أكبر مصادم ذرات في العالم، حيث تمّت هذه الاكتشافات الثورية من بوزون هيجز إلى خلق مادة مضادة، يحتفل بعيد ميلاده الـ 60 اليوم (29 سبتمبر).
بعد تأسيسه عام 1954، المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية أو (سيرن)، الموجودة بجوار جينيفا على الحدود الفرنسية السويسرية، احتوت أكبر المصادمات وأكثرها تقدمًا في العالم.
في ذكرى الإحتفال الـ60 للمعمل، نقدم لكم بعض أعظم الاكتشافات التي حصلت في سيرن في آخر ست عقود.
1. “جسيم الإله”
ثار اهتمام المجتمع الفيزيائي في يوليو 2012، حين أعلن العلماء في مصادم الهدرونات الكبير (LHC) بسيرن عن اكتشاف جسيم يُشبه ما يُسمّى “بوزون هيجز”.
في السيتينات، افترض بيتر هيجز وجود مجال تسبح به كل الجسيمات – كما يتحرك البِلي في العسل، مثلا – مما يعطي الجسيمات كتلة.
اعتقد هيجز بوجود جسيم مرتبط بهذا المجال، جسيم المسؤول عن إعطاء كل الجسيمات الأخرى كتلتهم.
هذه الجسيم عُرف بـ “بوزون هيجز”.
تمّ تسميته أيضًا “جسيم الإله” عام 1993 بعد نشر كتاب لعالم الفيزياء التجريبية الشهير ليون ليديرمان الحاصل على جائزة نوبل، ولكن الكثير من الفيزيائيين رفضوا هذه التسمية، منهم هيجز نفسه.
في 2012 بعد عقود من البحث الجاد، كشف مصادم LHC في تجربتين عن جسيم أولي يزن 126 مرة كتلة البروتون، ذلك الجسيم الموجب الموجود في نواة الذرة.
بعد أقل من عام، وبعد أن جمع العلماء بيانات أكثر من ضعفي تلك التي كانت متوفرة في المصادم، أكّد الباحثون أن هذا الجسيم هو بالفعل جسيم هيجز.
اكتشاف بوزون هيجز يمثل القطعة الأخيرة في أحجية النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، النظرية التي تصف كيفية تفاعل ثلاثة من الأربع قوى التي تحكم عالمنا – الكهرومغناطيسية، القوة النووية الضعيفة، والقوية – في المستوى دون الذري (ولكنها لا تشمل الجاذبية).
حصل بيتر هيجز وفرانسوا إنجلرت على جائزة نوبل عام 2013 لتوقعهم وجود بوزون هيجز.
2. التيارات المحايدة الضعيفة
عام 1973، خرج أحد أعظم الاكتشافات في سيرن: الكشف عمّا يُسمّى التيارات المحايدة الضعيفة، بداخل جهاز يُدعى غرفة غارغاميل للفقاعات.
التيارات المحايدة هي طريقة للجسيمات دون الذرية للتفاعل من خلال القوة النووية الضعيفة، واحدة من القوى الأربعة الأساسية في الطبيعة.
هذا الاكتشاف ساعد على توحيد اثنين من التفاعلات الأساسية (الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة) فيما عُرف بالكهروضعيفة.
توقّع علماء الفيزياء النظرية عبد السّلام، شيلدون جلاشو، وستيفن واينبرج وجود هذه التيارات الضعيفة في نفس العام التي اكتشفه فيه الباحثون بسيرن.
حصل العلماء النظريون على نوبل عام 1979.
3. بوزونات W وZ
عام 1983، بعد مرور عقد على اكتشاف سيرن للتيارات المحايدة، اكتشفوا أيضًا بوزونات W وZ، جسيمات أولية تنقل القوة الضعيفة.
كلا البوزونان W+ وW- يحملان نفس الكتلة لكن بشحنات مضادة.
بينما بوزون Z لا شحنة له. هذا الاكتشاف كان مساعد جدًا للنموذج المعياري.
باستخدام مصادم جسيمات اسمه “مسارع البروتون الدوراني التزامني الفائق”، علماء الفيزياء الجسيمية كارلو روبيا وسيمون فان دير ميل قادا فريق اكتشف أدلة على هذه البوزونات في تجارب عرفت بـ UA1 وUA2.
حصل كلا العالمَين على جائزة نوبل في العام التالي.
4. النيوترونات الخفيفة
عام 1989، حدّد علماء سيرن عدد عائلات الجسيمات التي تحتوي ما تُعرف بالنيوترونات الخفيفة.
هذه جسيمات أولية غير مشحونة بتقريبًا كتلة صفر أو كتلة صغيرة جدًا، لذلك يتمّ إطلاقهم لقب “الجسيما تالشبحية” في بعض الأحيان.
اكتشاف هذه الجسيمات الخفيفة الشبحية كان في مصادر الإلكترون-بوزيترون الكبير (LEP) باستخدام كاشف يُدعى ألف ALEPH. الاكتشاف كان يتفق جيدًا مع النموذج المعياري.
5. المادة المضادة
المادة المضادة تحتوي على جسيمات تملك نفس الكتلة لجسيمات المادة و لكن شحنة كهربائية مُعاكسة (وخواص أخرى مضادة)، عندما تندمج المادة و المادة المُضادة فكلُّ منها تُفني الاُخرى و تُطلقان كمية كبيرة من الطاقة و تنتجان جسيماتٍ عالية الطاقة مثل أشعّة غاما.
استطاع علماءُ CERN عام 1995 صنع نوعٍ من المادة المُضادة تدعى antihydrogen (و هو نسخة من الهيدروجين المشحون بشحنة سلبية) في التجربة PS210 في مصادم LEAR لكن هذه المادة المُضادة اندمجت مع المادة و أُفنيت قبل أن يتمكن العلماءُ من دراستها.
في عام 2010، تمكّن فريقُ ALPHA في سيرن من إنتاج antihydrogen و الاحتفاظ به قرابة سُدس الثانية و في عام 2011 حافظوا على المادة المُضادة لأكثر من 15 دقيقة .
6. خرق تناظر الشحنة السويّة
إنّ وجود المادة في الكون رغم وجود المادة المُضادة هو أحد ألغاز علم الكونيات رغم أن كلّ منهما تميل إلى إفناء الأخرى ، الجواب على ذلك له علاقة بموضوع التباين بين المادة و المادة المُضادة.
للوهلة الأولى، قد يبدو أن قوانين الفيزياء نفسها تنطبق على الجسيمات المُضادة كما على الجسيمات و هو مبدأٌ يُعرف بـ” تماثل الشحنة السويّة CP-symmetry”، لكن الفيزيائين في CERN تمكنوا من إظهار أنّ الشحنة السويّة يمكن خرقها.
فقد تمكّن عالما الفيزياء النووية James Cronin و Val Fitch عام 1964 من إيجاد أولِ دليلٍ على أن تناظر الشحنة السويّة يُمكن كسره و خرقه و هو اكتشافٌ حصلا على جائزة نوبل عام 1980 لأجله.
لكن الدليل النهائي على هذا الخرق لم يُقدم إلّا عام 1999 من خلال التجربة NA48 في سيرن و تجربةٍ أخرى تم إجراؤها في مؤسسة فيزياء الجسيمات الأميركية Fermilab.
7. الشبكة العنبكوتية العالمية WWW
بعيداً عن فيزياء الجسيمات ، CERN هو مسقط رأس أحد أهم الاختراعات و أشهرها في العالم ألا و هو الشبكة العنكبوتية العالمية WWW و التي اخترعت على يد العالم البريطاني Tim Berners-Lee في CERN عام 1989 ، هذه الشبكة تمّ تصميمها لتكون وسيلةً لتبادل المعلومات بين العلماء من مختلف المعاهد و المراكز حول العالم.
أولُ موقعٍ إلكترونيٍ يشرح مشروع الشبكة العنكبوتية و كيفية استخدامها و كيفية إقامة مُخدمٍ ، كلها موجودة على حاسوب NeXT العائد لـ Berners-Lee و الذي ما يزال موجوداً حتّى اليوم في CERN.
إن برمجية الشبكة العنكبوتية تمت إتاحتها للعامّة في نيسان/أبريل 1993 و قد سُمح باستخدامها مجاناً من قبل أي شخصٍ يمكنه إقامة مُخدم WWW أو يمكنه استخدام المتصفح العادي