شاكر (محمد ـ)
(1282 ـ 1358هـ/1866 ـ 1939م)
محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر الصعيدي المصري الكاتب الأديب الفقيه القاضي أحد أشراف الصعيد. ولد بمدينة جرجا في مصر، وكان والده من كبار تجارها، ونشأ بها وتلقى مبادئ القراءة والكتابة فيها، وحفظ القرآن الكريم، ثم رحل إلى القاهرة لطلب العلم في الأزهر، والتحق به سنة 1296هـ/1878م وتلقى العلم على كبار أساتذته كالشيخ أحمد أبي خطوة والشيخ حسن الطويل والشيخ محمد المغربي، وأشتهر أيام التحصيل فيه بتفوقه على زملائه في علوم المنطق والفلسفة وسائر العلوم العقلية، وكان يُدرّس بعض هذه العلوم لعدد من زملائه الطلبة وهو لم يزل تلميذاً معهم وزميلاً لهم. وفي سنة 1307هـ/1889م اختاره الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر آنذاك للعمل في ديوان الإفتاء، فكان، على حداثة سنة، ينوب عن المفتي في مناقشة أحكام المحاكم الشرعية، ويلاحظ على قضاتها ملاحظات دقيقة دلّت على سعة إطلاعه وقوة حجّته، ثم عُيِّن نائباً للمحكمة الشرعية في مديرية القليوبية، قبل حصوله على شهادة العالمية من الأزهر عام 1317هـ/1899م. وحين رغبت الحكومتان المصرية والسودانية في تنظيم القضاء الشرعي في السودان اختير الشيخ محمد شاكر لشغل منصب قاضي القضاة فيه، فوضع نظام المحاكم الشرعية، وسنّ لها القوانين واللوائح للإجراءات القضائية الدقيقة، وعيّن القضاة في أقاليم السودان، وقطع في شأن إصلاح القضاء هناك خطوات واسعة، حتى قيل: إن نظام المحاكم الشرعية في السودان فاق نظام المحاكم الشرعية بمصر في ذلك الحين، وحرص على النزاهة في قراراته ومواقفه وعلى عدم الخضوع لسلطان حاكم السودان آنذك. وحين أنشىء المعهد الديني في الإسكندرية عينه الخديوي عباس رئيساً له، وعهد إليه بوضع نظامه، ثم سماه شيخاً للعلماء فيه، وبعد مدة عاد إلى القاهرة، وعُيِّن وكيلاً للأزهر، فأنشأ القسم الأول للتعليم فيه على نحو ما فعله في المعهد الديني بالإسكندرية ، ثم أشار على الخديوي عباس بإنشاء معاهد دينية في مختلف أقاليم مصر، فاستجاب له. ووضع سنة 1329هـ/1911م القانون الخاص بالأزهر فوضعه على سكة التحديث، واختير عضواً في هيئة كبار العلماء بمصر، وفي سنة 1332هـ/1914م عُيِّن عضواً في الجمعية التشريعية ممثلاً للهيئة الإسلامية ، ثم أحيل على المعاش. وحين قامت الحركة الوطنية الكبرى بمصر سنة 1337هـ/1918م برئاسة الزعيم الشهير سعد زغلول، كان الشيخ محمد شاكر في طليعة مناصريه ومؤيديه، فكان لموقفه ذاك الأثر البالغ في تطوع العلماء والطلبة والمعاهد الدينية للإسهام في نصرة الحركة بانتشارهم في قرى الريف المصري داعين إلى الجهاد لإنقاذ مصر وتحريرها.
وكان المترجم له عالماً بكتاب الله يفقه نصه فقهاً صحيحاً، ويداوم على مدارسته والغوص على أسراره، وكانت له في تفسير آياته نظرات دقيقة، وكان في العلوم العقلية آية من الآيات. وكان كريم الأخلاق زاهداً في الدنيا، وكتب مقالات كثيرة نشرتها له عدد من الصحف المصرية الشهيرة. وخلّف مؤلفات مختلفة تدل في مجموعها على سعة علمه وبعد غوره في الأمور التي طرقها في تأليفه.
ففي الأمور الدينية ألّف الكتب الآتية: «العقائد الدينية» و«السيرة النبوية» و«القول الفصل في ترجمة القرآن الكريم» وفي الحكمة والمنطق ألّف كتاب «الإيضاح لمتن إيساغوجي» وإيساغوجي لفظ يوناني معناه الكليات الخمس، أي الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام، وهو باب من الأبواب التسعة للمنطق، وفي التربية ألّف رسالة «وصايا الآباء للأبناء» وهي رسالة قيّمة في بابها، ورسالة أخرى سماها «الأخلاق المرضية» فكانت خير رسالة في موضوعها.
وفي مجال خدمة العربية وشؤونها ألف كتاباً سماه «خلاصة الإملاء» فكان له القبول التام من الشيوخ والطلبة على السواء.
وفي الشؤون العامة ألّف كتاباً سماه «من الحماية إلى السيادة فالكلمة الآن لمصر».
ومن أهم ما يذكر له بالتجلة والتقدير أنه استطاع أن يكون مثلاً يحتذى لأهل داره، فخرَّج منها أعلام في العلم والأدب والتراث متأثرين بمنهجه وآرائه الهادفة، توفيَّ بالقاهرة.
محمود الأرناؤوط
(1282 ـ 1358هـ/1866 ـ 1939م)
محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر الصعيدي المصري الكاتب الأديب الفقيه القاضي أحد أشراف الصعيد. ولد بمدينة جرجا في مصر، وكان والده من كبار تجارها، ونشأ بها وتلقى مبادئ القراءة والكتابة فيها، وحفظ القرآن الكريم، ثم رحل إلى القاهرة لطلب العلم في الأزهر، والتحق به سنة 1296هـ/1878م وتلقى العلم على كبار أساتذته كالشيخ أحمد أبي خطوة والشيخ حسن الطويل والشيخ محمد المغربي، وأشتهر أيام التحصيل فيه بتفوقه على زملائه في علوم المنطق والفلسفة وسائر العلوم العقلية، وكان يُدرّس بعض هذه العلوم لعدد من زملائه الطلبة وهو لم يزل تلميذاً معهم وزميلاً لهم. وفي سنة 1307هـ/1889م اختاره الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر آنذاك للعمل في ديوان الإفتاء، فكان، على حداثة سنة، ينوب عن المفتي في مناقشة أحكام المحاكم الشرعية، ويلاحظ على قضاتها ملاحظات دقيقة دلّت على سعة إطلاعه وقوة حجّته، ثم عُيِّن نائباً للمحكمة الشرعية في مديرية القليوبية، قبل حصوله على شهادة العالمية من الأزهر عام 1317هـ/1899م. وحين رغبت الحكومتان المصرية والسودانية في تنظيم القضاء الشرعي في السودان اختير الشيخ محمد شاكر لشغل منصب قاضي القضاة فيه، فوضع نظام المحاكم الشرعية، وسنّ لها القوانين واللوائح للإجراءات القضائية الدقيقة، وعيّن القضاة في أقاليم السودان، وقطع في شأن إصلاح القضاء هناك خطوات واسعة، حتى قيل: إن نظام المحاكم الشرعية في السودان فاق نظام المحاكم الشرعية بمصر في ذلك الحين، وحرص على النزاهة في قراراته ومواقفه وعلى عدم الخضوع لسلطان حاكم السودان آنذك. وحين أنشىء المعهد الديني في الإسكندرية عينه الخديوي عباس رئيساً له، وعهد إليه بوضع نظامه، ثم سماه شيخاً للعلماء فيه، وبعد مدة عاد إلى القاهرة، وعُيِّن وكيلاً للأزهر، فأنشأ القسم الأول للتعليم فيه على نحو ما فعله في المعهد الديني بالإسكندرية ، ثم أشار على الخديوي عباس بإنشاء معاهد دينية في مختلف أقاليم مصر، فاستجاب له. ووضع سنة 1329هـ/1911م القانون الخاص بالأزهر فوضعه على سكة التحديث، واختير عضواً في هيئة كبار العلماء بمصر، وفي سنة 1332هـ/1914م عُيِّن عضواً في الجمعية التشريعية ممثلاً للهيئة الإسلامية ، ثم أحيل على المعاش. وحين قامت الحركة الوطنية الكبرى بمصر سنة 1337هـ/1918م برئاسة الزعيم الشهير سعد زغلول، كان الشيخ محمد شاكر في طليعة مناصريه ومؤيديه، فكان لموقفه ذاك الأثر البالغ في تطوع العلماء والطلبة والمعاهد الدينية للإسهام في نصرة الحركة بانتشارهم في قرى الريف المصري داعين إلى الجهاد لإنقاذ مصر وتحريرها.
وكان المترجم له عالماً بكتاب الله يفقه نصه فقهاً صحيحاً، ويداوم على مدارسته والغوص على أسراره، وكانت له في تفسير آياته نظرات دقيقة، وكان في العلوم العقلية آية من الآيات. وكان كريم الأخلاق زاهداً في الدنيا، وكتب مقالات كثيرة نشرتها له عدد من الصحف المصرية الشهيرة. وخلّف مؤلفات مختلفة تدل في مجموعها على سعة علمه وبعد غوره في الأمور التي طرقها في تأليفه.
ففي الأمور الدينية ألّف الكتب الآتية: «العقائد الدينية» و«السيرة النبوية» و«القول الفصل في ترجمة القرآن الكريم» وفي الحكمة والمنطق ألّف كتاب «الإيضاح لمتن إيساغوجي» وإيساغوجي لفظ يوناني معناه الكليات الخمس، أي الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام، وهو باب من الأبواب التسعة للمنطق، وفي التربية ألّف رسالة «وصايا الآباء للأبناء» وهي رسالة قيّمة في بابها، ورسالة أخرى سماها «الأخلاق المرضية» فكانت خير رسالة في موضوعها.
وفي مجال خدمة العربية وشؤونها ألف كتاباً سماه «خلاصة الإملاء» فكان له القبول التام من الشيوخ والطلبة على السواء.
وفي الشؤون العامة ألّف كتاباً سماه «من الحماية إلى السيادة فالكلمة الآن لمصر».
ومن أهم ما يذكر له بالتجلة والتقدير أنه استطاع أن يكون مثلاً يحتذى لأهل داره، فخرَّج منها أعلام في العلم والأدب والتراث متأثرين بمنهجه وآرائه الهادفة، توفيَّ بالقاهرة.
محمود الأرناؤوط