شكلوفسكي (فكتوربريسوفيتش ـ)
(1893 ـ 1984)
فكتور بَريسوفيتش شكلوفسكي Viktor Borisovich Shklovsky كاتب وناقد وباحث أدبي روسي. درس وتخرج في كلية الآداب في جامعة سان بطرسبورغ. نشر أول مؤلفاته عام 1914 في كتاب «إحياء الكلمة». كان قريباً من المستقبليين، وكان أول أعماله النظرية الأدبية تطبيقات على إبداعات الشاعرَين خلِبنيكوف W.Chlebnikovوماياكوفسكي Mayakovsky وغيرهما. وبدءاً من هذه الأعمال ظهر اهتمام شكلوفسكي بالكلمة المنمقة والمتجددة وكذلك بخصوصية الخطاب الشعري، فانضم إلى جمعية «اللغة الشعرية» OPOYAZ التي انبثقت عنها الشكلانية الروسية[ر] Russian Formalism.
رأى شكلوفسكي في فن الكلمة نسيجاً وبنياناً يقومان على قوانين تطور الموضوع في العمل الخاضع للتحليل، وهو حصيلة للطرائق والأساليب والأدوات التي قام بها هذا البنيان وشكل نسيج الصور وانبعاث الكلمة التي يحييها العمل الإبداعي، خصوصاً في مقالته «عن الشعر ولغة الغموض» الصادرة عام 1916. لكن شكلوفسكي انتقل منذ عام 1919 إلى نظرية النثر، وظهر هذا في مقالاته حول المبنى الحكائي والأسلوب، وقد كتبها عام 1921 وجمعها في كتاب أصدره عام 1925 بعنوان «حول نظرية النثر» OnTheTheory of Prose. وإذا كان شكلوفسكي أحد أهم أعلام الشكلانية الروسية فإليه يعود التنظير حول رهافة الكلمة، وكان يرى أن الأعمال الأدبية تنقطع عن العادي والمتحجر والمتكرر لتحيي الشكلَ الداخلي فتكتسب مضمونها الأول المحدِّد، أي المعنى الرئيسي، وتجسد الكلمةُ في الفن العالمَ والكونَ كأنه يولد للمرة الأولى.
أكد شكلوفسكي أن استخدام الصورة سمةً مميزة للفن الأدبي، يعني افتراض إطارٍ مرجعي، واسع جداً وضيق جداً في الآن ذاته، إذ إن مساحة الخطاب المعتمد على المحسنات أعرض من مساحة الشعر، لأن «المجازات» متوافرة في مستويات لغوية عدة. ويتضح من هذا أن الشعر يحوي أشعاراً تصويرية كما يحوي صوراً غير شعرية. يقول شكلوفسكي: «إن الشاعر لا يخلق صوراً وإنما يعثر عليها أو يلتقطها من اللغة العادية، وإن ما يميز الشعر ماثل في كيفية استخدام التصوير ولا في مجرد حضور هذا التصوير».
نقلت نظرية شكلوفسكي المتمثلة في «التغريب» Estrangement الشيءَ الممثَل من الاستعمال الشعري العادي للصورة إلى مرتبة الفن الشعري. وكان شكلوفسكي يعد المجاز واحداً من الأدوات التي تكون في متناول الشاعر، لكونه مثالاً لنزوع عام للشعر وللفن عموماً. إن تحويل الشيء إلى دائرة جديدة للإدراك، أي التحويل الدلالي المتميز المتحقق بفضل المجاز، يعد الغاية الرئيسة للشعر وعلة وجوده. إن الشاعر وهو ينزع الشيء من سياقه المعهود ويوحد التصورات المتباينة يوجه ضربة قاضية للكليشيهات اللفظية، ويقضي على الاستجابات المتكررة دوماً، ويرغم القارئ والمستمع على إدراكٍ أكثر سمواً للأشياء ولنسيجها المحسوس. إن عملية التحويل الخلاق للأشياء تعيد رهافة الإحساس وتكسب العالم كثافة، «فالكثافة هي الخاصية الرئيسة لهذا العالم الخاص المتشكل من الأشياء التي تمّ خلقها قصداً والتي تشكل في كليتها ما نسميه الفن».
عمد شكلوفسكي إلى اختيار أبلغ أمثلته من معلِّم الرواية الواقعية ليف تولستويL.Tolstoy من أجل توضيح أن الأداة التغريبية لم تكن مجرد شعار الطليعة الأدبية، وإنما هي مبدأ شامل الحضور في الأدب، ويلاحظ شكلوفسكي أن آثار تولستوي غنية بالفقرات التي يرفض المؤلف فيه تعرف الأشياء المعهودة، فيصفها كأنه يراها أول مرة، خصوصاً في ملحمته الروائية «الحرب والسلام»، ويستعمل شكلوفسكي التقنية ذاتها على صعيد أكبر في حكايةٍ قصيرة لتولستوي أيضاً تعتمد السرد بضمير المتكلم، وكان الساردُ في القصة فرساً، وهو الملاحِظ الهامشي، لكنه الحيوان المندهش والمتعجب من ميوعة الناس ونفاقهم. إن ذلك «التغريب» يتحول عند تولستوي إلى رابط للنقد الاجتماعي، وللدمار الحضاري، فهو إذاً شيء هامشي في رأي شكلوفسكي. إن الاهتمام لا ينصب هنا على المضمرات الإيديولوجية للأداة الفنية، لأن ما يهتم به تولستوي هو تحدي الكليشيهات، أي نفي الكلمات الرنانة والمعجم التقني المستعمل عادة. و«التغريب» - كما يرى شكلوفسكي- لايعني بالضرورة تعويض ما هو مصنوع بما هو بسيط، بل يمكن أن يعني عكس ذلك، كاستعمال لفظة عادية أو بسيطة محل لفظة رفيعة أو مخصصة، مادامت هذه الأخيرة تمثل في حالة معينة الاستعمال المقبول. وليس من المهم الاتجاه الذي يسير فيه «النقل الدلالي»، وإنما المهم هو حصول هذا النقل، أي حصول الانزياح عن المعيار. هذا الانزياح أو هذه المباينة، هو ما يمثل حسب تأكيد شكلوفسكي أساس أي إدراك جمالي، أما نقل المعنى الملازم للاستعارة فهو واحد من طرقٍ عدة لتحقيق هذا التأثير الجمالي، أي طريقة من طرائق إنشاء عالم «محسوس» و«كثيف». وفي هذا مظهر آخر أساسي أيضاً هو الإيقاع، أي مجموعة من الزخارف المفروضة على الخطاب العادي، فكتابة الأشعار في رأي شكلوفسكي «عبارة عن بهلوانية لفظية للأعضاء التلفظية». إن نمط خطاب الشاعر «المصنوع» يعرقل التواصل ويُجبر القارىء على التواصل مع العالم بطريقة أشد حسماً ولكنها مَرَضية على نحو قوي. خلّف تقريظ الشعر الذي قدمه شكلوفسكي تأثيراً مهماً في النظريات الشكلية اللاحقة. فالمصطلحات - المفاتيح التي استعملها، مثل «الآلية» و«التغريب» و«الحسية» شاعت في كتابات الشكلانيين الروس، لكن موقف شكلوفسكي كان أشد شكلانية، لا لأنه دراسة منتظمة لمناهج النقد الأدبي، وإنما لأنه بناءٌ عقلي للتجربة الشعرية. وقد وجد هذا النزوع نحو المشكلات الأساسية للنظرية الأدبية ربطاً حميماً باللسانيات والسيميائيات وفي دراسات الشكلانيين الآخرين.
هاجم شكلوفسكي على طريقته المعروفة بالنقد اللاذع والمثير للجلبة السفسطة القائل «بالمضمون المستقل»، واستهزأ بالنقاد الذين يدرسون الشكل بوصفه «شراً لابد منه» ومظهراً «لشيء حقيقي»، ويبعدون باستهتار الشكل بغاية فهم «مضمون» الأثر الفني. وقد ينزعج ناقد ما من تحديد شكلوفسكي للفن باعتباره شكلاً خالصاً، كما قد ينزعج من تصريحه «إن أمتع... ما في المنهج الشكلاني كامن في كونه لا يرفض المضمون الإيديولوجي للفن، وإنما يعتبر ما يسمى مضموناً من مظاهر الشكل». إن موقف شكلوفسكي المتعلق بالمضمون مقابل الشكل مشوب بالافتقار إلى الوضوح، وذلك نظراً لنسبية المقاييس الجمالية، وقد تأرجح بين تأويلين مختلفين لاصطلاح «الشكل»، فهل يعني كيفيةً ملازمة لمجموع جمالي (استيطيقي) أم يعني مجموعاً جمالياً متصفاً بكيفية معينة ؟ وفي حين يبدو أن شكلوفسكي يميل إلى الاختيار الأول فإن الميل إلى التسوية بين الفن والشكل يؤدي إلى التعصب لنموذج فني خالص، وهو شيء رفضه في واحدة من دراساته، لأن ذلك رأي ميكانيكي وعتيق. وإذا كان المقصود بـ «شكلي»: «استيطيقي» فإن كل ما يتعلق بالمضمون يصبح في الفن ظواهر شكلية.
كتب شكلوفسكي في كتيبه «عن الأدب والسينما» About Literature and Cinematography قائلاً: «ليس المضمون هو العالم الخارجي للرسام، بل هو مجرد مادة رسمه»، ويتابع قائلاً: «وينطبق الشيء نفسه على مكونات الأدب النفسية والإيديولوجية التي تصنف عموماً تحت تسمية «المضمون»، وكذلك تصنف الأفكار والعواطف «المعبر عنها في أثر أدبي، شأنها في ذلك شأن الأحداث المعروضة فيه» باعتبارها «مواد بناء»، وإنشاءً فنياً، وبوصفها ظواهر تنتمي إلى نظام الكلمات ذاته أو إلى تأليف هذه الكلمات. ثم يضيف: «إن الكلمات في نظري ليست شراً بالضرورة ـ بالنسبة إلى الأديب ـ بل هي مجرد طريقة لقول شيءٍ ما، إنها مادة الأثر الأدبي نفسها. الأدب يتكون من الكلمات، وهو محكوم بالقوانين المتحكمة في اللغة».
كتب شكلوفسكي عدداً من روايات السيرة الذاتية، أهمها: «رحلة عاطفية: مذكرات (1917ـ 1922)» Sentimental Journey: Memoirs (1917-1922) ت(1923) و«حديقة الحيوان، أو رسائل ليست عن الحب، أو إلويز الثالثة» Zoo, or Letters Not About Love, or the Third Héloise ت(1923).
رضوان القضماني
(1893 ـ 1984)
فكتور بَريسوفيتش شكلوفسكي Viktor Borisovich Shklovsky كاتب وناقد وباحث أدبي روسي. درس وتخرج في كلية الآداب في جامعة سان بطرسبورغ. نشر أول مؤلفاته عام 1914 في كتاب «إحياء الكلمة». كان قريباً من المستقبليين، وكان أول أعماله النظرية الأدبية تطبيقات على إبداعات الشاعرَين خلِبنيكوف W.Chlebnikovوماياكوفسكي Mayakovsky وغيرهما. وبدءاً من هذه الأعمال ظهر اهتمام شكلوفسكي بالكلمة المنمقة والمتجددة وكذلك بخصوصية الخطاب الشعري، فانضم إلى جمعية «اللغة الشعرية» OPOYAZ التي انبثقت عنها الشكلانية الروسية[ر] Russian Formalism.
رأى شكلوفسكي في فن الكلمة نسيجاً وبنياناً يقومان على قوانين تطور الموضوع في العمل الخاضع للتحليل، وهو حصيلة للطرائق والأساليب والأدوات التي قام بها هذا البنيان وشكل نسيج الصور وانبعاث الكلمة التي يحييها العمل الإبداعي، خصوصاً في مقالته «عن الشعر ولغة الغموض» الصادرة عام 1916. لكن شكلوفسكي انتقل منذ عام 1919 إلى نظرية النثر، وظهر هذا في مقالاته حول المبنى الحكائي والأسلوب، وقد كتبها عام 1921 وجمعها في كتاب أصدره عام 1925 بعنوان «حول نظرية النثر» OnTheTheory of Prose. وإذا كان شكلوفسكي أحد أهم أعلام الشكلانية الروسية فإليه يعود التنظير حول رهافة الكلمة، وكان يرى أن الأعمال الأدبية تنقطع عن العادي والمتحجر والمتكرر لتحيي الشكلَ الداخلي فتكتسب مضمونها الأول المحدِّد، أي المعنى الرئيسي، وتجسد الكلمةُ في الفن العالمَ والكونَ كأنه يولد للمرة الأولى.
أكد شكلوفسكي أن استخدام الصورة سمةً مميزة للفن الأدبي، يعني افتراض إطارٍ مرجعي، واسع جداً وضيق جداً في الآن ذاته، إذ إن مساحة الخطاب المعتمد على المحسنات أعرض من مساحة الشعر، لأن «المجازات» متوافرة في مستويات لغوية عدة. ويتضح من هذا أن الشعر يحوي أشعاراً تصويرية كما يحوي صوراً غير شعرية. يقول شكلوفسكي: «إن الشاعر لا يخلق صوراً وإنما يعثر عليها أو يلتقطها من اللغة العادية، وإن ما يميز الشعر ماثل في كيفية استخدام التصوير ولا في مجرد حضور هذا التصوير».
نقلت نظرية شكلوفسكي المتمثلة في «التغريب» Estrangement الشيءَ الممثَل من الاستعمال الشعري العادي للصورة إلى مرتبة الفن الشعري. وكان شكلوفسكي يعد المجاز واحداً من الأدوات التي تكون في متناول الشاعر، لكونه مثالاً لنزوع عام للشعر وللفن عموماً. إن تحويل الشيء إلى دائرة جديدة للإدراك، أي التحويل الدلالي المتميز المتحقق بفضل المجاز، يعد الغاية الرئيسة للشعر وعلة وجوده. إن الشاعر وهو ينزع الشيء من سياقه المعهود ويوحد التصورات المتباينة يوجه ضربة قاضية للكليشيهات اللفظية، ويقضي على الاستجابات المتكررة دوماً، ويرغم القارئ والمستمع على إدراكٍ أكثر سمواً للأشياء ولنسيجها المحسوس. إن عملية التحويل الخلاق للأشياء تعيد رهافة الإحساس وتكسب العالم كثافة، «فالكثافة هي الخاصية الرئيسة لهذا العالم الخاص المتشكل من الأشياء التي تمّ خلقها قصداً والتي تشكل في كليتها ما نسميه الفن».
عمد شكلوفسكي إلى اختيار أبلغ أمثلته من معلِّم الرواية الواقعية ليف تولستويL.Tolstoy من أجل توضيح أن الأداة التغريبية لم تكن مجرد شعار الطليعة الأدبية، وإنما هي مبدأ شامل الحضور في الأدب، ويلاحظ شكلوفسكي أن آثار تولستوي غنية بالفقرات التي يرفض المؤلف فيه تعرف الأشياء المعهودة، فيصفها كأنه يراها أول مرة، خصوصاً في ملحمته الروائية «الحرب والسلام»، ويستعمل شكلوفسكي التقنية ذاتها على صعيد أكبر في حكايةٍ قصيرة لتولستوي أيضاً تعتمد السرد بضمير المتكلم، وكان الساردُ في القصة فرساً، وهو الملاحِظ الهامشي، لكنه الحيوان المندهش والمتعجب من ميوعة الناس ونفاقهم. إن ذلك «التغريب» يتحول عند تولستوي إلى رابط للنقد الاجتماعي، وللدمار الحضاري، فهو إذاً شيء هامشي في رأي شكلوفسكي. إن الاهتمام لا ينصب هنا على المضمرات الإيديولوجية للأداة الفنية، لأن ما يهتم به تولستوي هو تحدي الكليشيهات، أي نفي الكلمات الرنانة والمعجم التقني المستعمل عادة. و«التغريب» - كما يرى شكلوفسكي- لايعني بالضرورة تعويض ما هو مصنوع بما هو بسيط، بل يمكن أن يعني عكس ذلك، كاستعمال لفظة عادية أو بسيطة محل لفظة رفيعة أو مخصصة، مادامت هذه الأخيرة تمثل في حالة معينة الاستعمال المقبول. وليس من المهم الاتجاه الذي يسير فيه «النقل الدلالي»، وإنما المهم هو حصول هذا النقل، أي حصول الانزياح عن المعيار. هذا الانزياح أو هذه المباينة، هو ما يمثل حسب تأكيد شكلوفسكي أساس أي إدراك جمالي، أما نقل المعنى الملازم للاستعارة فهو واحد من طرقٍ عدة لتحقيق هذا التأثير الجمالي، أي طريقة من طرائق إنشاء عالم «محسوس» و«كثيف». وفي هذا مظهر آخر أساسي أيضاً هو الإيقاع، أي مجموعة من الزخارف المفروضة على الخطاب العادي، فكتابة الأشعار في رأي شكلوفسكي «عبارة عن بهلوانية لفظية للأعضاء التلفظية». إن نمط خطاب الشاعر «المصنوع» يعرقل التواصل ويُجبر القارىء على التواصل مع العالم بطريقة أشد حسماً ولكنها مَرَضية على نحو قوي. خلّف تقريظ الشعر الذي قدمه شكلوفسكي تأثيراً مهماً في النظريات الشكلية اللاحقة. فالمصطلحات - المفاتيح التي استعملها، مثل «الآلية» و«التغريب» و«الحسية» شاعت في كتابات الشكلانيين الروس، لكن موقف شكلوفسكي كان أشد شكلانية، لا لأنه دراسة منتظمة لمناهج النقد الأدبي، وإنما لأنه بناءٌ عقلي للتجربة الشعرية. وقد وجد هذا النزوع نحو المشكلات الأساسية للنظرية الأدبية ربطاً حميماً باللسانيات والسيميائيات وفي دراسات الشكلانيين الآخرين.
هاجم شكلوفسكي على طريقته المعروفة بالنقد اللاذع والمثير للجلبة السفسطة القائل «بالمضمون المستقل»، واستهزأ بالنقاد الذين يدرسون الشكل بوصفه «شراً لابد منه» ومظهراً «لشيء حقيقي»، ويبعدون باستهتار الشكل بغاية فهم «مضمون» الأثر الفني. وقد ينزعج ناقد ما من تحديد شكلوفسكي للفن باعتباره شكلاً خالصاً، كما قد ينزعج من تصريحه «إن أمتع... ما في المنهج الشكلاني كامن في كونه لا يرفض المضمون الإيديولوجي للفن، وإنما يعتبر ما يسمى مضموناً من مظاهر الشكل». إن موقف شكلوفسكي المتعلق بالمضمون مقابل الشكل مشوب بالافتقار إلى الوضوح، وذلك نظراً لنسبية المقاييس الجمالية، وقد تأرجح بين تأويلين مختلفين لاصطلاح «الشكل»، فهل يعني كيفيةً ملازمة لمجموع جمالي (استيطيقي) أم يعني مجموعاً جمالياً متصفاً بكيفية معينة ؟ وفي حين يبدو أن شكلوفسكي يميل إلى الاختيار الأول فإن الميل إلى التسوية بين الفن والشكل يؤدي إلى التعصب لنموذج فني خالص، وهو شيء رفضه في واحدة من دراساته، لأن ذلك رأي ميكانيكي وعتيق. وإذا كان المقصود بـ «شكلي»: «استيطيقي» فإن كل ما يتعلق بالمضمون يصبح في الفن ظواهر شكلية.
كتب شكلوفسكي في كتيبه «عن الأدب والسينما» About Literature and Cinematography قائلاً: «ليس المضمون هو العالم الخارجي للرسام، بل هو مجرد مادة رسمه»، ويتابع قائلاً: «وينطبق الشيء نفسه على مكونات الأدب النفسية والإيديولوجية التي تصنف عموماً تحت تسمية «المضمون»، وكذلك تصنف الأفكار والعواطف «المعبر عنها في أثر أدبي، شأنها في ذلك شأن الأحداث المعروضة فيه» باعتبارها «مواد بناء»، وإنشاءً فنياً، وبوصفها ظواهر تنتمي إلى نظام الكلمات ذاته أو إلى تأليف هذه الكلمات. ثم يضيف: «إن الكلمات في نظري ليست شراً بالضرورة ـ بالنسبة إلى الأديب ـ بل هي مجرد طريقة لقول شيءٍ ما، إنها مادة الأثر الأدبي نفسها. الأدب يتكون من الكلمات، وهو محكوم بالقوانين المتحكمة في اللغة».
كتب شكلوفسكي عدداً من روايات السيرة الذاتية، أهمها: «رحلة عاطفية: مذكرات (1917ـ 1922)» Sentimental Journey: Memoirs (1917-1922) ت(1923) و«حديقة الحيوان، أو رسائل ليست عن الحب، أو إلويز الثالثة» Zoo, or Letters Not About Love, or the Third Héloise ت(1923).
رضوان القضماني