لمحَة تاريخيّة عَن الهضبَةِ السُّوريّةِ ( الجولان ) :
منطقة الجولان من الناحية الطبيعية امتداد لسفوح جبل الشيخ ( حرمون في النصوص القديمة ) الذي هو جزء من كتلة جبال لبنان ( الجبل الابيض ) المذكورة في النصوص الكنعانية والأكادية . ولقد كان لجبال لبنان دور هام في التاريخ القديم ، أي منذ الألف الثالث ق.م ، لثروتها الحراجية الثمينة ، مطمح ملوك العراق وفراعنو مصر آنذاك . ويفصل سهل البقـاع ، المشهور بخصبه منذ القديم . بين سلسلتي جبال لبنان ، الشرقية والغربية ، تحميه من الجنوب مرتفعات جبل حرمون الذي تنبثق من أعماقه مياه نهر الاردن الغزيرة ، لتنحدر جنوبا في الانهدام ، ثم لتتجمـع بعدئذ في بحيرة طبريـة .
وتقع منطقة الجولان هـذه في القسم الشمالي مـن مجرى الاردن بـين سفوح جبل الشيخ وبين نهر اليرموك « هيروماكس Hieromax ) في المصادر اللاتينية ( بلينوس ـ القرن الأول ـ التاريخ الطبيعي ) . وقد اشتهرت المنطقة بغنى أرضها ومراعيها التي كانت ترتادها مواشي بلاد باشان العمورية ( في الألف الثاني ق.م ) •
وتشرف منطقة الجولان على بحيرة طبرية وتسيطر على مناطق الحولة ولذلك قامت منذ القديم في تلك المنطقة مواقع ومدن حصينة كبانياس وفيق.
أما بانياس ، فيقوم إلى جوارها تل القـاضي – دان وهـي « لایش » الكنعانية . والارجـح أن بانياس التـي أضحت عاصمة لمملكة آرامية « بيت رحوب » وقد ارتبطت المنطقة بالكنعانيين وبالاموريين ثم بالآراميين . وفي دان آثار معبـد للاله « هـدد » الآرامي . وذكرت فيـق في كتب التاريـخ والعهد القديم وسجل الجغرافيون الاغريق والعرب أهميتها الاستراتيجية ( 1 )
الجولان في الألف الثاني ق.م
استوطنت موجـات العرب البـداة ، الذين انطلقوا من أطراف الجزيرة العربية ، مناطق الهلال الخصيب في بلاد ما بين النهرين وسورية . ولم ينقطع وجود البدو من أصل عربي في بادية بلاد الشام منذ فجر التاريخ . أما الموجات التي استقرت في سورية وفلسطين منذ الألف الثالث ، فهي موجات الاموريين في الداخل والكنعانيين على الساحل . وتؤكد المصادر المصرية الفرعونيـة انتشار الأموريين وتوزعهم في سورية وفلسطين ، كما تذكر المصادر التوراتية أن بالاق ملك مؤاب العموري أرسل بطلب النجدة من بلعام ملـك الاموربين علـى نهر الفرات ( سفر العدد الاصحاح ، ۲۲ : ١٥ ) ، مما يؤكد وجـود بعض صلات النسب والقرابة بين هذه القبائل والجماعات التي سكنت المنطقة . ومما يـدل على استيطان هذه العناصر الأمورية العربية الاصل منطقة حرمون ، ان الجبل كان مقدسا في عهـود الاموريين ( الألف الثـانـي ق.م ) والامـوريين ( الالف الاول ق.م ) . وقد ذكر ذلك القديس جيروم ( القرن الخامس م ) ، والعـالـم الفرنسي كليرسون كانو ( في بداية هذا القرن )
أما وجود الاموريين السياسي فقد شمل منطقة شرقي نهر الاردن كلها، قبل أي وجود سياسي آخر، وقبل وجود المؤابين والادوميين.
من نهاية الألف الثاني ق.م الـى القـرن الاول م :
منذ نهاية الألف الثاني قبل الميلاد كـان الآراميون يوطدون اقدامهم في بلاد سورية الوسطى والشمالية وفي بلاد الرافدين ، أما في منطقة الجولان ، فقد دلت الابحاث الحديثة على وجود ممالك آراميـة استقرت بـلا صعوبة فـوق الكيانات الكنعانية والامورية السابقة التي كانت في حالة مؤلمة من الضعف والانقسام . ومهما يكن ، فمما لا شك فيه أن الآراميين قد استقروا منـذ القرن الحادي عشر ق.م ، في وادي العاصي الاعلـى وفي وادي الليطاني وفي سورية الجنوبية كلهـا ، بالاضافة الى انتشارهم في وقت مبكر في كل انحاء الهـلال الخصيب .وكانت منطقـة الجولان مـن المناطق التي سيطر عليها الآراميون في مطلع الالف الاول ق.م وكان فيها ممالك آرامية : مملكـة « آرام صوبة » في البقاع
تعليق