الشافعي (الإمام محمد بن إدريس ـ) أول من دوَّن علم أصول الفقه في كتاب «الرسالة» .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشافعي (الإمام محمد بن إدريس ـ) أول من دوَّن علم أصول الفقه في كتاب «الرسالة» .

    الشافعي (الإمام محمد بن إدريس ـ)
    (150 ـ 204 هـ/767 ـ 820م)

    أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي المطلبي، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، جدّ جد النبيr، ولد في غزة بالشام وأقام مدة في عسقلان (ثلاثة فراسخ من غزة).
    ارتحل من غزة إلى المدينة المنورة، ثم نشأ في مكة المكرمة وتلقى العلم فيها، ولزم شيخ الحرم مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، حتى أذن له بالإفتاء، وهو ابن خمس عشرة سنة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر في تسع ليال، ثم خرج إلى هذيل بالبادية، فحفظ أشعارها، ثم رحل إلى الإمام مالك في المدينة وهو ابن ست عشرة، وأذن له الإمام مالك بالإفتاء وهو ابن 16 سنة، وبقي في المدينة إلى أن توفي مالك، سنة 179هـ، وكان عمر الشافعي حينئذٍ 29 سنة، وكان يتردد على مكة، ثم قدم إلى العراق ثلاث مرات عام 184 و195 و198، وفي المرة الأولى قرأ كتب محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وتلقاها عنه، فاجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق، ثم عاد إلى مكة وألقى دروسه في الحرم المكي نحو تسع سنوات، ووضع فيها قواعد الاستنباط المستقلة به ليميز بين فقه الحجاز وفقه العراق، وفي المرة الثانية في بغداد نشر طريقته الجديدة في الاجتهاد، وجادل العلماء، وصنف الرسائل والكتب، وعقد حلقات علمية شهيرة في الجامع الغربي، وتردد على مجلسه كبار العلماء كأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وبشر المرِّيسي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبي ثور، وحسين بن علي الكرابيسي، وتأثروا بمذهبه، وبدفاعه عن السنة، ثم عاد إلى مكة ونشر علمه ومذهبه وأصوله وقواعده، وفي عام 195هـ أسـس في بغداد مذهبه القديم المسـمى «الحجة» وصنف أول كتاب في علم أصول الفقه وهو «الرسالة» القديمة.
    ولم يطل مقامه في المرة الثالثة في بغداد، فأقام فيها نحو ثمانية أشهر، لاستيائه من سياسة الخليفة المأمون وتقريبه المعتزلة. وفي عام 199هـ اتجه إلى مصر، وأعاد تصنيف «الرسالة» وهي المتداولة الآن، وكان يسميها «الكتاب» وعاش في مصر إلى أن توفي فيها سنة 204هـ، ووضع فيها مذهبه الجديد في كتابه «الأم» الذي أملاه على تلاميذه في مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط (المدينة القديمة من عهد الصحابة الفاتحين قبل بناء القاهرة) وجمعه تلميذه وخليفته أبو يعقوب البويطي، وطبع برواية الربيع ابن سليمان المرادي راوية كتب الشافعي، وفيه القول الجديد، وهو المذهب الذي تغير إليه اجتهاده بمصر، لاختلاطه بعلمائها، وسماعه ما عندهم من حديث وفقه، واطلاعه على أعراف وعادات وأحوال اجتماعية مغايرة لما سمع ورأى في الحجاز والعراق، وعرف ذلك بالمذهب الجديد.
    ظهرت مواهب الشافعي ومقدرته الكلامية في حياته المتنقلة ولاسيما في مصر، فكان فصيح اللسان، قوي الحجة، ومرجعاً في اللغة العربية وواضعاً بعض الألفاظ فيها يُلاحظ ذلك في القاموس المحيط، كما أوضح معاني القرآن ووفق بين أحكامه، ودافع عن السنة النبوية حتى صار «إمام الحديث وناصر السنة» قال عنه الإمام أحمد: «لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث» وقال أيضاً: «الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه».
    وهو أول من دوَّن علم أصول الفقه في كتاب «الرسالة» واستطاع التوفيق بين الفقه والرأي، والتوسط بين حديث المدرستين: مدرسة أهل الحجاز، ومدرسة أهل الرأي في العراق.
    تميز بقدرته الفائقة على الجدل والمناظرة وإفحام الخصم، في جميع مسائل الاجتهاد، وتلك المقدرة تتطلب حدة الذكاء، وسرعة الخاطر، والفطنة، وفصاحة البيان، وكان أحفظ أهل زمانه، صحح عليه أبو داود والأصمعي شعر «الهذليين» المعروفين بالبلاغة والرشاقة في البيان.
    كان واسع العلم بأيام الناس ووقائع تاريخ العرب فيما بينهم، ومع غيرهم من الفرس والرومان، وكان عالماً بأنساب العرب وأشعارهم وآدابهم، وكان من أفصح الفصحاء وأبلغ أساطين البيان، وصار حجة في اللغة والنحو، وكان شاعراً ناظماً للشعر في قضايا الاعتقاد والحكمة والأخلاق، وتقديم العلم والزهد، يدل شعره على نبالة وعفة وأنفة ورفعة نفس، وله ديوان شعر مطبوع، وكان على جانب عظيم من التقوى والورع وحب العبادة، وقوة الإيمان، وملازمة تلاوة القرآن، حتى نقل عنه تلميذه أنه في رمضان كان قد ختم القرآن ستين مرة؛ وكان مكثراً الصلاة على النبيr.
    تصانيفه: ذكر الإمام أحمد أنه أي الشافعي مجدِّد القرن الثاني، وكان له تصانيف كثيرة أغلبها مطبوع، وأشهرها كتاب «الأم» في الفقه (7 مجلدات) و«الرسالة» في علم الأصول، و«أحكام القرآن والسنة» و«اختلاف الحديث»، و«السبق والرمي»، و«فضائل قريش»، و«أدب القاضي»، و«المواريث». قال المبرِّد: «كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم، وأعرفهم بالفقه والقراءات». وقال الإمام أحمد: «ما أجد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته مِنَّة». وقال ابن زولاق: «صنف الشافعي نحواً من مئتي جزء»، وقال القاضي أبو محمد المروزي: قيل: «إن الشافعي صنف مئة وثلاثة عشر كتاباً في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك».
    هذه الخصال والآثار العلمية جعلته إماماً في التفسير، والحديث، والأصول، والفقه والاجتهاد، والنحو واللغة، كما كان شاعراً مفلقاً، وخطيباً بارعاً ومتحدثاً فصيحاً، وكان في كل ذلك سريع التأليف مع الدقة والنضج.
    امتلأت كتب التراجم بعشرات الصفحات عن الإمام الشافعي مثل «طبقات الشافعية» للسبكي، و«ترتيب المدارك» للقاضي عياض، و«توالي التأسيس» لابن حجر، وصدرت عدة كتب مستقلة عنه، من أهمها: «مناقب الشافعي» لفخر الدين الرازي، و«مناقب الإمام الشافعي» للحافظ عبد الرؤوف المناوي، ورسالة للشيخ مصطفى عبد الرازق في «سيرة الإمام الشافعي»، و«تاريخ الإمام الشافعي» للشيخ حسين الرفاعي، و«الشافعي» للشيخ محمد أبي زهرة، ورسالة لزكي مبارك في أن كتاب «الأم» لم يؤلفه الشافعي وإنما ألفه البويطي أي جمعه، و«الإمام الشافعي ومذهبه الوسيط بين المذاهب الإسلامية» لوهبة الزحيلي.
    خصائص مذهبه: من أهم خصائص مذهب الشافعي:
    1ـ بناء الفروع على الأصول، أي جعل فقه الفروع مبنياً على الأصول.
    2ـ الجمع بين فقه الحجاز وفقه العراق (أو بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي).
    3ـ التزام القياس ورفض الاجتهاد بالرأي.
    4ـ العمل بظواهر الشريعة، أي حقيقتها ومبناها ودلالاتها الواضحة، مع الأخذ بمبدأ تعليل الأحكام، واستنباط الحكم من النص ومعناه أو دلالته وإيمائه.
    وقد تطور المذهب من قديم إلى جديد، وكانت عوامل نمو المذهب ثلاثة:
    1ـ كثرة الأقوال المأثورة عن الشافعي.
    2ـ أصوله والتخريج عليها.
    3ـ كثرة العلماء الذين تولوا الاجتهاد فيه.
    ومصادره أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس.
    وهبة الزحيلي

يعمل...
X