لباد (محمد محمد)
Ibn al-Labbad (Mohammad ibn Mohammad-) - Ibn al-Labbad (Mohammad ibn Mohammad-)
ابن اللبّاد (محمد بن محمد ـ)
(250 ـ 333 هـ/864 ـ 944م)
أبو بكر بن اللباد، محمد بن محمد بن وشاح اللخمي ولاءً؛ إذ كان مولى الأفرع مولى موسى بن نصير اللخمي، من أهالي القيروان.
مفتي المغرب الفقيه العلامة المالكي، العالم بالتفسير واللغة.
كان ابن اللبّاد وشاحاً حائكاً، يواظب على مجالس العلم متعلماً وعالماً عاملاً؛ إذ كان كثير الاتباع للسنن، أخذ عن كثير من علماء عصره، مثل الشيخ عبد الله بن طالب التيمي أبي العباس (ت 276هـ)، والشيخ العلامة يحيى بن عمر الكِنانـي (ت 289هـ) الذي أعجب به، ونهل من علمه، وأخذ عن أخيه محمد بن عمر، وحمديس القطان، والأبياني، وعبد الجبار ابن خالد، وأحمد بن يزيد، والمغامي، وأحمد بن سليمان، وغيرهم.
كما سمع من جميع الشيوخ الذين كانوا في وقته؛ كأبي بكر بن عبد العزيز الأندلسي المعروف بابن الجزّار، وأبي الطاهر، وحبيب بن نصر، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن معمر، ومحمد بن المنذر، وأحمد بن يزيد، وأبي عمران البغدادي، ومحمد بن المنذر الزبيدي وغيرهم، حتى غدا أجل شيوخ وقته؛ فقصده المتفقهون والدارسون وتخرج به أئمة كبار، فتفقه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، وابن حارث، وقصده للسماع منه الفضل بن عبد الرحمن العامري الغرناطي ومحمد بن قاسم بن خُرَّم الثغري أبو عبد الله (ت 338هـ) وحمّاد بن إلياس، ودرّاس بن إسماعيل أبو ميمونة الفاسي (ت 357هـ)، وقد روى عنه درّاس بن إسماعيل ومجموعة من العلماء، مثل زياد بن عبد الرحمن القروي، ومحمد بن الناظور، وغيرهم كثير.
وكان كاتباً عند الفقيه الحافظ اللغوي العلامة ابن الخشّاب، فازدادت شهرته إذ كان على مظالم القيروان، وعلى الرغم من أنه كان قليل اللين في معاملاته إلا أن كثيراً من علماء عصره أجزلوا له المدح إذ أثنى عليه من علماء الأندلس أبو العرب: «فقيهاً جليل القدر عالماً باختلاف أهل المدينة واجتماعهم مهيباً مطاعاً ديناً ورعاً زاهداً من الحفّاظ المعدودين والفقهاء المبرزين»، وتلميذه أبو العباس الأبياني إذ قال: «إنما انتفعت بصحبة ابن اللبّاد، ودرست معه عشرين سنة»، وينقل إبراهيم اليعمري في كتابه «الديباج المذهب» عن محمد بن إدريس أنه قال: «صحبت العلماء بالمشرق والمغرب ما رأيت مثل ثلاثة أبي بكر بن اللبّاد وأبي الفضل الممسي وأبي إسحاق بن شعبان».
له تصانيف، منها «الآثار والفوائد» عشرة أجزاء، و«فضائل مالك بن أنس» و«فضائل مكة» و«كشف الرواق عن الصروف الجامعة للأواق- خ» في أوزان الصروف الشرعية والأواقي، و«الحجّة في إثبات العصمة للأنبياء»؛ وذكر الكتاب باسم «عصمة النبيّين» و«كتاب الطهارة».
أفاد في كتب الفقه من كتب الشيخ أبي عبد الله أصبغ بن الفرج الفقيه المالكي المصري (ت 225هـ)؛ إذ قال: «ما انفتح لي طريق الفقه إلاّ من أصول أَصْبَغ».
وكان يقول: «أزهد الناس في العالم قرابته وجيرانه» وقال: «ما قرب الخير من قوم قط إلا زهدوا فيه».
وكان قد دُعيَ لقضاء صقلية فأبى، ولم يكن على وفاق مع العبيديّين (الفاطميين)، وكان أصل محنته أنه صلى على جنازة استؤذن لها، وقد حضر ابن أبي المنهال القاضي حينئذ بجنازة أخرى، كُلّم عليها، فصلّى أبو بكر بن اللبّاد، ومدّ رجليه، واستدبر القبلة، ولم يصلّ وراءه في جماعة منهم، فشقّ ذلك على ابن أبي المنهال، وأغرته به المشارقة، فوجّه وراءه جماعة منهم، فلما دخل، قال له: اجلس، ثمّ عقد عليه محضراً بشهادة القوم؛ بفتحه بابه، وانتصابه للفتوى، والسماع، بخلاف مذهب أمير المؤمنين، وأنه يلبس السواد، ويخضب في الأعياد، فقال له أبو بكر: «لمن أدعو؟»، قال: «لبني أمية، يلبسون السواد» (وهذا دليل على جهل أبي المنهال؛ لأن العباسيين كانوا يلبسون السواد)، وأراد فضيحته عند من حضر، ثم قال له أيضاً: «إن الخطبة لا تكون بأقلّ من خمسين رجلاً، وداري لا تحمل ذلك»، ثم قال له: «ومتى كان هذا بعد صلاة الجنازة أم قبلها؟» فقال له ابن أبي المنهال: «وأي حجّة لك في ذلك؟» فقال: «إن كان قبل الصلاة عليها، فقد غششت أمير المؤمنين، إذ كتمت عنه هذا، وإن كان بعدها فأنت خصمي، ولا يقبل قولك»، فأمر ابن أبي المنهال بسجنه، فأقام مسجوناً حتى ذهب محمد ابن أخيه إلى المهدية، فأخبر بذلك البغدادي، وكان يحبه، فسعى له عند المهدي بالله أبي محمد عبيد الله (297-322هـ)، حتى أمره أن يكتب إلى ابن أبي المنهال بإخراجه من السجن، على ألا يفتي ولا يجتمع إليه أحد.
وبقي تلامذته يعودونه، ويسمعون منه سراً إلى أن توفي.
كان كثير الحفظ جمّاعاً للكتب، شغله إسماع الكتب عن التكلم في الفقه، وكانت مذاكرته تعسر لضيق في خلقه، وكان آخر شيوخ وقته، تقياً مجاب الدعوة. وقد فلج في آخر عمره. وقيل أنه تُوفِّي سنة 352هـ، والتاريخ المقدم أرجح. ورثاه تلميذه الشيخ ابن أبي زيد قائلاً:
يا عينُ فابكِ لمن بفقده فـُقـِدَت
جوامعُ العلمِ والخيراتِ إذ دُفِنـا
إنَّا فقدْناكَ فقد الأرض وابلـهـا
فنحنُ بعدَكَ نلقَى الضِّيمَ والفتنـا
ونحنُ بعـدَك أيتـامٌ بـغـير أبٍ
إذ غيَّبَ التُّربُ عنَّا وجهكَ الحسنا
قد كان يعتزُّ بالرَّحمنِ إذ قصـدُوا
لذلِّهِ بهوانِ السَّجـنِ إذ سـُجِنـا
يا مَنْ هو العلَمُ المشهودُ منظـرُهُ
ومَنْ تأدَّبَ بالتَّـقـوى وأدَّبَـنـا
عامر عيسى
Ibn al-Labbad (Mohammad ibn Mohammad-) - Ibn al-Labbad (Mohammad ibn Mohammad-)
ابن اللبّاد (محمد بن محمد ـ)
(250 ـ 333 هـ/864 ـ 944م)
أبو بكر بن اللباد، محمد بن محمد بن وشاح اللخمي ولاءً؛ إذ كان مولى الأفرع مولى موسى بن نصير اللخمي، من أهالي القيروان.
مفتي المغرب الفقيه العلامة المالكي، العالم بالتفسير واللغة.
كان ابن اللبّاد وشاحاً حائكاً، يواظب على مجالس العلم متعلماً وعالماً عاملاً؛ إذ كان كثير الاتباع للسنن، أخذ عن كثير من علماء عصره، مثل الشيخ عبد الله بن طالب التيمي أبي العباس (ت 276هـ)، والشيخ العلامة يحيى بن عمر الكِنانـي (ت 289هـ) الذي أعجب به، ونهل من علمه، وأخذ عن أخيه محمد بن عمر، وحمديس القطان، والأبياني، وعبد الجبار ابن خالد، وأحمد بن يزيد، والمغامي، وأحمد بن سليمان، وغيرهم.
كما سمع من جميع الشيوخ الذين كانوا في وقته؛ كأبي بكر بن عبد العزيز الأندلسي المعروف بابن الجزّار، وأبي الطاهر، وحبيب بن نصر، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن معمر، ومحمد بن المنذر، وأحمد بن يزيد، وأبي عمران البغدادي، ومحمد بن المنذر الزبيدي وغيرهم، حتى غدا أجل شيوخ وقته؛ فقصده المتفقهون والدارسون وتخرج به أئمة كبار، فتفقه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، وابن حارث، وقصده للسماع منه الفضل بن عبد الرحمن العامري الغرناطي ومحمد بن قاسم بن خُرَّم الثغري أبو عبد الله (ت 338هـ) وحمّاد بن إلياس، ودرّاس بن إسماعيل أبو ميمونة الفاسي (ت 357هـ)، وقد روى عنه درّاس بن إسماعيل ومجموعة من العلماء، مثل زياد بن عبد الرحمن القروي، ومحمد بن الناظور، وغيرهم كثير.
وكان كاتباً عند الفقيه الحافظ اللغوي العلامة ابن الخشّاب، فازدادت شهرته إذ كان على مظالم القيروان، وعلى الرغم من أنه كان قليل اللين في معاملاته إلا أن كثيراً من علماء عصره أجزلوا له المدح إذ أثنى عليه من علماء الأندلس أبو العرب: «فقيهاً جليل القدر عالماً باختلاف أهل المدينة واجتماعهم مهيباً مطاعاً ديناً ورعاً زاهداً من الحفّاظ المعدودين والفقهاء المبرزين»، وتلميذه أبو العباس الأبياني إذ قال: «إنما انتفعت بصحبة ابن اللبّاد، ودرست معه عشرين سنة»، وينقل إبراهيم اليعمري في كتابه «الديباج المذهب» عن محمد بن إدريس أنه قال: «صحبت العلماء بالمشرق والمغرب ما رأيت مثل ثلاثة أبي بكر بن اللبّاد وأبي الفضل الممسي وأبي إسحاق بن شعبان».
له تصانيف، منها «الآثار والفوائد» عشرة أجزاء، و«فضائل مالك بن أنس» و«فضائل مكة» و«كشف الرواق عن الصروف الجامعة للأواق- خ» في أوزان الصروف الشرعية والأواقي، و«الحجّة في إثبات العصمة للأنبياء»؛ وذكر الكتاب باسم «عصمة النبيّين» و«كتاب الطهارة».
أفاد في كتب الفقه من كتب الشيخ أبي عبد الله أصبغ بن الفرج الفقيه المالكي المصري (ت 225هـ)؛ إذ قال: «ما انفتح لي طريق الفقه إلاّ من أصول أَصْبَغ».
وكان يقول: «أزهد الناس في العالم قرابته وجيرانه» وقال: «ما قرب الخير من قوم قط إلا زهدوا فيه».
وكان قد دُعيَ لقضاء صقلية فأبى، ولم يكن على وفاق مع العبيديّين (الفاطميين)، وكان أصل محنته أنه صلى على جنازة استؤذن لها، وقد حضر ابن أبي المنهال القاضي حينئذ بجنازة أخرى، كُلّم عليها، فصلّى أبو بكر بن اللبّاد، ومدّ رجليه، واستدبر القبلة، ولم يصلّ وراءه في جماعة منهم، فشقّ ذلك على ابن أبي المنهال، وأغرته به المشارقة، فوجّه وراءه جماعة منهم، فلما دخل، قال له: اجلس، ثمّ عقد عليه محضراً بشهادة القوم؛ بفتحه بابه، وانتصابه للفتوى، والسماع، بخلاف مذهب أمير المؤمنين، وأنه يلبس السواد، ويخضب في الأعياد، فقال له أبو بكر: «لمن أدعو؟»، قال: «لبني أمية، يلبسون السواد» (وهذا دليل على جهل أبي المنهال؛ لأن العباسيين كانوا يلبسون السواد)، وأراد فضيحته عند من حضر، ثم قال له أيضاً: «إن الخطبة لا تكون بأقلّ من خمسين رجلاً، وداري لا تحمل ذلك»، ثم قال له: «ومتى كان هذا بعد صلاة الجنازة أم قبلها؟» فقال له ابن أبي المنهال: «وأي حجّة لك في ذلك؟» فقال: «إن كان قبل الصلاة عليها، فقد غششت أمير المؤمنين، إذ كتمت عنه هذا، وإن كان بعدها فأنت خصمي، ولا يقبل قولك»، فأمر ابن أبي المنهال بسجنه، فأقام مسجوناً حتى ذهب محمد ابن أخيه إلى المهدية، فأخبر بذلك البغدادي، وكان يحبه، فسعى له عند المهدي بالله أبي محمد عبيد الله (297-322هـ)، حتى أمره أن يكتب إلى ابن أبي المنهال بإخراجه من السجن، على ألا يفتي ولا يجتمع إليه أحد.
وبقي تلامذته يعودونه، ويسمعون منه سراً إلى أن توفي.
كان كثير الحفظ جمّاعاً للكتب، شغله إسماع الكتب عن التكلم في الفقه، وكانت مذاكرته تعسر لضيق في خلقه، وكان آخر شيوخ وقته، تقياً مجاب الدعوة. وقد فلج في آخر عمره. وقيل أنه تُوفِّي سنة 352هـ، والتاريخ المقدم أرجح. ورثاه تلميذه الشيخ ابن أبي زيد قائلاً:
يا عينُ فابكِ لمن بفقده فـُقـِدَت
جوامعُ العلمِ والخيراتِ إذ دُفِنـا
إنَّا فقدْناكَ فقد الأرض وابلـهـا
فنحنُ بعدَكَ نلقَى الضِّيمَ والفتنـا
ونحنُ بعـدَك أيتـامٌ بـغـير أبٍ
إذ غيَّبَ التُّربُ عنَّا وجهكَ الحسنا
قد كان يعتزُّ بالرَّحمنِ إذ قصـدُوا
لذلِّهِ بهوانِ السَّجـنِ إذ سـُجِنـا
يا مَنْ هو العلَمُ المشهودُ منظـرُهُ
ومَنْ تأدَّبَ بالتَّـقـوى وأدَّبَـنـا
عامر عيسى