الشهرستاني (محمد بن عبدالكريم ـ)
(469ـ549هـ/1076ـ 1154م)
الإمام أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، الملقب بالأفضل، المتكلم الفيلسوف، ولد في شهرستان، من أعمال خُراسان، والواقعة فيما بين نيسابور وخوارزم، والقريبة من نَسَا، ولا تبعد عنها سوى ثلاثة أميال. دخل خورازم واتخذها دارة سكنٍ وإقامة مدةً من الزمن، ثم تحوّل عنها إلى خراسان، تََفقّه بنيسابور على أحمد الخوافي، وأبي نصر القُشيري، وقرأ الأصول على أبي القاسم الأنصاري، وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد المدائني، وغيرهم من العلماء الأعلام المعروفين في منطقته وزمانه.
خرج من خوارزم عام 510هـ/1116م، وحجَّ في تلك السنة، ثم عرّجَ على مدينة بغداد، فأقام فيها ثلاث سنواتٍ، يعظ ويدّرس بها، فقد كان له مجلس وعظٍ في المدرسة النظامية ذائعة الصيت والتي تعدُّ واحدة من كبريات مدارسها، إن لم تكن الأكبر والأكثر شهرةً، وظهر له قبولٌ عند العوام، وكان مدرسها وقتئذ أسعد الميهني، وبهذا فقد حظي الشهرستاني بحظوةٍ واحترامٍ كبيرين من الميهني لسابق علاقاتٍ وطيدة كانت تربطهما، فلم ينس له ذلك الود القديم الذي يعود لأيام خوارزم، بل أكرمه وأحسن وفادته، وفاءً لتلك الصحبة القديمة. عاد الشهرستاني بعد تلك السنوات الثلاث لبلده شهرستان، وبها كانت وفاته، بعد أن قضى حياته في العلم والتعلم والتدريس والتأليف، لقد كان عالماً حسناً، وخاصة في علم الكلام، والعقائد، والفرق، وأديان الأمم، ومذاهب الفلاسفة، وقد كان يعدّ من علماء الكلام، على مذهب الإمام الأشعري، حسن المحاضرة، والخط، واللفظ، لطيف المحاورة، خفيف المحاضرة، طيب المعاشرة.
وضع الشهرستاني العديد من المؤلفات منها:
«طبقات الحكماء»، «الإرشاد إلى عقائد العباد»، «تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام»، «المبدأ والمعاد»، «تفسير سورة يوسف»، وقد فسرّها بأسلوبٍ فلسفي لطيف، «الأقطار في الأصول»، «المِلَل والنِحَل»، ويعدّ من أشهر الكتب التي ألفها، أشار في المقدمة إلى وقوفه على أخبار ومقالات أهل العلم من أرباب الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل، وكذلك اطلاعه على مصادرها ومواردها، واقتناص أوانسها وشواردها، وعمله بعد حصوله على ذلك الكم الكبير من المعلومات ووقوفه على تلك المعطيات التي حصلّها من مصادرها الأصلية، فقام بجمع مختصرٍ يحوي جميع ما تدّين به المتدينون، وانتحله المنتحلون، ليكون في ذلك عبرةً لمن استبصر، واستبصاراً لمن اعتبر. ويشير بعد ذلك إلى المنهج الذي سار عليه الناس في تقسيم أهل العالم، فمنهم قسمهم وفقاً للأقاليم السبعة، ومنهم من قسمهم بحسب الأقطار الأربعة: الشرق، الغرب، الجنوب، والشمال، ومنهم من قسمهم بحسب الأمم، فقال كبار الأمم الأربعة: العرب، والعجم، والروم، والهند، وآخرون قسموهم حسب الآراء والمذاهب، وهو ما سار عليه واتبعه الشهرستاني في كتابه هذا، ويميز في البداية فيما بين:
ـ أهل الديانات مطلقاً أمثال المجوس، واليهود، والنصارى، والمسلمين.
ـ وأهل الأهواء والآراء كالفلاسفة الدُهرية، وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويقولون ببقاء الدهر وأنه مولد، وكذلك يتناول الصابئة، وعبدة الكواكب، والأوثان، والبراهمة، ثم يوضح الفِرَق التي تفرقت من كلٍ منها. ويشير إلى تفرّق المجوس إلى إحدى وسبعين فرقة، واليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، والمسلمين على ثلاثٍ وسبعين فرقة، ثم يتحدث عن كلِّ فرقة من الفرق محدداً مؤسسيها وأماكن ظهورها وأفكارها، ويتحدث عن الفلاسفة وآرائهم، وغير ذلك من الأبواب المتعددة التي تطرّق إليها في هذا الكتاب. طُبع الكتاب أكثر من مرة، وكانت الطبعة الثانية في ثلاثة أجزاء، بتصحيح وتعليق أحمد فهمي محمد.
وقد تحدث في الجزء الأول من هذا السفر القيّم عن الفرق التي شهدتها الساحة الإسلامية، وأماكن ظهورها، والأفكار التي كانت تطرحها كلُّ واحدةٍ منها، مشيراً في بعض حنايا الكتاب لبعضٍ من رموز تلك الحركات والفرق، كما هو الحال في رجال الخوارج، والمرجئة، والزيدية، والشيعة، ومصنفي كتبهم، وتحدث عن أهل الفروع المختلفين في الأحكام الشرعية والمسائل الاجتهادية، والمجتهدين من الأئمة، وبين أنهم محصورون في صنفين لا ثالث لهم: أصحاب الحديث وهم أهل الحجاز من أصحاب الأئمة مالك والشافعي والثوري، وابن حنبل وداود الأصفهاني، وكان جلُّ اهتمامهم في العناية بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبراً أو أثراً. والصنف الثاني هم أهل الرأي، وهم أهل العراق، من أتباع الإمام أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف، واللؤلؤي، وابن سماعة وغيرهم كثير. تحدث في الجزء الثاني عن الخارجين عن الملة الحنيفية، وأهل الكتاب من اليهود، والنصارى، ثم تناول فرقهم وكذلك المجوس والمانوية وسائر فرقهم أيضاً، وأصحاب الروحانيات والهياكل، والحكماء وأراء كلٍ منهم. وفي الجزء الثالث تحدث عن متأخري الفلاسفة المسلمين أمثال: الكندي، حنين بن إسحاق، يحيى النحوي، أبي الفرج الطيب حكيم بغداد، وغيرهم كثير، ويذكر ابن سينا وكلامه في المنطق، وينتقل للقياس وأشكاله، ويوضح الإلهيات، وما هو موضوع العلم الإلهي، وغير ذلك من الموضوعات الفلسفية المتعددة، ويوضح أراء العرب في الجاهلية، ويشير للأوائل في أول بيت وضع للناس، من وضع الأصنام بالكعبة، مؤمنو العرب، بيوت الأصنام والنبرات، التناسخ عند العرب، أصنام العرب، عقائد العرب، علوم العرب، موحدو العرب، وغير ذلك كثيرٌ مما يزخر به هذا الكتاب القيّم من موضوعات مختلفة تطرّق إليها الكاتب.
عبد الله محمود حسين
(469ـ549هـ/1076ـ 1154م)
الإمام أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، الملقب بالأفضل، المتكلم الفيلسوف، ولد في شهرستان، من أعمال خُراسان، والواقعة فيما بين نيسابور وخوارزم، والقريبة من نَسَا، ولا تبعد عنها سوى ثلاثة أميال. دخل خورازم واتخذها دارة سكنٍ وإقامة مدةً من الزمن، ثم تحوّل عنها إلى خراسان، تََفقّه بنيسابور على أحمد الخوافي، وأبي نصر القُشيري، وقرأ الأصول على أبي القاسم الأنصاري، وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد المدائني، وغيرهم من العلماء الأعلام المعروفين في منطقته وزمانه.
خرج من خوارزم عام 510هـ/1116م، وحجَّ في تلك السنة، ثم عرّجَ على مدينة بغداد، فأقام فيها ثلاث سنواتٍ، يعظ ويدّرس بها، فقد كان له مجلس وعظٍ في المدرسة النظامية ذائعة الصيت والتي تعدُّ واحدة من كبريات مدارسها، إن لم تكن الأكبر والأكثر شهرةً، وظهر له قبولٌ عند العوام، وكان مدرسها وقتئذ أسعد الميهني، وبهذا فقد حظي الشهرستاني بحظوةٍ واحترامٍ كبيرين من الميهني لسابق علاقاتٍ وطيدة كانت تربطهما، فلم ينس له ذلك الود القديم الذي يعود لأيام خوارزم، بل أكرمه وأحسن وفادته، وفاءً لتلك الصحبة القديمة. عاد الشهرستاني بعد تلك السنوات الثلاث لبلده شهرستان، وبها كانت وفاته، بعد أن قضى حياته في العلم والتعلم والتدريس والتأليف، لقد كان عالماً حسناً، وخاصة في علم الكلام، والعقائد، والفرق، وأديان الأمم، ومذاهب الفلاسفة، وقد كان يعدّ من علماء الكلام، على مذهب الإمام الأشعري، حسن المحاضرة، والخط، واللفظ، لطيف المحاورة، خفيف المحاضرة، طيب المعاشرة.
وضع الشهرستاني العديد من المؤلفات منها:
«طبقات الحكماء»، «الإرشاد إلى عقائد العباد»، «تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام»، «المبدأ والمعاد»، «تفسير سورة يوسف»، وقد فسرّها بأسلوبٍ فلسفي لطيف، «الأقطار في الأصول»، «المِلَل والنِحَل»، ويعدّ من أشهر الكتب التي ألفها، أشار في المقدمة إلى وقوفه على أخبار ومقالات أهل العلم من أرباب الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل، وكذلك اطلاعه على مصادرها ومواردها، واقتناص أوانسها وشواردها، وعمله بعد حصوله على ذلك الكم الكبير من المعلومات ووقوفه على تلك المعطيات التي حصلّها من مصادرها الأصلية، فقام بجمع مختصرٍ يحوي جميع ما تدّين به المتدينون، وانتحله المنتحلون، ليكون في ذلك عبرةً لمن استبصر، واستبصاراً لمن اعتبر. ويشير بعد ذلك إلى المنهج الذي سار عليه الناس في تقسيم أهل العالم، فمنهم قسمهم وفقاً للأقاليم السبعة، ومنهم من قسمهم بحسب الأقطار الأربعة: الشرق، الغرب، الجنوب، والشمال، ومنهم من قسمهم بحسب الأمم، فقال كبار الأمم الأربعة: العرب، والعجم، والروم، والهند، وآخرون قسموهم حسب الآراء والمذاهب، وهو ما سار عليه واتبعه الشهرستاني في كتابه هذا، ويميز في البداية فيما بين:
ـ أهل الديانات مطلقاً أمثال المجوس، واليهود، والنصارى، والمسلمين.
ـ وأهل الأهواء والآراء كالفلاسفة الدُهرية، وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويقولون ببقاء الدهر وأنه مولد، وكذلك يتناول الصابئة، وعبدة الكواكب، والأوثان، والبراهمة، ثم يوضح الفِرَق التي تفرقت من كلٍ منها. ويشير إلى تفرّق المجوس إلى إحدى وسبعين فرقة، واليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، والمسلمين على ثلاثٍ وسبعين فرقة، ثم يتحدث عن كلِّ فرقة من الفرق محدداً مؤسسيها وأماكن ظهورها وأفكارها، ويتحدث عن الفلاسفة وآرائهم، وغير ذلك من الأبواب المتعددة التي تطرّق إليها في هذا الكتاب. طُبع الكتاب أكثر من مرة، وكانت الطبعة الثانية في ثلاثة أجزاء، بتصحيح وتعليق أحمد فهمي محمد.
وقد تحدث في الجزء الأول من هذا السفر القيّم عن الفرق التي شهدتها الساحة الإسلامية، وأماكن ظهورها، والأفكار التي كانت تطرحها كلُّ واحدةٍ منها، مشيراً في بعض حنايا الكتاب لبعضٍ من رموز تلك الحركات والفرق، كما هو الحال في رجال الخوارج، والمرجئة، والزيدية، والشيعة، ومصنفي كتبهم، وتحدث عن أهل الفروع المختلفين في الأحكام الشرعية والمسائل الاجتهادية، والمجتهدين من الأئمة، وبين أنهم محصورون في صنفين لا ثالث لهم: أصحاب الحديث وهم أهل الحجاز من أصحاب الأئمة مالك والشافعي والثوري، وابن حنبل وداود الأصفهاني، وكان جلُّ اهتمامهم في العناية بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبراً أو أثراً. والصنف الثاني هم أهل الرأي، وهم أهل العراق، من أتباع الإمام أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف، واللؤلؤي، وابن سماعة وغيرهم كثير. تحدث في الجزء الثاني عن الخارجين عن الملة الحنيفية، وأهل الكتاب من اليهود، والنصارى، ثم تناول فرقهم وكذلك المجوس والمانوية وسائر فرقهم أيضاً، وأصحاب الروحانيات والهياكل، والحكماء وأراء كلٍ منهم. وفي الجزء الثالث تحدث عن متأخري الفلاسفة المسلمين أمثال: الكندي، حنين بن إسحاق، يحيى النحوي، أبي الفرج الطيب حكيم بغداد، وغيرهم كثير، ويذكر ابن سينا وكلامه في المنطق، وينتقل للقياس وأشكاله، ويوضح الإلهيات، وما هو موضوع العلم الإلهي، وغير ذلك من الموضوعات الفلسفية المتعددة، ويوضح أراء العرب في الجاهلية، ويشير للأوائل في أول بيت وضع للناس، من وضع الأصنام بالكعبة، مؤمنو العرب، بيوت الأصنام والنبرات، التناسخ عند العرب، أصنام العرب، عقائد العرب، علوم العرب، موحدو العرب، وغير ذلك كثيرٌ مما يزخر به هذا الكتاب القيّم من موضوعات مختلفة تطرّق إليها الكاتب.
عبد الله محمود حسين