ذاكرته وقدرته على الانتباه، وقدراته العقلية وتخيلاته ونشاطه، وكلل مبادراته وتطلعاته. وأكثر ما يميز عقلية المسن صعوبة اكتساب معارف جديدة، وصعوبة مواجهة الحالات الطارئة وتدبيرها. ويصعب على المسن في الغالب التكيف مع حالته الجديدة ويتعلق ذلك بحالته النفسية وعاداته وطباعه قبل هذه المرحلة التي تتطلب منه إعادة ترتيب اهتماماته لتناسب وسائله وقواه، وعلى الرغم من ضعف الأداء فليس كل شيء سلبياً في هذه السن المتقدمة، والانقطاع عن العمل نهائياً غير محمود، فالتفكير يبقى سليماً جداً لفترة طويلة من الوقت، وعلى نقيض ذلك قد يصبح أحياناً أفضل بما اكتسبه الشخص من خبرات اجتماعية وعملية، وحكمة بعض كبار السن وذكاؤهم وقدرتهم على حل الكثير من المعضلات أمر معروف، أما إذا كانت طبيعة الشخص قبل هذه السن غير مستقرة فتظهر في بداية الأمر المنعكسات الناجمة عن الفراغ كالكآبة والحصر والشعور بالإخفاق وعدم الرضا والانطواء، ويأبى بعضهم الاعتراف بتقدم السن ويرفض الانقطاع عن العمل ولو انه لا يحسنه.
وتسيطر في الشيخوخة الاضطرابات العقلية بشدة في السلوك الاجتماعي، وتفسر بنقص الخلايا الدماغية باستمرار مع ضمور القشرة والمادة البيضاء، ويُرى هذا في معظم حالات الضعف العقلي المترقي الذي يسمى العته الشيخي senile dementia، وهو تطور أكثر عمقاً من التطور البسيط الذي يُرى في عدد من الشيوخ، وقد تكون الآفات الدماغية في هذا العته الشيخي وحده من نوع التنكس الخلوي، أو تكون وعائية بتصلب الشرايين الدماغية مع عدد من بؤر التلين في الجملة العصبية، أو تكون مختلطة بتنكس الخلايا تنكساً بدئياً تالياً لتصلب الشرايين، ولا توجد معالجة توقف سير هذه الآفات المستمر. يبدأ هذا العته في سن الخامسة والستين أو السبعين، وتزداد حوادثه مع طول عمر الإنسان وتشكل قضية اجتماعية اقتصادية مقلقة، لأن شروط الحياة الحديثة في المدن، وتدني الوضع الاقتصادي، وإعطاء الأولويات في الإنفاق على الأمور الحياتية تجعل الأسر أقل احتمالاً لشيوخها المعتوهين الذين غالباً ما يكونون في حالة هياج شبه مستمر.
ومن الأمراض النفسية في الشيخوخة الاكتئاب السوداوي melancholia، وحالات المس، والهذيان delirium المزمن من النوع الاضطهادي، والزور paranoia.
وتشتد الاضطرابات العقلية في الشيخ بالبؤس والارهاق والكحولية والعوز الغذائي أو الإفراط به والعزلة العاطفية والرضوض الجسدية والصدمات العاطفية وحالات الهجر وخيبة الأمل.
يجب أن توَفَّر لكبار السن شروط مادية محترمة في مسكن لائق، وأن يحاطوا بعناية الأهل والأصدقاء، وأن توفر لهم أعمال تتفق وإمكاناتهم، فالبطالة أكثر إيذاءاً من العمل المضني.
أما الاضطرابات النفسانية للتشيخ فتتطلب في الغالب الاستشفاء الذي يتجه إلى دراسة حالة المريض دراسة دقيقة، وتقديم العلاج اللازم بعد ذلك، ولو أن هذه المعالجات لا تمنع من تقدم الضعف العقلي بسرعات مختلفة نحو العته النهائي.
وفي حالات الهياج تستعمل الأدوية الحالة للأعصاب بمقادير قليلة، والمهدئات ضد القلق ومضادات الكآبة (بمقادير قليلة وبحذر) لإصلاح العناصر المؤدية للكآبة، وقد تكون الصدمات الكهربائية ضرورية أحياناً.
تؤثر هذه المعالجات في المزاج والقلق والهياج، ولكنها قليلة التأثير في اضطرابات الذاكرة والانتباه والإعاقة النفسية، وعلى النقيض، فإن الفيتامينات وموسعات الأوعية قد تقدم بعض الفائدة في تحسن الذكاء والتركيز والانتباه، ولكن بعض هذه الأدوية يسبب الهياج ولا يُجنى منها إلا تحسن مؤقت في مسيرة مرضية غير قابلة للتراجع. أما الهرمونات فتستعمل بمقادير قليلة في استطبابات معينة ومحددة، ولا تعطى إلا بإشراف طبي مباشر.
وثمة أمر أخير يجب الانتباه إليه بسبب ما يتعرض له الشيوخ من أمراض عضوية كثيرة، وهو معالجة هذه الحالات بصورة مبكرة وصحيحة، لأن تراكمها يزيد من إعاقة المريض وعدم قدرته على التلاؤم مع ظروف الحياة، ويدفع، إضافة إلى إصاباته هذه، إلى زيادة أعراض التشيخ والتي تدخله في مرحلة البؤس واليأس.
عدنان تكريتي، إبراهيم حقين وليد النحاس
تحدث في جسم معظم الناس مع تقدم السن ـ والغالب بدءاً من الخامسة والستين وفوق ذلك ـ تبدلات تتراجع فيها أعضاء الجسم تدريجياً وتشمل مظهر الإنسان الخارجي وبنية معظم أعضائه ووظائفها، وحالته النفسية والعقلية، يسمى مجموع هذه التبدلات التشيخ senescence الذي ينتهي بحالة الشيخوخة senility.
وليس من الضروري أن يرافق التشيخ كل من تتقدم به السن، لأن تقدم السن شيء والتشيخ شيء آخر.
وقد ارتفع وسطي عمر الإنسان وازداد بالتالي عدد الشيوخ وحوادث التشيخ، نتيجة القضاء على كثير من الأوبئة التي كانت تفتك بالبشر كالطاعون والملاريا، ونتيجة تحسن طرائق كشف بعض الأمراض المزمنة وعلاجها كالسل والإفرنجي، كما ازدادت بسبب انتشار الوقاية من كثير من العلل باللقاحات والمصول كشلل الأطفال والشاهوق، ولتقدم طرائق العلاج الطبي والجراحي لكثير من الإصابات المرضية كالأخماج وأمراض القلب، وزيادة الوعي الصحي مع تقدم العلم. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الذين تفوق أعمارهم الستين في عام 2000 بنحو 600 مليون إنسان. ويعتقد أن هذا العدد سيبلغ 1.2 بليون في عام 2025 و2 بليون في عام 2050.
البلد | % | البلد | % |
الأردن | 4.8 | ألمانيا | 24 |
الإ/ارات | 2.4 | أفغانستان | 4.7 |
البحرين | 4 | إيطاليا | 24.5 |
تونس | 4.8 | بلجيكا | 22.2 |
الجزائر | 6.1 | تركيا | 8.2 |
السودان | 5.6 | الدانمارك | 20.4 |
سورية | 4.6 | سويسرا | 22.1 |
عُمان | 3.5 | السويد | 22.9 |
قطر | 3.1 | فرنسا | 20.5 |
الكويت | 2.7 | كندا | 17.1 |
لبنان | 8.6 | هنغاريا | 20 |
مصر | 6.9 | اليابان | 24.4 |
اليمن | 3.6 | اليونان | 23.8 |
النسبة المئوية لمن تزيد أعمارهم على ستين عاماً من مجموع السكان في عام 2002 | |||
عن منظمة الصحة العالمية (2002) |
وساعد على زيادة حوادث التشيخ كذلك تغير نمط الحياة ولاسيما في بلادنا، فزوال الدور الكبيرة الواسعة التي كان يعيش فيها الإنسان مع أبنائه وأحفاده، وتضم عشرات الأشخاص أحياناً، كان فيها الجد والجدة محاطين بالتكريم والعناية العضوية والنفسية ويمارسان بعض الأعمال البسيطة السهلة، أدى إلى انفصال الأبناء عن آبائهم، وأصبح كبار السن يعيشون منعزلين، حتى إنه يشاهد أحياناً فرد واحد فقط يعيش في منزله. ويعد هذا النمط الجديد من الحياة من أهم أسباب حدوث التشيخ ولاسيما مظاهره النفسية.
تعرف الشيخوخة بمنظر الإنسان الخارجي الذي تبدو على وجهه تجعدات الجلد الواسعة أو رقته، كما تبدو التصبغات مختلفة الحجوم على وجهه ورأسه.
يحدث التشيخ نتيجة تأثر خلايا الجسم بتقدم العمر، فيبطؤ تجدد هيولى الخلايا بشدة، وينقص ماؤها، مما يغير العلاقة بين الماء داخل الخلية وخارجها، وقد ثبت أن الخلايا والوسط خارجها تُراكم في الأشخاص المسنين بعض المواد الضارة كالكلسيوم والأصبغة والبروتينات غير الفعالة والشحوم، في حين تتناقص بعض الأنزيمات كالهكسوكيناز hexokinase والألدولاز aldolase، والأجسام الغنية بالقدرة كحمض الأدينوزين الثلاثي الفسفور adenosine triphosphoric acid (ATP) وهو مادة تدخل في الاستقلاب الخلوي والانقباض العضلي وتركيب الهرمونات القشرية الكظرية وتؤلف المنبع الأساسي لقدرة العضوية.
وتختلف هذه التبدلات باختلاف أنسجة الجسم، وأكثرها خطورة في الإنسان تبدلات الخلايا العصبية، وينجم عن كل هذا هبوط قدرة العضوية على التكيف لدعم ثبات الوسط الداخلي والدفاع ضد الشدات (أو الكرب) stress الخارجية كتبدلات الحرارة وغيرها.
وللوراثة علاقة بزمن ظهور التشيخ، كما لوحظ أن طرائق إنقاص الاستقلاب تؤخر ظهوره كإنقاص الحرارة والحمية، فالحمية المتوازنة كيفياً والناقصة كمياً تطيل العمر في الحيوانات تجريبياً، وقد لوحظ ذلك أيضاً في الإنسان، فالوفيات تزيد بنسبة 20% من مجموع السكان في الأشخاص الذين يزيد وزنهم 10% عن الوزن المثالي.
الرجال | النساء | ||
البلد | العمر | البلد | العمر |
اليابان | 78.4 | اليابان | 85.3 |
أيسلندا | 78.4 | سان مارينو | 84 |
سويسرا | 77.7 | سويسرا | 83.3 |
أستراليا | 77.9 | ||
أعلى الأعغمار ارتفاباً في العالم | |||
عن منظمة الصحة العالمية (2002) |
يطلق على اللوحة السريرية للتجفاف عادة اسم التقلص المفرط التوتر hypertonic contraction، إذ يؤدي النقصان النسبي أو المطلق للوارد من الماء بالنسبة إلى الكمية المفقودة منه من الجسم إلى نقصه في الوسط خارج الخلايا، وظهور فرط توترhypertonie داخلها، سواء كانت هذه الكمية طبيعية أو زائدة، لأن الكتلة التناضحية لا تنخفض، وتؤدي إعادة توازن التوتر من طرفي الغشاء الخلوي إلى نقص التوتر داخل الخلايا، وليست العلامات السريرية المألوفة لهذا الاضطراب واضحة عند المتقدمين في السن.
ـ يؤلف انخفاض الضغط الشرياني، إذا لم يرافقه توسع في الأوعية، علامة واضحة لنقص الوسط خارج الخلايا، ولابد من معرفة مقدار ضغط المريض قبل وقوع الحادث. فانخفاض ضغط المسن من 190 إلى 140 يعني إصابته بوهط collaps، كما أن إصابته بعدم ثبات الضغط تزيد المشكلة تعقيداً.
لا قيمة في هذا المضمار لتسرع ضربات القلب إذا كان الشيخ مصاباً بحمى، فالحرارة ترتفع في معظم حالات التجفاف، كما أن تقدير العلامات البيولوجية لتركيز الدمhemoconcentration عسير أيضاً، فحينما يرافق التجفاف فقر الدم تكون كمية الهيماتوكريت hematocrit سوية، وكذلك أرقام البروتينات الكلية حينما يشارك التجفاف عوز البروتينات. ويمكن الاعتماد على علاقة بيولوجية، هي ارتفاع مقدار البولة الدموية (اليوريمية) المقترن ببقاء كرياتنين الدم ضمن الحدود الطبيعية. وتشاهد مثل هذه الحالة، على أقل تقدير، حينما لا يكون التجفاف شديداً. ولابد من التذكرة هنا أن كرياتنين البلازما لا يزداد بازدياد العمر.
إن العلامة الأساسية لحدوث تقلص داخل الخلايا هي العطش، لكنها غالباً لا تظهر، ويرجع عدم ظهورها إلى إصابة المريض باضطراب في الوعي يمنعه من التعبير عنها، أو إصابته بسبات coma، أو أنه، على الرغم من وعيه، لا يبدي رغبة في شرب الماء، أو لا يشعر بحاجته إليه، وهذه الحالة الأخيرة كثيرة المصادفة. ولا يعتمد تقدير جفاف المخاطيات على منظر اللسان بل على التلمة اللثوية الخدية gingivojugal.
أما بالنسبة إلى اضطرابات الوعي المصحوبة بارتفاع درجة الحرارة، فيمكن أن يكون سببها غير التجفاف.
وأخيراً تكون العلامة الرئيسة، هي وجود فرط توتر في البلازما يمكن تقديرها بسهولة بارتفاع مقدار صوديوم الدم. ويمكن القول أنه إذا زاد مقدار صوديوم الدم على 145 مليمول في الليتر فهذا يعني نقصاناً في الماء؛ وليس من النادر أن يزيد في التجفاف صوديوم الدم على 160 مليمول، وهذا يدل على نقصان كبير في كمية ماء البدن.
ينجم التجفاف بلوحته السريرية عن نقص في كمية الماء المتناولة وطرح لمقادير طبيعية منه. وتشاهد هذه الحالة عند الشيوخ المسبوتين، والعجزة الذين لا يستطيعون الحصول على الماء وحدهم، وليس لهم من يعينهم، فيفقدون حس العطش، وفي المصابين بإقياء أو باضطراب في البلع الخ..
كما ينجم عن عدم ملاءمة الكميات الواردة لتعويض الكميات المفقودة المتزايدة؛ كإصابة المريض ببوال polyuria أو بتعرق غزير ناجم عن ارتفاع شديد في الحرارة، أو بلهث، أو بضياع السوائل عن طريق جهاز الهضم، ومع هذا فإن السبب الغالب هو نقص في كميات السوائل الواردة وزيادة في كمية فقدانها.
وتظهر في التجفاف لوحة سريرية خطرة بعد زمن يراوح بين عدة ساعات وثلاثة أيام. ويتطلب ظهور خلل الصوديوم زمناً أطول من ذلك بكثير، إلا إذا كان هناك ضياع للسوائل شديد جداً عن طريق جهاز الهضم، أو جهاز البول.
ويجدر القول إن إعطاء كميات زائدة من السوائل أفضل من إعطاء كميات ناقصة على أن يكون الإفراغ الكلوي جيداً، ووظيفة القلب مقبولة.
يعد التجفاف حالة إسعاف يجب البدء بمعالجتها قبل ظهور نتائج الفحوص البيولوجية، وتطرح المداواة عدة أمور في مقدمتها، تحديد الخسارة من السوائل، ويؤلف حجم الماء الكلي قرابة 60% من مجموع وزن الجسم، فتقدير كمية الماء الواجب إعطاؤها لتصحيح الاضطراب هو حاصل مجموع كمية الماء الناقصة مضافاً إليها الكمية اللازمة خلال 24 ساعة قادمة. ويقدر ما يحتاج إليه المسن منها في اليوم، إن لم يكن مصاباً بضياع شديد بالسوائل، بمقدار 1.5 إلى 2ليتر. أما إذا كان هناك فقدان كبير بالسوائل فيجب إضافة مقدار 0.3ل لكل درجة حرارة تزيد على 37 ْ، والخطأ الذي يرتكب عادة هو إعطاء المريض كمية الماء الناقصة دون الالتفات إلى حاجته منها خلال 24 ساعة قادمة. وطريق الفم هو الطريق الطبيعي والسهل لإعطاء السوائل الناقصة بتناول المريض الماء العادي، ويسمح هذا الطريق بأخذ الأطعمة ولاسيما البروتينية منها، ولا يتطلب إلا أن يكون المسن قادراً على الشرب بسهولة ومن يرعاه قريباً منه ونشيطاً.
ويبقى الطريق الوريدي أوثق الطرق في معظم الحالات، واللجوء إليه ضروري حينما يكون المريض مصاباً بالوهط. لذا يلجأ إلى محلول غلوكوزي متساوي التوتر (إسوي التوتر) isotonic إذا كانت الكميات المراد إعطاؤها قليلة، وكان المريض غير مصاب بالداء السكري. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن ارتفاع كمية سكر الدم إلى 1.5غ كثير المشاهدة في التجفاف ولا يدل على إصابة بالسكري.
قد تكون الصفة المميزة للتشيخ ضعفوظيفة الإنجاب ثم توقفها، ويحدث ذلك في المرأة بانقطاع الطمث نتيجة توقف المبيضين عن إفراز هرموناتهما الخاصة، أما في الرجل فتضعف الوظيفة الجنسية ببطء تدريجياً وفي سن أكثر تقدماً، وينجم الضعف كذلك عن نقص هرموني يشمل في الجنسين، عدا الهرمونات الجنسية، هرمونات أخرى كالأنسولين وهرمونات قشر الكظر.
تتدنى الوظيفة الجنسية عند الذكور بسبب الاعتلالات الوعائية والداء السكري أو الاعتلال البدئي في وظيفة الجسمين الكهفيين إضافة لتراجع في مقدار الهرمونات المذكرة في هذه السن، كما يتدنى أثر استعمال بعض الأدوية كخافضات الضغط الشرياني أو أدوية القرحة المعدية أو الأدوية النفسية.
كما يشكو معظم النساء من تدني الوظيفة الجنسية بسبب القصور الاستروجيني في هذه السن، وما ينتج عنه من ضمور في القناة التناسلية، ونقص في الرغبة الجنسية.
والأخماج البولية كثيرة الحدوث عند المسنين وتؤلف 10% من مجموع الأخماج التي تصيب الإنسان بعد الستين من عمره، وتختلف اللوحات السريرية التي تسببها اختلافاً كبيراً فيما بينها؛ أما المشكلات الأساسية التي تطرحها فهي البحث عن الأسباب، والخطر الناجم عن تأثير الأدوية في عضوية أصبحت ضعيفة في قيامها بوظائفها، والوقاية من حدوث النكس.
تشاهد الأخماج البولية بصورة أساسية عند المرأة، ويزداد تواترها بازدياد سن المريضة، إذ تصيب 10% إلى 15% من النسوة اللواتي تجاوزن الخامسة والستين من عمرهن. ومما يساعد على الإصابة بها التركيب التشريحي للجهاز التناسلي للمرأة، فجراثيم الفرج vulva تلوث البول كما تلوث الإحليل urethra، ويظهر الخمج البولي عند الرجل في حوالي الخمسين من عمره مرافقاً لبدء اضطرابات الموثة prostate، ويصيب 1% من الأفراد بعد الستين من عمرهم.
ينشط الخمج البولي بوجود عائق يسد الطرق البولية، كالإصابة بحصيات بوليةlithiasis، أو ورم غدي adenoma، أو ورم تناسلي سليم أو خبيث، أو ورم في الكلوة أو الطرق المفرغة، وتزيد الآفات الكلوية من خطورة الإصابة الخمجية ولاسيما إذا تطلبت إجراء استقصاءات. وغالباً ما يكون عدم الحركة سبباً في ظهور الخمج، ولاسيما إذا كان الشيخ يتناول كميات قليلة من السوائل.
يعد الداء السكري وكبت المناعةimmunosuppression المرضي أو الدوائي مع تقدم السن عوامل تزيد من خطورة الأخماج.
تأتي الاشريكية القولونية Escherichia coli في مقدمة الجراثيم المسببة للخمج البولي عند الشيوخ وترى في 75% من الحالات، والمتقلبات proteus، وترى في 10% من الحالات ولاسيما المتقلبات الرائعة المحصية P.mirabilis lithogène منها. أما الكلبسيلا والزوائف pseudomonas فغالباً ما تظهر بعد استعمال دواء ما. أو وضع أجسام غريبة كالقثاطر لفترة طويلة، وتوجّه الإصابة بالجراثيم العقدية streptococcus الأنظار نحو آفة إحليلية urethra أو تناسلية.
يمكن أن تقتصر العلامات السريرية عند المتقدمين بالسن على احساس بحرقة في البول، أو ارتفاع حرارة مديدة ومنفردة، وقد تتظاهر الأعراض ببيلة دموية فحسب. ولا تسمح الأعراض عند ظهورها بتحديد موضع الآفة دوماً، فعند الشيوخ لا تتناسب شدة الأعراض مع خطورة الآفة.
لا يقرر العلاج إلا بعد دراسة هشاشة المريض المسن للتأثيرات العلاجية المنشأ وأخذها في الحسبان، وذلك لانخفاض القدرة الوظيفية لكليتيه لإمكان حدوث تأثيرات متداخلة مع أدوية أخرى.
لا تعطى الصادات إلا بشكل يناسب خطورة الخمج ووظيفة الكلوة والآفات المرافقة. ويجب الابتعاد قدر المستطاع عن المشاركات بين الصادات خشية تزايد السمية.
وإصابة الجهاز البولي التناسلي بنصيب وافر من الاعتلالات في سن الشيخوخة يمكن فهمها إذا قسمت إلى الزمر التالية:
التدني في الوظيفة الكلوية، أي الإصابة بدرجة متفاوتة من القصور الكلوي، وهذا ناتج عن: التدني المتدرج في وظيفة الكليتين الذي يزداد مع تقدم العمر، وهو أمر طبيعي يتبع قانون الاهتراء wear & tearوينصح، لتجنب ظهوره أو تطوره السريع، بـ:
ـ الإقلال من تناول البروتينات والإكثار من تناول السوائل في الغذاء.
ـ تجنب أخذ الأدوية جزافاً إلا بمعرفة الطبيب، إذ أن بعض الأدوية تؤثر تأثيراً سيئاً في الوظيفة الكلوية (مثل بعض أنواع الصادات).
ـ ضرورة معالجة بعض الأمراض الجهازية المؤثرة سلباً على الوظيفة الكلوية كالداء السكري وفرط الضغط الشرياني.
ـ ضرورة مراجعة الطبيب المتخصص في حال ظهور أعراض بولية مثل تعدد البيلات، وعسرة التبول التي قد تنجم عن إصابات الموثة الورمية أو آفة مثانية، كما أن ظهور البيلة الدموية هو عرض هام جداً يجب مراجعة الطبيب فور ملاحظته لأنه قد يدل على إصابة ورمية في المثانة. ومن المعلوم أن الآفات الورمية المثانية والموثية كثيرة الحدوث في هذه السن.
أما أكثر اضطرابات التبول مشاهدة في سن الشيخوخة فهي:
ـ عند الذكور: يشاهد السلس البولي، وهو نقص التحكم بالبول، وأسبابه عديدة: بولية أو عصبية، وتتطلب هذه الشكوى مراجعة الطبيب لتشخيص السبب والمعالجة، كما يشاهد أيضاً الأسر البولي وصعوبة التبول بسبب إصابات الموثة الورمية السليمة والخبيثة.
ـ عند النساء: كثيرات هنَّ اللواتي يشتكين في هذه السن من أعراض مثانية مزمنة وصعوبة في التبول، ترجع في الغالب للإصابة بالالتهابات البولية السفلية المزمنة التالية لضمور الإحليل وتضيقه، كما تصاب نسبة كبيرة من النسوة بضرب مزعج من السلس البولي، وتستدعي هذه الحالات مراجعة الطبيب المتخصص لأنها في معظمها قابلة للمعالجة والشفاء بإجراءات دوائية أو جراحية حسب الحالة.
يجب أن يعد كل فقر دم حالة مرضية، على الرغم من أن تعدد أسباب هذا الداء (كسوء التغذية والأخماج وتأثير الأدوية) تتداخل عند المسنين، فتزيد من صعوبة سير التشخيص والمعالجة.
يسبب فقر الدم بعد سن الستين نسبة وفيات لا يمكن إهمالها. وعلى هذا، يجب أن يكون كشف فقر الدم موضع الاهتمام حتى ولو كان «فقر دم شيخياً بسيطاً»، إذ يجب وضع تشخيص صحيح، كلما أمكن ذلك، لإعطاء العلاج الملائم.
يرتكز تشخيص فقر الدم على مقدار الهيموغلوبين (الخضاب) (أقل من 13غ/100سم3 عند الرجل، وأقل من 12غ/100سم3 عند المرأة)، وعلى نتائج الهيماتوكريت (أقل من 42% عند الرجل)، مهما تكن الظروف التي تدعو إلى إجراء صيغة الدم hemogram هذه.
لا يشكل عدد الكريات الحمر محكاً كافياً للتحدث بشكل أكيد عن الإصابة بفقر الدم، فقد يبلغ عدد الكريات الحمر خمسة ملايين، ويكون هناك فقر دم أكيد إذا كانت هذه الكريات الحمر من النوع الصغيرmicrocytaire. وهنالك سبب آخر للوقوع في الخطأ هو التخفيف الدموي hemodilution (أي زيادة المصورة) الذي يسبب انخفاضاً في مقدار الهيموغلوبين والهيماتوكريت وعدد الكريات الحمر، ويجب التفكير بفقر دم كاذب ناجم عن التخفيف الدموي عند كل مريض مستعد للإصابة بفرط حجم المصورة. وهذه الحالة كثيرة المشاهدة بين الأفراد المسنين.
تقدم معرفة آلية فقر الدم مفتاحاً للتشخيص في معظم الحالات. إن إجراء فحوص بسيطة وعملية يسمح بتصنيف فقر الدم ضمن إحدى الفئات الفيزيولوجية المرضية الثلاث الآتية: نقص في تركيب الهيموغلوبين، ونقص في توليد النقي لأرومة الحمر erythroblast، وفقدان كمية من الدم نتيجة لنزيف أو انحلال دموي شديد.
وهناك وسيلة ملائمة توجه التقصي الذي يهدف إلى معرفة أسباب المرض، وذلك بالبدء بتصنيف فقر دم المصاب، حسب حجم الكرية الوسطي، ضمن أحدى المجموعات الثلاث التالية:
ـ المجموعة الأولى: فقر دم كبير الكريات macrocytic، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه أكبر من 100 مكرون مكعب.
ـ المجموعة الثانية: فقر دم صغير الكريات microcytic، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه أقل من 80 مكرون مكعب.
ـ المجموعة الثالثة: فقر دم سوي الكريات، ويكون حجم الكرية الوسطي فيه بين 80 و100 مكرون مكعب.
وعوز الحديد هو أكثر الأسباب حدوثاً، ويدل هذا العوز في معظم الأحيان على نزف هضمي، رغم كثرة وجود اللاكلوريدية، ونقصان امتصاص جهاز الهضم للحديد.
إن دراسة المري والمعدة والعفجduodenum، من الأمور التي لابد منها للبحث عن قرحة معدية عفجية، أو فتق في الحجاب الحاجز، أو سرطان معدة أو قولون. وقد يظهر أحياناً أن سبب النزف المعدي كامن في تناول حمض الصفصاف salicylic acid، أو مضادات الالتهاب لمدة طويلة. أما معرفة أسباب النزوف المتكررة والناجمة عن البواسير فهي أكثر سهولة.
وترمي المعالجة، إضافة إلى مداواة السبب، إلى تصحيح عوز الحديد، وذلك بإعطاء أملاحه. ولا فائدة من مشاركة الدواء مع الفيتامينات C، لأن عوز الحديد يترافق بعوز في هذا الفيتامين عند المسنين في معظم الأحيان. ويعود مقدار الهيموغلوبين إلى حالته الطبيعية خلال ثمانية أسابيع تقريباً.
ويتأثر الجهاز الحركي بوهن العضلات الناجم عن نقص التغذية، وبهشاشة العظام الناجمة عن نقص الكلس، وتعرضها بذلك للكسور لأقل رض، وأكثر ما يحدث ذلك في عنق الفخذ وفي الفقرات، التي ينجم عن نقص الكلس فيها، عدا ذلك، تكدسها الذي يؤدي إلى قصر العمود الفقري وانحنائه وقصر القامة، وتحدث هذه التبدلات في النساء أكثر مما تحدث في الرجال، نتيجة توقف إفراز الاستروجين الذي من وظائفه تثبيت الكلس على العظام. وتزداد هذه التبدلات حدوثاً وخطورة في المدخنين والكحوليين والمصابين بعوز الكلسيوم وفيتامين د، وساكني الأحياء التي لا تتعرض دورهم فيها للشمس، وفي النساء اللواتي ينقطع طمثهن باكراً.
ينقص صبيب القلب تدريجياً مع تقدم العمر، ويتعلق ذلك بارتفاع الضغط الشرياني وزيادة المقاومة المحيطية الناتجة عن تصلب الأوعية، ويزداد عدد الوفيات بأمراض القلب بعد سن الخامسة والستين وهي عند الرجال أكثر منها عند النساء، ويزيد من حدوثها طريقة التغذية، والتدخين، وتناول الكحول، والبدانة.
ويتأثر جهاز الهضم بنقص إفراز الأنزيمات فتنقص التغذية بسبب ذلك، ولأسباب أخرى منها نقص المضغ إذا كان الشيخ يعاني من مشكلات في أسنانه، ومنها تأثير بعض الأدوية التي يتناولها المريض لإصابته بأمراض أخرى في إنقاص بعض المواد الضرورية لعملية الهضم، وينجم عن ذلك نقص الحديد وفاقة الدم، وما يتلو ذلك من وهن عضلي وتعب عام.
ويتأثر جهاز التنفس خاصة عند سكان المدن بسبب تلوث الهواء بالغازات المنبعثة من عوادم السيارات والمعامل، إضافة إلى تعرض هذا الجهاز إلى كثير من المواد المحسسة الزراعية أو الصناعية أو البترولية المنشأ،مما يعرض المسنين إلى مظاهر الربو والقصور التنفسي الانسدادي المزمن.
وتتأثر الحواس ولاسيما السمع والبصر، فالسمع ينقص بدرجات مختلفة في 50% ممن تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين، وذلك لآفة في الأذن الداخلية، أو لإصابة العصب السمعي، وتزيد حوادثه في المصابين بالداء السكري، وبارتفاع الضغط الشرياني، وبالتعرض المديد للضجيج. ويؤدي نقص السمع إلى تعرض المصاب لحوادث السير، وإلى عدم قدرته على التفاهم مع من يحيط به، مما يشعره بالنقص، وينتهي به الأمر أحياناً إلى الميل للعزلة وما يجره ذلك من مشكلات.
أما البصر فينقص أيضاً مع تقدم السن لإصابة الشيوخ بالساد أو بالزرق، ويزداد خطر الإصابة في السكريين لإصابتهم باعتلال الشبكية السكري، ومن أهم أسباب نقص البصر كذلك استحالة اللطخة الصفراء التي تنتهي بفقد البصر.
ومن أكثر مظاهر التشيخ والشيخوخة شأناً المظاهر النفسانية، فالفكر لا يشذ عن القانون الحياتي العام، وهو خاضع لوظائف عصبية شديدة الحساسية لمسيرة تقدم السن، ويميز لتقدم السن من وجهة النظر العصبية النفسانية مظهران مختلفان: الأول هو التشيخ، وهو مسيرة طبيعية ترتبط بالحياة لا يمكن تجنبها أبداً، ولكن زمن ظهورها يختلف من شخص لآخر. والثاني: هو الشيخوخة التي تحدث فيها اضطرابات عصبية ونفسانية مرضية. ويتحول التشيخ في بعض الظروف المرضية من حالة طبيعية إلى شيخوخة مبكرة بدرجات مختلفة، وقد يكون من الصعب تمييز الحدود بين هذين المظهرين، ففي مرحلة التشيخ يطبع تقدم السن الذكاء والنشاط بطابع خاص، إذ يلاحظ المسن ضعفاً تدريجياً في ذاكرته وقدرته على الانتباه، وقدراته العقلية وتخيلاته ونشاطه، وكلل مبادراته وتطلعاته. وأكثر ما يميز عقلية المسن صعوبة اكتساب معارف جديدة، وصعوبة مواجهة الحالات الطارئة وتدبيرها. ويصعب على المسن في الغالب التكيف مع حالته الجديدة ويتعلق ذلك بحالته النفسية وعاداته وطباعه قبل هذه المرحلة التي تتطلب منه إعادة ترتيب اهتماماته لتناسب وسائله وقواه، وعلى الرغم من ضعف الأداء فليس كل شيء سلبياً في هذه السن المتقدمة، والانقطاع عن العمل نهائياً غير محمود، فالتفكير يبقى سليماً جداً لفترة طويلة من الوقت، وعلى نقيض ذلك قد يصبح أحياناً أفضل بما اكتسبه الشخص من خبرات اجتماعية وعملية، وحكمة بعض كبار السن وذكاؤهم وقدرتهم على حل الكثير من المعضلات أمر معروف، أما إذا كانت طبيعة الشخص قبل هذه السن غير مستقرة فتظهر في بداية الأمر المنعكسات الناجمة عن الفراغ كالكآبة والحصر والشعور بالإخفاق وعدم الرضا والانطواء، ويأبى بعضهم الاعتراف بتقدم السن ويرفض الانقطاع عن العمل ولو انه لا يحسنه.
وتسيطر في الشيخوخة الاضطرابات العقلية بشدة في السلوك الاجتماعي، وتفسر بنقص الخلايا الدماغية باستمرار مع ضمور القشرة والمادة البيضاء، ويُرى هذا في معظم حالات الضعف العقلي المترقي الذي يسمى العته الشيخي senile dementia، وهو تطور أكثر عمقاً من التطور البسيط الذي يُرى في عدد من الشيوخ، وقد تكون الآفات الدماغية في هذا العته الشيخي وحده من نوع التنكس الخلوي، أو تكون وعائية بتصلب الشرايين الدماغية مع عدد من بؤر التلين في الجملة العصبية، أو تكون مختلطة بتنكس الخلايا تنكساً بدئياً تالياً لتصلب الشرايين، ولا توجد معالجة توقف سير هذه الآفات المستمر. يبدأ هذا العته في سن الخامسة والستين أو السبعين، وتزداد حوادثه مع طول عمر الإنسان وتشكل قضية اجتماعية اقتصادية مقلقة، لأن شروط الحياة الحديثة في المدن، وتدني الوضع الاقتصادي، وإعطاء الأولويات في الإنفاق على الأمور الحياتية تجعل الأسر أقل احتمالاً لشيوخها المعتوهين الذين غالباً ما يكونون في حالة هياج شبه مستمر.
ومن الأمراض النفسية في الشيخوخة الاكتئاب السوداوي melancholia، وحالات المس، والهذيان delirium المزمن من النوع الاضطهادي، والزور paranoia.
وتشتد الاضطرابات العقلية في الشيخ بالبؤس والارهاق والكحولية والعوز الغذائي أو الإفراط به والعزلة العاطفية والرضوض الجسدية والصدمات العاطفية وحالات الهجر وخيبة الأمل.
يجب أن توَفَّر لكبار السن شروط مادية محترمة في مسكن لائق، وأن يحاطوا بعناية الأهل والأصدقاء، وأن توفر لهم أعمال تتفق وإمكاناتهم، فالبطالة أكثر إيذاءاً من العمل المضني.
أما الاضطرابات النفسانية للتشيخ فتتطلب في الغالب الاستشفاء الذي يتجه إلى دراسة حالة المريض دراسة دقيقة، وتقديم العلاج اللازم بعد ذلك، ولو أن هذه المعالجات لا تمنع من تقدم الضعف العقلي بسرعات مختلفة نحو العته النهائي.
وفي حالات الهياج تستعمل الأدوية الحالة للأعصاب بمقادير قليلة، والمهدئات ضد القلق ومضادات الكآبة (بمقادير قليلة وبحذر) لإصلاح العناصر المؤدية للكآبة، وقد تكون الصدمات الكهربائية ضرورية أحياناً.
تؤثر هذه المعالجات في المزاج والقلق والهياج، ولكنها قليلة التأثير في اضطرابات الذاكرة والانتباه والإعاقة النفسية، وعلى النقيض، فإن الفيتامينات وموسعات الأوعية قد تقدم بعض الفائدة في تحسن الذكاء والتركيز والانتباه، ولكن بعض هذه الأدوية يسبب الهياج ولا يُجنى منها إلا تحسن مؤقت في مسيرة مرضية غير قابلة للتراجع. أما الهرمونات فتستعمل بمقادير قليلة في استطبابات معينة ومحددة، ولا تعطى إلا بإشراف طبي مباشر.
وثمة أمر أخير يجب الانتباه إليه بسبب ما يتعرض له الشيوخ من أمراض عضوية كثيرة، وهو معالجة هذه الحالات بصورة مبكرة وصحيحة، لأن تراكمها يزيد من إعاقة المريض وعدم قدرته على التلاؤم مع ظروف الحياة، ويدفع، إضافة إلى إصاباته هذه، إلى زيادة أعراض التشيخ والتي تدخله في مرحلة البؤس واليأس.
عدنان تكريتي، إبراهيم حقين وليد النحاس