الفن في لبنان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفن في لبنان

    لبنان (فن في) Lebanon - Liban
    الفن في لبنان



    ظهر الفن التشكيلي بمفهومه الجديد في لبنان منذ القرن السابع عشر، حيث ابتدأت الحياة الثقافية تتفاعل مع الثقافة الأوربية، وكان الأمير فخر الدين الكبير قد زار إيطاليا في العام 1613 واطلع على آثار الحضارة في عصر النهضة المتمثلة بالفنون وبالعمارة، وحينما عاد إلى بيروت أنشأ فيها قصره حسب الطراز السائد في البندقية، وأعلن دعوته إلى الإفادة من الحضارة والفن في أوربا.

    ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، صارت بيروت جسراً لانتقال الثقافة الأوربية إلى لبنان التي كانت جزءاً من بلاد الشام. وابتدأت الحركة الفنية تأخذ مسارها لاستيعاب الفن الأوربي، فقام جيل من الشباب بمتابعة دراسة الفن في روما وباريس ولندن وبروكسل، وكان من أبرز هؤلاء، داود القرم (1852-1930) الذي برع بالتصوير الزيتي بعد أن أكمل دراسته في روما في العام 1870 على يد المصور روبيرتو بومبياني R.Bompiani، مصور البلاط في روما.

    وبعد أن أنهى داود القرم دراسته عمل مصوّراً في بلاط ملك بلجيكا ليوبولد Léopold، ثم دعي إلى حاضرة الڤاتيكان لتصوير البابا بيوس التاسع Pius IX، وفي مصر صوّر الخديوي توفيق وبعض أعضاء أسرته، ثم دعاه الخديوي عباس إلى القاهرة لإنجاز لوحة تمثّله، هي من أبرز أعماله. وفي بيروت أنجز داود القرم مجموعة من الصور الشخصية لكبار المسؤولين اللبنانيين.

    إلى جانب هذا الفنان الرائد، كان حبيب سرور (1860-1938) ونعمت الله معادي، وقد اهتما بتصوير الموضوعات الدينية الكنسية.

    وإذا كان هؤلاء الرواد قد مارسوا التصوير الواقعي المدرسي، فإن رائد تيار التصوير الحديث كان خليل صليبي (1870- 1928) الذي تأثر بالمدرسة الانطباعية [ر] الفرنسية، محاولاً التعبير عن التصوير واللون الشفاف والحركة. ومنذ العام 1900 كان الصليبي يعلّم الرسم في الجامعة الأمريكية في بيروت.

    ويقف مع جيل الرواد المصور فيليب موراني الذي عاش في باريس ممارساً التصوير التقليدي الكلاسي، وشكري المصور الذي هاجر إلى الولايات المتحدة، محتفظاً في أعماله بالموضوعات الشرقية التي استهوت الغرب.

    ويظهر في لبنان الجيل الثاني من المصورين والنحاتين من أمثال يوسف حويك وجبران خليل جبران الشاعر والفيلسوف والمصور، ويوسف غصوب.

    درس يوسف حويك (1883-1962) النحت في روما وباريس حيث أقام زمناً امتد إلى عشرين عاماً، تأثر في أثنائها بفناني عصر النهضة وبالنحات الفرنسي الشهير رودان [ر] Rodin. وفي باريس اشترك مع صديقه جبران في نشاطه الفني، وعند عودته إلى بلاده نشط في إنجاز أعمال نحتية وتصويرية، وكان رائداً تتلمذ على يديه عدد من الفنانين اللبنانيين.

    أما جبران خليل جبران (1882- 1931) فقد اشتهر بمؤلفاته الأدبية والفلسفية باللغة الإنكليزية والعربية التي أنجز أكثرها في بلاد هجرته في بوسطن، وإلى جانب إنتاجه الأدبي المهم، ترك جبران روائع تصويرية رومنسية حُفظت في متحف خاص يحمل اسمه في بشرِّي.

    أما النحات يوسف غصوب (1898-1967) فاستمد أسلوبه من معلمه النحات المصري الشهير محمود مختار [ر]، ثم سافر إلى باريس وروما لكي يتابع دراسة روائع الفن فيهما، واستمر غصوب متابعاً أسلوب النحت الأكاديمي الواقعي، وكان قد عاش متنقلاً بين سورية وفلسطين ولبنان.

    بعد الحرب العالمية الأولى، ابتدأ ظهور جيل الفنانين الذين تأثروا بالحداثة الفنية وكانوا رواداً للفن الذي ظهر مخالفاً لتقاليد الفن المدرسي الذي درسوه عن الرواد الكبار، القرم وسرور وصليبي في بداية تكونهم الفني.

    وكان من أبرز هؤلاء الفنانين المحدثين، مصطفى فروخ (1902- 1957) وقيصر جميّل (1898- 1958) وعمر أنسي (1901- 1969) وصليبا الدويهي ورشيد وهبي، وكغيرهم من الفنانين كان عليهم أن يدعموا مواهبهم بدراسة الفن في أوربا، حيث ظهرت المدارس الحديثة المتطرفة مثل الدادائية والوحشية والسريالية والتجريدية.

    وعند عودتهم كان عليهم أن يقدموا فناً لا يخدم المعابد والقصور، بل يتجه إلى المثقفين والأثرياء الذين ابتدؤوا يدركون مدى أهمية الفن، فيمارسون الاقتناء الذي بدا متواضعاً، ثم لم يلبث أن تنامى مع ظهور دُور العرض الخاصة.

    ولم يكن المصورون الشباب من أصحاب الثروات، بل كانوا من أسر متواضعة، لأنهم أدركوا أن الفن بوصفه اختصاصهم ومهنتهم، كان عليهم أن يسعوا إلى تسويق أعمالهم التي لم تعد تتناول الموضوعات الدينية، بل المشاهد الطبيعية والأوضاع الاجتماعية والأحداث الخاصة، مما جعلهم رواد فن أكثر ارتباطاً بالبيئة اللبنانية، وأكثر قرباً من الأذواق العامة بأعمالهم التي تمثل الجبل والبحر والناس بلباسهم التقليدي، فكانوا من رواد الأصالة في الفن.

    غير أن التيار التجريدي في الفن لم يكن غائباً، ذلك أن أسلوب صليبا الدويهي كان قد فتح الباب للمدارس الفنية المتطرفة.

    وتمظهر الانفتاح على الجماهير لدعم الذوق الفني، في إقامة المعارض الفنية، وكان من أبرزها المعرض الذي أقيم في مدرسة الصنائع والفن، في العام 1931، ثم في العام 1932، والذي نظمه لفيف من الفنانين من أمثال قيصر جميّل ورشيد وهبي وكان الفنان الفرنسي جورج سير G.Cyr الذي أقام في لبنان قد رسم الهيئات الشعبية بالألوان المائية والزيتية. وقد برز اسمه من خلال معرضه في العام 1933، والذي أثر كثيراً في اندفاع المصورين الشباب نحو الفن الشعبي. وفي العام 1934 أقيم معرض في فندق سان جورج برعاية جريدة «سورية»، اشترك فيه كل من حبيب سرور وفيليب موراني ومصطفى فروخ ورشيد وهبي. وأضخم المعارض أقيم في بناء البرلمان اللبناني في ساحة النجمة في العام 1936. وبعد الاستقلال نظّم معرض في بناء اليونسكو في العام 1948، وكان بداية لسلسلة معارض سنوية كان أبرزها معرض العام 1953 الذي ضم أعمال الجيل الثالث من الفنانين، وافتتح بعنوان «طيور حول العالم».

    كان من أهم المؤسسات التي رفدت الحركة الفنية في لبنان، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة التي أنشأها في العام 1943 ألكسي بطرس، والتي ضمت أساتذة أجانب مع الأساتذة اللبنانيين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر الجيل الرابع من الفنانين في لبنان الذي وجد نفسه أمام زخم من التيارات الفنية الأجنبية المتطرفة في اتجاهاتها، مثل المدارس الحديثة السريالية والتكعيبية والتجريدية.

    ولكن بعض الخريجين من الأكاديمية أخذوا فنهم وأسلوبهم عن جيل الفنانين الثالث، إذ انحازوا إلى الاتجاه المعتدل. وثمة فئة أخرى مثل فريد عواد وشفيق عبود وجـان خليفة (1923- 1977) ومنير عيدو وسعيد عقـل وإيفيت أشقر ورفيق شـرف (1932- 2004) وبول غيراغوسيان وعادل صغير وعارف الريس (1928- 2004) وحليم جرداق وهيلين الخال. هذه المجموعة الواسعة سارت في طرق مختلفة باتجاه الحداثة، ولم تخل محاولات بعضهم من البحث عن فن مستقل عن التأثيرات الغربية، قريب من تقاليد الفن المحلي، مثل رفيق شرف.

    وابتدأ النحت في لبنان لإغناء المعابد والمقابر المسيحية بالأعمال الفنية. وبرز النحت الميداني منذ أن أقيم تمثال الحرية للنحات الإيطالي مدزاكوراتي، ثم أقيمت تماثيل شخصية لتكريم رياض الصلح وبشارة الخوري، وللأمير فخر الدين الثاني، ولعبد الحميد كرامي في طرابلس، وكان من أبرز نحاتي هذه التماثيل يوسف الحويك.

    وبرز من النحاتين الحديثين الأخوة، ميشيل بصبوص (1921-1981) وألفريد ويوسف (1929- 2001)، ثم سلوى روضة شقير وحسين ماضي. وكان ميشيل بصبوص قد افتتح في راشانا الملتقى الدولي الأول للنحت.

    استغل هؤلاء النحاتون مواد مختلفة في إنجاز منحوتاتهم. مثل فضلات المعدن، وقضبان الألمنيوم، واللدائن البلاستيكية والبوليئستر، والعلب الفارغة، كما فعل حليم جرداق وريمون خدام (1924- 1968)، ومعزز روضة (1906- 1986) ومنير عبدو.

    وعدد من النحاتين من أمثال ناظم إيراني ووهيب بيتديني، آثروا البقاء في ظروف الحياة اللبنانية في موضوعاتهم، في حدود الوسائل التقليدية في النحت، بل انحاز حليم الحاج دائماً مع سميح العطار إلى الأسلوب الأكاديمي.

    في عام 1952، صار قصر سرسق متحفاً يحمل اسم «متحف نيقولا إبراهيم سرسق» لاستقبال المعارض الضخمة، ومعرض الربيع السنوي، بل صار المتحف معرضاً دائماً للنحت اللبناني، وعند مدخل المتحف تُرى أعمالٌ لسلوى روضة شقير وميشيل بصبوص وعارف الريس. وفي الداخل منحوتات أخرى لزافين هاديشيان وسامي الرفاعي، وكان هذا المتحف قد استقبل معرضاً مهماً لأعمال رودان. وصار مقراً لعرض المنحوتات التابعة لمعرض الخريف منذ العام 1961، والذي استمر سنوياً كمعرض رسمي حتى العام 1980، وفي هذا المعرض كانت تقدّم الجوائز كحوافز مادية ومعنوية للفنانين العارضين.

    ثم ظهرت منذ العام 1961 قاعات العرض الخاصة، كما افتتحت الجامعة الأمريكية في بيروت قسماً خاصاً لتدريس الفنون الجميلة من قبل أساتذة أمريكيين، وفي العام 1957 أنشئ اتحاد الفنانين اللبنانيين ليضم المصورين والنحاتين.

    وكان معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية قد افتتح أبوابه منذ العام 1965. كما أنشأت كلية البنات قسماً لتدريس الفن وكذلك جان الكسليك.

    وفي نهاية القرن العشرين، برزت أسماء جديدة في مجال الفن الحديث مثل أمين الباشا وناديا صيقلي وحسن جوني وفريد حداد وأسادور بازدكيان وأوديل مظلوم ومنير نجم وأمين الصغير وإدوارد لحود وموسى الطيبي ووجيه نحلة وجوليا ساروفيم وسها تميم (1936- 1986).

    وفي أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، هاجر عدد كبير من الفنانين من لبنان، ما سبب فراغاً كبيراً وجموداً في الحركة الفنية، ثم عادت بيروت منذ بداية القرن الواحد والعشرين إلى استعادة مركزها الثقافي ونشاطها.

    عفيف البهنسي
يعمل...
X