لبنان (موسيقي في)
Lebanon - Liban
الموسيقى في لبنان
حافظت لبنان منذ سقوط الامبراطورية العثمانية عام 1918، مثلها مثل باقي ديار الشام، على تراثها الموسيقي والغنائي الشعبي، إضافة إلى ما ورثته من أغان وألحان تركية تأتي في مقدمتها قوالب التأليف الموسيقي التركي من بشارف وسماعيات ولونغا، حتى مستهل سني أربعينات القرن العشرين، عندما بدأت الأغنية الريفية اللبنانية المشابهة للأغنيات الريفية في بلاد الشام تطغى وتحتل ذاكرة الناس، ولاسيما في الجنوب والبقاع والجبل من دون أي تغيير أو تطوير في ملامحها التراثية. والمقصود بالأغنية الريفية الأزجال الشعبية كالمُعنّى والقرَّادي والمواليَّا والدلعونا وغيرها، والسمة البارزة لهذه الأغنية أنها غير احترافية، أي إنها كانت أغنية الأفراح والأعراس والمناسبات المختلفة. وقد بدأ منذ الخمسينات الصقل الفني لهذا النوع من الغناء الشعبي التراثي، إذ امتدت يد الموسيقيين المحترفين لتعمل فيها تطويراً وتحديثاً لإيجاد صيغة فنية تلائم العصر والحياة والمستجدات الإجتماعية.
تعدّ أغاني الدلعونا أكثر الأغاني الشعبية انتشاراً في الريف اللبناني، وهي تغنّى بأساليب وإيقاعات مختلفة. فدلعونا الجنوب ندية طرية ذات طابع حزين في حين دلعونا البقاع فرحة منتشية تحمل نبضاً فروسياً، بخلاف دلعونا الجبل التي تحتضن القوة والنبرة الحاضرة. ومنذ مستهل الستينات دخلت على الأغنية الشعبية التراثية عناصر عدة، غيّرت من طبيعة الأزجال من دون أن تمس الإيقاعات والأوزان لتحولها إلى فن غنائي يعبر عن الناس أو عن شخصيات عامة. والموسيقيون المحترفون الذين عملوا على تحديث وتطوير هذه الأزجال كانوا على درجة عالية من الشفافية والتقانة، ويأتي في طليعتهم الأخوان رحباني، وتوفيق الباشا، وفيلمون وهبي، وشعراء كبار من مثل أسعد سابا، وأسعد السبعلي، وعبد الجليل وهبة، وزين شعيب وغيرهم.
في سني الثلاثينيات، وعلى خط مواز تقريباً، ظهرت الأغنية المدينية مع انتشار الأغنية المصرية التي بدأ الوسط البيروتي بتعرّفها من خلال الإذاعـة المصرية والأسطوانات والجوقات المصرية التي كانت تزور بيروت وتقيم الحفلات فيها، ومن وراء الأفلام الغنائية أيضاً لمحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ونادرة، وعبد الغني السيد، ونجاة علي وغيرهم. ولا يعني هذا أن الأغنية المدينية كانت وليدة الأغنية المصرية، إذ ظهرت قامات فنية لبنانية أدت دوراً في صوغ الأغنية اللبنانية الحديثة، ويعد عازف الطنبور الشهير محيي الدين بعيون، ملحناً ومطرباً، وهو أول من لحن القصائد حينذاك كقصيدتي «أيا قمراً»، و«أمان من لواحظك الفواتر». كذلك لحّن الموسيقي المتميز يحيى اللبابيدي عدداً من الطقاطيق، اشتهرت منها طقطوقة «ياريتني طير» التي غناها إيليا بيضا أولاً ثم سلامة الأغواني ومن ثم فريد الأطرش. وعندما ترأس اللبابيدي الدائرة الموسيقية لإذاعة القدس عام 1936 احتضن وساعد عشرات الفنانين منهم يوسف حسني، وماري عكاوي. وفي الفترة نفسها برز عمر الزعني شاعراً انتقادياً كبيراً عندما خصص فن المونولوغ الانتقادي للحاجات الاجتماعية والسياسية والنقدية والاقتصادية، قاوم من خلالها الانتداب الفرنسي، ومن أشهرها «لو كنت حصان»، و«حاسب يا فرنك»، و«بدنا بحرية يا ريس». ولابد من الإشارة إلى تأثير بديع خيري وبيرم التونسي عليه إضافة إلى تأثير ألحان سيد درويش النابضة بالحياة.
من الفنانين الكبار الذين قاموا بدور كبير في نشأة الأغنية المدينية وتطويرها نقولا المنّي رائد الأغنية الشعبية المدينية الدارجة، وقد غنت له المطربة لور دكاش[ر] عدداً من هذه الأغنيات وبعض القصائد منها أغنية «مادام الساعة»، وقصيدة «ياقلب». كذلك غنت له صباح عدداً مماثلاً من أشهرها «ياهويدلك». وبعد نقولا المنّي ظهر فيلمون وهبي في لون الأغنية الشعبية المدينية الدارجة فغنى ولحن مجموعة من الأغاني الرائعة لصباح وفيروز، وفي الوقت نفسه لمع في تلحين الموشحات والقصائد ولاسيما الأغنية الرومنسية عازف الكمان الشهير خالد أبو النصر الذي غنت له زكية حمدان السورية بعض روائعه من مثل «خلقت جميلة»، و«سليمى». والملحن زكي ناصيف رائد التحديث الذي تناول الألحان الفولكلورية والمادة الموسيقية الشرقية ووضعها في قالب حديث ومتقدم. وبموازاة ذلك ظهرت منذ منتصف الخمسينات الأغنية التي لبست ملامح حداثية من حيث استخدام الأوركسترا والهارموني البسيط والتقانة والألحان التراثية العربية بفضل الأخوين رحباني وأصوات فيروز، وحنان، ونصري شمس الدين، ووديع الصافي، وملحم بركات، وإيلي شويري وغيرهم. وإلى الأخوين رحباني وهذه الطائفة من الأصوات ترجع ولادة المسرح الغنائي الذي كان جديداً في موضوعاته التي تناولت أوجاع وأمراض لبنان والأمة العربية. وقد احتلت خمس وعشرون مسرحية غنائية من أعمال الرحابنة مكانتها في هذا المناخ التجديدي.
وإذا كانت التجربة الرحبانية واحدة من قمم التجديد والتحديث فلأنها قرّبت الموسيقى من المستمع العربي وسلحته بالثقافة والموسيقى في مادتها الشرقية وصيغتها الغربية. ولابد من الإشارة إلى أن مهرجانات بعلبك الدولية ساعدت على انتشار الأعمال الرحبانية في الوطن العربي على نطاق واسع، كذلك الأمر في مسرح مدينة معرض دمشق الدولي الذي احتضن أعمالهما، وقد ساعدت مهرجانات بعلبك ومسرح معرض دمشق الدولي على دعم الأوركسترا الكبيرة التي غدت عاملاً أساسياً في تقديم الموسيقى والغناء.
وإلى جانب الأخوين رحباني برز من الأسرة الرحبانية إلياس الرحباني الذي اهتم بالأغنية الغربية وإيقاعاتها مع مغنيه المفضل سامي كلارك أكثر من اهتمامه بالموسيقى الشرق- عربية، بخلاف زياد بن عاصي الرحباني الذي حمَّل موسيقاه أبعاداً متعددة بدءاً من الفرح وانتهاء بالشجن والحزن والمعاناة، كذلك نجد أن غدي الرحباني بن منصور الرحباني قد تجاوز بموسيقاه الإطار المحلي إلى العالمية.
أما الموسيقار توفيق الباشا، الذي حورب كالموسيقي عبد الغني شعبان من قبل المحافظين في البداية، فقد استطاع منذ أواخر سني الأربعينات من القرن العشرين أن يشق طريقه ويعمم أعماله عبر إذاعة الشرق الأدنى - لندن اليوم - وكان أحد نماذج «مدرسة بيروت» التي شجعها محمد عبد الوهاب. وتأخذ أعمال الباشا الموسيقية بعداً موسيقياً بحتاً من خلال استخدامه الأوركسترا والتقانات الحديثة، وقد تمكن بعد تأسيس المعهد الموسيقي في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1951، وولادة فرقة الشرق الأوسط للباليه من تقديم موسيقى «المولد» على سيناريو كتبته رئيسة الفرقة كرام كوك العالمة في فنون وآداب الشرق الأوسط، في مزج بين عناصر من الموسيقى الفارسية بالموسيقى العربية. وتعدّ أعمال الباشا في القصيد السمفوني من مثل «بيروت 1982» التي صورت الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وسمفونية «السلام» عام 1985، و«الإنشادية النبوية» عام 1990 من أهم أعماله الأوركسترالية. كما أن ابنه عبد الرحمن الباشا الذي يمارس نشاطه بين لبنان وباريس هو واحد من أبرز العازفين والمؤلفين في أوربـا اليوم.
ومن مؤلفي الموسيقى المتميزين الأب يوسف الخوري مؤلف «السمفونية الشرقية»، وسلفادور عرنيطة، وهو من أصل فلسطيني، الذي كان أكاديمياً متنوراً أكثر منه مؤلفاً، وبوغوص جلاليان الذي كتب عدداً كبيراً من المؤلفات للبيانو ولآلات أخرى بالأسلوب الغربي، ووليد غلمية الذي وضع سبع سمفونيات منها «المتنبي»، و«القادسية»، وقد دعته وزارة الثقافة السورية ليقود الفرقة الوطنية السمفونية أكثر من مرة في قصر المؤتمرات في دمشق. ومن المؤلفين الموسيقيين بالأسلوب الغربي من الذين أصبحت لهم شهرة عالمية بشارة الخوري حفيد الشاعر الكبير الأخطل الصغير، وجمال أبو الحسن، وغبريال يارد، ووليد حوراني وغيرهم.
وفي مجال الغناء والموسيقى الشرق- عربية لمعت أسماء كان لها الدور الفاعل في تطور الغناء والموسيقى معاً، منها وديع الصافي الذي كان لصوته ولأدائه دور كبير في تمدين الأغنية الريفية. وفي مناخ وديع الصافي ظهرت خامات صوتية استثنائية مثل نور الهدى، وفيروز، وحنان، ونجاح سلام، ونهاوند، وصباح، ونصري شمس الدين، وسعاد هاشم، وجورجيت صايغ، وعصام رجي وغيرهم. أما المطربة سعاد محمد فكانت المنارة التي أضاءت بصوتها وأدائها على الوطن العربي من وراء ألحان حليم الرومي والملحنين السوريين ولاسيما محمد محسن ومحمد عبد الكريم، والملحنين المصريين أيضاً، ومثلها محمد مرعي، وفؤاد زيدان اللذان ظهرا قبل وديع الصافي واستمرا مطربين ناجحين حتى اعتزالهما.
وعلى صعيد الموسيقى العربية والتلحين، فإن الملحن فريد غصن ملحن أغنية «آمنت بالله» التي غنتها لور دكاش قد اختار القاهرة لنشاطه الموسيقي، وإليه يعود الفضل في تأسيس جمعية المؤلفين والملحنين. والملحن محمد سلمان صاحب أغنية «سورية ياحبيبتي» لحن عدداً كبيراً من الأغنيات لأكثر المطربين والمطربات اللبنانيات. وفي الستينات ظهر الملحن والمطرب محمد جمال الذي كان لبصمته اللحنية والغنائية حضور بارز. كذلك لمعت أسماء سامي صيداوي، وموسى حلمي، ورفقي الأفيوني في تلحين وأداء المونولوغ الانتقادي وسهام رفقي كرائدة للأغنية الشعبية الدارجة بفضل ملحنها السوري عبد الغني الشيخ. أما أسرة «سحّاب» الكَلِفَة بالمدرسة المصرية في الموسيقى والغناء، فبرز منها سليم سحاب الذي درس في موسكو، وابتعد عن الموسيقى الغربية إلى الموسيقى الشرقية الذي أثرى بمؤلفاته الموسيقى العربية قبل أن يتولى في القاهرة قيادة فرقة الموسيقى العربية، وأخوه فيكتور سحاب، المؤرخ الموسيقي الذي تعدّ مؤلفاته مرجعاً مهماً، وقد أصدرت أسرة سحاب مجلة «المصباح» الموسيقية، وأسهمت إسهاماً فعالاً في إحياء التراث الموسيقي العربي.
هاشم قاسم
Lebanon - Liban
الموسيقى في لبنان
حافظت لبنان منذ سقوط الامبراطورية العثمانية عام 1918، مثلها مثل باقي ديار الشام، على تراثها الموسيقي والغنائي الشعبي، إضافة إلى ما ورثته من أغان وألحان تركية تأتي في مقدمتها قوالب التأليف الموسيقي التركي من بشارف وسماعيات ولونغا، حتى مستهل سني أربعينات القرن العشرين، عندما بدأت الأغنية الريفية اللبنانية المشابهة للأغنيات الريفية في بلاد الشام تطغى وتحتل ذاكرة الناس، ولاسيما في الجنوب والبقاع والجبل من دون أي تغيير أو تطوير في ملامحها التراثية. والمقصود بالأغنية الريفية الأزجال الشعبية كالمُعنّى والقرَّادي والمواليَّا والدلعونا وغيرها، والسمة البارزة لهذه الأغنية أنها غير احترافية، أي إنها كانت أغنية الأفراح والأعراس والمناسبات المختلفة. وقد بدأ منذ الخمسينات الصقل الفني لهذا النوع من الغناء الشعبي التراثي، إذ امتدت يد الموسيقيين المحترفين لتعمل فيها تطويراً وتحديثاً لإيجاد صيغة فنية تلائم العصر والحياة والمستجدات الإجتماعية.
تعدّ أغاني الدلعونا أكثر الأغاني الشعبية انتشاراً في الريف اللبناني، وهي تغنّى بأساليب وإيقاعات مختلفة. فدلعونا الجنوب ندية طرية ذات طابع حزين في حين دلعونا البقاع فرحة منتشية تحمل نبضاً فروسياً، بخلاف دلعونا الجبل التي تحتضن القوة والنبرة الحاضرة. ومنذ مستهل الستينات دخلت على الأغنية الشعبية التراثية عناصر عدة، غيّرت من طبيعة الأزجال من دون أن تمس الإيقاعات والأوزان لتحولها إلى فن غنائي يعبر عن الناس أو عن شخصيات عامة. والموسيقيون المحترفون الذين عملوا على تحديث وتطوير هذه الأزجال كانوا على درجة عالية من الشفافية والتقانة، ويأتي في طليعتهم الأخوان رحباني، وتوفيق الباشا، وفيلمون وهبي، وشعراء كبار من مثل أسعد سابا، وأسعد السبعلي، وعبد الجليل وهبة، وزين شعيب وغيرهم.
في سني الثلاثينيات، وعلى خط مواز تقريباً، ظهرت الأغنية المدينية مع انتشار الأغنية المصرية التي بدأ الوسط البيروتي بتعرّفها من خلال الإذاعـة المصرية والأسطوانات والجوقات المصرية التي كانت تزور بيروت وتقيم الحفلات فيها، ومن وراء الأفلام الغنائية أيضاً لمحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ونادرة، وعبد الغني السيد، ونجاة علي وغيرهم. ولا يعني هذا أن الأغنية المدينية كانت وليدة الأغنية المصرية، إذ ظهرت قامات فنية لبنانية أدت دوراً في صوغ الأغنية اللبنانية الحديثة، ويعد عازف الطنبور الشهير محيي الدين بعيون، ملحناً ومطرباً، وهو أول من لحن القصائد حينذاك كقصيدتي «أيا قمراً»، و«أمان من لواحظك الفواتر». كذلك لحّن الموسيقي المتميز يحيى اللبابيدي عدداً من الطقاطيق، اشتهرت منها طقطوقة «ياريتني طير» التي غناها إيليا بيضا أولاً ثم سلامة الأغواني ومن ثم فريد الأطرش. وعندما ترأس اللبابيدي الدائرة الموسيقية لإذاعة القدس عام 1936 احتضن وساعد عشرات الفنانين منهم يوسف حسني، وماري عكاوي. وفي الفترة نفسها برز عمر الزعني شاعراً انتقادياً كبيراً عندما خصص فن المونولوغ الانتقادي للحاجات الاجتماعية والسياسية والنقدية والاقتصادية، قاوم من خلالها الانتداب الفرنسي، ومن أشهرها «لو كنت حصان»، و«حاسب يا فرنك»، و«بدنا بحرية يا ريس». ولابد من الإشارة إلى تأثير بديع خيري وبيرم التونسي عليه إضافة إلى تأثير ألحان سيد درويش النابضة بالحياة.
من الفنانين الكبار الذين قاموا بدور كبير في نشأة الأغنية المدينية وتطويرها نقولا المنّي رائد الأغنية الشعبية المدينية الدارجة، وقد غنت له المطربة لور دكاش[ر] عدداً من هذه الأغنيات وبعض القصائد منها أغنية «مادام الساعة»، وقصيدة «ياقلب». كذلك غنت له صباح عدداً مماثلاً من أشهرها «ياهويدلك». وبعد نقولا المنّي ظهر فيلمون وهبي في لون الأغنية الشعبية المدينية الدارجة فغنى ولحن مجموعة من الأغاني الرائعة لصباح وفيروز، وفي الوقت نفسه لمع في تلحين الموشحات والقصائد ولاسيما الأغنية الرومنسية عازف الكمان الشهير خالد أبو النصر الذي غنت له زكية حمدان السورية بعض روائعه من مثل «خلقت جميلة»، و«سليمى». والملحن زكي ناصيف رائد التحديث الذي تناول الألحان الفولكلورية والمادة الموسيقية الشرقية ووضعها في قالب حديث ومتقدم. وبموازاة ذلك ظهرت منذ منتصف الخمسينات الأغنية التي لبست ملامح حداثية من حيث استخدام الأوركسترا والهارموني البسيط والتقانة والألحان التراثية العربية بفضل الأخوين رحباني وأصوات فيروز، وحنان، ونصري شمس الدين، ووديع الصافي، وملحم بركات، وإيلي شويري وغيرهم. وإلى الأخوين رحباني وهذه الطائفة من الأصوات ترجع ولادة المسرح الغنائي الذي كان جديداً في موضوعاته التي تناولت أوجاع وأمراض لبنان والأمة العربية. وقد احتلت خمس وعشرون مسرحية غنائية من أعمال الرحابنة مكانتها في هذا المناخ التجديدي.
وإذا كانت التجربة الرحبانية واحدة من قمم التجديد والتحديث فلأنها قرّبت الموسيقى من المستمع العربي وسلحته بالثقافة والموسيقى في مادتها الشرقية وصيغتها الغربية. ولابد من الإشارة إلى أن مهرجانات بعلبك الدولية ساعدت على انتشار الأعمال الرحبانية في الوطن العربي على نطاق واسع، كذلك الأمر في مسرح مدينة معرض دمشق الدولي الذي احتضن أعمالهما، وقد ساعدت مهرجانات بعلبك ومسرح معرض دمشق الدولي على دعم الأوركسترا الكبيرة التي غدت عاملاً أساسياً في تقديم الموسيقى والغناء.
وإلى جانب الأخوين رحباني برز من الأسرة الرحبانية إلياس الرحباني الذي اهتم بالأغنية الغربية وإيقاعاتها مع مغنيه المفضل سامي كلارك أكثر من اهتمامه بالموسيقى الشرق- عربية، بخلاف زياد بن عاصي الرحباني الذي حمَّل موسيقاه أبعاداً متعددة بدءاً من الفرح وانتهاء بالشجن والحزن والمعاناة، كذلك نجد أن غدي الرحباني بن منصور الرحباني قد تجاوز بموسيقاه الإطار المحلي إلى العالمية.
أما الموسيقار توفيق الباشا، الذي حورب كالموسيقي عبد الغني شعبان من قبل المحافظين في البداية، فقد استطاع منذ أواخر سني الأربعينات من القرن العشرين أن يشق طريقه ويعمم أعماله عبر إذاعة الشرق الأدنى - لندن اليوم - وكان أحد نماذج «مدرسة بيروت» التي شجعها محمد عبد الوهاب. وتأخذ أعمال الباشا الموسيقية بعداً موسيقياً بحتاً من خلال استخدامه الأوركسترا والتقانات الحديثة، وقد تمكن بعد تأسيس المعهد الموسيقي في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1951، وولادة فرقة الشرق الأوسط للباليه من تقديم موسيقى «المولد» على سيناريو كتبته رئيسة الفرقة كرام كوك العالمة في فنون وآداب الشرق الأوسط، في مزج بين عناصر من الموسيقى الفارسية بالموسيقى العربية. وتعدّ أعمال الباشا في القصيد السمفوني من مثل «بيروت 1982» التي صورت الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وسمفونية «السلام» عام 1985، و«الإنشادية النبوية» عام 1990 من أهم أعماله الأوركسترالية. كما أن ابنه عبد الرحمن الباشا الذي يمارس نشاطه بين لبنان وباريس هو واحد من أبرز العازفين والمؤلفين في أوربـا اليوم.
ومن مؤلفي الموسيقى المتميزين الأب يوسف الخوري مؤلف «السمفونية الشرقية»، وسلفادور عرنيطة، وهو من أصل فلسطيني، الذي كان أكاديمياً متنوراً أكثر منه مؤلفاً، وبوغوص جلاليان الذي كتب عدداً كبيراً من المؤلفات للبيانو ولآلات أخرى بالأسلوب الغربي، ووليد غلمية الذي وضع سبع سمفونيات منها «المتنبي»، و«القادسية»، وقد دعته وزارة الثقافة السورية ليقود الفرقة الوطنية السمفونية أكثر من مرة في قصر المؤتمرات في دمشق. ومن المؤلفين الموسيقيين بالأسلوب الغربي من الذين أصبحت لهم شهرة عالمية بشارة الخوري حفيد الشاعر الكبير الأخطل الصغير، وجمال أبو الحسن، وغبريال يارد، ووليد حوراني وغيرهم.
وفي مجال الغناء والموسيقى الشرق- عربية لمعت أسماء كان لها الدور الفاعل في تطور الغناء والموسيقى معاً، منها وديع الصافي الذي كان لصوته ولأدائه دور كبير في تمدين الأغنية الريفية. وفي مناخ وديع الصافي ظهرت خامات صوتية استثنائية مثل نور الهدى، وفيروز، وحنان، ونجاح سلام، ونهاوند، وصباح، ونصري شمس الدين، وسعاد هاشم، وجورجيت صايغ، وعصام رجي وغيرهم. أما المطربة سعاد محمد فكانت المنارة التي أضاءت بصوتها وأدائها على الوطن العربي من وراء ألحان حليم الرومي والملحنين السوريين ولاسيما محمد محسن ومحمد عبد الكريم، والملحنين المصريين أيضاً، ومثلها محمد مرعي، وفؤاد زيدان اللذان ظهرا قبل وديع الصافي واستمرا مطربين ناجحين حتى اعتزالهما.
وعلى صعيد الموسيقى العربية والتلحين، فإن الملحن فريد غصن ملحن أغنية «آمنت بالله» التي غنتها لور دكاش قد اختار القاهرة لنشاطه الموسيقي، وإليه يعود الفضل في تأسيس جمعية المؤلفين والملحنين. والملحن محمد سلمان صاحب أغنية «سورية ياحبيبتي» لحن عدداً كبيراً من الأغنيات لأكثر المطربين والمطربات اللبنانيات. وفي الستينات ظهر الملحن والمطرب محمد جمال الذي كان لبصمته اللحنية والغنائية حضور بارز. كذلك لمعت أسماء سامي صيداوي، وموسى حلمي، ورفقي الأفيوني في تلحين وأداء المونولوغ الانتقادي وسهام رفقي كرائدة للأغنية الشعبية الدارجة بفضل ملحنها السوري عبد الغني الشيخ. أما أسرة «سحّاب» الكَلِفَة بالمدرسة المصرية في الموسيقى والغناء، فبرز منها سليم سحاب الذي درس في موسكو، وابتعد عن الموسيقى الغربية إلى الموسيقى الشرقية الذي أثرى بمؤلفاته الموسيقى العربية قبل أن يتولى في القاهرة قيادة فرقة الموسيقى العربية، وأخوه فيكتور سحاب، المؤرخ الموسيقي الذي تعدّ مؤلفاته مرجعاً مهماً، وقد أصدرت أسرة سحاب مجلة «المصباح» الموسيقية، وأسهمت إسهاماً فعالاً في إحياء التراث الموسيقي العربي.
هاشم قاسم