حاوي (خليل)
Hawi (Khalil-) - Hawi (Khalil-)
حاوي (خليل -)
(1377-1402هــ/1919-1982م)
خليل حاوي شاعر وأديب ومفكر لبناني، ولد في قرية « الهوَيّة» بجبل الدروز، ثم استقر والده في قرية أمه «الشوَير». تلقى تعليماً دينياً متزمتاً في مدرسة اليسوعيين في الشوير، إذ كانت الهفوات عندهم تستوجب الخلود في النار، فعاش الشاعر عمره متفحصاً ضميره محاسباً نفسه ساعياً نحو الكمال الإنساني. لكن الشاعر ثار على هذه المدرسة التي تقوم على التعصب الطائفي، وتحدى الراهب رافضاً تكفير الطوائف المسيحية الأخرى، لذلك عوقب عقاباً صارماً، فانتقل إلى مدرسة «الوطنية العالية» في «عين القسيس» بين الشوير والضهور.
عُرف بتفوقه في دروسه، كما عرف بحبه للطبيعة. وحين مرض والده وعجز عن العمل، انقطع عن المدرسة ليحمل أعباء الأسرة، فمارس أعمالاً شتى ، وانتقل من بيروت إلى القنيطرة ثم إلى الأردن، وفي أثناء ذلك لم ينقطع عن القراءة والتعلم، فأتقن الفرنسية والإنكليزية بجهده الذاتي.
وبعد أن استطاع والده العودة إلى العمل، جمع خليل حاوي مبلغاً من المال أتاح له متابعة تعليمه في مدرسة الشويفات العليا، بعد أن اضطر إلى تصغير عمره سبع سنوات (صار من مواليد 1925) كي يقبل طالباً في المدرسة، وحين أنهى دراسته بتفوق، انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، فنال الإجازة في الفلسفة، ثم عمل مساعد مدرس في الجامعة نفسها، وأعد أطروحة الماجستير التي كانت بعنوان «العقل والإيمان بين الغزالي وابن رشد» وبعد مناقشتها (1955) سافر إلى جامعة كمبردج حيث نال شهادة الدكتوراه (1959) على أطروحته التي كانت بعنوان «جبران خليل جبران، إطاره الحضاري، شخصيته وآثاره»، ثم عاد إلى الجامعة الأمريكية ليعمل فيها أستاذاً حتى وفاته منتحراً.
انتمى خليل حاوي إلى الحزب القومي السوري وعمره خمس عشرة سنة، لكنه قبل سفره إلى بريطانيا اختلف مع رئيس الحزب جورج عبد المسيح فأعلن انفصاله عنه، وطغى عليه آنئذ شعور الوحشة والعدمية، وقد اكتشف في بريطانية حين اختلط بطلاب عرب من أقطار مختلفة، رابطة العروبة وتبين أهمية الوحدة في حياة الأمة العربية، وأدرك ضرورة بعث الحضارة العربية ثانية، لذلك كانت الوحدة لديه مرتبطة بنزعة تقدمية انبعاثية.
تعمق الشاعر في قراءة الكتاب المقدس، فاستمد منه رموزه التوراتية والمسيحية (رمز سدوم، إهلاك القوم الفاسقين، المن والسلوى...). كذلك اطلع على التراث العربي(أدبه وفكره)، وبدا معجباً بروّاد الحداثة في الأدب العربي مثل جبران خليل جبران وسعيد عقل وإيليا أبو ماضي. واطلع على التراث الغربي قبل سفره لكنه تعمق في هذا التراث حين سافر إلى بريطانية، وأعجب بالأدب الرومنسي Romanticism (شلي، كيتس، وردزورث، كولردج، لامارتين). وقد أدى إتقانه للفرنسية والإنكليزية إلى تنوع المؤثرات الغربية في شعره، لذلك يعد خليل حاوي أعمق شعراء الحداثة ثقافة.
عاش الشاعر إحباطات كثيرة في علاقاته مع المرأة، لعل أقساها انفصاله عن الأديبة العراقية ديزي الأمير بعد خطبة طويلة، وقد جُمعت رسائله التي أرسلها من كمبردج إليها في كتاب عنوانه «رسائل الحب والحياة» صدر إثر انتحاره. اتضحت بعض معالم هذه العلاقة في قصيدة «الناي والريح في صومعة كمبردج» وأهداها كتابه عن جبران قائلاً: «إلى اليد التي أمسكت بيدي في ليالي الشك والخلق، وهي التي رافقتني إلى كمبردج»، وقد عاش بقية حياته عزباً.
بدأ خليل حاوي قول الشعر باللهجة العامية، ثم انتقل إلى اللغة الفصيحة، وأفاد من ثقافته الفلسفية في تعميق رؤيته الشعرية، دون أن يسقط شعره في الخطابية والتقريرية ، فقد اعتمد في بناء قصيدته على الأسطورة والرمز والصور، لذا يُعد في أوائل الشعراء الذين استخدموا الأسطورة بإبداع.
وقد عبر في شعره عن هاجس الانبعاث الحضاري لأمته، فاستخدم أسطورة تموز وما ترمز إليه من غلبة الحياة والخصب على الموت والجفاف:
ياإله الخصب
ياتموز، ياشمس الحصيد
بارك الأرض التي تعطي رجالاً
وأسطورة العنقاء التي تموت ويلتهب رمادها فتحيا ثانية، وبذلك تجلت نزعة الحنين لديه إلى البعث والعودة بالإنسان إلى عالم نقي فطري بعيد عن مدنية مشوهة تسحق روح الإنسان، فالبعث عودة إلى ينابيع الحيوية في الفطرة الأصيلة.
إن التأثر بالرومنسية لم يجعله غارقاً في عالمه الذاتي، وإنما امتزج لديه الهم الخاص بالهم العام، ومنحته الأسطورة والرموز قدرة على تجاوز الذات وغنى في عوالمه الشعرية.
جسدت لغته الشعرية اضطراب أعماقه بين رؤيا البعث بكل خصوبتها وبين فجيعة الموت بكل دماره، وبذلك كانت في معظمها لغة التناقضات (أقمار السواد، العتمة والضوء، الموت، الخصب ...) حتى عنوانات دواوينه جسدت هذه اللغة (نهر الرماد، الناي والريح، بيادر الجوع، من جحيم الكوميديا ..).
وسيطرت لغة الموت على معجمه الشعري، حتى حينما تحدث عن حبيبته استخدم مفردات الموت:
ولربما ماتت غداً
تلك التي يبست على اسمي
ومص دماءها شبحي
وما احتفلت بلذات الدماء
ماتت مع الناي الذي تهواه
يسحب حزنه عبر المساء
كذلك بدا هاجس الزمن واضحاً في شعره، فقد حمل الهزائم لأمة الشاعر، والتجاعيد لوجهه.
عاش الشاعر حياته مؤرقاً بهم أمته العربية، يهجس ببعثها، ويؤلمه موتها وتمزقها وظهر ذلك جلياً في قصيدته إلعازر (1962) - التي تجسد قيامة الميت إلى الموت لاإلى الحياة - وذلك إثر انفصال الوحدة بين سورية ومصر (1961):
امسحي البرق، امسحي الميت
امسحي الخصب الذي ينبت في السنبل
أضراس الجراد
نعش بارد يعرق
في حمى السهاد
وصدى يفرش عيني
بأقمار السواد
وحين شبت الحرب الأهلية اللبنانية (1975) تفاقم إحساسه بالألم لتمزق وطنه الصغير، بعد أن تبددت أحلامه بتوحد وطنه الكبير، وقد عاش هذه المرحلة كئيباً منعزلاً تحاصره مأساة الإنسان الخائب كما تحاصره مأساة حلم ممزق.
بلغ إحساسه بالخيبة والعار ذروته حين اجتاح الصهاينة الأراضي اللبنانية (1982) ووصلوا إلى العاصمة بيروت ليقابلهم صمت العرب، عندئذ لم يستطع تحمل ذل أمته، وبؤس أحلامه وقد تحولت إلى كوابيس فانتحر إذ لم يعد يتحمل الاستمرار في حياة يجللها العار والضعف.
جمع الشاعر دواوينه الثلاثة التي ظهرت أواخر الخمسينات وبداية الستينات في مجلد واحد «نهر الرماد» (1957)، «الناي والريح» (1961)، بيـادر الجـوع (1964)، ثم صدر له ديوان «الرعد الجريح» وأما آخر ديوان صدر له فكان بعنوان «من جحيم الكوميديا». وصدرت رسالته للدكتوراه عام 1982 بعنوان «جبران خليل جبران» ترجمة سعيد فارس باز.
ماجدة حمود
Hawi (Khalil-) - Hawi (Khalil-)
حاوي (خليل -)
(1377-1402هــ/1919-1982م)
عُرف بتفوقه في دروسه، كما عرف بحبه للطبيعة. وحين مرض والده وعجز عن العمل، انقطع عن المدرسة ليحمل أعباء الأسرة، فمارس أعمالاً شتى ، وانتقل من بيروت إلى القنيطرة ثم إلى الأردن، وفي أثناء ذلك لم ينقطع عن القراءة والتعلم، فأتقن الفرنسية والإنكليزية بجهده الذاتي.
وبعد أن استطاع والده العودة إلى العمل، جمع خليل حاوي مبلغاً من المال أتاح له متابعة تعليمه في مدرسة الشويفات العليا، بعد أن اضطر إلى تصغير عمره سبع سنوات (صار من مواليد 1925) كي يقبل طالباً في المدرسة، وحين أنهى دراسته بتفوق، انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، فنال الإجازة في الفلسفة، ثم عمل مساعد مدرس في الجامعة نفسها، وأعد أطروحة الماجستير التي كانت بعنوان «العقل والإيمان بين الغزالي وابن رشد» وبعد مناقشتها (1955) سافر إلى جامعة كمبردج حيث نال شهادة الدكتوراه (1959) على أطروحته التي كانت بعنوان «جبران خليل جبران، إطاره الحضاري، شخصيته وآثاره»، ثم عاد إلى الجامعة الأمريكية ليعمل فيها أستاذاً حتى وفاته منتحراً.
انتمى خليل حاوي إلى الحزب القومي السوري وعمره خمس عشرة سنة، لكنه قبل سفره إلى بريطانيا اختلف مع رئيس الحزب جورج عبد المسيح فأعلن انفصاله عنه، وطغى عليه آنئذ شعور الوحشة والعدمية، وقد اكتشف في بريطانية حين اختلط بطلاب عرب من أقطار مختلفة، رابطة العروبة وتبين أهمية الوحدة في حياة الأمة العربية، وأدرك ضرورة بعث الحضارة العربية ثانية، لذلك كانت الوحدة لديه مرتبطة بنزعة تقدمية انبعاثية.
تعمق الشاعر في قراءة الكتاب المقدس، فاستمد منه رموزه التوراتية والمسيحية (رمز سدوم، إهلاك القوم الفاسقين، المن والسلوى...). كذلك اطلع على التراث العربي(أدبه وفكره)، وبدا معجباً بروّاد الحداثة في الأدب العربي مثل جبران خليل جبران وسعيد عقل وإيليا أبو ماضي. واطلع على التراث الغربي قبل سفره لكنه تعمق في هذا التراث حين سافر إلى بريطانية، وأعجب بالأدب الرومنسي Romanticism (شلي، كيتس، وردزورث، كولردج، لامارتين). وقد أدى إتقانه للفرنسية والإنكليزية إلى تنوع المؤثرات الغربية في شعره، لذلك يعد خليل حاوي أعمق شعراء الحداثة ثقافة.
عاش الشاعر إحباطات كثيرة في علاقاته مع المرأة، لعل أقساها انفصاله عن الأديبة العراقية ديزي الأمير بعد خطبة طويلة، وقد جُمعت رسائله التي أرسلها من كمبردج إليها في كتاب عنوانه «رسائل الحب والحياة» صدر إثر انتحاره. اتضحت بعض معالم هذه العلاقة في قصيدة «الناي والريح في صومعة كمبردج» وأهداها كتابه عن جبران قائلاً: «إلى اليد التي أمسكت بيدي في ليالي الشك والخلق، وهي التي رافقتني إلى كمبردج»، وقد عاش بقية حياته عزباً.
بدأ خليل حاوي قول الشعر باللهجة العامية، ثم انتقل إلى اللغة الفصيحة، وأفاد من ثقافته الفلسفية في تعميق رؤيته الشعرية، دون أن يسقط شعره في الخطابية والتقريرية ، فقد اعتمد في بناء قصيدته على الأسطورة والرمز والصور، لذا يُعد في أوائل الشعراء الذين استخدموا الأسطورة بإبداع.
وقد عبر في شعره عن هاجس الانبعاث الحضاري لأمته، فاستخدم أسطورة تموز وما ترمز إليه من غلبة الحياة والخصب على الموت والجفاف:
ياإله الخصب
ياتموز، ياشمس الحصيد
بارك الأرض التي تعطي رجالاً
وأسطورة العنقاء التي تموت ويلتهب رمادها فتحيا ثانية، وبذلك تجلت نزعة الحنين لديه إلى البعث والعودة بالإنسان إلى عالم نقي فطري بعيد عن مدنية مشوهة تسحق روح الإنسان، فالبعث عودة إلى ينابيع الحيوية في الفطرة الأصيلة.
إن التأثر بالرومنسية لم يجعله غارقاً في عالمه الذاتي، وإنما امتزج لديه الهم الخاص بالهم العام، ومنحته الأسطورة والرموز قدرة على تجاوز الذات وغنى في عوالمه الشعرية.
جسدت لغته الشعرية اضطراب أعماقه بين رؤيا البعث بكل خصوبتها وبين فجيعة الموت بكل دماره، وبذلك كانت في معظمها لغة التناقضات (أقمار السواد، العتمة والضوء، الموت، الخصب ...) حتى عنوانات دواوينه جسدت هذه اللغة (نهر الرماد، الناي والريح، بيادر الجوع، من جحيم الكوميديا ..).
وسيطرت لغة الموت على معجمه الشعري، حتى حينما تحدث عن حبيبته استخدم مفردات الموت:
ولربما ماتت غداً
تلك التي يبست على اسمي
ومص دماءها شبحي
وما احتفلت بلذات الدماء
ماتت مع الناي الذي تهواه
يسحب حزنه عبر المساء
كذلك بدا هاجس الزمن واضحاً في شعره، فقد حمل الهزائم لأمة الشاعر، والتجاعيد لوجهه.
عاش الشاعر حياته مؤرقاً بهم أمته العربية، يهجس ببعثها، ويؤلمه موتها وتمزقها وظهر ذلك جلياً في قصيدته إلعازر (1962) - التي تجسد قيامة الميت إلى الموت لاإلى الحياة - وذلك إثر انفصال الوحدة بين سورية ومصر (1961):
امسحي البرق، امسحي الميت
امسحي الخصب الذي ينبت في السنبل
أضراس الجراد
نعش بارد يعرق
في حمى السهاد
وصدى يفرش عيني
بأقمار السواد
وحين شبت الحرب الأهلية اللبنانية (1975) تفاقم إحساسه بالألم لتمزق وطنه الصغير، بعد أن تبددت أحلامه بتوحد وطنه الكبير، وقد عاش هذه المرحلة كئيباً منعزلاً تحاصره مأساة الإنسان الخائب كما تحاصره مأساة حلم ممزق.
بلغ إحساسه بالخيبة والعار ذروته حين اجتاح الصهاينة الأراضي اللبنانية (1982) ووصلوا إلى العاصمة بيروت ليقابلهم صمت العرب، عندئذ لم يستطع تحمل ذل أمته، وبؤس أحلامه وقد تحولت إلى كوابيس فانتحر إذ لم يعد يتحمل الاستمرار في حياة يجللها العار والضعف.
جمع الشاعر دواوينه الثلاثة التي ظهرت أواخر الخمسينات وبداية الستينات في مجلد واحد «نهر الرماد» (1957)، «الناي والريح» (1961)، بيـادر الجـوع (1964)، ثم صدر له ديوان «الرعد الجريح» وأما آخر ديوان صدر له فكان بعنوان «من جحيم الكوميديا». وصدرت رسالته للدكتوراه عام 1982 بعنوان «جبران خليل جبران» ترجمة سعيد فارس باز.
ماجدة حمود