شمبير (كميل ـ)
(نحو 1892ـ 1934)
كميل شمبير موسيقي سوري، ولد في حلب وتوفي في دمشق، وبلغ في فنه وثقافته شأناً رفيعاً. أجاد العزف على عدد من الآلات الموسيقية مذ كان طالباً في روضة الأطفال بمدرسة الراهبات الفرنسيسكان في حلب، وهو في الخامسة من عمره، فقد تعلم العزف على الكمان، وأجاد العزف على العود في أثناء تدرجه في المدرسة عاماً بعد عام، قبل أن ينتقل إلى آلة البيانو التي شغف بها حباً.
في الخامسة عشرة من عمره، اهتم بآلات النفخ الخشبية والنحاسية[ر. الآلات الموسيقية] فدرسها دراسة مستفيضة وعزف على بعضها، ومنها آلة الكلارنيت[ر]، وآلة الترومبيت[ر. البوق] التي برع في العزف عليها. وفي العام 1908، سافر إلى إيطاليا، ودرس الموسيقى فيها، ثم غادرها إلى أمريكا حيث عمل مدة من الزمن في دار الأوبرا. ومن ثم عاد إلى سورية، فمكث في حلب بعض الوقت قبل أن يرحل في عام 1914 إلى مصر.
قدّم في القاهرة عدداً من الحفلات الموسيقية، ثم ترأس فرقة نجيب الريحاني، وكتب لمسرحه عدداً من «الأوبريت»[ر. الأوبرا] من نوع الكوميديا الغنائية، فلاقت نجاحاً كبيراً جعلت الفنان أمين عطا الله يتصل به ويطلب منه رئاسة فرقته الموسيقية المسرحية وأن يكتب لـه، أسوة بنجيب الريحاني بعض الأوبريتات. وهكذا غدا في فترة زمنية قصيرة المؤلف الروائي والموسيقي الغنائي للفرقتين المذكورتين.
استمر تعاون كميل شمبير مع مسرحي الريحاني وأمين عطا الله سبع سنوات، وهي المدة التي مكث فيها في مصر، وقدم فيها سبعاً وعشرين مسرحية غنائية (أوبريت). وفي العام 1922، عاد إلى الوطن دون أن تنفع معه الإغراءات التي قدمت له من قبل العديد من المسارح، فقد كان الحنين يدفعه للعودة إلى سورية.
عاود شمبير نشاطه الفني في حلب، بالاشتراك مع النادي الكاثوليكي، فقدم أوبريت بعنوان «حلب على المسرح» إلا أنها لم تلق النجاح الذي كان يرجوه.
يعد كميل شمبير رائد آلة البيانو في سورية في زمانه. ومع أنه حاول جعل هذه الآلة من الآلات الرئيسة في الموسيقى، إلا أنها ظلت غريبة ومرفوضة بالنسبة للموسيقى الشرقية العربية. وقد حاول مع زميليه عبد الله شاهين ومتري المر إيجاد طريقة يستطيعون معها صناعة بيانو تستقيم أصواته مع أصوات السلم الموسيقي الشرقي (ذي ربع الصوت التقريبي) إلا أن جهودهم باءت بالفشل. واكتشفوا بأن أرباع الصوت في السلم الشرقي على أساس حسابات «الكوما»[ر. الموسيقى العربية]، وما ينبثق عنها من تغيير مقامي، يتطلب تركيب لوحة للمفاتيح (الملامس) تجعل طول البيانو، عند تركيبها، يتضاعف في أدنى الاحتمالات، وتجعل من العسير حتى على العازف المتمكن أن يطول ملامسها. كذلك وجدوا استحالة تركيب لوحة تتألف من ثلاث طبقات لتستطيع أن تفي بحاجات السلم الشرقي ومقاماته. فصرفوا النظر عن الأمر، واكتفوا باستخدام مفتاح ضبط الأوتار من أجل الحصول على ربع الصوت التقريبي كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
اتصلت شركتا بيضافون وأوديون للأسطوانات بشمبير، وسجل لهما بعض ألحان التراث على أسطوانات ضمت تقاسيم على البيانو من مقامي العجم والكرد[ر. الموسيقى العربية]، وبشارف وسماعيات[ر. الصيغ الموسيقية] معروفة، وسجَل من تأليفه «ثلاثية» للترومبيت والعود والكمان.
إضافة إلى براعة كميل شمبير في التأليف الموسيقي والعزف على بعض الآلات الموسيقية، فقد أتقن اللغات التركية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية، قراءة وكتابة ومحادثة، إلى جانب لغته الأم. كما أجاد التمثيل وكتابة الشعر الزجلي.
في التاسع من تشرين الثاني داهمه مرض عضال، فقضى نحبه فجأة في منزله في دمشق، وهو في أوج شبابه، ثم نقل جثمانه إلى مثواه الأخير في حلب.
في ذكرى مرور أربعين عاماً على رحيله، أقيم مأتم خطابي شارك فيه عدد كبير من أصدقائه ومحبي فنه. وكان أبلغ رثاء وأروعه ذاك الذي تجسد في قصيدة صديقه الشاعر الكبير عمر أبي ريشة التي يقول في مطلعها:
نام عن كأسه وعن أحبابه
قبل أن ينقضي نهار شبابه
يمكن القول إن فن الأوبريت دخل إلى المسرح العربي للمرة الأولى، بصورة متكاملة تقريباً، على يدي كميل شمبير. ويدين المسرح العربي لـه بالفضل في هذا. وقد تجاهله مؤرخو المسرح الغنائي الموسيقي في مصر، ونسبوا بعض أعماله إلى عدد من الملحنين المصريين. وهو يختلف عن مسرح أبي خليل القباني[ر] الغنائي في أن الأوبريت التي قدمها اعتمدت بصورة أساسية في مشاهدها وأحداثها على الموسيقى والغناء اللذين كونا اللبنة الأساسية في أعماله..
ألف شمبير 27 أوبريت من أشهرها: «الفنون الجميلة»، و«الغريب البائس»، و«عقبال عندكم»، و«شهر العسل»، و«النونو». أما العمل الكبير الذي وضعه ولم يشاهد النور بسبب افتقار الوسط الفني للأصوات القادرة على الأداء، فهو أوبرا «توسكا» Tosca للمؤلف الموسيقي الإيطالي جاكومو بوتشيني[ر] G.Puccini التي ترجمها عن الإيطالية بنفسه، وقام بتلحينها، من جديد، مستغرقاً في ذلك مدة عامين. كذلك لحن عدداً غير قليل من الطقاطيق الخفيفة لعدد من المطربات والمطربين ليسد بها حاجته إلى المال.
صميم الشريف
(نحو 1892ـ 1934)
كميل شمبير موسيقي سوري، ولد في حلب وتوفي في دمشق، وبلغ في فنه وثقافته شأناً رفيعاً. أجاد العزف على عدد من الآلات الموسيقية مذ كان طالباً في روضة الأطفال بمدرسة الراهبات الفرنسيسكان في حلب، وهو في الخامسة من عمره، فقد تعلم العزف على الكمان، وأجاد العزف على العود في أثناء تدرجه في المدرسة عاماً بعد عام، قبل أن ينتقل إلى آلة البيانو التي شغف بها حباً.
في الخامسة عشرة من عمره، اهتم بآلات النفخ الخشبية والنحاسية[ر. الآلات الموسيقية] فدرسها دراسة مستفيضة وعزف على بعضها، ومنها آلة الكلارنيت[ر]، وآلة الترومبيت[ر. البوق] التي برع في العزف عليها. وفي العام 1908، سافر إلى إيطاليا، ودرس الموسيقى فيها، ثم غادرها إلى أمريكا حيث عمل مدة من الزمن في دار الأوبرا. ومن ثم عاد إلى سورية، فمكث في حلب بعض الوقت قبل أن يرحل في عام 1914 إلى مصر.
قدّم في القاهرة عدداً من الحفلات الموسيقية، ثم ترأس فرقة نجيب الريحاني، وكتب لمسرحه عدداً من «الأوبريت»[ر. الأوبرا] من نوع الكوميديا الغنائية، فلاقت نجاحاً كبيراً جعلت الفنان أمين عطا الله يتصل به ويطلب منه رئاسة فرقته الموسيقية المسرحية وأن يكتب لـه، أسوة بنجيب الريحاني بعض الأوبريتات. وهكذا غدا في فترة زمنية قصيرة المؤلف الروائي والموسيقي الغنائي للفرقتين المذكورتين.
استمر تعاون كميل شمبير مع مسرحي الريحاني وأمين عطا الله سبع سنوات، وهي المدة التي مكث فيها في مصر، وقدم فيها سبعاً وعشرين مسرحية غنائية (أوبريت). وفي العام 1922، عاد إلى الوطن دون أن تنفع معه الإغراءات التي قدمت له من قبل العديد من المسارح، فقد كان الحنين يدفعه للعودة إلى سورية.
عاود شمبير نشاطه الفني في حلب، بالاشتراك مع النادي الكاثوليكي، فقدم أوبريت بعنوان «حلب على المسرح» إلا أنها لم تلق النجاح الذي كان يرجوه.
يعد كميل شمبير رائد آلة البيانو في سورية في زمانه. ومع أنه حاول جعل هذه الآلة من الآلات الرئيسة في الموسيقى، إلا أنها ظلت غريبة ومرفوضة بالنسبة للموسيقى الشرقية العربية. وقد حاول مع زميليه عبد الله شاهين ومتري المر إيجاد طريقة يستطيعون معها صناعة بيانو تستقيم أصواته مع أصوات السلم الموسيقي الشرقي (ذي ربع الصوت التقريبي) إلا أن جهودهم باءت بالفشل. واكتشفوا بأن أرباع الصوت في السلم الشرقي على أساس حسابات «الكوما»[ر. الموسيقى العربية]، وما ينبثق عنها من تغيير مقامي، يتطلب تركيب لوحة للمفاتيح (الملامس) تجعل طول البيانو، عند تركيبها، يتضاعف في أدنى الاحتمالات، وتجعل من العسير حتى على العازف المتمكن أن يطول ملامسها. كذلك وجدوا استحالة تركيب لوحة تتألف من ثلاث طبقات لتستطيع أن تفي بحاجات السلم الشرقي ومقاماته. فصرفوا النظر عن الأمر، واكتفوا باستخدام مفتاح ضبط الأوتار من أجل الحصول على ربع الصوت التقريبي كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
اتصلت شركتا بيضافون وأوديون للأسطوانات بشمبير، وسجل لهما بعض ألحان التراث على أسطوانات ضمت تقاسيم على البيانو من مقامي العجم والكرد[ر. الموسيقى العربية]، وبشارف وسماعيات[ر. الصيغ الموسيقية] معروفة، وسجَل من تأليفه «ثلاثية» للترومبيت والعود والكمان.
إضافة إلى براعة كميل شمبير في التأليف الموسيقي والعزف على بعض الآلات الموسيقية، فقد أتقن اللغات التركية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية، قراءة وكتابة ومحادثة، إلى جانب لغته الأم. كما أجاد التمثيل وكتابة الشعر الزجلي.
في التاسع من تشرين الثاني داهمه مرض عضال، فقضى نحبه فجأة في منزله في دمشق، وهو في أوج شبابه، ثم نقل جثمانه إلى مثواه الأخير في حلب.
في ذكرى مرور أربعين عاماً على رحيله، أقيم مأتم خطابي شارك فيه عدد كبير من أصدقائه ومحبي فنه. وكان أبلغ رثاء وأروعه ذاك الذي تجسد في قصيدة صديقه الشاعر الكبير عمر أبي ريشة التي يقول في مطلعها:
نام عن كأسه وعن أحبابه
قبل أن ينقضي نهار شبابه
يمكن القول إن فن الأوبريت دخل إلى المسرح العربي للمرة الأولى، بصورة متكاملة تقريباً، على يدي كميل شمبير. ويدين المسرح العربي لـه بالفضل في هذا. وقد تجاهله مؤرخو المسرح الغنائي الموسيقي في مصر، ونسبوا بعض أعماله إلى عدد من الملحنين المصريين. وهو يختلف عن مسرح أبي خليل القباني[ر] الغنائي في أن الأوبريت التي قدمها اعتمدت بصورة أساسية في مشاهدها وأحداثها على الموسيقى والغناء اللذين كونا اللبنة الأساسية في أعماله..
ألف شمبير 27 أوبريت من أشهرها: «الفنون الجميلة»، و«الغريب البائس»، و«عقبال عندكم»، و«شهر العسل»، و«النونو». أما العمل الكبير الذي وضعه ولم يشاهد النور بسبب افتقار الوسط الفني للأصوات القادرة على الأداء، فهو أوبرا «توسكا» Tosca للمؤلف الموسيقي الإيطالي جاكومو بوتشيني[ر] G.Puccini التي ترجمها عن الإيطالية بنفسه، وقام بتلحينها، من جديد، مستغرقاً في ذلك مدة عامين. كذلك لحن عدداً غير قليل من الطقاطيق الخفيفة لعدد من المطربات والمطربين ليسد بها حاجته إلى المال.
صميم الشريف