حدود في شريعه
Al-houdoud (religious law) - Al-houdoud (loi religieuse)
الحدود في الشريعة
الحدود جمع حدّ، والحدّ في اللغة العربية: المنع، وفي الشرع: الحد: عقوبة مقدرة وجبت على من ارتكب موجبها، وإنما سميت العقوبات المقدرة في الشرع حدوداً لمنعها من الفواحش، أو لأنها محدودة، أي مقدرة من قبل الشارع فلا يزاد عليها ولا ينقص.
وأنواع الحدود في الشريعة: حدّ الزنا، وحدّ شرب المسكر، وحدّ القذف، وحدّ السرقة، وحدّ قطع الطريق أو الحرابة، وحدّ الردّة، وحدّ ترك الصلاة. والقصاص حدّ في اصطلاح غير الحنفية.
1- حدّ الزنا
الزنا هو إيلاج الذكر في فرج محرم لعينه خالٍ عن الشبهة مشتهى، وهو على نوعين:
الأول: زنا المحصن البالغ العاقل الحرّ الذي دَخَلَ بنكاح صحيح ذكراً أو أنثى، وحدُّه الرجم بالحجارة حتى الموت، ودليله الآية المنسوخة التلاوة «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم» وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رجم رجلاً وامرأة قد زنيا.
الثاني: زنا غير المحصن وهو غير ما سبق، وحدُّه الواجب عند البعض،جلد مائة مع التغريب، وبدون التغريب عند آخرين.ودليل الجلد قوله تعالى: )الزانيةُ والزّاني فَاجلدُوا كُلَّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تَأخُذَكُم بهما رَأفةٌ في دينِ اللّهِ إنْ كُنْتم تُؤمِنونَ باللّهِ واليوم ِالآخِر وليَشهَد عَذَابهما طائفةٌ مِن المؤمنين( (النور 2). ودليل التغريب قوله عليه الصلاة والسلام: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام». وتثبت جريمة الزنا بأحد أمرين:
إما بالإقرار،مرة واحدة عند البعض وأربع مرات عند آخرين.ويسقط الحدّ عن المقر بالاتفاق إذا رجع عن إقراره، لأن ذلك يورث شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وإما بشهادة أربعة شهود عدول مسلمين من الرجال فقط لقوله تعالى: )لولا جَاؤوا عَلَيهِ بأَربَعةِ شُهَدَاء فَإذْ لَمْ يَأَتُوا بالشُهَدَاء فَأُولَئكَ عِندَ اللّهِ هُمُ الكاذِبُون( (النور 13) وقوله تعالى: )واللاتِي يَأتينَ الفَاحِشة من نسَائِكُم فاستَشْهِدُوا عليهِنَّ أربَعةً منكُم( (النساء 15).
وأجمع العلماء على تحريم اللواط وأنه فاحشة كبيرة وعقوبته عند الجمهور كعقوبة الزنا، والقتل مطلقاً في رواية عن الإمام أحمد.
2- حدّ شرب الخمر
المسكر هو ما أذهب العقل، سواء في ذلك ما اتخذ من العنب أو التمر أو التفاح أو غير ذلك.وحكم شربه أنه حرام بلا خلاف بين علماء المسلمين، وأنه يحدّ شاربه سواء أوصل إلى درجة السكر أم لم يصل، وسواء قليله وكثيره مهما اختلفت أسماؤه.و دليل حرمته قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسرُ والأَنْصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَملِ الشَّيطانِ فَاجْتَنبُوهُ لَعلَّكم تُفلِحونَ إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بَينكُمُ العَدَاوةَ والبغضَاءَ في الخمرِ والميسرِ ويَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللّهِ وعَنِ الصَلاةِ فهل أنتُم مُنتَهون( (المائدة90 ، 91) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري: «ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن». وقوله: «كل شراب أسكر فهو حرام».
ومقدار الحدّ: أنه عند الشافعية يجلد شاربه أربعين جلدة، وللحاكم أن يزيد على ذلك تعزيراً إلى ثمانين جلدة، ودليل ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة. وهو مذهب جمهور العلماء.
ويثبت حد الشرب بأحد أمرين: الأول: الإقرار بأن يقول: شربت مسكراً أو نحو ذلك. الثاني: شهادة رجلين يشهدان عليه بشرب المسكر. ولايقام عليه الحد حال سكره، ولايكون الضرب في المقاتل، ويقام الحد على الرجل والمرأة، والذي يتولى الحكم وإقامة الحد الإمام أي الحاكم أو نائبه.
3- حد القذف
القذف في اللغة العربية معناه الرمي، وفي الشرع: هو الرمي بالزنا على جهة التعيير، سواء أكان المقذوف رجلاً أم امرأة.
وحكم القذف: أنه حرام بإجماع المسلمين، وهو يعدّ من الكبائر، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري ومسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». وقال الله تعالى: )إنَّ الذين يَرمُونَ المحصَنَاتِ الغافِلاتِ المؤمِنَاتِ لُعِنُوا في الدُنيا والآخِرَة ولهم عَذَابٌ عَظِيم( (النور 32).
وحد القذف: أن يضرب القاذف ثمانين جلدة، ودليله قوله تعالى: )والذين يَرمُونَ المحصَنَاتِ ثم لم يَأتوا بأربَعَةِ شُهَدَاء فاجلِدوهم ثمانينَ جلدة ولا تَقبَلوا لهم شَهَادة أبداً وأولَئكَ هُمُ الفَاسِقونَ( (النور 4).
وشروط حد القاذف: أن يكون بالغاً عاقلاً وأن لا يكون والداً للمقذوف، وأن يكون المقذوف مسلماً بالغاً عاقلاً حراً عفيفاً.
ويسقط حدّ القذف بثلاثة أشياء: إقامة البينة، وهي الإتيان بأربعة شهداء، وعفو المقذوف عن القاذف، لأن الحد حق للإنسان، واللعان في حق الزوجة، وذلك فيما إذا قذف زوجته بالزنا ثم لاعنها، واللعان: أن يشهد الزوج أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، عملاً بآيات سورة النور (6، 9).
والذي يقيم حد القذف وغيره من الحدود هو الحاكم، ولا يقبل رجوع القاذف بعد قذفه. والقاذف إذا تاب قبلت شهادته بعد ذلك عند جمهور العلماء، وتسقط شهادته عند الحنفية وإن تاب.
4- حد السرقة
السرقة هي أخذ مال خُفية، وفي الشرع: أخذ المال خفية ظلماً من حرز مثله. ويشترط لإقامة الحد شروط:
1- أن يكون السارق مكلفاً، أي بالغاً عاقلاً مختاراً.
2- أن يكون المال المسروق نصاباً، أي بمقدار ثلاثة دراهم أو ربع دينار، وذهب الحنفية أن القطع لا يكون إلا في دينار أو عشرة دراهم فما فوق. والدينار من الذهب 4.25غ، والدرهم من الفضة2.975غ.
3- أن تكون السرقة من حرز المثل، أي من المكان الذي يحفظ فيه هذا المال عادة.
4- أن يكون أخذ المال خُفية، فلا قطع على الآخذ عنوة ظلماً أو غصباً.
5- عدم وجود شبهة للسارق في المال، فلا تقطع يد الأب في الأخذ من مال ابنه، ولا الابن في الأخذ من مال أبيه.
وحد السرقة: قطع اليد اليمنى من مفصل الكوع والرسغ، فإن سرق ثانية قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثة قطعت يده اليمنى، فإن سرق رابعة قطعت رجله اليمنى، فإن سرق خامسة لم يقطع بل يعزر، وهذا عند الشافعية، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يزاد في القطع على يد ورجل، بل يحبس بعد ذلك.
وتثبت السرقة بالإقرار أو بشهادة شاهدين، ويقيم الحد الحاكم أو نائبه. وحكم الطّرار وهو النشال حكم السارق، وحكم النباش وهو الذي يسرق أكفان الموتى حكم السارق عند الشافعية، لأن القبر هو حرز المثل، وذهب أبو حنيفة إلى أن النباش لا يسمى سارقاً، لأنه وقع شبهة في الملك، وتدرأ الحدود بالشبهات.
ودليل حد السرقة: قوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( (المائدة 38) وقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أصحاب الكتب الستة: «تقطع اليد في ربع دينار». وقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أصحاب الكتب الستة وابن ماجه: «إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
5- حد قطع الطريق أو الحرابة
قطع الطريق هو البروز لأخذ مال أو القتل أو إرعاب، مكابرة، اعتماداً على الشوكة (القوة والرهبة) مع البعد عن الفوت (الإدراك).
وقاطع الطريق إنسان مكلف له شوكة وقدرة يغلب بها غيره. والأصل في حكمهم قول الله تعالى: )إنَّما جزاءُ الذينَ يُحَاربُون الله ورسولَه ويَسْعون في الأرض فساداً أَنْ يُقتَلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أَيدِيهم وأرجُلُهُم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأَرضِ ذلك لهم خِزيٌ في الدُّنيا ولهم فِي الآخرة عذابٌ عظيمٌ إلا الذيَن تَابُوا من قَبْلٍ أن تَقدِروا عَلَيهم فاعلَمُوا أنَّ اللهَ غَفورٌ رحيم( (المائدة 33، 34).
وقاطع الطريق على نوعين: النوع الأول: أن يقدر عليهم الإمام قبل أن يتوبوا، والنوع الثاني: أن يتوبوا قبل أن يقدر الإمام عليهم.
النوع الأول: وهم الذين قدر عليهم الإمام قبل توبتهم، أولئك على أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يقتل القاطع ولا يأخذ المال، وهؤلاء جزاؤهم القتل فقط.
القسم الثاني: أن يقتل القاطع و يأخذ المال، وهؤلاء يقتلون ويصلبون، ويرى الحنفية في هذا أن الإمام مخير إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم.
القسم الثالث: أن يأخذ المال ولم يقتل، وهؤلاء تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أي تقطع يدهم اليمنى ورجلهم اليسرى، فإن عادوا تقطع يدهم اليسرى ورجلهم اليمنى.
القسم الرابع: أن يخيف المارة، ولا يأخذ مالاً ولا يقتل، فهؤلاء يحبسون في غير موضعهم ويعزرون. ولا تقطع يد قاطع الطريق إلا إذا أخذ من المال ما تقطع فيه يده في السرقة.
النوع الثاني: حكم قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه، أنه يسقط عنه حدود الله ويؤخذ بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها. وهذا هو رأي الأئمة الثلاثة أبي حنيفة و الشافعي وأحمد رضي الله عنهم. أما الإمام مالك فرأيه مايلي: إن قتل فلا بد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه، وأما إذا أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف، وأما إذا أخاف السبيل فقط، فالإمام عنده مخير في قتله أو صلبه أو نفيه، ومعنى التخيير عنده: أن الأمر في ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام على حسب حال هذا القاطع للطريق.
6- حد الردة
الردة: قطع المكلف الإسلام بنية كفر أو قول كفر أو فعل كفر، كسجود لبشر أو صنم أو حيوان، أو تكذيب رسول من رسل الله، أو تحليل حرام مجمع على حرمته، أو تحريم حلال مجمع على حله. فإذا ارتد مكلف عن الإسلام استتيب ثلاثة أيام، فإن رجع إلى الإسلام قبلت توبته، وإن أصر قتل.
دليل هذا الحكم قوله تعالى: )ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( (البقرة 217). وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري وغيره: «من بدَّل دينه فاقتلوه». وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم: «لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة». ولا فرق في المرتد عند الجمهور بين أن يكون رجلاً أو امرأة، إلا أن أبا حنيفة ذهب إلى أن المرأة لا تقتل، لنهي رسول الله عليه الصلاة والسلام عن قتل المرأة، ولكن تجبر على الرجوع إلى الإسلام بالحبس أو ما شاكله.
ويقوم بقتل المرتد الإمام، ومال المرتد بعد قضاء دينه يجعل في بيت مال المسلمين، وذهب الحنفية إلى أن ما اكتسبه في الإسلام هو لورثته، وما اكتسبه بعد الردة فهو فيء.
وتصرفات المرتد حال ردته موقوفة عند الحنابلة، ويذهب بعض الفقهاء إلى أن تصرفه باطل. وأما تزوجه: فلا يصح لأنه لا يقر على النكاح، وما منع الإقرار على النكاح منع من انعقاده، كنكاح الكافر المسلمة، وإن زُوج لم يصح تزويجه. وذبيحة المرتد نجسة حرام أكلها، وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب.
7- حد تارك الصلاة
من ترك الصلاة من المسلمين جاحداً لوجوبها فهو مرتد يقام عليه حد الردة، وإن لم يجحد وجوبها ولكنه تركها كسلاً حتى يخرج وقتها، يستتاب، فإن تاب وصلى قبلت توبته، وإن لم يصل قتل حداً لا كفراً وكان حكمه حكم المسلمين، يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وهناك قول عند الحنابلة أنه يقتل كفراً ويجري عليه أحكام المرتد من أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه فهو كمن تركها منكراً لوجوبها. ورأى الحنفية أنه يحبس ويضرب بشدة حتى يصلي ويتوب.
دليل حكم التارك للصلاة قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري ومسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». والذي يقيم الحد على تارك الصلاة إمام المسلمين أو نائبه.
مصطفى سعيد الخن
Al-houdoud (religious law) - Al-houdoud (loi religieuse)
الحدود في الشريعة
الحدود جمع حدّ، والحدّ في اللغة العربية: المنع، وفي الشرع: الحد: عقوبة مقدرة وجبت على من ارتكب موجبها، وإنما سميت العقوبات المقدرة في الشرع حدوداً لمنعها من الفواحش، أو لأنها محدودة، أي مقدرة من قبل الشارع فلا يزاد عليها ولا ينقص.
وأنواع الحدود في الشريعة: حدّ الزنا، وحدّ شرب المسكر، وحدّ القذف، وحدّ السرقة، وحدّ قطع الطريق أو الحرابة، وحدّ الردّة، وحدّ ترك الصلاة. والقصاص حدّ في اصطلاح غير الحنفية.
1- حدّ الزنا
الزنا هو إيلاج الذكر في فرج محرم لعينه خالٍ عن الشبهة مشتهى، وهو على نوعين:
الأول: زنا المحصن البالغ العاقل الحرّ الذي دَخَلَ بنكاح صحيح ذكراً أو أنثى، وحدُّه الرجم بالحجارة حتى الموت، ودليله الآية المنسوخة التلاوة «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم» وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رجم رجلاً وامرأة قد زنيا.
الثاني: زنا غير المحصن وهو غير ما سبق، وحدُّه الواجب عند البعض،جلد مائة مع التغريب، وبدون التغريب عند آخرين.ودليل الجلد قوله تعالى: )الزانيةُ والزّاني فَاجلدُوا كُلَّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تَأخُذَكُم بهما رَأفةٌ في دينِ اللّهِ إنْ كُنْتم تُؤمِنونَ باللّهِ واليوم ِالآخِر وليَشهَد عَذَابهما طائفةٌ مِن المؤمنين( (النور 2). ودليل التغريب قوله عليه الصلاة والسلام: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام». وتثبت جريمة الزنا بأحد أمرين:
إما بالإقرار،مرة واحدة عند البعض وأربع مرات عند آخرين.ويسقط الحدّ عن المقر بالاتفاق إذا رجع عن إقراره، لأن ذلك يورث شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وإما بشهادة أربعة شهود عدول مسلمين من الرجال فقط لقوله تعالى: )لولا جَاؤوا عَلَيهِ بأَربَعةِ شُهَدَاء فَإذْ لَمْ يَأَتُوا بالشُهَدَاء فَأُولَئكَ عِندَ اللّهِ هُمُ الكاذِبُون( (النور 13) وقوله تعالى: )واللاتِي يَأتينَ الفَاحِشة من نسَائِكُم فاستَشْهِدُوا عليهِنَّ أربَعةً منكُم( (النساء 15).
وأجمع العلماء على تحريم اللواط وأنه فاحشة كبيرة وعقوبته عند الجمهور كعقوبة الزنا، والقتل مطلقاً في رواية عن الإمام أحمد.
2- حدّ شرب الخمر
المسكر هو ما أذهب العقل، سواء في ذلك ما اتخذ من العنب أو التمر أو التفاح أو غير ذلك.وحكم شربه أنه حرام بلا خلاف بين علماء المسلمين، وأنه يحدّ شاربه سواء أوصل إلى درجة السكر أم لم يصل، وسواء قليله وكثيره مهما اختلفت أسماؤه.و دليل حرمته قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسرُ والأَنْصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَملِ الشَّيطانِ فَاجْتَنبُوهُ لَعلَّكم تُفلِحونَ إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بَينكُمُ العَدَاوةَ والبغضَاءَ في الخمرِ والميسرِ ويَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللّهِ وعَنِ الصَلاةِ فهل أنتُم مُنتَهون( (المائدة90 ، 91) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري: «ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن». وقوله: «كل شراب أسكر فهو حرام».
ومقدار الحدّ: أنه عند الشافعية يجلد شاربه أربعين جلدة، وللحاكم أن يزيد على ذلك تعزيراً إلى ثمانين جلدة، ودليل ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة. وهو مذهب جمهور العلماء.
ويثبت حد الشرب بأحد أمرين: الأول: الإقرار بأن يقول: شربت مسكراً أو نحو ذلك. الثاني: شهادة رجلين يشهدان عليه بشرب المسكر. ولايقام عليه الحد حال سكره، ولايكون الضرب في المقاتل، ويقام الحد على الرجل والمرأة، والذي يتولى الحكم وإقامة الحد الإمام أي الحاكم أو نائبه.
3- حد القذف
القذف في اللغة العربية معناه الرمي، وفي الشرع: هو الرمي بالزنا على جهة التعيير، سواء أكان المقذوف رجلاً أم امرأة.
وحكم القذف: أنه حرام بإجماع المسلمين، وهو يعدّ من الكبائر، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري ومسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». وقال الله تعالى: )إنَّ الذين يَرمُونَ المحصَنَاتِ الغافِلاتِ المؤمِنَاتِ لُعِنُوا في الدُنيا والآخِرَة ولهم عَذَابٌ عَظِيم( (النور 32).
وحد القذف: أن يضرب القاذف ثمانين جلدة، ودليله قوله تعالى: )والذين يَرمُونَ المحصَنَاتِ ثم لم يَأتوا بأربَعَةِ شُهَدَاء فاجلِدوهم ثمانينَ جلدة ولا تَقبَلوا لهم شَهَادة أبداً وأولَئكَ هُمُ الفَاسِقونَ( (النور 4).
وشروط حد القاذف: أن يكون بالغاً عاقلاً وأن لا يكون والداً للمقذوف، وأن يكون المقذوف مسلماً بالغاً عاقلاً حراً عفيفاً.
ويسقط حدّ القذف بثلاثة أشياء: إقامة البينة، وهي الإتيان بأربعة شهداء، وعفو المقذوف عن القاذف، لأن الحد حق للإنسان، واللعان في حق الزوجة، وذلك فيما إذا قذف زوجته بالزنا ثم لاعنها، واللعان: أن يشهد الزوج أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، عملاً بآيات سورة النور (6، 9).
والذي يقيم حد القذف وغيره من الحدود هو الحاكم، ولا يقبل رجوع القاذف بعد قذفه. والقاذف إذا تاب قبلت شهادته بعد ذلك عند جمهور العلماء، وتسقط شهادته عند الحنفية وإن تاب.
4- حد السرقة
السرقة هي أخذ مال خُفية، وفي الشرع: أخذ المال خفية ظلماً من حرز مثله. ويشترط لإقامة الحد شروط:
1- أن يكون السارق مكلفاً، أي بالغاً عاقلاً مختاراً.
2- أن يكون المال المسروق نصاباً، أي بمقدار ثلاثة دراهم أو ربع دينار، وذهب الحنفية أن القطع لا يكون إلا في دينار أو عشرة دراهم فما فوق. والدينار من الذهب 4.25غ، والدرهم من الفضة2.975غ.
3- أن تكون السرقة من حرز المثل، أي من المكان الذي يحفظ فيه هذا المال عادة.
4- أن يكون أخذ المال خُفية، فلا قطع على الآخذ عنوة ظلماً أو غصباً.
5- عدم وجود شبهة للسارق في المال، فلا تقطع يد الأب في الأخذ من مال ابنه، ولا الابن في الأخذ من مال أبيه.
وحد السرقة: قطع اليد اليمنى من مفصل الكوع والرسغ، فإن سرق ثانية قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثة قطعت يده اليمنى، فإن سرق رابعة قطعت رجله اليمنى، فإن سرق خامسة لم يقطع بل يعزر، وهذا عند الشافعية، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يزاد في القطع على يد ورجل، بل يحبس بعد ذلك.
وتثبت السرقة بالإقرار أو بشهادة شاهدين، ويقيم الحد الحاكم أو نائبه. وحكم الطّرار وهو النشال حكم السارق، وحكم النباش وهو الذي يسرق أكفان الموتى حكم السارق عند الشافعية، لأن القبر هو حرز المثل، وذهب أبو حنيفة إلى أن النباش لا يسمى سارقاً، لأنه وقع شبهة في الملك، وتدرأ الحدود بالشبهات.
ودليل حد السرقة: قوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( (المائدة 38) وقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أصحاب الكتب الستة: «تقطع اليد في ربع دينار». وقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أصحاب الكتب الستة وابن ماجه: «إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
5- حد قطع الطريق أو الحرابة
قطع الطريق هو البروز لأخذ مال أو القتل أو إرعاب، مكابرة، اعتماداً على الشوكة (القوة والرهبة) مع البعد عن الفوت (الإدراك).
وقاطع الطريق إنسان مكلف له شوكة وقدرة يغلب بها غيره. والأصل في حكمهم قول الله تعالى: )إنَّما جزاءُ الذينَ يُحَاربُون الله ورسولَه ويَسْعون في الأرض فساداً أَنْ يُقتَلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أَيدِيهم وأرجُلُهُم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأَرضِ ذلك لهم خِزيٌ في الدُّنيا ولهم فِي الآخرة عذابٌ عظيمٌ إلا الذيَن تَابُوا من قَبْلٍ أن تَقدِروا عَلَيهم فاعلَمُوا أنَّ اللهَ غَفورٌ رحيم( (المائدة 33، 34).
وقاطع الطريق على نوعين: النوع الأول: أن يقدر عليهم الإمام قبل أن يتوبوا، والنوع الثاني: أن يتوبوا قبل أن يقدر الإمام عليهم.
النوع الأول: وهم الذين قدر عليهم الإمام قبل توبتهم، أولئك على أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يقتل القاطع ولا يأخذ المال، وهؤلاء جزاؤهم القتل فقط.
القسم الثاني: أن يقتل القاطع و يأخذ المال، وهؤلاء يقتلون ويصلبون، ويرى الحنفية في هذا أن الإمام مخير إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم.
القسم الثالث: أن يأخذ المال ولم يقتل، وهؤلاء تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أي تقطع يدهم اليمنى ورجلهم اليسرى، فإن عادوا تقطع يدهم اليسرى ورجلهم اليمنى.
القسم الرابع: أن يخيف المارة، ولا يأخذ مالاً ولا يقتل، فهؤلاء يحبسون في غير موضعهم ويعزرون. ولا تقطع يد قاطع الطريق إلا إذا أخذ من المال ما تقطع فيه يده في السرقة.
النوع الثاني: حكم قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه، أنه يسقط عنه حدود الله ويؤخذ بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها. وهذا هو رأي الأئمة الثلاثة أبي حنيفة و الشافعي وأحمد رضي الله عنهم. أما الإمام مالك فرأيه مايلي: إن قتل فلا بد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه، وأما إذا أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف، وأما إذا أخاف السبيل فقط، فالإمام عنده مخير في قتله أو صلبه أو نفيه، ومعنى التخيير عنده: أن الأمر في ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام على حسب حال هذا القاطع للطريق.
6- حد الردة
الردة: قطع المكلف الإسلام بنية كفر أو قول كفر أو فعل كفر، كسجود لبشر أو صنم أو حيوان، أو تكذيب رسول من رسل الله، أو تحليل حرام مجمع على حرمته، أو تحريم حلال مجمع على حله. فإذا ارتد مكلف عن الإسلام استتيب ثلاثة أيام، فإن رجع إلى الإسلام قبلت توبته، وإن أصر قتل.
دليل هذا الحكم قوله تعالى: )ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( (البقرة 217). وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري وغيره: «من بدَّل دينه فاقتلوه». وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم: «لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة». ولا فرق في المرتد عند الجمهور بين أن يكون رجلاً أو امرأة، إلا أن أبا حنيفة ذهب إلى أن المرأة لا تقتل، لنهي رسول الله عليه الصلاة والسلام عن قتل المرأة، ولكن تجبر على الرجوع إلى الإسلام بالحبس أو ما شاكله.
ويقوم بقتل المرتد الإمام، ومال المرتد بعد قضاء دينه يجعل في بيت مال المسلمين، وذهب الحنفية إلى أن ما اكتسبه في الإسلام هو لورثته، وما اكتسبه بعد الردة فهو فيء.
وتصرفات المرتد حال ردته موقوفة عند الحنابلة، ويذهب بعض الفقهاء إلى أن تصرفه باطل. وأما تزوجه: فلا يصح لأنه لا يقر على النكاح، وما منع الإقرار على النكاح منع من انعقاده، كنكاح الكافر المسلمة، وإن زُوج لم يصح تزويجه. وذبيحة المرتد نجسة حرام أكلها، وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب.
7- حد تارك الصلاة
من ترك الصلاة من المسلمين جاحداً لوجوبها فهو مرتد يقام عليه حد الردة، وإن لم يجحد وجوبها ولكنه تركها كسلاً حتى يخرج وقتها، يستتاب، فإن تاب وصلى قبلت توبته، وإن لم يصل قتل حداً لا كفراً وكان حكمه حكم المسلمين، يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وهناك قول عند الحنابلة أنه يقتل كفراً ويجري عليه أحكام المرتد من أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه فهو كمن تركها منكراً لوجوبها. ورأى الحنفية أنه يحبس ويضرب بشدة حتى يصلي ويتوب.
دليل حكم التارك للصلاة قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري ومسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». والذي يقيم الحد على تارك الصلاة إمام المسلمين أو نائبه.
مصطفى سعيد الخن