الصحافة في لبنان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصحافة في لبنان

    لبنان (صحافه في)

    Lebanon - Liban

    لبنان (الصحافة في ـ)

    تأتي الصحافة اللبنانية في مقدمة الصحافة العربية التي أعطت لمجتمعها طابعاً عرف بها، منذ أن أخذت بالانتشار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومع نمو دورها الاجتماعي والثقافي في المجتمع اللبناني ومنطقة المشرق العربي عموماً، راح الباحثون والمفكرون والأدباء ينظرون إلى هذا الدور من زاويتين متباينتين، ففي حين وجد بعضهم أن حرية الصحافة تميز المجتمع اللبناني الذي ينبغي أن يبقى واحة للفكر الحر، ولا يمكن له أن يكون خصماً للحرية، وجد آخرون أن هذه الحرية، بما تضمنته من أشكال وصور كانت سبباً للويلات والمشكلات التي جابهت المجتمع اللبناني منذ ذلك الحين، وهي تسهم على نحو ما في تعزيز الانقسامات الاجتماعية لأنها مبنية عليها، وتستمد منها مشروعيتها، الأمر الذي دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى القول إنه توجد في لبنان بالفعل حرية صحافة، ولكن لا توجد صحافة حرة.
    ومهما يكن فإن التركيبة الاجتماعية السياسية الناشئة من تعدد الطوائف اللبنانية هي التي أتاحت الفرصة لسيادة جو ليبرالي فيه؛ مما انعكس على النظام الصحفي والتعددية الصحفية، ووفر مجالاً أوسع للحرية، مما دفع بالسلطات الحكومية المتوالية إلى أن تكون متسامحة مع وسائل الإعلام، ومتسمة بضبط النفس تجاهها، وملزمة بعدم تقييدها أو شل حريتها، ويكفي وجود عدد كبير من الصحف السياسية والمطبوعات غير السياسية، والمحطات التلفزيونية والإذاعية التي تعمل على هامش القانون كي يصبح لبنان في مقدمة دول المنطقة إعلامياً.
    وعموماً، يمكن النظر إلى الصحافة اللبنانية على أنها الرائدة في المجتمع العربي، من حيث كون لبنان قد سبق الأقطار العربية الأخرى في إصدار صحافة شعبية غير تابعة للسلطة. فقد انطلقت الصحافة الشعبية في لبنان بصورة منتظمة بدءاً من مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بعد أن توافر لها شروط أهمها: درجة مقبولة من التعليم بين أبنائه، وانتشار الطباعة، إضافة إلى تخبط المجتمع في مشكلات اجتماعية وسياسية حادة كشفت حاجة أبنائه للتواصل والتشاور لحل هذه المشكلات. وقد بدأت الصحافة في لبنان على أيدي الأفراد لا الحكومات، وأول صحيفة صدرت في بيروت هي: «حديقة الأخبار» لخليل خوري سنة 1858، وهي أول صحيفة أصدرها مواطن عربي في بلد عربي. وعلى أثر حوادث سنة 1860 الدامية أصدر بطرس البستاني «نفير سوريا» ودعا على صفحاتها للوحدة الوطنية التي كادت أن تتمزق في هذه الحوادث المؤسفة، أما أول مجلة صدرت في لبنان فكانت مجلة «النشرة الشهرية» لمحررها يوسف الشلفون عام 1866، ويبدو أن النجاح الذي صادف الصحف الأولى شجع على ظهور صحف أخرى كان من أهمها «البشير» الكاثوليكية، و«الجنة» للمعلم بطرس البستاني، و«النحلة» للقس لويس صابونجي. ومن سنة 1870 حتى الحرب العالمية الأولى صدر في لبنان نحو أربعين صحيفة ومجلة، وتعد صحيفة «الجنينة» التي أصدرها سليمان البستاني أول جريدة عربية يومية، وبالتالي تعددت اهتمامات الصحف اللبنانية الأولى، ويمكن تقسيم مراحل تطور الصحافة اللبنانية وفق هذه الاهتمامات إلى سبع مراحل:
    المرحلة الأولى ما بين (1858- 1876): كان توجه الصحافة اللبنانية تثقيفياً وأدبياً، عندما انخرط كثيرون من رجال الفكر في العمل الصحفي.
    المرحلة الثانية (1876- 1914): اتسمت بتوجه الصحافة نحو السياسة، وبالكبت والاضطهاد الذي لاقته في ظل السلطان عبد الحميد الثاني ومن تلاه من حكام الترك، مما أسفر عن هجرة الصحافيين اللبنانيين إلى فرنسا وأمريكا، ومنهم من هاجر إلى مصر، حيث أسهم في تكوين الصحافة الشعبية فيها، وأبرز هؤلاء الأخوان «تقلا» مؤسسا صحيفة «الأهرام» المصرية.
    المرحلة الثالثة (1918-1943): وفيها استعادت الصحافة اللبنانية نشاطها في ظل الاحتلال الفرنسي، واستمر توجهها سياسياً.
    المرحلة الرابعة (1943-1962): وفيها نال لبنان استقلاله، وتأثرت الصحافة اللبنانية بالتغيرات السياسية، لكنها استفادت من تدفق الأموال، مما أسهم في خلق صحافة جديدة متمكنة، وبدأ في هذه المرحلة تضاد الاتجاهين المتناقضين لحرية العمل والضبط الأخلاقي، ومن أهم صحف هذه المرحلة اليومية «الديار» التي صدرت عام 1945، وجريدة «الحياة» لصاحبها كامل مروة عام 1946.
    المرحلة الخامسة (1962- 1975): وتعد مرحلة النضوج المهني، وتوجه الصحافة اللبنانية إلى النخبة العربية، واستمرت هذه المرحلة حتى قيام الحرب الأهلية.
    المرحلة السادسة (1976-1990): وفيها دخلت الصحافة قفص الاتهام لمسؤولية بعضها عن بث الانقسام بين اللبنانيين، وعن نشر ما ساعد على قيام الحرب الأهلية واستمرارها، وصدر في هذه المرحلة صحافة فئوية حزبية غير مرخص لها بلغ عددها نحو 300 مطبوعة.
    المرحلة السابعة (بدءاً من عام 1990): وتتمثل بمرحلة ما بعد توقف الحرب الأهلية، وما رافق قرارات مؤتمر الطائف من تنظيم للإعلام المطبوع والمسموع والمرئي، لتنتهى حياة الصحافة غير القانونية، لكن ليبدأ معها عصر جديد يتمثل بعصر صحافة القوة المسيطرة على مفاتيح الحكم والمناصب الإدارية، وهو ما يدعى بإعلام المصالحة الذي تقاسم تركة الإعلام اللبناني بعد الحرب.
    ويعرّف قانون المطبوعات اللبناني الصادر عام 1962 المطبوعة الصحفية إنها وسيلة نشر دورية مرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور، ويوجد منها الصحيفة اليومية والصحيفة الدورية والوكالة الإعلامية ووكالة المقتطفات الصحفية، إضافة للنشرة الاختصاصية، ويمنع القانون إصدار أي مطبوعة صحفية إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الإعلام. وأهم شروط هذا الترخيص الذي يحدده المرسوم الاشتراعي رقم 74 الصادر في 13/4/1953 وجوب الجنسية اللبنانية والصفة الصحفية، وشرط أن يكون عدد الصحف السياسية يقل عن 25 مطبوعة بالنسبة لترخيص المطبوع السياسي، ومن دون قيد محدد للمطبوع غير السياسي. لكن هذا لم يمنع، أن التناحر والعمل لمصالح غيرية يبقى السمة المميزة لتاريخ الصحافة اللبنانية، بدليل ما يروى من أن الرئيس اللبناني الأسبق شارل الحلو لكثرة انتقاد الصحافة للرؤساء توجه إلى أعضاء نقابة الصحافة اللبنانية في أول مقابلة رسمية له معهم قائلاً: «أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان».
    والمشكلة الأكثر تعقيداً، أنه إذا كانت حرية الصحافة وسيلة أساسية من وسائل التعبير عن المصالح والتطلعات لدى شريحة سكانية معينة، فإن ذلك لا يسوغ أن تصبح حرية الصحافة هدفاً في ذاته، بصرف النظر عما قد يترتب على ذلك من نتائج وآثار قد تكون ضارة بالمجتمع. بقدر ما حققته الصحافة اللبنانية في المرحلة الراهنة من تطور مميز في مجال الإنتاج والتوزيع ورصد الأخبار والوقائع، فإنها أصبحت هدفاً للقوى الاجتماعية والسياسية المتصارعة، ومسرحاً للتناقضات المجتمعية الواسعة، الأمر الذي أفقدها جزءاً من وظيفتها التنويرية والثقافية والمعرفية التي كانت تميزها في الماضي، وجعلها تؤدي وظائف سياسية متناقضة في الوقت الراهن.
    عربي المصري
يعمل...
X