محاكاه
Simulation - Simulation
المحاكاة
تهدف المحاكاة simulation إلى بناء نماذج أو برمجيات لتقليد نظام حقيقي قائم أو مزمع إنشاؤه وذلك بغرض دراسته. والمحاكاة هي عملية تقليد لمنظومة حقيقية أو لعملية فيزيائية أو حيوية. وتحاول المحاكاة بوساطة هذا التقليد أن تحدد الصفات المميزة لسلوك نظام افتراضي أو فيزيائي، ويمكن أن يتحقق هذا الأمر بوساطة نظام آخر يشابه الأول، وتشتمل المحاكاة على طيف واسع من الطرق والتطبيقات التي تتم عادة على الحاسوب باستخدام البرمجيات المناسبة.
أهمية المحاكاة
تستخدم المحاكاة في العديد من الدراسات العلمية والتطبيقات الصناعية بهدف فحص بعض خطط العمل في العالم الحقيقي أو اختبار أمن بعض العمليات أو تحديد مدى جدواها العلمية والاقتصادية. إذ غالباً ما يتساءل الباحثون والمهندسون وغيرهم من المهتمين عن النتيجة التي سيُحصل عليها إذا أُخضع أحد عناصر المنظومة لتغيير ما. قد تكون التجربة الطريقة البديهية، غير أنه في كثير من الحالات قد تكون التجربة غير قابلة للتحقيق، أو باهظة الثمن، فعندئذ يُلجأ إلى المحاكاة بتطبيق التغيير على منظومة تماثل المنظومة المدروسة في سلوكيتها.
كما تُستخدم المحاكاة أيضاً لأغراض التدريب؛ إذ يتدرب الطيارون الجدد مثلاً في أجهزةٍ محاكاة تجعلهم كأنهم يقودون طائرة حقيقية مع فرق بسيط؛ هو أنه في أثناء المحاكاة يسمح لهم بارتكاب الأخطاء، الشيء الذي قد يكون مميتاً إذا حدث في الواقع.
وظائف المحاكاة وعلاقتها بالنمذجة
تستخدم المحاكاة الحاسوبية نماذج رياضياتية للمنظومات القائمة أو التي هي قيد التصميم والتنفيذ، كأمثلة عن هذه المنظومات يُذكر:
1 - منشأة صناعية تضم آلات وسيور متحركة ومخازن وعمال ووسائل نقل.
2 - مصرف مع خزن الودائع وآلات توزيع النقود وأماكن خدمة الزبائن.
3 - مطار مع بوابات مغادرة وبوابات وصول وبوابات تفتيش وأمان ومهابط للطائرات وسيور نقل الحقائب ووسائل نقل للركاب والحقائب.
4 - شبكة توزيع ونقل بين منشآت صناعية ومخازن ومواصلات.
5- خدمات الإسعاف في مشفى بما فيها الأشخاص والغرف والتجهيزات ووسائل نقل المرضى.
6- شبكة حواسيب مع مخدمات وزبائن وأقراص تخزين المعلومات والطابعات.
7 - شبكة طرق مع التفرعات والمراقبة وإشارات المرور.
وتُدرس عادة المنظومة لقياس أدائها أو تحسين عملها أو لتصميمها بأفضل ما يمكن إن لم تكن قائمة، وتمر محاكاة أي منظومة فيزيائية قائمة أو قيد الدراسة والتصميم بمراحل يمكن إجمالها كالآتي:
- الفهم المعمّق للمنظومة و كل ما يتعلق بآلية عملها.
- تحديد الأهداف الواقعية المرجوة من المحاكاة، وذلك بمراقبة المنظومة ودراستها والتركيز على ما يمكن عمله والمطلوب دراسته.
- نمذجة ما يحتاج إليه من المنظومة كخطوة تمهيدية؛ وذلك بوضع فرضيات الدراسة التي تسمح بتبسيط الدراسة ما أمكن، ووضع المعادلات الرياضياتية الواصفة لسلوكها.
- ترجمة النموذج المختار باستخدام برمجيات المحاكاة، أو بكتابة المعادلات الرياضية الحاكمة للنموذج، وبرمجتها بلغة حاسوبية.
- التأكد من توافق النموذج الحاسوبي مع المنظومة الحقيقة بتجربته في حالات بسيطة يُعرف مسبقاً سلوك المنظومة فيها.
- تعديل النموذج الحاسوبي لتحسين المطابقة مع الواقع خصوصاً في مجالات الدراسة المستهدفة.
- تصميم حملات التجارب الواجب القيام بها على النموذج الحاسوبي والنتائج المنتظرة من هذه التجارب.
- إجراء المحاكاة على النموذج الحاسوبي وتحصيل النتائج.
- تحليل النتائج وإسقاطها على المنظومة الحقيقية.
- تحديد مدى صلاحية النموذج ومجال استخدام النتائج بما يتوافق مع الفرضيات الموضوعة في أثناء بناء النموذج.
- صياغة النتائج في تقرير شامل لمراحل العمل والنتائج المتحصل عليها.
أهمية المحاكاة في التطبيقات الهندسية
يعتمد عمل كثير من المنظومات على عدد كبير من المعاملات تتفاوت في مدى تأثيرها في عمل المنظومة، ويتم تحسين أداء المنظومة وتطوير آلية عملها بالتحكم بهذه المعاملات. فمردود الطائرة يعتمد على استطاعة محركاتها وعلى شكلها الخارجي وتوزع الأحمال فيها والعوامل الجوية المحيطة في أثناء الرحلة. ويعتمد تشغيل قطعة معدنية بالخراطة والتسوية على نوعية أقلام الخراطة المستخدمة ونوع التماس بين القطعة والقلم وسرعة دوران القطعة وسرعة تقدم قلم الخراطة.
لدراسة المعاملات كافة وتأثيرها لا بد من حملات تجريبية، وغالباً ما تكون هذه الحملات باهظة الثمن، ويجب أن تتكرر كلما تغيرت المنظومة. لكن بعد الحصول على النموذج الحاسوبي المناسب يمكن تطبيق كم هائل من التجارب على النموذج الحاسوبي ودراسة تأثير المعاملات المختلفة في النظام بكلفة أقل وبأسرع وقت ممكن، ومن هنا تتأتى أهمية المحاكاة.
من جهة أخرى، إن للزمن كما للحرارة تأثيراً في أداء كثير من المنظومات، ودراسة تأثير الزمن في أداء بعض القطع الميكانيكية أو الدارات الإلكترونية يتطلب تجارب طويلة، ويمكن عن طريق المحاكاة إجراء هذه الدراسات واختصار زمن الدراسة إلى حد مقبول. يُضاف إلى ذلك، كثير من التجارب والدراسات التي لايمكن تنفيذها في الواقع ولابد من اللجوء إلى المحاكاة لمعرفة نتائجها. لتصميم هيكل طائرة وتعديله اعتماداً على سلوكيته أمام الحمولات التي يطبقها الهواء في السرعات والارتفاعات العالية، تُصنع هياكل مصغرة ثابتة وتُخضع مخبرياً لجريانات هوائية مماثلة لتلك التي تخضع لها الطائرة في أثناء الخدمة. وكذا الأمر بالنسبة إلى الغواصات التي تخضع لضغوطات عالية في أعماق المحيطات.
أخيراً إضافة إلى تحسين أداء المنظومات وتطويرها تساعد المحاكاة على استخدام المنظومات المعقدة التي يصعب التعامل معها في الواقع من دون تأهيل مسبق، إذ لايمكن تصور تعليم قيادة الطائرات من دون المرور بمحاكيات الطيران التي تضع الطالب في ظرف يطابق الواقع، إلا أنه يُسمح هنا بالخطأ والإعادة.
تطبيقات المحاكاة
يمكن تصنيف الظاهرة قيد الدراسة في عدة فروع منها:
أ- الظواهر الفيزيائية (الميكانيك، البصريات، الترموديناميك، الإلكترونيات) ومن الأمثلة البسيطة على ذلك هناك حركة كتلة معلقة بنابض تحت تأثير قوة شدّ. يزداد الأمر تعقيداً عندما يُدرس توازن سيارة تبعاً لتضاريس الطريق الذي تسير عليه.
ب - المسائل الاقتصادية؛ كحساب دفعات تعويض قرض بفائدة أو حساب تغيّر المردود من ضريبة؛ تُغيّر نسبها المئوية ضمن شرائح متعددة.
ج - الظواهر الحيوية كمحاكاة انتشار الدواء في دم المريض تبعاً للوقت، أو انتشار وباء في بيئة ما تبعاً لمتغيرات كالوقت وعدد اللقاحات المستخدمة.
د - المسائل المنطقية كمحاكاة قرارات لاعب الشطرنج أو المساعدة على اتخاذ القرار في العمليات العسكرية.
بالنظر إلى التطبيقات المبينة، يطرح المختصون العديد من التساؤلات في مختلف المجالات: مثلاً يتساءل المهندس عن تأثير أنواع مختلفة من المخمدات في حركة عربة تتحرك على طريق. كما يبحث وزير المالية العلاقة بين القيمة المضافة والضريبة عندما تتغير هذه الأخيرة. ويريد الطبيب التأكد من فعالية لقاح ما للقضاء على وباء ما. كما يتساءل الضابط عن الخطط الواجب اعتمادها في حملة بالسلاح الجوي.
في كل هذه الحالات يمكن اللجوء إلى التجربة:
بإمكان المهندس أن يصنع مخمدات بمواصفات جديدة ويختبر أداءها فعلياً على عربة باستخدام المجسّات والحسّاسات القادرة على قياس القوى التي سيخضع لها هيكل العربة وركابها. كما أن بإمكان الوزير أن يرفع أو يخفض ضريبة القيمة المضافة على أحد المنتجات وأن يحصي في نهاية العام نتائج هذا التغيير. ويمكن للطبيب أن يعطي اللقاح ويقيس تأثيره بمرور الزمن. أخيراً يمكن للضابط أن يشنّ هجوماً جوياً على الأعداء وينظر في نتائجه.
ولكن التجربة تحمل في طياتها العديد من المخاطر والمساوئ:
1- يمكن أن تكون باهظة الثمن، فبناء عربات و مخمدات جديدة للتجربة مرتفع الثمن.
2 - يمكن أن تكون طويلة، فقياس تأثير اللقاح قد يستغرق سنوات.
3- يمكن أن تناقض الأعراف، إذ من غير المقبول تجربة اللقاح على الأفراد من دون وجود حد أدنى من ضمان النتائج، ومن غير الوارد تفجير قنبلة لقياس تأثيرها في الأفراد والبيئة المحيطة، كما أنه لايمكن صدم عربة بركاب حقيقيين لمعرفة أثر الصدمة فيهم.
4 - يمكن أن تكون غير مقبولة «سياسياً»، إذ لا يمكن تغيير نسبة الضريبة من دون علم مسبق بالنتائج.
5 - يمكن أن يكون تنفيذها صعباً أو مستحيلاً، كتجربة منظومات قيد التصميم (غير موجودة) أو الاختبار على شريحة واسعة من الأفراد.
6 - صعوبة قياس النتائج بدقة، وذلك فيما يتعلق بالنتائج الإحصائية التي تتطلب تكرار التجربة.
محاسن المحاكاة ومساوئها
إن كانت الحواسيب المتقدمة اليوم تسمح بمحاكاة ظواهر بالغة التعقيد فإن قدرتها تبقى محدودة وغير كافية في كثير من التطبيقات، مثل محاكاة تغيّر الأحوال الجوية والطقس لفترة تتجاوز الساعات. لا يمكن عموماً لدى اعتماد التجربة عزل المنظومة عن الوسط المحيط، كما يصعب التحكم بالشروط الابتدائية. يضاف إلى ذلك أن التجربة قد تدمّر المنظومة أو تعطبها مما يجعل إعادة التجربة في الشروط نفسها غير ممكن. في حين تسمح المحاكاة بإجراء دراسات على منظومة بعزل العوامل المؤثرة عن بعضها وتغيير هذه العوامل كل على حدة، كما تسمح بإعادة الدراسة الشروط البدائية نفسها.
تكون تكاليف المحاكاة عموماً أقل بكثير من التجربة وتسمح بتجنب المخاطر خصوصاً عندما يكون الإنسان جزءاً من المنظومة قيد الدراسة؛ كما أنه يمكن الحصول على النتائج بسرعة أكبر.
قد ترتفع تكاليف بعض عمليات المحاكاة كثيراً (وإن بقيت ضعيفة مقارنة بتكاليف التجارب العملية) وهذا يتجلى في الصناعات المعقدة ذات القيمة المضافة العالية (المجالات الطيرانية والفضائية والنووية) أو في الصناعات ذات الخطورة العالية (المجالات العسكرية).
تكون المحاكاة وخصوصاً العددية مبنية على معرفة للظواهر لايمكن تحصيلها إلا من التجربة. أي إن المحاكاة لا يمكن أن تتحقق إلا بقاعدة معرفية كافية تتأتى من التجربة. ومهما بلغت دقة المحاكاة ووثوقيتها فإن التجربة تبقى المرجع ولا يمكن إلغاء دورها في تقويم نتائج المحاكاة.
معاذ الحمصي
Simulation - Simulation
المحاكاة
تهدف المحاكاة simulation إلى بناء نماذج أو برمجيات لتقليد نظام حقيقي قائم أو مزمع إنشاؤه وذلك بغرض دراسته. والمحاكاة هي عملية تقليد لمنظومة حقيقية أو لعملية فيزيائية أو حيوية. وتحاول المحاكاة بوساطة هذا التقليد أن تحدد الصفات المميزة لسلوك نظام افتراضي أو فيزيائي، ويمكن أن يتحقق هذا الأمر بوساطة نظام آخر يشابه الأول، وتشتمل المحاكاة على طيف واسع من الطرق والتطبيقات التي تتم عادة على الحاسوب باستخدام البرمجيات المناسبة.
أهمية المحاكاة
تستخدم المحاكاة في العديد من الدراسات العلمية والتطبيقات الصناعية بهدف فحص بعض خطط العمل في العالم الحقيقي أو اختبار أمن بعض العمليات أو تحديد مدى جدواها العلمية والاقتصادية. إذ غالباً ما يتساءل الباحثون والمهندسون وغيرهم من المهتمين عن النتيجة التي سيُحصل عليها إذا أُخضع أحد عناصر المنظومة لتغيير ما. قد تكون التجربة الطريقة البديهية، غير أنه في كثير من الحالات قد تكون التجربة غير قابلة للتحقيق، أو باهظة الثمن، فعندئذ يُلجأ إلى المحاكاة بتطبيق التغيير على منظومة تماثل المنظومة المدروسة في سلوكيتها.
كما تُستخدم المحاكاة أيضاً لأغراض التدريب؛ إذ يتدرب الطيارون الجدد مثلاً في أجهزةٍ محاكاة تجعلهم كأنهم يقودون طائرة حقيقية مع فرق بسيط؛ هو أنه في أثناء المحاكاة يسمح لهم بارتكاب الأخطاء، الشيء الذي قد يكون مميتاً إذا حدث في الواقع.
وظائف المحاكاة وعلاقتها بالنمذجة
تستخدم المحاكاة الحاسوبية نماذج رياضياتية للمنظومات القائمة أو التي هي قيد التصميم والتنفيذ، كأمثلة عن هذه المنظومات يُذكر:
1 - منشأة صناعية تضم آلات وسيور متحركة ومخازن وعمال ووسائل نقل.
2 - مصرف مع خزن الودائع وآلات توزيع النقود وأماكن خدمة الزبائن.
3 - مطار مع بوابات مغادرة وبوابات وصول وبوابات تفتيش وأمان ومهابط للطائرات وسيور نقل الحقائب ووسائل نقل للركاب والحقائب.
4 - شبكة توزيع ونقل بين منشآت صناعية ومخازن ومواصلات.
5- خدمات الإسعاف في مشفى بما فيها الأشخاص والغرف والتجهيزات ووسائل نقل المرضى.
6- شبكة حواسيب مع مخدمات وزبائن وأقراص تخزين المعلومات والطابعات.
7 - شبكة طرق مع التفرعات والمراقبة وإشارات المرور.
وتُدرس عادة المنظومة لقياس أدائها أو تحسين عملها أو لتصميمها بأفضل ما يمكن إن لم تكن قائمة، وتمر محاكاة أي منظومة فيزيائية قائمة أو قيد الدراسة والتصميم بمراحل يمكن إجمالها كالآتي:
- الفهم المعمّق للمنظومة و كل ما يتعلق بآلية عملها.
- تحديد الأهداف الواقعية المرجوة من المحاكاة، وذلك بمراقبة المنظومة ودراستها والتركيز على ما يمكن عمله والمطلوب دراسته.
- نمذجة ما يحتاج إليه من المنظومة كخطوة تمهيدية؛ وذلك بوضع فرضيات الدراسة التي تسمح بتبسيط الدراسة ما أمكن، ووضع المعادلات الرياضياتية الواصفة لسلوكها.
- ترجمة النموذج المختار باستخدام برمجيات المحاكاة، أو بكتابة المعادلات الرياضية الحاكمة للنموذج، وبرمجتها بلغة حاسوبية.
- التأكد من توافق النموذج الحاسوبي مع المنظومة الحقيقة بتجربته في حالات بسيطة يُعرف مسبقاً سلوك المنظومة فيها.
- تعديل النموذج الحاسوبي لتحسين المطابقة مع الواقع خصوصاً في مجالات الدراسة المستهدفة.
- تصميم حملات التجارب الواجب القيام بها على النموذج الحاسوبي والنتائج المنتظرة من هذه التجارب.
- إجراء المحاكاة على النموذج الحاسوبي وتحصيل النتائج.
- تحليل النتائج وإسقاطها على المنظومة الحقيقية.
- تحديد مدى صلاحية النموذج ومجال استخدام النتائج بما يتوافق مع الفرضيات الموضوعة في أثناء بناء النموذج.
- صياغة النتائج في تقرير شامل لمراحل العمل والنتائج المتحصل عليها.
أهمية المحاكاة في التطبيقات الهندسية
يعتمد عمل كثير من المنظومات على عدد كبير من المعاملات تتفاوت في مدى تأثيرها في عمل المنظومة، ويتم تحسين أداء المنظومة وتطوير آلية عملها بالتحكم بهذه المعاملات. فمردود الطائرة يعتمد على استطاعة محركاتها وعلى شكلها الخارجي وتوزع الأحمال فيها والعوامل الجوية المحيطة في أثناء الرحلة. ويعتمد تشغيل قطعة معدنية بالخراطة والتسوية على نوعية أقلام الخراطة المستخدمة ونوع التماس بين القطعة والقلم وسرعة دوران القطعة وسرعة تقدم قلم الخراطة.
لدراسة المعاملات كافة وتأثيرها لا بد من حملات تجريبية، وغالباً ما تكون هذه الحملات باهظة الثمن، ويجب أن تتكرر كلما تغيرت المنظومة. لكن بعد الحصول على النموذج الحاسوبي المناسب يمكن تطبيق كم هائل من التجارب على النموذج الحاسوبي ودراسة تأثير المعاملات المختلفة في النظام بكلفة أقل وبأسرع وقت ممكن، ومن هنا تتأتى أهمية المحاكاة.
من جهة أخرى، إن للزمن كما للحرارة تأثيراً في أداء كثير من المنظومات، ودراسة تأثير الزمن في أداء بعض القطع الميكانيكية أو الدارات الإلكترونية يتطلب تجارب طويلة، ويمكن عن طريق المحاكاة إجراء هذه الدراسات واختصار زمن الدراسة إلى حد مقبول. يُضاف إلى ذلك، كثير من التجارب والدراسات التي لايمكن تنفيذها في الواقع ولابد من اللجوء إلى المحاكاة لمعرفة نتائجها. لتصميم هيكل طائرة وتعديله اعتماداً على سلوكيته أمام الحمولات التي يطبقها الهواء في السرعات والارتفاعات العالية، تُصنع هياكل مصغرة ثابتة وتُخضع مخبرياً لجريانات هوائية مماثلة لتلك التي تخضع لها الطائرة في أثناء الخدمة. وكذا الأمر بالنسبة إلى الغواصات التي تخضع لضغوطات عالية في أعماق المحيطات.
أخيراً إضافة إلى تحسين أداء المنظومات وتطويرها تساعد المحاكاة على استخدام المنظومات المعقدة التي يصعب التعامل معها في الواقع من دون تأهيل مسبق، إذ لايمكن تصور تعليم قيادة الطائرات من دون المرور بمحاكيات الطيران التي تضع الطالب في ظرف يطابق الواقع، إلا أنه يُسمح هنا بالخطأ والإعادة.
تطبيقات المحاكاة
يمكن تصنيف الظاهرة قيد الدراسة في عدة فروع منها:
أ- الظواهر الفيزيائية (الميكانيك، البصريات، الترموديناميك، الإلكترونيات) ومن الأمثلة البسيطة على ذلك هناك حركة كتلة معلقة بنابض تحت تأثير قوة شدّ. يزداد الأمر تعقيداً عندما يُدرس توازن سيارة تبعاً لتضاريس الطريق الذي تسير عليه.
ب - المسائل الاقتصادية؛ كحساب دفعات تعويض قرض بفائدة أو حساب تغيّر المردود من ضريبة؛ تُغيّر نسبها المئوية ضمن شرائح متعددة.
ج - الظواهر الحيوية كمحاكاة انتشار الدواء في دم المريض تبعاً للوقت، أو انتشار وباء في بيئة ما تبعاً لمتغيرات كالوقت وعدد اللقاحات المستخدمة.
د - المسائل المنطقية كمحاكاة قرارات لاعب الشطرنج أو المساعدة على اتخاذ القرار في العمليات العسكرية.
بالنظر إلى التطبيقات المبينة، يطرح المختصون العديد من التساؤلات في مختلف المجالات: مثلاً يتساءل المهندس عن تأثير أنواع مختلفة من المخمدات في حركة عربة تتحرك على طريق. كما يبحث وزير المالية العلاقة بين القيمة المضافة والضريبة عندما تتغير هذه الأخيرة. ويريد الطبيب التأكد من فعالية لقاح ما للقضاء على وباء ما. كما يتساءل الضابط عن الخطط الواجب اعتمادها في حملة بالسلاح الجوي.
في كل هذه الحالات يمكن اللجوء إلى التجربة:
بإمكان المهندس أن يصنع مخمدات بمواصفات جديدة ويختبر أداءها فعلياً على عربة باستخدام المجسّات والحسّاسات القادرة على قياس القوى التي سيخضع لها هيكل العربة وركابها. كما أن بإمكان الوزير أن يرفع أو يخفض ضريبة القيمة المضافة على أحد المنتجات وأن يحصي في نهاية العام نتائج هذا التغيير. ويمكن للطبيب أن يعطي اللقاح ويقيس تأثيره بمرور الزمن. أخيراً يمكن للضابط أن يشنّ هجوماً جوياً على الأعداء وينظر في نتائجه.
ولكن التجربة تحمل في طياتها العديد من المخاطر والمساوئ:
1- يمكن أن تكون باهظة الثمن، فبناء عربات و مخمدات جديدة للتجربة مرتفع الثمن.
2 - يمكن أن تكون طويلة، فقياس تأثير اللقاح قد يستغرق سنوات.
3- يمكن أن تناقض الأعراف، إذ من غير المقبول تجربة اللقاح على الأفراد من دون وجود حد أدنى من ضمان النتائج، ومن غير الوارد تفجير قنبلة لقياس تأثيرها في الأفراد والبيئة المحيطة، كما أنه لايمكن صدم عربة بركاب حقيقيين لمعرفة أثر الصدمة فيهم.
4 - يمكن أن تكون غير مقبولة «سياسياً»، إذ لا يمكن تغيير نسبة الضريبة من دون علم مسبق بالنتائج.
5 - يمكن أن يكون تنفيذها صعباً أو مستحيلاً، كتجربة منظومات قيد التصميم (غير موجودة) أو الاختبار على شريحة واسعة من الأفراد.
6 - صعوبة قياس النتائج بدقة، وذلك فيما يتعلق بالنتائج الإحصائية التي تتطلب تكرار التجربة.
محاسن المحاكاة ومساوئها
إن كانت الحواسيب المتقدمة اليوم تسمح بمحاكاة ظواهر بالغة التعقيد فإن قدرتها تبقى محدودة وغير كافية في كثير من التطبيقات، مثل محاكاة تغيّر الأحوال الجوية والطقس لفترة تتجاوز الساعات. لا يمكن عموماً لدى اعتماد التجربة عزل المنظومة عن الوسط المحيط، كما يصعب التحكم بالشروط الابتدائية. يضاف إلى ذلك أن التجربة قد تدمّر المنظومة أو تعطبها مما يجعل إعادة التجربة في الشروط نفسها غير ممكن. في حين تسمح المحاكاة بإجراء دراسات على منظومة بعزل العوامل المؤثرة عن بعضها وتغيير هذه العوامل كل على حدة، كما تسمح بإعادة الدراسة الشروط البدائية نفسها.
تكون تكاليف المحاكاة عموماً أقل بكثير من التجربة وتسمح بتجنب المخاطر خصوصاً عندما يكون الإنسان جزءاً من المنظومة قيد الدراسة؛ كما أنه يمكن الحصول على النتائج بسرعة أكبر.
قد ترتفع تكاليف بعض عمليات المحاكاة كثيراً (وإن بقيت ضعيفة مقارنة بتكاليف التجارب العملية) وهذا يتجلى في الصناعات المعقدة ذات القيمة المضافة العالية (المجالات الطيرانية والفضائية والنووية) أو في الصناعات ذات الخطورة العالية (المجالات العسكرية).
تكون المحاكاة وخصوصاً العددية مبنية على معرفة للظواهر لايمكن تحصيلها إلا من التجربة. أي إن المحاكاة لا يمكن أن تتحقق إلا بقاعدة معرفية كافية تتأتى من التجربة. ومهما بلغت دقة المحاكاة ووثوقيتها فإن التجربة تبقى المرجع ولا يمكن إلغاء دورها في تقويم نتائج المحاكاة.
معاذ الحمصي