شلر (ماكس ـ)
(1874 ـ 1928)
ماكس شلر Max Scheler فيلسوف ألماني، ولد في ميونيخ من أب بروتستنتي وأم يهودية، وانعكس الصراع بين الديانتين في كل ما كتب، درس في جامعات «إينا» و«موينخ» و«كولونيا»، ثم دعي للتدريس في جامعة فرانكفورت، لكن الموت عاجله قبل الشروع في إلقاء محاضراته .
يعد شلر أول الفلاسفة الفينومينولوجيين بعد هوسرل[ر] Husserl، وقد طوّر مذهب هوسرل وعدّل فيه. ويقسم المؤرخون تطوره الروحي إلى مراحل ثلاث: في المرحلة الأولى: وقع تحت تأثير أستاذه الألماني رودلف أويكن Eucken وكان ليبرالياً مثالياً، والتقى العديد من تلاميذ هوسرل فمال إلى الحركة الظاهراتية[ر]، وبدأت المرحلة الثانية في برلين 1910، وهي مرحلة النضج، حيث ظهرت فيها أغلب مؤلفاته: «النزعة الصورية في الأخلاق ونظرية الأخلاق المادية في القيم» (1913ـ1916)، «الغل وأحكام القيمة الخلقية» 1912، «مساهمات في فينومينولوجية ونظرية التعاطف والحب والبغض» 1913، «عبقرية الحرب والحرب الألمانية» 1925، «العنصر الأزلي في الإنسان» 1921، «أشكال المعرفة والمجتمع» 1926، وتأثر في هذه المرحلة بأوغسطين، وتبنى فلسفات نيتشه[ر] وديلتاي[ر] وبرغسون[ر]، حتى لقبه ترولِتشTroeltsch بـ: «نيتشه الكاثوليكي»، وربما كان التأثير الأعظم في هذه المرحلة لـ هوسرل. واتسم مذهبه بالشخصانية[ر] وقال بالألوهية، واعتنق المسيحية اعتناقاً صحيحاً. وفي المرحلة الثالثة: تحول عن عقيدته الكاثوليكية، وارتد عن الإيمان بالله، وراح يقدم فلسفة إنسانية تقرب من المذهب الحيوي ومذهب وحدة الوجود، واتجه إلى العلوم الطبيعية، وكانـت محصلة ذلك كتابـين: «مركز الإنسـان في الكون» (1928)، و«الإنسـان في عصر التساوي» (1929).
للمعرفة في رأي شلر ثلاثة أنواع: النوع الأول: «المعرفة الاستقرائية»، وموضوعها الواقع الخارجي، النوع الثاني: هو معرفة «البنية الماهوية» لكل ما هو موجود، أي معرفة «ما» الأشياء. وموضوع هذا النوع هو «القبلي» فهي معرفة قبلية، تردّ الأشياء إلى ماهياتها، النوع الثالث: «المعرفة الميتافيزيقية»، وعمادها الخلاص والنجاة، وينتج من الربط بين نتائج العلوم الوضعية والفلسفة التي تدرس الماهيات، وموضوعها أولاً: المشكلات التي لا يستطيع العلم تناولها مثل «ما الحياة؟»، وثانياً: ميتافيزيقيا المطلق. ومنبع هذه الميتافيزيقيا هو «الأنثروبولوجيا الفلسفية» التي تتناول سؤال: مَنْ الإنسان؟ ويرى شلر أن الميتافيزيقا الحديثة ينبغي أن تكون دراسة فلسفية لأسس الأنثروبولوجيا، أو كما يقول «ميتا ـ أنثروبولوجيا meta-anthroplogy.
وتحتل القيم مركزاً أساسياً في فلسفة شلر الأخلاقية، فهو يطبق المنهج الفينومينولوجي (الظاهري) على الأخلاق والقيم، والقيم هي الموضوعات القصدية للحساسية، وهي العنصر القَبْلي في الجانب الانفعالي من الإنسان. وتدرك القيمة بحدس قبلي، وهو حَدْس انفعالي يسبق كل تجربة. والقيم ماهيات لا عقلية، وهي مطلقة وليست نسبية، ثابتة لا تتغير، وإن النسبي ليس هو القيمة، وعلى هذا هاجم شلر النزعة النسبية في الأخلاق.
وقد ميّز شلر أربعة مستويات للقيم هي:
ـ المستوى الأول: هو مستوى قيم الملائم والمنافي، وهي قيم الطبيعة الحسية، الممتع وغير الممتع.
ـ القيم الحيوية: لا تقتصر على الصحة والمرض، الراحة أو التعب أو الموت، بل تعرف بتعارض النبالة والحقارة، وتشمل المتميز والمبتذل.
ـ القيم الروحية: وهي القيم الجمالية، والحقوقية والعقلية، والمعرفة الخاصة.
ـ القيم الدينية: وقوامها المقدس، وهي تتصل بموضوع الله والأشخاص.
وتخرج الحقيقة عن نطاق القيم، كما أن هذا التصنيف لا يحتوي على القيم الأخلاقية، لأنها تقوم في تحقق قيم أخرى تتراوح بين العليا والدنيا.
وتحتل مشكلة الشخص مركز فلسفة شلر، فهو يقرر أن الشخص ليس هو النفس، ولا هو حتى «الأنا» وليس كل البشر أشخاصاً بالمعنى الكامل للكلمة، وليس الشخص جوهراً ولا موضوعاً، بل هو «وحدة الوجود المتعينة المكونة من أفعال».
ولا يوجد الشخص إلا حيث يقوم بأفعال. إن الشخص متواجد بكلهِ في كل فعل من أفعاله، ويأخذ أشكالاً متنوعة تبعاً لتنوع الأفعال، دون أن يسيطر أي فعل عليه. والشخص كيان روحي في جوهره. ويرى شلر أن ما يميز العقل الإنساني هو نشاط الأفكار التصورية، وبمعنى آخر: قدرته على استخلاص الماهية من الوجود. والشخص فردي تماماً، له استقلاله الذاتي، يتعارض مع العام، لكن ليس ضد الجماعة، فلا يمكن الحديث عن شخص عام.
وينقسم الأشخاص إلى شخص منعزل وشخص جماعي، وقد يحقق الاندماج في مجتمعه. ويميز نماذج أربعة من الوحدات الاجتماعية: 1ـ عن طريق العدوى والتقليد (الحشد أوالجمهور) 2ـ عن طريق «العيش مع» أو «العيش تبعاً لـ..» وهذا ما ينتج تفاهماً بين أعضاء الوحدة (هو الجماعة) 3ـ عن طريق وحدة مصنوعة، وتقوم العلاقات بوساطة أفعال إرادية مقصودة (المجتمع) 4ـ وحدة الأشخاص المنعزلين في هيئة شخص جمعي مستقل روحي فردي، وهذه تقوم على وحدة ماهوية تلتف حول قيمة محددة. ويرى شلر أنه لا يوجد في الواقع إلا نوعان من الأشخاص الجمعيين الخالصين هما: الكنيسة والأمة.
ويصنف نظريات الإنسان إلى خمس نظريات، أو خمس أنثروبولوجيات فلسفية، كما يدعوها شلر، الأولى: تقوم على الإيمان الديني، وتتمثل في الديانات الكبرى. الثانية: الإنسان كونه إنساناً عاقلاً Homo Sapiensوبرزت مع الحضارة الإغريقية. الثالثة: وهي النظرية الطبيعية الوضعية البراغماتية التي تعدّ الإنسان إنساناً صانعاً (Homo Faber)، وينظر إليه على أنه امتداد للطبيعة، وهو قادر على استخدام الرموز والأدوات. والرابعة: سلبية، تأثرت بتشاؤم شوبنهور[ر]، وتعد الإنسان مخلوقاً في طريقه للزوال، قد هجر الحياة، ونسي رسالته في الكون، ويعيش مريضاً بتضخيم الذات وجنون العظمة، وقد نما ذكاؤه بسبب ضعفه البدني وضموره الفيزيولوجي. والنظرية الخامسة هي فكرة السوبرمان Superman أو الإنسان الأعلى التي روّج لها نيتشه Neitzscheوهارتمان Hartman.
أحمد أبو زايد
(1874 ـ 1928)
ماكس شلر Max Scheler فيلسوف ألماني، ولد في ميونيخ من أب بروتستنتي وأم يهودية، وانعكس الصراع بين الديانتين في كل ما كتب، درس في جامعات «إينا» و«موينخ» و«كولونيا»، ثم دعي للتدريس في جامعة فرانكفورت، لكن الموت عاجله قبل الشروع في إلقاء محاضراته .
يعد شلر أول الفلاسفة الفينومينولوجيين بعد هوسرل[ر] Husserl، وقد طوّر مذهب هوسرل وعدّل فيه. ويقسم المؤرخون تطوره الروحي إلى مراحل ثلاث: في المرحلة الأولى: وقع تحت تأثير أستاذه الألماني رودلف أويكن Eucken وكان ليبرالياً مثالياً، والتقى العديد من تلاميذ هوسرل فمال إلى الحركة الظاهراتية[ر]، وبدأت المرحلة الثانية في برلين 1910، وهي مرحلة النضج، حيث ظهرت فيها أغلب مؤلفاته: «النزعة الصورية في الأخلاق ونظرية الأخلاق المادية في القيم» (1913ـ1916)، «الغل وأحكام القيمة الخلقية» 1912، «مساهمات في فينومينولوجية ونظرية التعاطف والحب والبغض» 1913، «عبقرية الحرب والحرب الألمانية» 1925، «العنصر الأزلي في الإنسان» 1921، «أشكال المعرفة والمجتمع» 1926، وتأثر في هذه المرحلة بأوغسطين، وتبنى فلسفات نيتشه[ر] وديلتاي[ر] وبرغسون[ر]، حتى لقبه ترولِتشTroeltsch بـ: «نيتشه الكاثوليكي»، وربما كان التأثير الأعظم في هذه المرحلة لـ هوسرل. واتسم مذهبه بالشخصانية[ر] وقال بالألوهية، واعتنق المسيحية اعتناقاً صحيحاً. وفي المرحلة الثالثة: تحول عن عقيدته الكاثوليكية، وارتد عن الإيمان بالله، وراح يقدم فلسفة إنسانية تقرب من المذهب الحيوي ومذهب وحدة الوجود، واتجه إلى العلوم الطبيعية، وكانـت محصلة ذلك كتابـين: «مركز الإنسـان في الكون» (1928)، و«الإنسـان في عصر التساوي» (1929).
للمعرفة في رأي شلر ثلاثة أنواع: النوع الأول: «المعرفة الاستقرائية»، وموضوعها الواقع الخارجي، النوع الثاني: هو معرفة «البنية الماهوية» لكل ما هو موجود، أي معرفة «ما» الأشياء. وموضوع هذا النوع هو «القبلي» فهي معرفة قبلية، تردّ الأشياء إلى ماهياتها، النوع الثالث: «المعرفة الميتافيزيقية»، وعمادها الخلاص والنجاة، وينتج من الربط بين نتائج العلوم الوضعية والفلسفة التي تدرس الماهيات، وموضوعها أولاً: المشكلات التي لا يستطيع العلم تناولها مثل «ما الحياة؟»، وثانياً: ميتافيزيقيا المطلق. ومنبع هذه الميتافيزيقيا هو «الأنثروبولوجيا الفلسفية» التي تتناول سؤال: مَنْ الإنسان؟ ويرى شلر أن الميتافيزيقا الحديثة ينبغي أن تكون دراسة فلسفية لأسس الأنثروبولوجيا، أو كما يقول «ميتا ـ أنثروبولوجيا meta-anthroplogy.
وتحتل القيم مركزاً أساسياً في فلسفة شلر الأخلاقية، فهو يطبق المنهج الفينومينولوجي (الظاهري) على الأخلاق والقيم، والقيم هي الموضوعات القصدية للحساسية، وهي العنصر القَبْلي في الجانب الانفعالي من الإنسان. وتدرك القيمة بحدس قبلي، وهو حَدْس انفعالي يسبق كل تجربة. والقيم ماهيات لا عقلية، وهي مطلقة وليست نسبية، ثابتة لا تتغير، وإن النسبي ليس هو القيمة، وعلى هذا هاجم شلر النزعة النسبية في الأخلاق.
وقد ميّز شلر أربعة مستويات للقيم هي:
ـ المستوى الأول: هو مستوى قيم الملائم والمنافي، وهي قيم الطبيعة الحسية، الممتع وغير الممتع.
ـ القيم الحيوية: لا تقتصر على الصحة والمرض، الراحة أو التعب أو الموت، بل تعرف بتعارض النبالة والحقارة، وتشمل المتميز والمبتذل.
ـ القيم الروحية: وهي القيم الجمالية، والحقوقية والعقلية، والمعرفة الخاصة.
ـ القيم الدينية: وقوامها المقدس، وهي تتصل بموضوع الله والأشخاص.
وتخرج الحقيقة عن نطاق القيم، كما أن هذا التصنيف لا يحتوي على القيم الأخلاقية، لأنها تقوم في تحقق قيم أخرى تتراوح بين العليا والدنيا.
وتحتل مشكلة الشخص مركز فلسفة شلر، فهو يقرر أن الشخص ليس هو النفس، ولا هو حتى «الأنا» وليس كل البشر أشخاصاً بالمعنى الكامل للكلمة، وليس الشخص جوهراً ولا موضوعاً، بل هو «وحدة الوجود المتعينة المكونة من أفعال».
ولا يوجد الشخص إلا حيث يقوم بأفعال. إن الشخص متواجد بكلهِ في كل فعل من أفعاله، ويأخذ أشكالاً متنوعة تبعاً لتنوع الأفعال، دون أن يسيطر أي فعل عليه. والشخص كيان روحي في جوهره. ويرى شلر أن ما يميز العقل الإنساني هو نشاط الأفكار التصورية، وبمعنى آخر: قدرته على استخلاص الماهية من الوجود. والشخص فردي تماماً، له استقلاله الذاتي، يتعارض مع العام، لكن ليس ضد الجماعة، فلا يمكن الحديث عن شخص عام.
وينقسم الأشخاص إلى شخص منعزل وشخص جماعي، وقد يحقق الاندماج في مجتمعه. ويميز نماذج أربعة من الوحدات الاجتماعية: 1ـ عن طريق العدوى والتقليد (الحشد أوالجمهور) 2ـ عن طريق «العيش مع» أو «العيش تبعاً لـ..» وهذا ما ينتج تفاهماً بين أعضاء الوحدة (هو الجماعة) 3ـ عن طريق وحدة مصنوعة، وتقوم العلاقات بوساطة أفعال إرادية مقصودة (المجتمع) 4ـ وحدة الأشخاص المنعزلين في هيئة شخص جمعي مستقل روحي فردي، وهذه تقوم على وحدة ماهوية تلتف حول قيمة محددة. ويرى شلر أنه لا يوجد في الواقع إلا نوعان من الأشخاص الجمعيين الخالصين هما: الكنيسة والأمة.
ويصنف نظريات الإنسان إلى خمس نظريات، أو خمس أنثروبولوجيات فلسفية، كما يدعوها شلر، الأولى: تقوم على الإيمان الديني، وتتمثل في الديانات الكبرى. الثانية: الإنسان كونه إنساناً عاقلاً Homo Sapiensوبرزت مع الحضارة الإغريقية. الثالثة: وهي النظرية الطبيعية الوضعية البراغماتية التي تعدّ الإنسان إنساناً صانعاً (Homo Faber)، وينظر إليه على أنه امتداد للطبيعة، وهو قادر على استخدام الرموز والأدوات. والرابعة: سلبية، تأثرت بتشاؤم شوبنهور[ر]، وتعد الإنسان مخلوقاً في طريقه للزوال، قد هجر الحياة، ونسي رسالته في الكون، ويعيش مريضاً بتضخيم الذات وجنون العظمة، وقد نما ذكاؤه بسبب ضعفه البدني وضموره الفيزيولوجي. والنظرية الخامسة هي فكرة السوبرمان Superman أو الإنسان الأعلى التي روّج لها نيتشه Neitzscheوهارتمان Hartman.
أحمد أبو زايد