الشوكاني (محمد بن علي ـ)
(1173ـ 1250هـ/1760ـ 1834م)
أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني. فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، والشوكاني نسبة إلى شوكان قرية من قرى السجامية، إحدى قبائل خولان اليمنية، على مسافة يوم واحد من صنعاء بالوسائط القديمة. ولد في شوكان، وتوفي في صنعاء، ودفن بخزيمة.
كان تكوينه العلمي على نهج السلف الصالح وأئمة العلم من روافد متنوعة في علوم الشريعة والعربية، فبرع في تفسير القرآن الكريم، وعلم الحديث، والعقيدة، والفقه وأصوله، والعَروض والمنطق والنحو والصرف، والمعاني والبديع والبيان، والجدل، وأتقن علوم الاجتهاد، حتى إنه ترك تقليد أئمة المذهب الزيدي، واجتهد اجتهاداً مطلقاً غير مقيد بمذهب، وهو قبل الثلاثين. وعرف التاريخ وتعمق في علوم اللغة العربية والآداب، منحه الله تعالى ثلاث صفات لم تتوافر في غيره وهي: سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها، وكثرة التلاميذ المحققين، وسعة التآليف المحررة، حتى صار علماً متميزاً في مقتبل القرن الثالث عشر الهجري، وكان طليق اللسان، فصيح البيان، رصين العبارة، سيَّال القلم، حتى صار من مفاخر اليمن، بل العرب. وكان ورعاً تقياً، وشاعراً بليغاً، ولغوياً بارعاً، وقاضياً مشهوراً.
تلقى العلم في صنعاء سماعاً وقراءة على شـيوخ كثيرين، منهم والده، والعلامة عبد الرحمن بن قاسم المدائني، والعلامة أحمد بن عامر الحدائي، والعلامة أحمد بن محمد الحرازي، والعلامة اسماعيل بن الحسن، وعني بقراءة تفسير الكشاف للزمخشري وحاشيته للسعد، ثم حاشية السراج المكملة والحواشي الأخرى. وسمع كتب الحديث النبوي المعتمدة، ومنها موطأ الإمام مالك والكتب الستة المشهورة. وتتلمذ في الفقه على يد والده، وكتَب المنطق اليوناني على أعلام هذا العلم في اليمن، وأتقن علوم العربية والأصول على مشايخ كثيرين. كما كان له تلاميذ كُثُر، وكانت دروسه في اليوم والليلة نحو ثلاثة عشر درساً، من تلامذته العلامة علي بن محمد الشوكاني، وحسين الأنصاري، والشريف الإمام محمد بن ناصر الحازمي وأمثالهم الذين كانوا جهابذة محققين.
تفقه على مذهب الإمام زيد وبرع فيه وألف وأفتى حتى صار قدوة فيه، وطلب الحديث وفاق فيه أهل زمانه، وكان يرى تحريم التقليد، وقد ألف في ذلك رسالة سماها «القول المفيد في حكم التقليد» وعقيدته عقيدة مذهب السلف من حمل صفات الباري تعالى الواردة في القرآن والسنة النبوية على الظاهر من غير تأويل ولا تحريف، وألف رسالة في ذلك سماها «التحف بمذهب السلف».
تولى القضاء ما بين الثلاثين والأربعين، وكان قاضي صنعاء الأكبر بعد موت من كان متولياً للقضاء الأكبر فيها. وتصدر للاجتهاد والإفتاء، وتفرغ للتصنيف والتأليف في علوم شتى.
بلغت مؤلفاته في العلوم الشرعية واللغوية (114) مصنفاً، منها المطول ومنها المختصر، أشهرها من المطولات المطبوعة: «فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير» خمسة مجلدات، و«نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار لابن تيمية الجد» ثمانية مجلدات، وهو من أفضل ما ألفه المتأخرون في السنة وفقهها، و«الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» في مجلد، والتاريخ الحافل المسمى «البدر الطالع في محاسن من كان بعد القرن السابع» ذيّل به على «الضوء اللامع» للحافظ السخاوي في مجلدين و«إرشاد الفحول في تحقيق الحق من علم الأصول».
ومن المختصرات «الإعلام بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام» وهو معجم لشيوخه وتلامذته، و«بغية الأريب من مغني اللبيب» نظم، ذكر فيه ما تمس الحاجة إليه مع الشرح، و«المختصر البديع في الخلق الوسيع» ذكر فيه خلق السموات والأرض والملائكة والجن والإنس و«طيب النشر في جواب المسائل العشر» و«السيل الجرار في نقد كتاب الأزهار» في الفقه و«إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات» للرد على موسى بن ميمون الأندلسي (اليهودي ظاهراً، الزنديق باطناً). وفتاويه المختصرة لا تنحصر أبداً، وبحوثه التي اشتملت عليها فتاواه المسماة بـ «الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني» كثيرة جداً.
أما تفسيره «فتح القدير» فهو تفسير لغوي عقدي فقهي سلفي في العمل والاعتقاد، متأثر بتفسير الكشاف للزمخشري، جمع فيه بين عمق الفهم لكتاب الله وسنة النبي، والفقه في الشريعة والأصول، واللغة وعلومها، ونُصْح قومه أهل اليمن والمسلمين، ودعوتهم إلى الحق الصراح، وتنفيرهم من انحراف العقيدة والبدع الضالة، مما يجعل الشوكاني من الأعلام البارزين والثقات.
وأما كتابه «نيل الأوطار» فمستمد غالبه في بيان آراء العلماء من كتاب «فتح الباري» شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، وفي التخريج من تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير لابن حجر أيضاً، جمع فيه عدة علوم ولاسيما فقه الزيدية، وعلم اللغة وتفسير الغريب، وعلم رجال الأثر وعلم الجرح والتعديل، وعلم الجغرافية، وعلم الحديث رواية ودراية، وعلم السيرة والآداب والأخلاق، وفقه الحديث واستنباط مختلف الأحكام منه، والفقه المقارن بين المذاهب مع الاستدلال لكل رأي، وله آراء اجتهادية خاصة به، مع التزام القول بصحة الحديث وترك الضعيف، وعلم القواعد الفقهية وعلم الأصول، وإيراد أقوال الصحابة والتابعين ومذاهب علماء الأمصار وأئمة المذاهب الثمانية (أي المذاهب الأربعة، والإمامية والزيدية والظاهرية والإباضية) فهو بحق مرجع العلماء والمتعلمين.
وهبة الزحيلي
(1173ـ 1250هـ/1760ـ 1834م)
أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني. فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، والشوكاني نسبة إلى شوكان قرية من قرى السجامية، إحدى قبائل خولان اليمنية، على مسافة يوم واحد من صنعاء بالوسائط القديمة. ولد في شوكان، وتوفي في صنعاء، ودفن بخزيمة.
كان تكوينه العلمي على نهج السلف الصالح وأئمة العلم من روافد متنوعة في علوم الشريعة والعربية، فبرع في تفسير القرآن الكريم، وعلم الحديث، والعقيدة، والفقه وأصوله، والعَروض والمنطق والنحو والصرف، والمعاني والبديع والبيان، والجدل، وأتقن علوم الاجتهاد، حتى إنه ترك تقليد أئمة المذهب الزيدي، واجتهد اجتهاداً مطلقاً غير مقيد بمذهب، وهو قبل الثلاثين. وعرف التاريخ وتعمق في علوم اللغة العربية والآداب، منحه الله تعالى ثلاث صفات لم تتوافر في غيره وهي: سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها، وكثرة التلاميذ المحققين، وسعة التآليف المحررة، حتى صار علماً متميزاً في مقتبل القرن الثالث عشر الهجري، وكان طليق اللسان، فصيح البيان، رصين العبارة، سيَّال القلم، حتى صار من مفاخر اليمن، بل العرب. وكان ورعاً تقياً، وشاعراً بليغاً، ولغوياً بارعاً، وقاضياً مشهوراً.
تلقى العلم في صنعاء سماعاً وقراءة على شـيوخ كثيرين، منهم والده، والعلامة عبد الرحمن بن قاسم المدائني، والعلامة أحمد بن عامر الحدائي، والعلامة أحمد بن محمد الحرازي، والعلامة اسماعيل بن الحسن، وعني بقراءة تفسير الكشاف للزمخشري وحاشيته للسعد، ثم حاشية السراج المكملة والحواشي الأخرى. وسمع كتب الحديث النبوي المعتمدة، ومنها موطأ الإمام مالك والكتب الستة المشهورة. وتتلمذ في الفقه على يد والده، وكتَب المنطق اليوناني على أعلام هذا العلم في اليمن، وأتقن علوم العربية والأصول على مشايخ كثيرين. كما كان له تلاميذ كُثُر، وكانت دروسه في اليوم والليلة نحو ثلاثة عشر درساً، من تلامذته العلامة علي بن محمد الشوكاني، وحسين الأنصاري، والشريف الإمام محمد بن ناصر الحازمي وأمثالهم الذين كانوا جهابذة محققين.
تفقه على مذهب الإمام زيد وبرع فيه وألف وأفتى حتى صار قدوة فيه، وطلب الحديث وفاق فيه أهل زمانه، وكان يرى تحريم التقليد، وقد ألف في ذلك رسالة سماها «القول المفيد في حكم التقليد» وعقيدته عقيدة مذهب السلف من حمل صفات الباري تعالى الواردة في القرآن والسنة النبوية على الظاهر من غير تأويل ولا تحريف، وألف رسالة في ذلك سماها «التحف بمذهب السلف».
تولى القضاء ما بين الثلاثين والأربعين، وكان قاضي صنعاء الأكبر بعد موت من كان متولياً للقضاء الأكبر فيها. وتصدر للاجتهاد والإفتاء، وتفرغ للتصنيف والتأليف في علوم شتى.
بلغت مؤلفاته في العلوم الشرعية واللغوية (114) مصنفاً، منها المطول ومنها المختصر، أشهرها من المطولات المطبوعة: «فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير» خمسة مجلدات، و«نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار لابن تيمية الجد» ثمانية مجلدات، وهو من أفضل ما ألفه المتأخرون في السنة وفقهها، و«الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» في مجلد، والتاريخ الحافل المسمى «البدر الطالع في محاسن من كان بعد القرن السابع» ذيّل به على «الضوء اللامع» للحافظ السخاوي في مجلدين و«إرشاد الفحول في تحقيق الحق من علم الأصول».
ومن المختصرات «الإعلام بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام» وهو معجم لشيوخه وتلامذته، و«بغية الأريب من مغني اللبيب» نظم، ذكر فيه ما تمس الحاجة إليه مع الشرح، و«المختصر البديع في الخلق الوسيع» ذكر فيه خلق السموات والأرض والملائكة والجن والإنس و«طيب النشر في جواب المسائل العشر» و«السيل الجرار في نقد كتاب الأزهار» في الفقه و«إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات» للرد على موسى بن ميمون الأندلسي (اليهودي ظاهراً، الزنديق باطناً). وفتاويه المختصرة لا تنحصر أبداً، وبحوثه التي اشتملت عليها فتاواه المسماة بـ «الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني» كثيرة جداً.
أما تفسيره «فتح القدير» فهو تفسير لغوي عقدي فقهي سلفي في العمل والاعتقاد، متأثر بتفسير الكشاف للزمخشري، جمع فيه بين عمق الفهم لكتاب الله وسنة النبي، والفقه في الشريعة والأصول، واللغة وعلومها، ونُصْح قومه أهل اليمن والمسلمين، ودعوتهم إلى الحق الصراح، وتنفيرهم من انحراف العقيدة والبدع الضالة، مما يجعل الشوكاني من الأعلام البارزين والثقات.
وأما كتابه «نيل الأوطار» فمستمد غالبه في بيان آراء العلماء من كتاب «فتح الباري» شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، وفي التخريج من تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير لابن حجر أيضاً، جمع فيه عدة علوم ولاسيما فقه الزيدية، وعلم اللغة وتفسير الغريب، وعلم رجال الأثر وعلم الجرح والتعديل، وعلم الجغرافية، وعلم الحديث رواية ودراية، وعلم السيرة والآداب والأخلاق، وفقه الحديث واستنباط مختلف الأحكام منه، والفقه المقارن بين المذاهب مع الاستدلال لكل رأي، وله آراء اجتهادية خاصة به، مع التزام القول بصحة الحديث وترك الضعيف، وعلم القواعد الفقهية وعلم الأصول، وإيراد أقوال الصحابة والتابعين ومذاهب علماء الأمصار وأئمة المذاهب الثمانية (أي المذاهب الأربعة، والإمامية والزيدية والظاهرية والإباضية) فهو بحق مرجع العلماء والمتعلمين.
وهبة الزحيلي